حقوقيون عراقيون يوثّقون أكثر من 300 انتهاك ضد الصحافيين

مشرق ريسان
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: وثّقت منظمات حقوقية عراقية معنية بالدفاع عن حرية الصحافة في العراق، الجمعة، أكثر من 300 انتهاك تعرض له الصحافيون العراقيون خلال عام، داعين في الوقت عينه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى تنفيذ وعوده بحماية الصحافيين من بطش قوات الأمن، فيما سجّلت منظمة “مراسلون بلا حدود” الحقوقية، تراجعاً في موقع العراق بالتصنيف العالمي للحريات الصحافية لعام 2024.
وكشفت جمعية “الدفاع عن حرية الصحافة في العراق”، عن تسجيل ارتفاع في أعداد حالات الاحتجاز والاعتقال والملاحقات القضائية والمضايقات المتنوعة، لمنع التغطيات الإعلامية خلال الفترة (أيار/ مايو 2023 – أيار/ مايو 2024)، مؤكدة أن ذلك يشكل قلقاً مضاعفاً إزاء مستوى حرية العمل الصحافي المتدهورة في البلاد.
وحسب تقرير للجمعية، يبرز في هذه الأثناء ارتفاع وتيرة الأحكام القضائية وأوامر القبض، والاستقدام، والحكم الغيابي ضد الصحافيين، وفقاً لقوانين موروثة من الحقبة الدكتاتورية السابقة، لتبرز منظومة القضاء العراقي كإحدى الجهات التي تدعم ملاحقة الصحافيين، وبطريقة غير مسبوقة.
وترى الجمعية الحقوقية أن الانتهاكات تؤشر “منهجية عدوانية تستخدمها السلطات، بشكل فج، تارة من قبل الجهات السياسية والمتنفذين، باتخاذهم الملاحقات القانونية لإسكات الصحافيين، وتارة أخرى بالإيعاز للأجهزة الأمنية بمطاردة الصحافيين في الشوارع ومنعهم من التصوير، كما حدث في البصرة بأوامر من قائد شرطة المحافظة”.
وذكر التقرير أن “من بين الانتهاكات الجديدة التي شهدها العراق على صعيد حرية العمل الصحافي، قيام السلطات العراقية بخرق كل السياقات القانونية والدستورية، وحجب عدد من المواقع الخبرية الإلكترونية، ومجموعات أو صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، بطريقة سرية وكتومة، دون أن تعلن أي هيئة أو جهة أو كيان حكومي أي تفسير لذلك”.
ووثق، خلال الفترة التي غطاها 333 انتهاكاً، توزعت بين الاحتجاز والاعتقال والإصابات، فضلاً عن مداهمة أو اقتحام أو هجوم مسلح ضد منازل الصحافيين ومقار وسائل الإعلام، واعتداء بالضرب، ومنع أو عرقلة العمل، ورفع دعاوى قضائية.
وفصّل التقرير هذه الانتهاكات، بـ”53 حالة احتجاز واعتقال، و6 إصابات، و12 هجوماً مسلحاً، إضافة إلى 232 حالة منع وعرقلة وضرب، فضلاً عن رفع 22 دعوى قضائية ضد الصحافيين، وثماني حالات أخرى متفرقة”.
وخلال رصد أجرته الجمعية على مدار الأشهر الماضية، سجل شهر نيسان/ أبريل الماضي، أعلى الانتهاكات بواقع 57 حالة، يليه شهر آب/ أغسطس الماضي 47 حالة، من المجموع الكلي للانتهاكات خلال العام، كما احتلت بغداد صدارة المدن الأكثر انتهاكاً ضد الصحافيين بـ66 حالة، تليها أربيل 64 حالة، ثم البصرة 54.
وبناء على ما تقدم، رفعت الجمعية توصياتها إلى مجلس النواب والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة، تضمّنت “إعادة إحياء محكمة الإعلام والنشر التي تأسست بموجب توصيات يو بي أر، والتي ألغاها مجلس القضاء الأعلى في العام 2017 بداعي عدم وجود قانون لها”، بالإضافة إلى “التزام المحاكم بتوصيات مجلس القضاء بخصوص قضايا النشر، وعدم اعتبارها جرائم جنائية”. وحثّت على “قيام مجلس النواب بمهامه في إصلاح المنظومة القانونية الحامية لحرية العمل الصحافي، وإقرار قانون عادل لحق الحصول على المعلومة، وقانون تعدد النقابات والاتحادات”، مشددة على وجوب “إيفاء رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بوعوده لحماية الصحافيين من بطش وعنف الأجهزة الأمنية، ومحاسبة مصدري قادة العمليات والشرطة الذين يصدرون أوامر بقمع الصحافيين وفق أهواء شخصية، والكف عن تقديم الوعود دون تنفيذها”.
ودعت إلى “عزل هيئة الإعلام والاتصالات عن القرارات والأمزجة السياسية، وإبعادها عن منظومة القمع المتبعة من قبل السلطات”، فضلاً عن “قيام الهيئة بمهامها في تعزيز دور المؤسسات الصحافية والإعلامية المستقلة، والتوقف عن فرض الوصايات على وسائل الإعلام”.
وأكدت أهمية “العمل الجدي على ملف إنهاء الإفلات من العقاب، في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، والكشف عن الجهات والشخصيات المرتكبة لعمليات الاغتيال والتغييب والخطف ضد الصحافيين”، بالإضافة إلى “فتح تحقيق بشأن حجب وكالات أو مواقع خبرية بشكل غير قانوني، ومحاسبة الشخصيات أو الجهات التي تقف وراء ذلك”.
يأتي ذلك بالتزامن مع تسجيل العراق تراجعاً في التصنيف العالمي للحريات الصحافية لعام 2024 الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود”.
واحتل العراق المرتبة 169 بين 180 دولة هذا العام، متراجعاً مرتبتين عن 167 التي سجّلها في 2023.
وقالت المنظمة إن “الصحافيين في العراق يواجهون تهديدات من كل حدب وصوب، في ظل ضعف الدولة ومؤسساتها التي تتقاعس عن دورها في حمايتهم”.
وحصل العراق هذا العام على مجموع 25.48 نقطة، فيما كان قد حصل على 32.94 نقطة في 2023.
وتقيس المنظمة المؤشرات السياسية، الاقتصادية، التشريعية والاجتماعية لتحديد مرتبة كل دولة في التصنيف.
ورأت “مراسلون بلا حدود” أن “هناك روابط وطيدة بين وسائل الإعلام والأحزاب السياسية (في العراق)، التي تتحكم في خطها التحريري”، موضحة أنه “بسبب التأثير السياسي في وسائل الإعلام، تكاد تنعدم الأخبار المستقلة، بينما تضيع الحقيقة في خضم الاستقطاب ويستمر كفاح أهل المهنة دفاعاً عن حقوقهم. ذلك أن معظم الصحافيين يتعرضون للتهديد باستمرار منذ عام 2019”.
كما طالت الاعتداءات وأعمال النهب العديد من وسائل الإعلام بسبب تغطيتها للمظاهرات المناهضة للفساد، والتي تعتبرها بعض التيارات السياسية مسيرات معادية للنظام، حسب المنظمة الحقوقية التي أشارت إلى أن “في كردستان، يتهم الصحافيون الناقدون بالتجسس ويكون مصيرهم الاعتقال والسجن”. وأضافت: “إذا كان الدستور يكفل حرية الصحافة نظرياً، فإن القوانين المعمول بها تتعارض مع بعض مواده”، مبينة أن “الشخصيات العامة غالباً ما تلجأ إلى المحاكم لمتابعة الصحافيين الذين يحققون في أنشطتهم، وعادة ما تكون الملاحقة بتهمة التشهير”.
وأكدت أن “مشروع القانون المتعلق بالجرائم الإلكترونية، الذي يعود إلى الواجهة بانتظام، جاء ليزيد من متاعب أهل المهنة، حيث ينص على عقوبات بالسجن (تصل إلى المؤبد) بسبب منشورات إلكترونية (تمس استقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا)”.
المنظمة اعتبرت أن تمويل وسائل الإعلام يتسم بـ “عدم الإنصاف”، وهو “مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتماء السياسي”.
وتابعت: “كلما كانت إمكانيات الحزب السياسي كبيرة، هيمن منبره الإعلامي على معدلات الجمهور”، منوّهة في هذا السياق إلى أن العديد من وسائل الإعلام “تخلت عن استقلاليتها لتعويض ضعف ميزانيتها أو انتهى بها المطاف بوقف أنشطتها بكل بساطة”.
في حين، دعت منظمة “العفو الدولية” سلطات إقليم كردستان العراق إلى أن تضع حداً لاعتدائها على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والضرب والمحاكمات فادحة الجور للصحافيين.
وأفادت في بيان صحافي أنه “كان للمضايقات والترهيب والهجمات ضد الصحافيين تأثير مخيف على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة في إقليم كردستان العراق، حيث أُجبر العديد من الصحافيين على الفرار أو الاختباء أو التخلي عن ممارسة الصحافة تماماً، بينما لا يزال العديد من نظرائهم يقبعون في السجون”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية