«خيمة المعلبات» لاستضافة النازحين في دير البلح

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة – «القدس العربي»: قاسية هي الحرب الإسرائيلية على غزة، وعلى قدر ما فيها من قسوة أجبرت العديد من أهالي شمال ووسط القطاع على النزوح والمبيت في العراء، إلا أنها فجرت العديد من الطاقات الإبداعية لدى الشباب فأنتجوا خيمة من معلبات الطعام الفارغة لاستضافة النازحين.
مجموعة من الشباب الغزي بمساعدة النازحين قرروا، بعد 5 أشهر من الحرب وتفاقم مأساة النزوح، تشييد خيمة من المعلبات في مخيم أيوب أبو سمرة في أرض النخيل في مدينة دير البلح، لكسر حالة الحزن والألم التي يقاسيها النازحون يومياً، حسب داليا العفيفي، صاحبة الفكرة، وإحدى المتطوعات في بناء الخيمة.
العفيفي، (39 عاماً)، ترى أن المعلبات تمثل معاناة الشعب الفلسطيني، فهي الطعام الوحيد تقريباً للنازحين الوارد ضمن شاحنات المساعدات، بسبب ظروف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وتقول داليا لـ “القدس العربي” خلال حديثها: “قررنا أن نعمل للمعلبات إعادة تدوير، في الوقت الذي أصبحت فيه الخيام العادية غالية الثمن”.
توضح داليا الهدف الأساسي من الفكرة، وهو “مجابهة غلاء خيام النازحين”، إذ وصل ثمن الخيمة الواحدة في مخيمات جنوب قطاع غزة إلى أكثر من 1800 شيكل، وهو سعر لا يقدر عليه أغلب النازحين من شمال ووسط القطاع المحاصر، الذين تركوا كل غالٍ وثمين وراءهم، وأصبحوا بلا عمل.
وتشير النازحة الثلاثينية إلى هدف معنوي وراء فكرة “خيمة المعلبات” وهو توصيل رسالة إلى العالم بأن “حياة الغزيين ليست خيمة ومعلبات فقط، بل هناك حياة عليهم أن يعيشوها بعيداً عن الحرب والمعاناة”.
وأوضحت أن تشييد الخيمة استغرق منهم أسبوعين، بعد أن استعانوا بجهود المهندس عبد الله ثابت، صاحب التصميم المبدئي للمشروع.
قوام الخيمة أخذ 13 ألف معلب طعام فارغة جمعها نازحون وأطفال من الشوارع، حسب ما يقول ثابت، لـ”القدس العربي”، موضحاً أنهم استغرقوا 14 يوماً كاملة في بناء الخيمة، إذ امتدت عملية البناء إلى الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، بعد أن قسموا أنفسهم إلى فرق، كل فريق من 9 أشخاص، بعضهم مسؤول عن جمع المعلبات والبعض الآخر عن البناء.
وبين لـ “القدس العربي” أنهم أطلقوا على مشروعهم اسم “من حياة المفاوضات إلى حياة المعلبات”، لتوضيح معاناة النازحين جراء الحرب المستمرة للشهر السادس.
وأكد أنه سيجري تسليم الخيمة إلى إحدى العائلات النازحة إلى دير البلح لحين تدبير خيمة عادية لهم. وقد واجهت المهندس المعماري وفريقه صعوبة في تثبيت مجسم الخيمة إلى أن قاموا بإنشاء شكل ثلاثي الأبعاد يمنح الخيمة الثبات اللازم، بالإضافة إلى جريد النخيل والأصداف البحرية، تلك العناصر جميعها لعبت دوراً كبيراً في عملية التثبيت “كنا نتساءل هل سيتقبل الناس الفكرة المبتكرة أم لا وهل الشكل الخارجي للخيمة سيكون ناجحاً أم لا؟! لكن الجميع شارك ونجحت الفكرة”، وفق ثابت.
وعن تصميم الشبابيك والسقف، بين أنهم صمموا النوافذ بشكل مستطيل، فيما احتاروا في تصميم السقف “هل سيكون بشكل مستطيل متعارف عليه أم بشكل هرمي؟” ثم استقروا على تنفيذ السقف بطريقة هرمية، لأن المعلبات ستشكل ثقلًا على السقف المستطيل، ما قد يؤدي إلى انهيار الخيمة في أي لحظة.
النازحون اعتبروا “خيمة المعلبات” عروسهم فزينوها بأعلام فلسطين وعبارات مثل “أوقفوا المذبحة.. أوقفوا الإبادة الجماعية، عودتنا حتمية والخيمة وهمية”، إكراماً لنزوحهم ووجودهم في “حرب 2024″، إثباتاً لمقولة “إننا باقون ما بقي الزعتر والزيتون”، حسب عبد الله.
نشطاء وفنانون تشكيليون شاركوا في عملية تزيين الخيمة، إذ أشار عبد الله إلى أن أحد الشباب صنع نجفة من المعلبات وزين بها سقف الخيمة، وخط الفنانون جداريات بديعة على ظهر وواجهة الخيمة، حتى النساء في الخيام شاركن بالإعجاب وإبداء الرأي “كانت أول تجربة أخوضها بحياتي على المستوى المهني وأنا فخور بها مع طاقم العمل”.
عاصم الغريب، أحد القائمين على تشييد الخيمة، يؤكد أن الخيمة تعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني من قتل لنسائه وأطفاله وشيوخه إلى إجباره على النزوح الدائم من مكانٍ إلى آخر وسط ظروف إنسانية قاسية تضطره إلى تناول طعام المعلبات “كل ذلك يجسده هذا العمل الإبداعي الذي سيكون شاهداً على مأساة الفلسطينيين والنازحين”.
وأشار خلال حديثه لـ”القدس العربي” إلى أن “خيمة المعلبات” أصبحت بيتاً لأمسيات النازحين، يجلس فيها فريق العمل مع النازحين في مساء كل يومٍ، يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث السياسي حول مصير الحرب “استغرق بناء الخيمة وقتًا وجهداً طويلين، لكن كل هذا نسيناه مع تجمعنا وصمودنا في وجه آلة الحرب الإسرائيلية”.
ولفت الانتباه إلى أنهم واجهوا صعوبة في توفير الأسمنت، نظراً لشحه في الأسواق، لكنهم “توصلوا إلى فكرة الاستعانة بالرمال والأصداف البحرية المتوافرة بكثرة في دير البلح، فتغلبوا بالطبيعة البحرية على واقعهم المرير، كما عبروا باللافتات عن مأساة فلسطين والحرب والنزوح، واستطاعوا توليد الجمال من رحم المعاناة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية