ذي أتلانتك: رعاية الصين لمصالحة إيرانية- سعودية لها تداعيات على جهود أمريكا بالشرق الأوسط

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

نشرت مجلة “ذي أتلانتك” مقالا لمايكل شومان استعرض فيه إنجاز الصين في التقريب بين خصمين في منطقة الشرق الأوسط. وقال فيه إن توسط الصين في صفقة بين إيران والسعودية يعتبر انقلابا.

وأضاف أن التنافس بين القوى العظمى عادة لا يتميز بالمخاطر على السلام والازدهار العالمي. وفي أحيان قد تدفع الخصومات الجيوسياسية القوى العالمية لعمل أمر جيد، كما حدث الجمعة الماضية في إعلان السعودية وإيران المتخاصمتين منذ وقت عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد وساطة صينية. ولا نعرف إن كان الاتفاق يخدم قضية السلام أم أنها أصبحت بعيدة المنال، فهو أمر لا نعرفه بعد.

 وبعيدا عن هذا، فالاتفاق المفاجئ سيترك تداعيات كبيرة على جهود واشنطن لاحتواء الملف النووي الإيراني وعلى علاقاتها المتوترة مع الرياض. ولكن التأثير بعيد المدى للصفقة هو على دور الصين فيه. فتحقيق إنجاز دبلوماسي نادر في خلاف بعيد عن الوطن وجمع عدوين في الشرق الأوسط، هو البداية. وعلينا توقع المزيد من المبادرات، وربما كانت المعاهدة السعودية- الإيرانية هي بداية توجه في السياسة الخارجية الصينية تمارس فيه بيجين دبلوماسية نشطة بمناطق لا تملك فيها إلا سلطة محدودة.

وربما جلب منفعة كبيرة. فلدى الصين تأثير سياسي في العديد من الدول حول العالم، يستخدمه قادتها مع الدول الأخرى وتسوية الخلافات وتخفيض التوترات. والصين شريكة لكل من السعودية وإيران، وكان قادة الولايات المتحدة وأوروبا يأملون باستخدام الرئيس شي جينبنغ علاقاته الخاصة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووقف الغزو في أوكرانيا. ومع ذلك فلا يمكن فهم الصفقة الإيرانية- السعودية خارج التنافس الصيني مع الولايات المتحدة، فهي جزء من الحملة المكثفة التي تقوم بها بيجين لتقويض القوة الأمريكية وإعادة تشكيل النظام العالمي.

وتصور الحملة الولايات المتحدة كأمة مهووسة بالحرب ونظامها العالمي غير عادل وغير مستقر وغير قادر على حل مشاكل العالم الملحة. وفي تقرير أصدرته الحكومة الصينية في شباط/فبراير صورت الولايات المتحدة بالدولة المستبدة المحاربة. وكشف عن “مخاطر الممارسات الأمريكية على السلام والاستقرار العالمي ورفاهية الناس”. وبالمقارنة وحسب دعايتها فهي أمة السلام ولديها الحلول الأحسن لغياب المساواة في العالم والتحديات. وهي حلول متجذرة بالحكمة الصينية وصاغها الفيلسوف المعلم شي جينبينغ. وتم تضمين هذه الأفكار في مبادرة الأمن العالمي التي أعلن عنها شي في العام الماضي والتي شددت على أهمية سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ووقف “مواجهة الكتل”.

وبحسب آخر بيان للحكومة الصينية، تهدف المبادرة إلى “تشجيع الجهود الدولية المشتركة لتحقيق مزيد من الاستقرار واليقين لمرحلة متقلبة ومتغيرة”. وما هي أحسن طريقة للصين كي تثبت تفوق برنامجها أكثر من البحث عن السلام؟ ففي الذكرى الأولى لغزو بوتين لأوكرانيا تقدمت بخطة سلام بين روسيا وأوكرانيا. ولم تشبه الخطة بأي حال برنامج سلام ولا خريطة طريق للتسوية. وكان الهدف الرئيسي منها هو تحفيز الاهتمام الإعلامي والحصول على عناوين إخبارية ودعاية لأفكار بيجين عن النظام العالمي الذي تسعى إليه. وتقترض نقاطها الـ 12 من مبادرات أمنية سابقة، ولا يعرف المدى الذي ستذهب فيه الصين لتطبيق محتوياتها.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الرئيس شي يأمل بالحديث مع الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي بعد زيارة موسكو نهاية الشهر الحالي، بشكل يقترح أن الزعيم الصيني راغب بلعب دور أكثر نشاطا في الوساطة. وكان رد واشنطن باردا من المبادرة الصينية، لكنه ناسب ما تريده بيجين. ومنح الدبلوماسيين الصينيين فرصة لتصوير بلدهم بأنه راغب بالسلام فيما تريد الولايات المتحدة استمرار الحرب. وقال الوزير في الخارجية الصينية كين غانغ بداية الشهر الحالي “يبدو أن يدا خفية تدفع باتجاه التصعيد المستعصي واستخدام أوكرانيا لخدمة أجندة جيوسياسية”.

وبالتأكيد تريد الصين استخدام التقارب السعودي- الإيراني بنفس الطريقة. وركز البيان الرسمي على حكمة شي الذي جمع بين البلدين وأكد على مطالب في السياسة الخارجية الصينية المتعلقة بالسيادة وعدم التدخل في شؤون الدول. وقالت صحيفة “غلوبال تايمز” التي يديرها الحزب الشيوعي الصيني إن المحادثات للتقريب بين وجهات النظر لم تكن سوى تطبيق لمبادئ مبادرة الأمن العالمي، ومواصلة الصين دورها في لعب دور بناء وحل المشاكل المستعصية.

وحذر التقرير الصحافي من أن بعض الدول -مثل أمريكا- لا تريد تطورات إيجابية في الشرق الأوسط. ودعت المنطقة لمواصلة الحوار والمفاوضات. وعلى الولايات المتحدة تعلم درسين من الاتفاقية الإيرانية- السعودية، الأول هو تزايد التأثير الصيني في المناطق التي هيمنت الولايات المتحدة تقليديا عليها. أما الدرس الثاني، فهو مع تزايد وتوسع تأثيرها، فربما حاولت الصين إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم. فالدول التي ظلت مترددة للتحول نحو الولايات المتحدة مثل الهند، باتت تميل نحوها.

وفي المقابل هناك دول ظلت مرتبطة بالولايات المتحدة ولكنها تميل باتجاه مصالحها الاقتصادية والأمنية. ولا يتوافق خطاب الصين الداعي للسلام مع جهود بناء الترسانة العسكرية بما فيها الأسلحة النووية ونشاطاتها في بحر الصين الجنوبي وتحرشاتها بتايوان. وربما جذب خطابها دولا ديكتاتورية تريد إرباك الجهود الأمريكية، كما فعل الاتفاق السعودي- الإيراني. وفي معنى آخر فالطبيعة السياسية للنظام الصيني تعطيها ميزة كراعية سلام، فهي خلافا لأمريكا لا تتحرج عن التعامل مع كل الدول بما فيها الديكتاتورية. وزادت علاقات الصين مع إيران، كما في زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي الذي زار بيجين في شباط/فبراير مما أعطى بيجين القدرة على تحقيق الإنجاز الدبلوماسي الأخير.

إلا أن هذه العلاقات تطرح أسئلة حول طبيعة النظام العالمي الذي تريده الصين. فعلاقاتها مع إيران وروسيا وكوريا الجنوبية تضعها في مصاف الدولة الكبرى العاملة ضد الاستقرار العالمي. وبعيدا عن المصالحة السعودية- الإيرانية، التي استخدمت فيها الصين تأثيرها لإبعاد البلدين عن خططهما الخطيرة، فسيظل المشروع الصيني للعالم أي شيء ولكن ليس سلميا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية