دولة أم عصابة؟ نتنياهو في المالديف والمخطوفون في الأنفاق.. وإسرائيل تنتظر السنوار

حجم الخط
0

أمة تقف ممزقة القلب لكنها تتنفس، وتسمع تكراراً بأن “إسرائيل تنتظر جواب السنوار” وأن الكابنيت سينعقد بعده. والأمر الذي لا يمكن إدراكه أن يواصل نتنياهو، الذي ربى سمن وغذى حماس إلى أن أصبحت وحشاً، تعظيمها وتغذيتها الآن بقوة أكبر. يعظم الأسطورة، وينتظر ما تنبس به شفتاه. السنوار يفكر، السنوار يقبل العرض، السنوار يعاينه. أما إسرائيل فليست موجودة. كل شيء السنوار. التغذية إياها، التي كان هدفها تفادي أي تسوية سياسية ممكنة وتتواصل عملياً بكامل عظمتها في هذه اللحظات. أين إسرائيل، أين الرؤيا التي تحل محل المماحكة السامة والتافهة والغبية وغير المجدية، التي ثمنها حياة الإنسان: وقف الحرب الرهيبة هذه، التي توقفت على أي حال. تحري كل المخطوفين، تسوية سياسية إقليمية، تسوية تبقي السنوار الذي يمتنع نتنياهو عن الانفصال عنه، وكأنهما يتقاسمان حلف المصير.
الأيام الأخيرة تعظم التفكير القاسي في وجود أوجه شبه في سلوكهما. كلاهما لا يريد صفقة. كلاهما يتظاهر بأنه يريدها. كلاهما يخدع المحافل الدولية عظيمة القوة (الولايات المتحدة، مصر) التي تحثهما على التقدم. كلاهما يضيق خطى رُسلهما. يرسلانهم فارغين من الذخيرة لمهمة هما أنفسهما غير مستعدين للقيام بعمل (حقيقي) كي تنجح. لكليهما ثمن حتى عندما يوشك الزمن لأبناء شعبيهما أن ينفد. كلاهما يضع بقاءه الشخصي فوق كل اعتبار آخر، بما في ذلك فوق مصالح شعبيهما. الاعتراف بهذا الشبه باعث على اليأس. لكن عندما تتراكم الحقائق وترى العيون ما تراه، لا يعود ممكناً التظاهر بأن العنوان على الحائط ليس سوى كتابة مشوشة.
القسم الأفظع والأكثر لذعاً في أوجه الشبه هذه هو رخص حياة الإنسان. لقد روي لنا دوماً بأننا مختلفون. بأن قلب عدونا في حياة موتاه أيضاً، بخلافنا، بأن قدسية الحياة عندنا أهم القيم. كان هذا إيماناً وجودياً بسيطاً: إسرائيل لن تهدأ حتى تعيد مخطوفيها ومقموعيها وسجنائها، سواء بالدبلوماسية، بالأعمال الجريئة، بالاتفاقات باهظة الثمن، بالطائرات، بالسفن، مع رجال موساد ووحدة بحرية ووحدة “سييرت متكال” الخاصة. إذا كان شيء ما يعرفه الإسرائيلي فهو أن الدولة ستأتي لإنقاذه. هذا هو الاتفاق، هذا هو العهد، هذا عهد لفظ أنفاسه، وهذ هو الأمر الفظيع الذي أوقعه نتنياهو بالمجتمع الإسرائيلي. هذا الأمر البسيط -إنقاذ حياة الإنسان- دفنه تحت إحاطاته وأحابيله الإعلامية والتفاصيل الصغيرة التي لا معنى لها ولا عطف ثابت تجاه المعاناة، ومظاهر عطف زائفة، مثل ذاك الذي للزوجين اللذين يمسكان للحظة، ولأغراض الصورة المهندسة، صورة مشوشة حتى وجوه المخطوفين لا تظهر فيها.
على ماذا ولماذا سقط كل من كالكدان مهري وعيدوا فيف رحمهما الله، الشابان الرائعان، في وحل حرب طويلة جداً وبنار قواتنا الاحتياط. على ماذا ولماذا دمرت حياة عائلتيهما. 608 جندي ومجندة قتلوا حتى الآن. شبان كانت كل حياتهم أمامهم، الكثيرون منهم سقطوا حين كانوا يقاتلون ببسالة كي “يطهروا” مناطق تسيطر عليها حماس مجدداً، في الوقت الذي تجلس فيه حكومتهم بلا أي فعل سياسي. 897 مواطناً من أطفال وشيوخ ونساء ورجال قتلوا بوحشية. 133 مخطوفة ومخطوفاً يموتون بعذاب وألم. ونتنياهو يحتفل في وولدوف استوريا، يختبئ في قبو صديقه المليونير، ويعمل بلا هوادة لحماية شركاء الترهات المهددين خاصته. أي هو نفسه. انعدام تام للمسؤولة، فظاظة قلب وروح، استخفاف خبيث بحياة الإنسان وبالمسؤولية السياسية لإعادة من لا يزال ممكن إنقاذهم – هم كارثتنا.
هل يرتعش وهو يرى كيت سيغال ينحني ويبكي في ظل أسره الطويل على عائلته، على حياته، على طبيعته الإنسانية التي سلبت منه. هل يرتعش هو أيضاً خوفاً عندما يشاهد يردين بيباس يختطف ويرجم بالحجارة. والآن في الأسر يغرق في معاناة لا تنتهي وفي اكتئاب عميق؟ هل هو أيضاً مثل معظمنا، يستيقظ ليلاً غارقاً في العرق، خائفاً على مصير المخطوفات؟ ما الذي يرويه لنفسه حين تقل شروط الصفقة مع كل يوم يمر، ويموت المخطوفون ويقتل الجنود. مشكوك أن يستوعب من تحت بدعة “النصر المطلق” وبمسؤوليته الكاملة أنه منذ الكارثة الكبرى بات خطيراً جداً أن يكون المرء يهودياً. في العالم بعامة وإسرائيل بخاصة.
يديعوت أحرونوت 1/5/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية