«دافوس الرياض» والحراك الدبلوماسي: العين على نهائية الدولة الفلسطينية

رلى موفّق
حجم الخط
0

ما تقوله واشنطن بوتيرة يومية إنها لن تدعم عملية كبيرة في رفح من دون أن تُقدِّم لها إسرائيل خطة لحماية المدنيين لأن نتائجها ستتجاوز حدود المقبول لجهة حجم المعاناة والضحايا والقتلى والدمار الذي يمكن أن تشهده تلك البقعة الأخيرة في جنوب غزة المتاخمة للحدود المصرية. وآخر الكلام جاء يوم الجمعة على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أريزونا، مكرراً تحذيراته من هجوم إسرائيلي كبير على مدينة رفح المكتظة بالسكان، وقوله إن إسرائيل لم تُقدِّم لهم خطة لحماية المدنيين.

على أن بلينكن سمع كلاماً شديد اللهجة في جولته السابعة إلى المنطقة منذ عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2024 خلال محطته في الرياض، وسلسلة الاجتماعات التي عقدها على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» الذي استضافته العاصمة السعودية بمشاركة أكثر من ألف شخصية مؤثرة من 92 دولة. قيل له في اجتماع دول «السداسي العربي» (السعودية، ومصر، والأردن، وقطر، والإمارات، وفلسطين) وفي اجتماع الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا، وفي الاجتماعات الثنائية، إنَّ ما تفعله واشنطن عملياً من منح إسرائيل شيكاً على بياض سيضرُّ بالمصالح الأمريكية في المنطقة، لا بل يضعنا أمام شعوبنا في وضع سيئ، مع تلاشي المعيار القيمي والأخلاقي للولايات المتحدة، واهتزاز الثقة بالحلف في المنطقة مع الأمريكيين.
شهد حراك الرياض، في أيامه الثلاثة، استمراراً للضغوط الدبلوماسية للتوصل إلى وقف فوري وتامّ لإطلاق النار في قطاع غزة وإنهاء الحرب التي شارفت على نهاية شهرها السابع ودخول المساعدات لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية. لكن أهمية هذا الحراك تكمن في جعله المسألة الفلسطينية في مقدمة المشهد وفي خلفيته من خلال عمل دبلوماسي تراكمي يتم الرهان بأن يُؤتي ثماره ما دامت خارطة الطريق مرسومة ويتم التمسّك بأدوات الضغط وآلياته بقوة.

توظيف المنصة الاقتصادية

عملت المملكة على توظيف المنصة الاقتصادية الأرفع عالمياً في خدمة توفير الزخم للملف الفلسطيني وللسلطة الوطنية الفلسطينية، من خلال مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المنتدى، والعمل على حشد الطاقات الدولية الداعمة لمسألة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، فاحتل الاجتماع التنسيقي لدعم جهود تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين حيّز الاهتمام، ولا سيما أنه ضمَّ وزراء خارجية وممثلين لـ21 دولة ومنظّمة بدعوة ورئاسة مشتركة من السعودية والنرويج، وشدّد على أهمية وضرورة اعتماد نهج شمولي نحو مسار موثوق به لا رجعة فيه لتنفيذ حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي والمعايير المتفق عليها، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية والمبادرات الأخرى ذات الصلة، بهدف تحقيق سلام عادل ودائم يُلبّي حقوق الشعب الفلسطيني وأمن إسرائيل والمنطقة، مما سيمهد الطريق أمام علاقات طبيعية بين الدول في منطقة يسود فيها الاستقرار والأمن والسلام والتعاون.
والأهم أن اجتماع الدول أكد الحاجة إلى تكثيف دعم جهود بناء الدولة ودعم الحكومة الفلسطينية الجديدة، وأهمية وجود حكومة فلسطينية واحدة في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة. وهو أمر من شأنه أن يردَّ على تساؤلات اليوم التالي من انتهاء الحرب في غزة.
وما هو متوقع من الحراك الدولي، ولا سيما الأوروبي، أن تُقدم في الأسابيع المقبلة ما بين 20 إلى 30 دولة على إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما ينقل الخطوات من الحيّز الكلامي إلى الحيّز الفعليّ. وسيشكل، في رأي متابعين عن كثب، أولى الإشارات إلى بداية النهاية لمشروع تفكيك التطرف الديني. فهكذا خطوة ليست ضربة لإسرائيل فقط، بل ضربة لكل حالة تطرف في المنطقة، بإشارتها إلى أن العمل الدبلوماسي قادر على أن يأتي بـ«حل الدولتين» وليس مرهوناً فقط بسردية العمل العسكري.

سيكون هناك «حل الدولتين»

ورغم حسابات الكثير من الأطراف بأن الحرب طويلة ولا يمكن أن نشهد مآلاتها قبل تبلور نتائج الانتخابات الأمريكية، فإن المتابعين لا يرون صعوبة في القدرة على قراءة النهائيات. يقولون إن النهاية واضحة، وسيكون هناك «حل الدولتين» وفق القرارات الدولية والمبادرة العربية التي أُعلنت من بيروت عام 2002 والقائمة على مبدأ «الأرض مقابل السلام». لكن ما هم غير قادرين على قراءته يرتبط بالمدى الزمني الذي يمكن أن يأخذه تفكيك كلٍ من حركة «حماس»، بما تمثله من يمين فلسطيني متشدد، وتفكيك اليمين الإسرائيلي وكلفة ذلك.
ويأتي لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الفلسطيني، وتأكيده المتجدد على موقف المملكة الثابت بدعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ليكتسب بعداً جديداً مع الإعلان عن قرب التوصل إلى اتفاق تاريخي أمني أمريكي ـ سعودي، وربط الرياض أي مسار محتمل لعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية عبر حل الدولتين. كان «تأمين حياة لائقة للفلسطينيين» شرطاً مطروحاً لأي تطبيع سعودي – إسرائيلي قبل عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي يرى كثير من المراقبين أن أحد أهدافها كان ضرب هذا المشروع، الذي كان من شأنه أن يفتح الباب أمام تطبيع دول إسلامية كبرى مع تل أبيب.
وفق ما تسرَّب من معلومات، فإن التطبيع السعودي – الإسرائيلي الذي تريده واشنطن كإنجاز دبلوماسي لإدارة جو بايدن قبل الانتخابات الأمريكية،بعد التوصل إلى الاتفاق الأمني الأمريكي ـ السعودي، يتطلب إنهاء الحرب في غزة والموافقة على مسار لإقامة الدولة الفلسطينية.
فالرياض، بحسب المطلعين، لن تُقدم على خطوة مستقبلية في اتجاه علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل من دون مؤتمر دولي يرعى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتكون هي القضية الأم على الطاولة. وبحسب ما سمعته شخصية لبنانية على تواصل مع دوائر الفاتيكان، فإن المهمة الدبلوماسية ستتولاها إسبانيا لإعداد مؤتمر جديد على غرار «مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط» الذي عُقد في تشرين الأول/أكتوبر 1991، إنما مع نضوج الظروف لتنفيذه هذه المرة، وهي ظروف قيد التشكّل. فثمة دبلوماسية صامتة تتمثل بتحرك يهودي في العالم ضد تطرف اليمين الإسرائيلي، فضلاً عن أن جزءاً كبيراً من المجتمع الإسرائيلي – بخلاف الشحن الأيديولوجي والتعبئة الدينية و«البروباغندا» الإعلامية – بدأ ينظر إلى استحالة الاستمرار في هذا الصراع الذي لا ينتهي. ما هو غير معروف المدى الزمني الذي سيحتاجه المجتمع الإسرائيلي كي ينتفض في وجه بنيامين نتنياهو.
والنقاش ليس مقتصراً على الضفة الإسرائيلية، بل يصل إلى الضفة الفلسطينية وإلى قلب غزة تحديداً، حيث الأسئلة تدور عما إذا كان لازماً دفع هذه الكلفة من الحرب والدمار والقتل للوصول إلى انتزاع حل للمسألة الفلسطينية، وهو عملياً كان يمكن تحقيقه من خلال الضغط الدبلوماسي من البوابة السعودية لو تُركت دفة القيادة للسلطة الوطنية الفلسطينية. أما الحديث عن نهاية طبيعية لـ«حماس» بما تشكّله من يمين فلسطيني متشدد، فإنه رهن الحيوية الفلسطينية التي لا بد من أن يُبلورها الداخل في غزة والضفة والقدس. وهي حيوية يمكنها استيعاب حركة «حماس» بشقها السياسي ضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية، إنما بحجمها الفعلي الذي لا يسمح بأن تبتلع تاريخ المنظمة ببعدها العلماني الوطني، والتي كانت ولا زالت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. أما الحديث عن إمكانية بقاء الشق العسكري للحركة، فيغيب كلياً.
على كل، وإذا كان مَن يعتقد في دوائر القرار القريبة والبعيدة أن النهائيات معروفة، فإن كيفية تعامل العقل الإسرائيلي مع وضع رفح في قابل الأيام، ومع لبنان في المستقبل القريب، من شأنه أن يرسم حجم الكلفة الإضافية المنتظرة على مستوى البشر والحجر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية