ثورة 17 ديسمبر.. هل أجابت سؤال “حرية وكرامة” الشعب التونسي؟

حجم الخط
0

تونس- عادل الثابتي: أجمع نشطاء سياسيون تونسيون من مشارب مختلفة أن ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، كانت من أجل “الحرية والكرامة”، إلا أنهم اختلفوا في قراءة مسارها خلال 13 عاما الماضية وحتى اليوم.

ويرى موالون للرئيس قيس سعيد أن إجراءات 25 يوليو/تموز 2021 التي أنهى بها نظام ما بعد 14 يناير/ كانون الثاني 2011 هي “تصحيح لمسار الثورة”، فيها اعتبر معارضون للرئيس أن تلك الإجراءات “أعادت مقاليد الأمور بيد المنظومات الذي ثار عليها الشعب التونسي”.

وفي 17 ديسمبر 2010، أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه أمام مقر محافظة “سيدي بوزيد”، احتجاجا على أوضاعه الاجتماعية ما جر البلاد إلى ثورة شعبية عارمة انتهت بفرار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من تونس، متخليا عن حكم بدأه عام 1987 بتنحية الرئيس الذي سبقه الحبيب بورقيبة.

وتمر تونس بأزمة سياسية منذ 25 يوليو/ تموز 2021، عندما بدأ سعيد اتخاذ “سلسلة إجراءات” شملت حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد في 25 يوليو 2022.

ثورة جياع

محمود بن مبروك، أمين عام حزب “مسار 25 جويلية” (مساند للرئيس قيس) قال إن 17 ديسمبر 2010 كان “انطلاق شرارة ثورة الجياع، وثورة الحرية للمضطهدين”.

وأضاف بن مبروك: “إنه تاريخ رمزي، ولذلك تحتفل الدولة والمسار (حزبه) بتاريخ 17 ديسمبر 2010، ولا يحتفل بيوم 14 يناير 2011، لأن الأخير كان تاريخ خيانة للشعب التونسي باعتبار أن من حكموا خلال العشرية السوداء (2011-2021) حادوا عن مطالب الشعب وكانوا خيبة أمل كبيرة للشعب فيما بعد”.

أسامة عويدات، مسؤول الإعلام في “حركة الشعب” (مساند للرئيس) قال إن ذكرى 17 ديسمبر هي “ذكرى للثورة التي كانت أهم شعاراتها؛ شغل.. حرية.. كرامة وطنية”.

وأضاف عويدات: “لا يمكن الحديث عن الحرية دون كرامة وطنية، ودون تشغيل (عمل) وبعد اجتماعي”.

وتابع: “كان صوتنا عاليا بعد 25 جويلية 2021 (إجراءات الرئيس سعيد الاستثنائية) وقلنا إن هذا المسار هو “مسار ذو بعد اجتماعي بالأساس، ولابد من إجراءات حقيقية يحس من خلالها التونسي بتغيير في حياته”.

رافد سياسي واجتماعي

عبد اللطيف المكي، عضو “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة، وأمين عام “حزب العمل والانجاز”، قال إن 17 ديسمبر يمثل “تاريخ التقاء بين الرافدين، الرافد السياسي والحقوقي المناضل من أجل الديمقراطية، والرافد الاجتماعي والتنموي”.

وأضاف: “الرافد السياسي والحقوقي لم يكن يُغْفل المسألة التنموية، بل كان يعتبر أن وجود نظام ديمقراطي تكون خياراته الاقتصادية والتنموية تحت رقابة الشعب وإرادته، شرط ضروري للتنمية”.

وأوضح أن “التقاء الرافدين فتح آفاقا كبيرة في البلاد، حيث شاركت أجهزة الدولة في هذا الالتقاء عندما انحازت للشعب، وأدركت ضمنيا أن إقامة نظام ديمقراطي عصري هو شرط من شروط أدائها الذي يحترم القانون والحريات، ويمثل لها ضمانات بديلا عن نظام استبدادي ورطها ضد الشعب مثل قمع الحريات والحقوق السياسية والنقابية”.

وأوضح المكي أن البلاد تعاني “معاناة كبيرة بسبب الانقلاب الذي لا يعبأ بمسألة الحريات، وليست له رؤية تنموية، وسيكون مظلة جيدة جدا للوبيات والمفسدين، رغم رفعه شعارات مقاومة للوبيات”.

وقال المكي: “هذا الوضع سيجعل الشعب التونسي بين قوسين، وسنستأنف المسار الديمقراطي ونصلح عيوبه التي جعلت قوى الردة تتسلل وتصيبه في مكان حساس له آثار قوية”.

تعثر اجتماعي

وبالمقابل، يعتبر عويدات أن مسار 17 ديسمبر “تعثر أمام الوضع الاجتماعي ولم يحقق الشيء الكثير منذ الثورة إلى الآن، خاصة مع وجود أمل في أن تتحسن الظروف منذ 2021”.

وأضاف: “حركة الشعب تعمل على إيجاد أجوبة حول كيفية التشجيع على الاستثمار في الاقتصاد الرقمي، وايجار فرص عمل للشباب بدلا من اللجوء” إلى أوروبا.

بن مبروك قال إن “شعار الشعب في المسألة الاجتماعية كان الحرية والعدالة والمطالبة بالتشغيل، ولكن فيما بعد جاءت حيتان كبيرة حكمت البلاد وزادت الإضرار بالمقدرة الشرائية”.

وأضاف: “جاءت طبقة سياسية فاسدة كان همها الوحيد الثراء على حساب الشعب، حيث منعوا الشعب في فترة جائحة كورونا من حقه في التداوي والتلقيح والأكسجين، كل هذا أثر سلبا على المقدرة الشرائية للشعب التونسي”.

وتابع: “ثم جاءت إجراءات 25 يوليو 2021، حيث انتفض الشعب على الطبقة السياسية الحاكمة، وتونس الآن تبحث عن معادلة من أجل الاستقرار الاجتماعي”.

وأشار إلى وجود “لوبيات متنكرة تحاول الرجوع (للحكم) لخلق أزمات في تونس من خلال الاحتكار ورفع الأسعار وندرة بعض المواد”.

وأوضح بن مبروك أن تلك “أزمات مفتعلة لضرب المنظومة الحالية، لكن الشعب متفطن ولم ينساق وراءهم، لأنه يعرفهم تجارا للدين يريدون التلاعب بعقول التونسيين”.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات تفشي جائحة كورونا، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية إثر الأزمة الروسية الأوكرانية.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، قال محافظ البنك المركزي مروان العباسي، إن تقديرات البنك تؤشر لارتفاع التضخم في 2023 إلى 11 بالمئة، صعودا من 8.3 بالمئة في 2022.

تدخلات داخلية وخارجية

ويعزو المكي، أسباب إخفاق سنوات ما بعد الثورة اقتصاديا إلى “صراعات إيديولوجية وتدخلات خارجية تمكنت من تعطيل البلاد بشكل كبير، وخاصة على حساب مسار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية العميقة”.

وأضاف: “الصراعات الإيديولوجية والتدخلات الخارجية وعدم وجود تفاهم وطني كان على حساب الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، وكان على حساب نفس واقعي لهذه الإصلاحات يعطي وقتا ويوفر الظروف المناسبة”.

وحمّل المكي “حركة النهضة” أيضا مسؤولية الإخفاق قائلا: “للأسف النهضة ارتكبت أخطاء في قيادتها عندما اعتقدت أن نجاتها ونجاح الانتخابات يتم بالخضوع لتلك اللوبيات، حيث كانت للثورة خلال لقاء باريس و5 سنوات من الوفاق، اليد السفلى”.

وأضاف: “استمرت سياسة الخضوع للوبيات حتى بعد انتخابات 2019 التي عدلت البوصلة وأعادت النهضة إلى صدارة المشهد السياسي، ولكن للأسف الشديد استمرت قيادة النهضة في سياسات متعثرة، ما مهد الطريق للانقلاب برفع تلك الشعارات”.

“لا خوف على الحرية”

بن مبروك، لا يشاطر المكي مخاوفه على مستقبل الحرية في البلاد، حيث يعتبر أن “مسار 25 جويلية لم يقمع الحرية مثلما يتحدث كثير من الناس”، موضحا أنه “يجب التمييز بين النقد و حرية التعبير، والثلب والتشويه الذي نرفضه”.

ويرى عويدات أن “حرية التعبير لم تضرب، والدليل أن الكل يتكلم ولا أحد يعاقب على موقفه”.

وأوضح عويدات أنه “لا حديث عن الحريات بالمفهوم الحقوقي الأوروبي دون مضمون اجتماعي، لأن الحق والحرية في تلبية الرغبات الأساسية في العيش الكريم أهم بكثير من حرية التعبير”.
وأضاف: “لا يمكن الحديث عن الحرية في غياب العدالة الاجتماعية”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية