دول اليسر والعسر في العالم العربي عام 2022

براهيم نوار
حجم الخط
1

للعام الثاني على التوالي تتجلى مظاهر التفاوت الاقتصادي الحاد في العالم العربي، بين دول اليسر، وهي الدول المصدرة للنفط، ودول العسر، وهي الدول المصدرة للعمل. السعودية جاءت على رأس دول اليسر من حيث معدل النمو الاقتصادي والتحولات السريعة في السياسة الاقتصادية، لإقامة اقتصاد كبير متنوع ومتشابك مع سلاسل الإنتاج العالمية، خصوصا في صناعات الطاقة الجديدة والبتروكيمائيات، والصناعات الهندسية. دولتان من الدول المصدرة للنفط هما العراق والجزائر كانت حظوظهما أقل، على الرغم من زيادة الطلب العالمي على النفط والغاز، وإقبال الدول الأوروبية على توقيع عقود جديدة لشراء الغاز الطبيعي من الجزائر. دول العسر، مصر وتونس ولبنان على وجه الخصوص، كانت على العكس من ذلك تحت ضغوط شديدة خلال العام بسبب نقص السيولة الدولارية، وارتفاع أسعار الفائدة المحلية، وتسارع التضخم، مع عجز الحكومات، بسبب الهامش المحدود جدا للمناورة، نتيجة ارتفاع العجز المالي والتجاري فيها جميعا. وإلى جانب دول اليسر ودول العسر يوجد معسكر ثالث يضم الدول الفاشلة التي تعاني من حروب أهلية وانقسامات إدارية وسياسية مثل سوريا واليمن والسودان وليبيا والصومال إضافة إلى لبنان الذي يكتوي بالنارين. في هذه الدول تفاقمت أزمة المديونية، وتدهورت قيمة العملات المحلية إلى مستويات دنيا، وارتفعت أسعار الغذاء والوقود، واختفت كثير من السلع من الأسواق، وبلغ التضخم مستويات عالية ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للنقود.
وتعكس محركات النمو الاقتصادي في الدول العربية عموما حالة الاقتصاد الدولي بشكل عام. وطبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن الدول العربية كانت أشد تأثرا بالتغيرات الحادة في أسعار المواد الأولية والغذاء والطاقة. وتتمتع الدول المصدرة للنفط والغاز بقدرة أكبر على توظيف السوق لمصلحتها، في حين أن الدول المستوردة للغذاء تعاني من ضغوط أسعار الواردات على موازين حساباتها الجارية وعلى معدلات التضخم. وبشكل عام شهد العام الحالي تراجعا في معدلات النمو، حيث خفض صندوق النقد الدولي تقديرات النمو العالمي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إلى 3.2 في المئة للعام الحالي بانخفاض 0.4 في المئة عن تقدير أوائل العام، كما خفض معدل النمو المتوقع للعام الجديد بحوالي 2.7 في المئة بنسبة تقل 0.9 في المئة عن التقدير السابق. ومع ذلك فإن الصندوق يتوقع تقلبات شديدة في الأداء خلال العام المقبل؛ بسبب حالة عدم اليقين فيما يخص التضخم، ومدى قدرة الأسواق على تحقيق الاستقرار، ومدى قدرة الحكومات على ضبط سياساتها المالية. وتشير تقديرات الصندوق إلى أن اقتصاد المنطقة العربية بشكل عام سجل قدرا ملحوظا من التعافي في النصف الأول من عام 2022 لكن مؤشرات الأداء في النصف الثاني من العام تراجعت، خصوصا في الدول المستوردة للنفط ذات الدخل المتوسط والمنخفض، وزادت معدلات البطالة خصوصا بين النساء إلى 22 في المئة والشباب إلى 32 في المئة، وذلك على الرغم من أن هذه المعدلات أقل من الذروة التي كانت قد بلغتها عام 2020. كما ارتفع معدل التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 15.1 في المئة، وزاد التضخم عن المتوسط العام للمنطقة في مصر.

الفائض والعجز

استفادت الدول العربية المصدرة للنفط من تحسن شروط التجارة في السوق لصالح صادراتها. ويقدر صندوق النقد الدولي أن ذلك أدى إلى زيادة القيمة المضافة لصادراتها بنسبة 6 في المئة من الناتج المحلي. وعلى العكس من ذلك فإن ارتفاع أسعار النفط خصم نسبة تصل في المتوسط إلى 0.5 في المئة من الناتج في الدول المستوردة.
ومع ذلك فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار الأثر الصافي لارتفاع أسعار الأسمدة و المواد الخام التي تدخل في صناعتها مثل الغاز والفوسفات والبوتاسيوم في دول مستوردة للنفط، مثل مصر والمغرب والأردن، حيث ساعدت الصادرات من هذه المواد على تقليل حدة العجز في موازين التجارة. ومع ذلك فقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي لهذه الدول، فهبط الاحتياطي في مصر على سبيل المثال بنسبة 17 في المئة خلال الفترة منذ بداية العام حتى نهاية آب/أغسطس الماضي. وبالنسبة لحسابات المعاملات الخارجية فيتوقع الصندوق أن تتمكن الدول العربية المصدرة للنفط الأعضاء في مجلس التعاون من مضاعفة الفائض في حساباتها الجارية إلى ما يعادل 9.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الحالي مقابل 4.6 في المئة عام 2021. وسوف تستمر هذه الدول في زيادة الفائض في العام المقبل بنسبة 7.8 في المئة من الناتج.
ومن المتوقع أن يزداد نمو إجمالي الناتج المحلي بأكثر من الضِعْف في دول مجلس التعاون الخليجي ليصل إلى 6.5 في المئة في عام 2022 حسب دراسة بشأن السياسات الاقتصادية أصدرها صندوق النقد الدولي. وقد أدت طفرة أسعار السلع الأولية التي تصدرها الدول العربية إلى الحد من تداعيات الحرب الأوكرانية، وتخفيف أثر تشديد السياسة النقدية العالمية، كما سمحت بظهور آفاق أكثر إيجابية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
وتشير التقديرات إلى أن دول مجلس التعاون ستتمكن من توفير موارد أكبر بكثير مما حققته في الفترات السابقة لارتفاع أسعار النفط، وذلك بفضل الإصلاحات المالية والهيكلية التي التزمت بها. ومن المتوقع أن تبلغ الفوائض المالية المجمعة في عام 2022 إلى أكثر من 100 مليار دولار.
أما الدول العربية غير النفطية الصاعدة والمتوسطة الدخل فإنها ستتاثر سلبا بتراجع معدل النمو العالمي، ولن تحقق وفورات مثل تلك التي ستتمتع بها الدول المصدرة للنفط، حيث سيبقى متوسط العجز في حساباتها الجارية في حدود ما يعادل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بدون تغيير عما كان عليه في العام الماضي. ومع احتمال انتعاش السياحة نسبيا في العام المقبل، فإن نسبة العجز في الحسابات الجارية للناتج قد تنخفض هامشيا إلى 4.4 في المئة. وسيسوء الحال في الدول العربية المنخفضة الدخل بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى ما يعادل 9.3 في المئة في العام الحالي، وبنسبة 8.3 في المئة في العام المقبل. ورغم أن الدول العربية النامية قد تواجه صعوبات في التمويل عن طريق إصدار أوراق مالية في الأسواق الخارجية، فإن صندوق النقد الدولي يلاحظ أن الحكومات ومؤسسات التمويل في الدول المصدرة للنفط تلعب دورا مهما في تقديم المساعدات بأدوات تمويل متنوعة. ويقدر الصندوق أن دول مجلس التعاون الخليجي تعهدت بتقديم مساعدات مالية رسمية لكل من مصر والأردن وباكستان واليمن بقيمة 41 مليار دولار، وتم بالفعل تقديم 22 مليار دولارمنها خلال الفترة منذ بداية العام وحتى نهاية ايلول/سبتمبر الماضي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع متوسط معدل النمو لدول المنطقة في العام المقبل إلى 3.5 في المئة للدول المصدرة للنفط، و3.9 في المئة للدول النامية الصاعدة والمتوسطة الدخل، ويشمل ذلك انخفاض معدلات النمو في بلدان مثل مصر وتونس بسبب القيود المالية على الإنفاق الحكومي. ومن المتوقع أن يستمر التضخم عند مستويات مرتفعة فوق معدل 10 في المئة في دول المنطقة ككل.

المديونية الخارجية

أدت الضغوط الناتجة عن الحرب الأوكرانية إلى زيادة تكلفة الاقتراض الخارجي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي. وقد انعكس ذلك بصورة واضحة في حجم الإصدارات المالية لدول المنطقة في أسواق المال العالمية. فقد بلغت قيمة الإصدارات خلال الفترة منذ بداية العام حتى نهاية شهر ايلول/سبتمبر الماضي 3.65 مليار دولار فقط، مقابل 30.1 مليار خلال الفترة المقابلة من العام الماضي. ولم يتوقف الأمر عند تراجع القدرة على التمويل الخارجي بواسطة الإصدارات المالية، بل إن الأمر زاد سوءا بهروب الأموال الساخنة من أسواق المال العربية، خصوصا في الدول النامية الصاعدة والمتوسطة الدخل. كما أدى ذلك أيضا إلى زيادة أعباء المديونية المحلية بدرجات متفاوتة في الدول العربية. ومع أن الدول العربية المصدرة للنفط كانت تضاهي رفع سعر الفائدة على الدولار بزيادة أسعار الفائدة على عملاتها المحلية المربوطة بالدولار، فإن الحكومات تمتعت بهامش واسع لزيادة الإنفاق العام وتمويل سياسة تنموية توسعية، كما هو الحال في السعودية، التي تخطو خطوات واسعة على تنويع اقتصادها المحلي، والتمدد إقليميا وعالميا في صناعات الطاقة الجديدة والبتروكيمائيات، مع استمرار الالتزام بتقديم مساعدات سخية للدول التي تعاني من صعوبات مالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الجزاءر:

    مقال بعيد جدا عن الموضوعية و عن الواقع.
    واؤكد كذلك انه رغم مشاكل ليبيا سياسيا فان شعبها من الناحية الاقتصادية هو الاحسن من كل شعوب الشمال الافريقي وعملته هي الاقوى و لا يوجد اي خصاص في السلع في ليبيا و باسعار مدعمة.

إشترك في قائمتنا البريدية