حسابات مشبوهة تنشر الفتنة على شبكات التواصل

حجم الخط
0

خلال الشهور القليلة الماضية وبالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفي أعقاب عملية السابع من أكتوبر، ظهرت مئات وربما آلاف الحسابات العربية على شبكات التواصل الاجتماعي، سواء والتي تعمل في إطار نشر الفتنة بين العرب، وتلويث الرأي العام العربي، وإشغال المستخدمين بقضايا جدلية أو خلافية، فضلاً عن محاولة تخفيف التضامن مع الشعب الفلسطيني، عبر التذكير ببعض الصراعات السابقة، واستدعائها من أجل قتل روح التضامن مع أبناء غزة، الذين يتعرضون لحرب الإبادة الإسرائيلية.
ما حدث خلال الشهور الأخيرة، هو أن عدداً كبيراً من هذه الحسابات المشبوهة هبط بشكل مفاجئ على شبكات التواصل الاجتماعي، وأغلب هذه الحسابات تأسست أصلاً حديثاً، وبشكل خاص خلال الفترة من شهر ديسمبر 2023 وحتى مارس الماضي، ويحمل كثير من هذه الحسابات أسماء عربية، يزعمون أنهم مواطنون فلسطينيون موجودون في قطاع غزة، بل إن أحد هذه الحسابات على شبكة «إكس» يحمل اسم «حركة فتح» ويدعي أنه الصفحة الرسمية للحركة (حساب تأسس قبل شهور قليلة وهو غير موثق)، ومن يقوم بتتبع هذه الحسابات يكتشف أن أغلبها تأسس بعد الحرب، وأن كل ما تنشره من ادعاءات ومزاعم ليس له سوى هدف واحد وهو، بث الفتنة الداخلية وتفتيت الشارع الفلسطيني، والترويج لتحميل الضحية (الفلسطينيين) مسؤولية ما يحدث الآن في غزة، بدلاً من تحميل الاحتلال مسؤولية حرب الإبادة التي يقوم بها.

أغلب الظن أن الحسابات التي تحاول نشر الفتنة العنصرية والطائفية والخلافات البينية في الدول العربية، تعود إلى «الجيش الإلكتروني» التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية

في لبنان أيضاً ظهرت جملة من الحسابات على شبكات التواصل، التي تحاول استدعاء الصراع الطائفي والعرقي في البلاد، وتقوم بمهاجمة الفلسطينيين، وانتقاد حزب الله والتذكير بثارات الحرب الأهلية التي انتهت قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهذه الحسابات لا تختلف في منطقها عن تلك التي تتظاهر بأنها لفلسطينيين موجودين في غزة، لكنهم ينتقدون حركة حماس وسياساتها. لكن الأهم من الحسابات الوهمية في لبنان وغزة، هي موجة الفتنة التي يشهدها الأردن، والتي تصاعدت وتيرتها بصورة حادة ومكثفة منذ انطلقت مسيرات الاحتجاج نحو السفارة الإسرائيلية في منطقة «الرابية» وسط العاصمة الأردنية منتصف شهر رمضان، وكانت مسيرات يومية مسائية تستمر حتى منتصف الليل، وكانت هذه هي موجة الاحتجاج الأقوى التي يشهدها الأردن منذ بدأت الحرب، حيث كان يحتشد عشرات الآلاف من الأردنيين يومياً، مطالبين بإغلاق سفارة الاحتلال وقطع العلاقات مع إسرائيل. ومنذ منتصف شهر رمضان، وبالتزامن مع هذه المسيرات سرعان ما نشطت مئات الحسابات المشبوهة على شبكات التواصل الاجتماعي، التي تتظاهر بأنها حسابات تعود لناشطين أردنيين، وشنت هذه الحسابات موجة تحريض غير مسبوقة على الفلسطينيين، كما انشغلت بالإساءة إلى المشاركين في التظاهرات الليلية، تارة عبر الادعاء بأنها «مظاهرات فلسطينية تستهدف الأردن»، وتارة بالادعاء بأنها «تعتدي على رجال الأمن»، ومرة بالغمز واللمز، عبر الإشارة إلى أن في المسيرات نساء تركن منازلهن حتى ساعة متأخرة من الليل. لم تتوقف الحسابات المشبوهة عند الإساءة للمظاهرات اليومية التي تقصد سفارة الاحتلال، وإنما توسعت إلى شن موجة تحريض ضد الفلسطينيين عبر استدعاء «أيلول الأسود»، وبث مزاعم تتضمن الإساءة للاجئين وللمخيمات، بل إن الجهة التي تقف وراء الحسابات المشبوهة التي تحاول بث العنصرية والفئوية هي ذاتها كانت تُنشئ حساباً لشخص يدعي أنه فلسطيني ويهاجم الأردن، ومن ثم يتم التقاط تعليقاته المسيئة للأردنيين ويتم نشرها لتحريض الأردنيين، وهكذا يتم تحريض كل من الأردنيين والفلسطينيين ضد بعضهم بعضاً، والكارثة هو أن عدداً من الأشخاص الحقيقيين سرعان ما ينزلقون إلى هذه الفتنة وينساقون وراء خطاب الكراهية المصطنع!
أغلب الظن أن هذه الحسابات التي تحاول نشر الفتنة العنصرية والطائفية والخلافات البينية في الدول العربية، تعود إلى «الجيش الإلكتروني» التابع إلى الوحدة (8200) التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهذه الوحدة ليست جديدة لكنها انكشفت مؤخراً لتؤكد ما كان يُقال عنها سابقاً. ولدى الحسابات الوهمية التي تنتشر على شبكات التواصل، وتعمل ضمن هذه الوحدة هدفان: الأول نشر الفتنة وخطاب الكراهية بين الشعوب العربية، بما يؤدي إلى تثبيط التضامن مع الفلسطينيين، وبالتالي تقليل الدعوات لقطع العلاقات مع تل أبيب، وخفض الاحتجاجات الشعبية التي تعارض الحرب الإسرائيلية، خاصة مع إشاعة رأي عام يدعي بأن الفلسطينيين هم الذين جلبوا لأنفسهم هذه المأساة.
أما الهدف الثاني لهذه الحسابات فهو التجسس وجمع المعلومات، حيث يقف وراء كل حساب شخص يقوم بالتغريد أو التدوين عدة مرات يومياً، ويظهر على أنه ناشط يتبنى موقفا معين، ومن ثم يقوم بالتواصل مع الأشخاص الحقيقيين من المؤمنين بما يقول أو من الذين ينساقون وراء خطابه. والخلاصة، هي أن ما يحدث على شبكات التواصل ليس دائماً بريئا، وأحياناً يكون حملات مصطنعة تقف وراءها جهات سياسية أو دول، وربما يكون وراء ما تقرأه على شبكة «إكس» أو على «فيسبوك» ضابط إسرائيلي يتحدث العربية بطلاقة، ويوهمك بأنه يحبك لكنه في الواقع يقوم بإشعال الفتنة في بلدك.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية