رمزية النضال في فيلم «جدار في القلب»: «إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون»

حجم الخط
0

يسلط فيلم «جدار في القلب» الضوء على المعاناة الإنسانية لعائلة فلسطينية منزلها مهدد بالهدم، جراء قيام الكيان الصهيوني ببناء جدار الفصل العنصري، ويصور الفيلم ثمانية وأربعين ساعة من حياة عائلتين، واحدة فلسطينية تعيش على أطراف مخيم بلاطة قرب مدينة نابلس، والثانية عائلة مهندس صهيوني منخرط في إنجاز عمليات بناء الجدار الفاصل بالقرب من المخيم نفسه، لكن سكان المخيم يحاولون التصدي لآليات الاحتلال الصهيوني التي تدمر منازلهم، واقتلعت أشجار الزيتون، كما يستعرض الفيلم قضية هجرة اليهود لفلسطين، وقضية الأسرى في السجون الصهيونية، ودور الإعلام، ولاسيما المرئي منه، وكذلك إظهار ثقافة المرأة الفلسطينية وصبرها، وقد جسدتها كل من أم فارس وليلى في أرقى صورها .
تم إنتاج الفيلم من قبل مؤسسة فارس الغد للإنتاج الإعلامي سنة 2009، وللمؤسسة مجلة تحمل اسم «فارس الغد» تصدر كل شهر، وهي موجهة للناشئة من عمر ست سنوات إلى عمر أربع عشرة سنة، صدر العدد الأول للمجلة سنة 2006 ورئيس إدارتها إبراهيم كايد، وهو أحد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويعد هذا الفيلم أول فيلم للمؤسسة ثلاثي الأبعاد، واستغرق تنفيذ الفيلم سنتين ونصف السنة من إخراج رضوان قاسمية .

تدور أحداث الفيلم حول القضية الفلسطينية التي بدأت منذ احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين سنة 1948 وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، لكن أحداث الفيلم تركز على الفترة الزمنية التي بدأ فيها بناء جدار العار العنصري الذي يفصل بين الأراضي الفلسطينية والمستوطنات الصهيونية، الأراضي التي هي في الأصل ملك للفلسطينيين، لكن نهبت منهم، ويعتبر هذا الجدار من القضايا المعقدة في تاريخ الشعب الفلسطيني، وهو الجدار الذي تم بناء أكثر من نصفه على الأراضي الفلسطينية المحتلة في 5 حزيران/يونيو 1967 ففكرة الجدار لم تكن حديثة، ولم تأت لمنع دخول الفدائيين إلى أراضي 1948 للقيام بعمليات تفجيرية، إنما لأهداف أخرى أكبر وأوسع من ذلك أهمها، خلق ظروف قاسية تجبر الفلسطينيين على الرحيل وترك أراضيهم، فالجدران العالية العازلة فكرة توراتية، فالتوراة مليئة بالحديث عن أسوار أورشليم وأريحا، كما أن الانغلاق اليهودي معروف على امتداد التاريخ، ويلاحظ الباحثون أنه عبر تاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين، الذي بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لم يحدث أن أقيمت مستوطنة إلا وكانت ملفوفة ومحاطة بالجدران والأسلاك الشائكة، وترجع جذور فكرة الجدار العازل إلى عام 1937 حيث اعتبر في ذلك الحين واحدا من إجراءات المواجهة ضد الثورة العربية الكبرى، التي اشتعلت احتجاجا على التغلغل الصهيوني والتواطؤ البريطاني في ذلك، طلب من تشارلز بتهارت الخبير البريطاني لشؤون الإرهاب وضع خطة إقامة جدار على طول محاور الطرق الرئيسية من الحدود اللبنانية في الشمال وحتى بئر السبع، إلا أن الجدار بعد بنائه تم هدمه من جانب سكان القرى العربية الموجودة على جانبيه، لقد شهد الكيان الصهيوني منذ سنة 1995 إلى سنة 2002 العديد من خطط الفصل منها، خطة رابين وخطة باراك وخطة ميخائيل أيتان، وخطة دان مريد ور، وخطة رامون، وخطة شارون.
اعتمد مخرج الفيلم اللغة العربية الفصحى في الحوار بين الشخصيات، ولم يوظف اللهجة الفلسطينية، ذلك أن فلسطين هي قضية العرب والمسلمين والإنسانية ككل، ففي فلسطين يوجد المسجد الأقصى الذي يعتبر القبلة الأولى عند المسلمين، قبل أن تتغير القبلة إلى الكعبة، وفيها كنيسة القيامة التي يقدسها كل المسيحيين في العالم، كما أن النبي عيسى عليه السلام ولد فيها، فهي أرض أغلب الأنبياء وقام فيها العديد من الحضارات، ويوجد فيها العديد من المعالم التاريخية .
يظهر الديكور في الفيلم بسيطا جدا وقد يرجع إلى الوضعية الاقتصادية والمعاناة الاجتماعية لسكان المخيمات، كما تظهر الألوان باهتة في الفيلم للدلالة على البؤس وتردي الأوضاع في فلسطين، كما يظهر الفيلم المرأة الفلسطينية كقيمة ثقافية ورمز للهوية من خلال ملابسها وتمسكها بالزي التقليدي الفلسطيني والحجاب الإسلامي، وكذلك الوعي الفكري والثقافي الذي تتمتع به المرأة الفلسطينية، ما جعلها تدعو دائما للمقاومة والنضال، سواء أكانت أما أو أختا أو زوجة أو ابنة .
يمثل الفيلم الفكرة الحقيقية للصراع بين الخير والشر، فالخير المتمثل في الجانب الفلسطيني والشر يتمثل في الجانب الصهيوني، فقد عملت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها على جمع اليهود في الشتات وإيهامهم بأن فلسطين هي أرض الميعاد، وبأنها أرضهم، حاملين شعار الكراهية والحقد والبغض لكل ما هو فلسطيني وعربي وإسلامي، بل وإنساني وهذا ما أثبتوه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى هذه الساعة بسبب الإبادة الجماعية الوحشية التي يمارسونها في حق أهلنا في غزة، لم تسلم حتى المستشفيات والمساجد والبعثات الإنسانية التطوعية .

لعبت شجرة الزيتون دورا رئيسيا في الفيلم، فقد أخذت مكان المدرسة فتحولت من مكان طبيعي إلى مؤسسة تعليمية تربوية، وكذلك تمثل رمزا للمقاومة والصمود فجنود الاحتلال يجدون صعوبة كبيرة في اقتلاعها، فالزيتونة شجرة الفلسطينيين بلا منازع، ومعلم من معالم هويتهم ورمز الصمود والبقاء وشريكتهم في المعاناة والمقاومة والمتعرضة للمواجهة ولعقوبة الإعدام والقتل بالحرق والقص والإزالة بالقطع، تماما مثل الفلسطيني، لذلك فمشهد محاولة إبعاد الصهاينة للمعلمة ليلى عن الشجرة هو شبيه بسلخ الجلد عن اللحم، فالزيتونة هي قطعة من أجساد الفلسطينيين، لذلك يحرص الصهاينة على اقتلاعها أينما وجدوها، كما يسلط الفيلم الضوء على الجماليات، وتحويل ما هو قبيح إلى جميل من خلال تصميمات وتشكيلات أم فارس، التي حولت أغلفة القذائف إلى تحف فنية فريدة أثارت إعجاب الجميع من بينهم الصحافة الأجنبية .
يرمز الطفل فارس في الفيلم إلى فلسطين التي ظلت شابة ومقاومة رغم أهوال الحرب، فهو دائما حاضر في الواجهة حينما يتعلق الأمر بالدفاع عن وطنه وشعبه، حيث يدافع عن ليلى ويحاول أن يحميها من استفزازات الصبي جونيور، وكذلك يدافع عن والده في السجن، بعد أن يتم الاعتداء عليه من قبل الصهاينة، فمن الصعب أن يقوم طفل صغير بزيارة أبيه في السجن فهذا يتطلب شجاعة وصبرا، لذلك يتربى الطفل الفلسطيني على المقاومة منذ طفولته .

كاتبة جزائرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية