تونس: جدل حول ملاحقة بعض المدونين

حجم الخط
0

تونس-“القدس العربي”:

لم يجن التونسيون، إذا استثنينا النظام الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة، شيئا ذا بال من “الثورة” سوى حرية التعبير التي ترسخت واقعا في البلاد في السنوات الأخيرة. فقد اعتبرها البعض، مكسبا هاما قادرا على التخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري الناتج عن التحولات الكبرى التي عرفتها البلاد منذ 2011 تاريخ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

لكن برزت في الفترة الأخيرة، ومع حكومة يوسف الشاهد، بعض الممارسات التي ذكرت التونسيين بعهود الديكتاتورية الغابرة التي تمت فيها ملاحقة كل من يصدح برأي معارض للتوجهات العامة للقائمين على سياسة شؤون “الرعية”. ومن هذه الممارسات ملاحقة مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا الأداء الحكومي وأداء رئيس الحكومة حتى أن البعض تحدث مازحا عن إمكانية إضافة جريمة جديدة في القانون الجزائي التونسي تتعلق بـ”التحريض الفيسبوكي على الحكومة”.

لقد تم الذهاب بعيدا في هذا الإطار وبلغ الانتقام من المدونين مداه ومر “أهل الحكم” في القصبة إلى السرعة القصوى وذلك بإيقاف مدونين انتقدوا سير عمل بعض الأجهزة في الدولة أمام دهشة وذهول التونسيين. إذ لا أحد تصور أنه، وبعد كل هذه التحولات العميقة والجذرية التي عرفتها تونس سيأتي من لا يأخذ العبرة مما حصل لمن سبقه في حكم هذه البلاد ويمضي بعيدا إلى الحد الذي يتم فيه استهداف شباب لمجرد التعبير عن الرأي في موقع للتواصل الاجتماعي وليس في وسيلة إعلام عمومية أو حتى خاصة.

وتعتبر قضية إيقاف المدونة والناشطة السياسية أمينة منصور والناشط السياسي أديب الجبالي أشهر قضايا الملاحقات الحكومية على ما ينشر في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الذي يقبل عليه التونسيون أكثر من غيره من مواقع التواصل وبات يلعب دورا هاما في الحياة السياسية. ولعل المشترك بين المدونين أنهم يثيرون قضايا هامة في تدويناتهم على فيسبوك تتعلق بالفساد، وهو ما يبدو أنه لم يرق لبعض الأطراف التي من المفارقات أنها تدعي محاربة الفساد.

ويتحدث البعض في هذا الإطار عن وجود فرقة للمعلوماتية تابعة لأحد الشخصيات وتأتمر بأوامره مهمتها مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا فيسبوك وملاحقة المدونين الذين ينتقدون عمل الحكومة ورئيسها، وهو ما أكده أحد محاميي الدفاع في قضية المدونة أمينة منصور. ولعل ما يدعم هذا الرأي هو حديث المدونة عن وجود صورة للتدوينة الفيسبوكية التي تمت ملاحقتها على أساسها ضمن ملفها لدى فرقة مقاومة الإجرام التي لا تتحرك إلا بإذن من النيابة العمومية التي يعتبر وزير العدل رئيسها المباشر.

وكانت المدونة أمينة منصور تحدثت عن وجود شبهة فساد في سلك الديوانة “الجمارك” الأمر الذي أدى حسب البعض إلى تتبعها عدليا من قبل من أمر بتصوير التدوينات وقرصنة الحسابات على الانترنت. وعبر عضو النقابة الوطنية للصحافيين محمد اليوسفي عن خشيته على سلامته الجسدية إزاء أي مكروه قد يصيبه وذلك بعد أن طالته رسائل تهديد مبطنة ومباشرة من قبل بعض اللوبيات النافذة في أجهزة الحكم، على حد تعبيره في إحدى تدويناته الفيسبوكية. وأكد على حقه في مقاضاة كل من توعد بالإضرار به ماديا ومعنويا لأسباب متعلقة بمقالاته ومواقفه المدافعة عن حرية الإعلام واستقلالية القطاع بعيدا عن مافيات الفساد التي هي بصدد الإساءة للتجربة الديمقراطية الناشئة.

ويقول الناشط والمحلل السياسي التونسي هشام الحاجي لـ”القدس العربي” أن المشترك بين من يتم استهدافهم سواء من المدونين أو الإعلاميين والنشطاء السياسيين والفاعلين في المجتمع المدني أنهم انتقدوا الأداء الحكومي. فهناك من تم الضغط لطرده من عمله وهناك من تم إيقافه ومن تمت دعوته للمثول أمام فرق أمنية مختصة في مقاومة كبار المجرمين، وبالتالي، فإن الحكومة هي اليوم في قفص الاتهام ومطالبة بدحض تهمة التضييق على الحريات.

ويضيف: “أمينة منصور، وعلى سبيل المثال، شاركت في ما سمي اعتصام السيادة والخلاص، الذي انتظم في شهر رمضان منتقدة أداء حكومة الشاهد. وبالتالي، فإن البعض يرجح أن سبب الاستهداف ليس تدوينتها الفيسبوكية بل موقفها السياسي في وقت ينقسم فيه حزب نداء تونس إلى شقين، واحد مساند لرئيس الحكومة يوسف الشاهد والآخر للمدير التنفيذي للحزب نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية