دونالد ترامب.. رئيس كشف انقسامات الولايات المتحدة وأججها

حجم الخط
0

واشنطن: كتب دونالد ترامب من خلال الاستفزازات والإهانات والتغريدات الساخرة، فصلا استثنائيا بالكامل من تاريخ الولايات المتحدة هو الذي يقول عن نفسه “يعتقد البعض أنني عبقري حقيقي”.

انتخب ترامب مستندا الى مشاعر الغضب لدى الأمريكيين وانقسامات البلاد التي أججها طوال فترة ولايته.

على مدى أربعة أعوام شهد الأمريكيون- بحماسة وذهول أو خوف أحيانا، عرضا غير مسبوق لرئيس وصل الى السلطة بطريقة مدوية ولم يضع لنفسه أي رادع.

هذا الرئيس الاستعراضي (74 عاما) الذي كان سببا في مضاعفة مخاوف المجتمع الأمريكي وانقساماته، عرف كيف يتوجه الى أمريكيين شعروا بأنهم “منسيون” لكنه رفض على الدوام بعد وصوله الى البيت الأبيض لعب دور شخص يوّحد الأمريكيين ما يشكل قطيعة واضحة مع أسلافه.

وهو يخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر لتولي ولاية ثانية، كما لو أنها استفتاء فعلي على شخصه وعلى أسلوب رئاسته غير المسبوق تماما.

حتى في ذروة انتشار وباء كوفيد-19 الذي تسبب بوفاة أكثر من 230 الف شخص في الولايات المتحدة، وفيما كان الشعب الأمريكي بحاجة إلى صوت مطمئن، رفض بعناد انتهاج سلوك رئاسي ولم يبد أي تعاطف.

فقد سخر من وضع الكمامات كما هاجم الطبيب انطوني فاوتشي مدير المعهد الأمريكي للأمراض المعدية وعضو خلية مكافحة فيروس كورونا المستجد، والذي عمل مع خمسة رؤساء سابقين ويعتبر عموما صوت العقل العلمي في البلاد.

وقلل من شأن التهديد الصحي مقدما نفسه على أنه بطل خارق مثل “سوبرمان”. وحتى بعد إصابته بالوباء، فوت الفرصة التي أتيحت له لإبداء بعض التعاطف.

“ولاية مليئة بالفضائح”

النزعة الاستبدادية أو الانهيار الاقتصادي اللذان توقعهما البعض في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 يوم انتخابه المفاجئ، لم يحصلا.

فقد أثبتت المؤسسات، وحتى لو تعرضت في أحيان كثيرة لسوء معاملة، صلابتها فيما بدا عدد من المؤشرات وفي مقدمها أرقام التوظيف، في وضع جيد قبل أن تظهر الآثار المدمرة لانتشار فيروس كورونا المستجد.

لكن وسط رئاسة شهدت عدة فضائح وتتناقض تماما مع رئاسة باراك أوباما، ألحق ترامب المعروف بأنه يعشق مخالفة القواعد والاستفزاز، الضرر بهذا المنصب وضرب الأعراف عرض الحائط، وهز المؤسسات وزعزع تحالفات الولايات المتحدة.

وسط رئاسة شهدت عدة فضائح وتتناقض تماما مع رئاسة باراك أوباما، ألحق ترامب المعروف بأنه يعشق مخالفة القواعد والاستفزاز، الضرر بهذا المنصب وضرب الأعراف عرض الحائط، وهز المؤسسات وزعزع تحالفات الولايات المتحدة.

فقد هاجم قضاة وموظفين رسميين وأعضاء منتخبين وأجج التوترات العرقية في البلاد، كما أبدى إعجابه بقادة سلطويين من فلاديمير بوتين الى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وأوقف بشكل مفاجئ جهود مكافحة التغير المناخي.

 “أستمتع بذلك”

ترامب المتبجح والمتلاعب والذي يستخدم بحسب تعبير الكاتب فيليب روث “مجموعة مفردات لا تتجاوز 77 كلمة”، أفقد معجبيه ومنتقديه على حد سواء الشعور بمعنى الأمور.

وواجه الرئيس الخامس والاربعون للولايات المتحدة أيضا اجراءات إقالة في الكونغرس ستبقى وصمة على رئاسته.

ولم يؤثر الديكور المهيب في المكتب البيضوي ولا صور أسلافه المعلقة في ممرات البيت الأبيض، على شخصية رجل الأعمال النيويوركي.

ولا تزال هذه العبارة التي قالها خلال مقابلة لمجلة “بلاي بوي” في 1990 تنطبق عليه اليوم “العرض هو (ترامب) والبطاقات نفدت تماما. أستمتع بذلك وسأستمر في الاستمتاع”.

ونجح الملياردير الأمريكي الذي يقوم بأداء رائع على منصات الحملات الانتخابية، في تنصيب نفسه ناطقا باسم أمريكا “المنسيين” او “الجديرين بالشفقة” بحسب تعبير منافسته الديموقراطية العام 2016 هيلاري كلينتون.

عرف ترامب كيف يلعب على وتر مخاوف أمريكيين، غالبيتهم من البيض والمتقدمين في السن عموما، كانوا يشعرون بأنهم “محتقرون” من قبل “النخب” على ساحل الولايات المتحدة الشرق ونجوم هوليوود على الساحل الغربي.

توسيع الهوة

وقد اعتمد ترامب المحب للهامبرغر والدايت كوك والذي عرفه الامريكيون أساسا من خلال برنامج تلفزيون الواقع “ذي ابرينتس”، قاعدة بسيطة طبقها على الدوام وهو أن يشغل الساحة بأي ثمن.

وبسبب استخفافه بالعلم وتصريحاته غير المطابقة للواقع، اضطر فريق تقصي الحقائق من صحيفة “واشنطن بوست” الى استحداث فئة جديدة للتثبت من المعلومات الخاطئة التي تتكرر أكثر من 20 مرة.

ومن جناحه الشهير في البيت الابيض “ويست وينغ”، عمد رجل الأعمال السابق الى توسيع الهوة بين المجتمع الأمريكية المنقسم أصلا بين الحمر (الجمهوريون) والزرق (الديموقراطيون).

وبدلا من إطلاق دعوات جامعة على غرار أسلافه، لعب ترامب على خوف الأمريكيين.

ولوح عند إعلان ترشحه في 2015، بشبح المهاجرين غير الشرعيين واصفا إياهم “بالمغتصبين”، ونصب نفسه في حملة 2020 الضامن الوحيد “للقانون والأمن” في مواجهة تهديد “اليسار الراديكالي”.

وفي بلد يعشق اللحظات المؤثرة التي تعبر عن الوحدة الوطنية، لم يعتمد ترامب الا نادرا لهجة تبلسم الجراح حتى بعد حدوث كارثة طبيعية أو عمليات إطلاق نار دموية.

استخدم هجماته العنيفة على وسائل الإعلام التي يصفها بأنها “كاذبة” و”فاسدة” و”عدوة الشعب”، لكي يؤلب قسما من الشعب ضد القسم الآخر.

لكن ترامب يبقى الرئيس الوحيد في التاريخ الذي لم تصل شعبيته الى نسبة 50% خلال توليه مهامه.

سياسة الانسحاب

يتفق مؤيدوه ومعارضوه على نقطة واحدة وهي أن ترامب وفى بجزء وعوده الانتخابية.

فكما أعلن سابقا، انسحب ترامب من معاهدات أو اتفاقات تم التفاوض بشأنها مطولا، في مقدمتها اتفاق باريس حول المناخ الذي وقعت عليه معظم دول العالم للحد من الاحترار المناخي.

لكن هذا الوفاء بتعهداته ووعوده الانتخابية جاء عبر عمليات اعتبرت هدامة.

وتبدو حصيلة مبادراته هذه هزيلة نسبيا. ويبدو ذلك جليا على صعيد الملف النووي الإيراني فهو مزق الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه لفترة طويلة وزاد الضغوط على ايران وصولا الى تصفية الجنرال النافذ قاسم سليماني لكن بدون تقديم استراتيجية فعلية.

أما خطته الكبرى للسلام في الشرق الاوسط التي أوكلها إلى صهره ومستشاره جاريد كوشنر، فلم تؤد الى نتائج بعد. لكن بامكانه القول أنه تمكن من تحريك الخطوط في المنطقة عبر رعايته اتفاقات تطبيع بين اسرائيل وثلاث دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان.

ويبقى مقتل زعيم تنظيم الدولة الاسلامية أبو بكر البغدادي في تشرين الاول/اكتوبر 2019 خلال عملية أمريكية في سوريا، المحطة الأقوى في رئاسته.

لكن تحركه الأكثر جرأة والذي فاجأ فيه العالم وخوله أن يحلم بنيل جائزة نوبل للسلام، لم يأت بالنتائج المرجوة.

فقد انتهت القمتان مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وزيارة ترامب التاريخية الى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين و”الرسائل الرائعة” بينهما، من دون تحقيق أي نتيجة ملموسة. فالنظام الكوري الشمالي لم يقدم أي تنازل بشأن مسالة نزع الاسلحة النووية.

في الأجواء الجيوسياسية المعقدة والمتقلبة للقرن الحادي والعشرين هاجم ترامب شخصيا رئيس وزراء كندا جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.

ولم يأت التحذير الأشد من خصومه السياسيين بل من وزير دفاعه جيمس ماتيس. ففي كتاب الاستقالة، ذكر ماتيس الرئيس الأمريكي بقاعدة بسيطة في الدبلوماسية تقوم على ضرورة “معاملة الحلفاء باحترام”.

“قومية مضللة”

في سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أي محافظ، أقدم دونالد ترامب بقدرته على إشعال مشاعر قاعدته الانتخابية، على تحجيم الحزب الجمهوري الذي كان قلل من أهميته في البداية أو حتى تجاهله.

وقام نواب من الجمهوريين بالتعبير احيانا عن معارضتهم لبعض قرارته مثل موقفه المتساهل بشكل غير عادي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي.

لكن مع مرور الوقت، اتحدوا باستثناء بعض الاصوات المعارضة مثل السناتور جون ماكين الذي حذر قبل وفاته في آب/اغسطس 2018 من نزعة نحو “قومية غير منطقية ومضللة”.

ويعتمد ترامب في الأعمال كما في السياسة، على مبدأ بسيط: معه أو ضده.

وتحدث المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) جيمس كومي الذي أقاله الرئيس فجأة، في مذكراته عن رئيس يخضع أوساطه لمعايير ولاء تذكره بموقف زعماء المافيا عندما بدأ حياته المهنية كمدع عام.

 سلسلة فضائح

ولد دونالد جاي ترامب في كوينز في نيويورك وتلقى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضم إلى شركة العائلة بعد دراسة الأعمال.

وهو ليس “رجلا عصاميا” خلافا للصورة التي يريد عكسها عن نفسه. فبعد الحرب العالمية الثانية كان والده فريد ترامب المتحدر من مهاجر ألماني قد بنى امبراطورية في مدينة نيويورك من خلال تشييد مباني للطبقة الوسطى في الأحياء الشعبية.

وعندما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في صيف العام 2020 أنه لم يدفع سوى 750 دولارا من الضرائب الفدرالية على الدخل في 2016 وأن العديد من الشركات تكبدت خسائر، تلقت صورته كرجل أعمال ناجح ضربة.

لم يتوقف دونالد ترامب وهو أب لخمسة أبناء ولدوا لثلاث زوجات مختلفات، وله عشرة أحفاد، عن الإشادة علنا بزوجته ميلانيا، عارضة الأزياء السابقة التي أصبحت “السيدة الأولى الرائعة”.

لكن الكشف عن علاقاته المفترضة خارج إطار الزواج، وخصوصا مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز واتهامات بالاعتداء الجنسي الموجهة إليه لا تتناسب تماما مع مدحه المتكرر للقيم العائلية في كل لقاء مع المسيحيين الإنجيليين.

لكن ترامب تجاوز كل هذه الفضائح مستندا على دائرة عائلية صغيرة ومتضامنة فضلا عن “غريزة” دائمة الحضور. (أ ف ب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية