دبي: على وقع القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، تسعى دول عربية لتحديد سبل دعم القطاع الفلسطيني بعد انتهاء الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، طارحة شرطا أساسيا لانخراطها يتمثل بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية.
لا تزال العقبات أمام تحقيق ذلك كبيرة، أهمّها كسب دعم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو المعارض الشرس لحل الدولتين. إلا أنّ اللجنة الخماسية العربية التي تضمّ السعودية والإمارات وقطر والأردن ومصر، أوضحت أن دعمها المالي والسياسي الذي يُعدّ أساسيا لمستقبل القطاع المدمّر، لن يأتي إلا مقابل ثمن.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، خلال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقد الشهر الماضي في الرياض: “لقد نسقنا هذا الأمر بشكل وثيق مع الفلسطينيين. يجب أن يكون هناك مسار حقيقي نحو دولة فلسطينية”.
وأضاف: “بدون مسار سياسي فعليّ… سيكون من الصعب للغاية على الدول العربية مناقشة الطريقة التي سنحكم بها”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتضافر فيها الجهود العربية لرسم خريطة طريق نحو حلّ الدولتين، وهو هدف يرى القادة العرب أنه سيؤدي إلى نزع فتيل التوترات في الشرق الأوسط. لكن مع انعكاس تأثيرات الحرب الدائرة منذ أكثر من سبعة أشهر، على اقتصادات الإقليم واحتمال توسّع رقعة الصراع إلى دول مجاورة، فقد أصبح إنهاء النزاع، أمرا ملحا وفرصة في آنٍ معا.
والشهر الماضي، التقى وزراء خارجية أوروبيون وعرب على هامش الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي في الرياض، لمناقشة كيفية المضي قدما في حلّ الدولتين.
وسيتصدّر مستقبل قطاع غزة، جدول أعمال قمة جامعة الدول العربية التي تنعقد الخميس في البحرين.
قال دبلوماسي عربي في الخليج مطلع على اجتماعات وزراء خارجية المجموعة العربية، إن النقاش ينصبّ أولا “على سبل الضغط من أجل وقف إطلاق النار وتسهيل دخول مزيد من المساعدات”، لكن “سياسيا يتمحور حول الضغط على الولايات المتحدة من أجل أمرين: إقامة دولة فلسطينية، والاعتراف بها في الأمم المتحدة”.
وأكد شرط عدم الكشف عن اسمه، لأنه ليس مخوّلا التصريح لوسائل إعلام، أن “ما يعيق هذه الجهود المكثفة حاليا هو استمرار الحرب وموقف نتنياهو المتعنت من (إقامة) دولة فلسطينية”.
ورأت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، صنم وكيل، أن القادة العرب “يحاولون العمل مع إدارة بايدن لتقديم الدعم المتبادل” لخطة اليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة.
ومن ركائز خطتهم، إصلاح السلطة الفلسطينية لتمهيد الطريق أمام إعادة توحيد الإدارة في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة حيث تتولى حماس الحكم منذ عام 2007.
وقال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني خلال منتدى قطر الاقتصادي الثلاثاء: “نؤمن بحكومة فلسطينية واحدة يجب أن تكون مكلّفة بالضفة الغربية وغزة”.
وأضاف: “إننا نعمل مع شركائنا العرب في ما نسمّيه اللجنة السداسية، (التي تضم) الدول العربية إضافة إلى الولايات المتحدة، لمحاولة التفكير في أفضل طريقة للانتقال إلى (مرحلة ما بعد الحرب) بشكل لا يؤثر على الشعب الفلسطيني ولا على القضية الفلسطينية، ولا يقوّض السلطة الفلسطينية”.
في آذار/ مارس الماضي، صادق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على تشكيلة حكومية جديدة برئاسة الاقتصادي محمد مصطفى الذي يريدها أن تلعب دورا في المرحلة التالية لانتهاء الحرب في غزة.
غير أنّ العقبة الأكبر، بحسب المحلل الإماراتي البارز عبد الخالق عبد الله، هي الحكومة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن الجهود الدبلوماسية العربية شملت أيضا المعارضة الإسرائيلية.
ففي مطلع الشهر الحالي، التقى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، زعيمَ المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، في أبوظبي. وناقش الطرفان أهمية الدفع نحو “إعادة المفاوضات لتحقيق السلام الشامل القائم على أساس حل الدولتين”، بحسب بيان الخارجية الإماراتية.
ويرى المحلل عبدالله أن “هناك وعودا بأنّه إذا تشكّلت حكومة معارضة (بعد انتخابات مبكرة في إسرائيل)، فقد تكون أكثر ميلا لهذا الاقتراح، وأكثر تعاونا وأقلّ تصلبا”.
ويستبعد القادة العرب عموما انخراطهم في إدارة مدنية لغزة، أو إرسال قوات على الأرض في ظل الظروف الحالية.
وليل الجمعة السبت، أكد وزير الخارجية الإماراتي في منشور على منصة إكس، أن بلاده ترفض “الانجرار خلف أي مخطط يرمي لتوفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة”.
والشهر الماضي، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن الدول العربية لن ترسل قواتها إلى غزة لتجنّب أن يرتبط انخراطها “بالبؤس الذي خلقته هذه الحرب”. وأكد في الرياض “أننا كدول عربية لدينا خطة. نحن نعرف ما نريد. نريد السلام على أساس حل الدولتين”.
كذلك، تتردد دول الخليج الغنية بالنفط خصوصا السعودية والإمارات، في تغطية تكاليف إعمار القطاع بدون الحصول على ضمانات.
وفي شباط/ فبراير، قالت المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة إنه “لا يمكننا الاستمرار في تخصيص الأموال ثم رؤية كل ما بنيناه مدمّرا”.
ويشير الخبير في شؤون السعودية بجامعة برينستون الأمريكية برنارد هيكل، إلى أن العرب “بالتأكيد لا يريدون أن يكونوا مجرد حساب مصرفي. هم ليسوا مستعدين لتنظيف الفوضى التي أحدثتها إسرائيل وإنفاق أموالهم على ذلك”.
(أ ف ب)