«ثقافة إملوان» في المغرب: محاولة لترميم الذاكرة وتحصين الهوية

«إملوان» منطقة أمازيغية تقع في صحراء «تافيلالت» جنوب شرق المغرب، وجاء كتاب «ثقافة إملوان: ترميم الذاكرة وتحصين الهوية» لتسليط الضوء على مختلف جوانبها الثقافية، غارفا من معين التنوع والتعدد الذي يتميز به الفضاء المغربي ككل وتناغم مكوناته، خاصة في تجلياتها العربية والأمازيغية والصحراوية.
ومن ثم، فهذا الكتاب الذي يخوض في الغنى الثقافي والتراثي للمغرب، هو مجهود جماعي من تنسيق عبد المجيد صرودي ومبارك أشبرو، ومراجعة وتقديم محمد شبير، الذي قال في مقدمة المتن إن البحث في الخصوصية الثقافية لإملوان، ليس ضربا من «جنون العظمة» في الدفاع عن الهوية، بل إنه استجابة نوعية واعية لفعل التفكير الذي ساكن هذه الذات الجماعية، وسكن فيها حتى كاد أن يكون قرينا لا يفارقها.
الكتاب الواقع في 133 صفحة من القطع الكبير، يضم بين دفتيه مقالات حول ثقافة إملوان الشفوية مثل الشعر، وفنون تراثها المتمثل في أنواع الفرجة، وهو محاولة للوقوف في وجه «التذويب والبلعمة والاستيعاب والاستغلال» كما ورد في مقدمة محمد شبير.
إن حضور جزء من الثقافة المغربية يُعزى إلى أهله ومبدعيه وفنانيه بشكل عام، وهو ما جعله كتاب «ثقافة إملوان» عموده الفقري، وهو نفض غبار الهامش عن هذه الجزء من الثقافة المغربية، الذي يصب في نهر التنوع، لذلك يصف كاتب مقدمة المتن ذلك كون الثقافة الملوانية «عاشت أكثر من نصيبها على هامش الهامش، فأصبح من اللازم أن تؤسس لذاتها في الموقع الذي تتراءى فيه».
ويخصص الكتاب حيزا وافيا للإبداع الشعري «الملواني» الذي قال عنه محمد حدو في خاتمة المؤلف التركيبية، إنه «مليء بالأغراض الشعرية والرموز، ما يجعله فسيفساء من المعاني والدلالات والصور الفنية العميقة، التي تتمظهر بشكل جلي، في التلقي الجمالي لهذا الشعر وتداوله، سواء الطقوس الاحتفالية كطقس الزواج والختان، أو في مناسبات مختلفة، وهو بطبيعة الحال شعر يعكس الواقع السوسيو- ثقافي للمجتمع الملواني في أفراحه وأتراحه».
وتتوزع مقالات الكتاب الجماعي بين تعريف بـ«قبيلة إملوان: المجال والمجتمع» الذي كتبه إسماعيل بوشحمة، واستهله بالحديث عن الانتماء إلى قبائل صنهاجة، التي تعد أكبر القبائل الأمازيغية في شمال افريقيا والصحراء، وكون قبيلة ملوانة التي هي تعريب لاسم القبيلة الأمازيغي إملوان، تعتبر «من أفخاذ أنجفة واحدة من بطون صنهاجة» وجزء كبير منها في محافظة تنغير في «تافيلات» في الجنوب الشرقي للمغرب، كما لها حضور في مناطق أخرى مثل، شيشاوة والأطلس المتوسط وزمور وغيرها. ويستشهد صاحب المقال الأول في الكتاب بقصور وأبراج أبناء القبيلة في منطقة تنغير في تافيلالت، كدليل على «تجذرهم وعراقتهم في تاريخ المنطقة» كما يسرد ملامح المجتمع «الملواني» الذي يعتبر مستقرا يسكن القصور والواحات ويزاول بشكل رئيسي الزراعة، وله خبرة وكفاءة في مجموعة من الحرف كالبناء، وهو بارع فيه سواء التقليدي أو العصري، ومعروف عنه زراعة الفلفل البلدي والحناء والكامون البلدي أيضا.
مدخل التعريف بقبيلة إملوان، تلاه مقال كتبته أميمة أشبرو، حول «جمالية التلقي في الشعر الملواني الأمازيغي» وكنموذج «قصيدة الطمع/ الرشوة للشاعر الحونيت» وتوقفت صاحبة المقال عند تميز القبيلة بكثرة شعرائها الذين «ظهرت ملكاتهم الشعرية وقدراتهم الإبداعية في المناسبات الجماعية والأعراس والمواسم المحلية والمناسبات الدينية والوطنية». وخصص سليمان جغبي مساهمته لموضوع «الأغراض الشعرية في الشعر الملواني ومميزاته» متسائلا «إلى أي حد استطاع الشعر الملواني أن يعبر عن الخصوصية الاجتماعية والثقافية لإيملوان؟». وتفرع المقال إلى التعريف بمميزات هذا الشعر، ثم الأغراض الشعرية، ومنه المدح، والغزل، والهجاء، والنصح والإرشاد، والرثاء، والاعتذار، والفخر والحماسة، ثم غرض الحكمة. وركزت الكاتبة سكينة أشبرو على «التصوير الفني في الشعر الملواني» بداية ببناء القصيدة، ثم الصورة الشعرية، والنقد الصامت، وفيه إشارة إلى أن «النقاد لا يرون أن الشعر شيئا هينا وبسيطا حتى عند الشعراء أنفسهم، فالشاعر لا ينظم الشعر عبثا بل ينطلق من أسس وقواعد مضبوطة يراها مناسبة».
وتناول منسق الكتاب، محمد شبير، «الديني والفني في الثقافة الملوانية فاعلية المرأة والمجتمع الأبيسي» ومنه يطرح سؤالا جوهريا «كيف تستطيع المرأة الملوانية أن تبرز ذاتها وتعبر عن حضورها في وسط اجتماعي تسود فيه قيم الأبوة والذكورة؟» ويبحر في تفاصيل هذا المحور الأساس، ويذكر مسألة «الملح والديني عند إملوان» ومنه جزء عن «الملح وقيم الأنوثة عند إملوان» ثم «المرأة في أعراس إملوان بين التدين والفنية» ويصل إلى «التضرع النسوي في تلغجا» وتعني بالخصوص طقس الاستمطار، ويختتم بالحديث عن احتلال المرأة لمكانة مهمة في المجتمع الملواني، باعتبارها «حاملة للقيم الثقافية وناقلة إياها من فضاء إلى آخر، وهي حاملة الكلمة الشعرية من زمن إلى آخر».
وتتوزع باقي المقالات الواردة في الكتاب الجماعي بين ما كتبه مبارك أشبرو حول «أبعاد فرجة الختان عند إملوان وغيرهم في تافيلالت» من خلال «ملمح الاحتفال والتمسرح والغايات» فيما خصص سمير الساعيدي مساهمته لـ»العنصرية الإثنية ضد السود مظاهرها وتجلياتها وأبعادها» أما وحدو محمد فقد تطرق إلى «الثقافة الشعبية الملوانية في الجنوب الشرقي للمغرب» بينما أفرد عبد المجيد صرودي مقاله لـ»إملوان والألعاب الشعبية» من خلال «بحث في المشترك والخصوصية» وخاتمة المساهمات جاءت بقلم إبراهيم أيت أخمران، الذي قام بمقاربة ببليوغرافية لإيملوان، ليسدل الستار على المقالات العلمية للمؤلف الجماعي بخاتمة تركيبية وقّعها محمد وحدو.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية