رفح “قصة هامشية” في “الكابينت”.. ولفزعهم من “لاهاي”: إن لم “نشتر” خان سنضطر لـ”الصفقة”؟  

حجم الخط
0

للمقترح الإسرائيلي الذي وضع من خلال مصر بشأن صفقة أخرى لتحرير المخطوفين، علاقة بتهديد إصدار أوامر اعتقال دولية من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد نتنياهو، وغالانت، وهليفي ومسؤولين آخرين. هكذا تقدر محافل رفيعة المستوى في إسرائيل.

“المرونة الإسرائيلية غير منقطعة عن الرعب الذي وقع على المسؤولين وعلى رأسهم نتنياهو، من إمكانية إصدار المدعي العام في محكمة الجنايات في لاهاي كريم خان، ضدهم أوامر اعتقال دولية، خطوة غير مسبوقة مع معان استراتيجية وشخصية بعيدة الأثر”، قال مسؤول إسرائيلي كبير مطلع على الاتصالات. “حتى لو لم تكن الأمور مترابطة مباشرة، فلا شك أن أوامر الاعتقال محفز شديد القوة، وأساساً في كل ما يتعلق بنتنياهو، لمرونة إسرائيلية في موضوع المخطوفين وكذا في موضوع الاستعداد الإسرائيلي لبحث إمكانية وقف القتال لمدى بعيد”، صياغات توافق إسرائيل على بحثها الآن”.

دراما مزدوجة: إحداها إسرائيلية، تدور بين كابنت الحرب وذاته، وبين كابنيت الحرب والكابنيت الموسع؛ وفي المستوى الشخصي بين نتنياهو وسجانيه: سموتريتش (في ضوء تحييد بن غفير في نهاية الأسبوع). أما الدراما الدولية فترتبط بالمعلومة الحساسة التي وصلت إلى إسرائيل في الأيام الأخيرة، وبموجبها ينظر المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بجدية في أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان وشخصيات أخرى في القيادة الإسرائيلية.

هذا الحدث هز عالم نتنياهو، الذي يصفه أناس يعملون معه كـ “مفزوع”. الوضعية كلها توصف كـ “فزع مدار”. تراكض دولي بسرعة عالية، يمارس فيها نتنياهو كل ما يمكن ممارسته للضغط على كل من يمكنه الضغط على المدعي العام كريم خان. الرئيس إسحق هرتسوغ هو الآخر في سر الأمور، ويدير اتصالات من جانبه في محاولة لوقف كرة الثلج قبل تدحرجها في المنحدر.

 الموضوع طرح أيضاً في مكالمة هاتفية بين نتنياهو وبايدن في نهاية الأسبوع. فقد طلب رئيس الوزراء من الرئيس معالجة الموضوع. في أعقاب المكالمة، نشر مجلس الأمن القومي الأمريكي بياناً بأن ليس لمحكمة الجنايات في لاهاي أي صلاحيات للبحث في موضوع غزة. إلى جانب ذلك، الأمريكيون، مثل إسرائيل أيضاً، ليسوا موقعين على ميثاق محكمة الجنايات، بحيث إن نفوذهم على قرارها ليس عالياً.

في ظل هذه الجلبة وقعت دراما كبرى في أثناء مداولات الكابنيت في نهاية الأسبوع: بعد مداولات طويلة وخلافات رأي شديدة في كابنت الحرب، تقرر التقدم بمقترح بعيد الأثر في إطاره يتحرر كل المخطوفين الإنسانيين (في إسرائيل يطالبون بـ 33 كهؤلاء) مقابل تحرير سجناء فلسطينيين، وفتح محور نتساريم، وعودة منضبطة لسكان فلسطينيين إلى شمال القطاع، وتأجيل اجتياح رفح. الاقتراح لا يتضمن وقف الحرب، بل هدنة طويلة.

وجد نتنياهو نفسه منعزلاً أمام غانتس وآيزنكوت، اللذين دفعا نحو الصفقة بكل القوة، بمساعدة نشطة من وزير الدفاع غالنت. واضح لجميع من في الغرفة، من المستوى السياسي وحتى العسكري، بأن قصة رفح ليست جوهرية أو استراتيجية، وقابلة للتأجيل أو للمعالجة بطريقة أخرى ليست باجتياح شامل واحتلال. بعد ضغط شديد، خصوصاً من جانب غانتس، استجاب نتنياهو ووافق على تبني الاقتراح. كل هذا حصل الخميس.

غير أن انعطافة طرأت في حينه: سمع وزير المالية سموتريتش بالحدث ودعا نفسه لنتنياهو، ووضع أمام نتنياهو إنذاراً وأوضح له بأن هذا الاقتراح سيؤدي إلى تفكيك الحكومة. وثمة إنذار مشابه أطلقه سموتريتش بشكل علني وبصوته في شريط حرره عشية العيد. نتنياهو، كعادته، تقلب وأعلن عن تراجعه عن تأييد الصفقة.

 الحدث تصاعد. كان يوم الجمعة دراماتيكياً، فبعد ضغط شديد تضمن تهديدات لتفكيك الحكومة، استجاب نتنياهو مرة أخرى. انطلق الاقتراح على الدرب، وتلقى الفريق الإسرائيلي المفاوض تفويضاً بنقله إلى القاهرة. بعد أن حصل هذا، نشر شريط سموتريتش، وكذا بن غفير، الذي لا يزال ينتعش من حادث الطرق، ولم يقل بعد كلمة التهديد الأخيرة. مشوق أن نرى كيف سيتجاوز نتنياهو هذا.

 وفي إطار هذا، يتواصل التراكض المتعب لمحاولة كبح أوامر الاعتقال. ونية إصدار أوامر كهذه أمسكت بإسرائيل في مفاجأة استراتيجية. المدعي العام في لاهاي كريم خان، لا يعتبر معادياً لإسرائيل. ربما العكس. فقد وصل إلى البلاد بعد المذبحة بدعوة من لجنة عائلات المخطوفين، وتجول في الغلاف المدمر، والتقى ناجين ومخطوفين محررين، وتأثر كثيراً. طواقم من جانبه تستجوب، باستطالة، كل المخطوفين العائدين من أسر حماس وتجمع الشهادات. مع ذلك ثمة طاقم إضافي، طاقم تفكير منفصل، قرر بوجود حاجة لتوازن الصورة ومعالجة “الطرف الآخر”، أي طرفنا.

الحجة على ما يبدو الموضوع الإنساني، أو كما تسميها محافل معينة، نية إسرائيل لتجويع السكان الغزيين، لمعاقبتهم جماعياً ولانتهاك قواعد الحرب والقانون الدولي. هذه الاستنتاجات جاءت “بفضل” تصريحات مسؤولين إسرائيليين، خصوصاً من أناس اليمين المتطرف، وكذا بسبب الوضع الذي ساد في غزة إلى أن حسم الأمر لدى نتنياهو، فقرر هجر التصريحات المتبجحة وفتح القطاع لمساعدات إنسانية غير محدودة.

الآن، تحاول إسرائيل وقف هذا الانجراف. إذا ما أصدرت أوامر الاعتقال سيلحق الأمر بإسرائيل ضرراً استراتيجياً غير مسبوق وجسيم. ستكون خطوة أولى من نوعها قد تؤدي إلى ردود فعل متسلسلة ومنحدر ستجد إسرائيل في نهايته نفسها في مكانة دولة منتهكة للقانون أو منبوذة. وهذا سيكون “انتصاراً مطلقاً”، لكن ليس لنا، بل لأعدائنا.

بقلم: بن كسبيت

 معاريف 30/4/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية