توفيق بوعشرين صحافي مع وقف التنفيذ

سعيد المرابط
حجم الخط
0

الرباط-“القدس العربي”: لا تزال اليومية الورقية التي أسسها الصحافي المغربي توفيق بوعشرين، تعلق في رأس الصفحة الأولى، عدد الأيام التي قضاها في السجن، في واحدة من أشهر القضايا التي مرت على المحاكم المغربية، وأكثرها تشعبا. فالصحافي، الذي ينتقد بشدة، متهم بارتكاب العديد من الجرائم الجنسية وفقا للمحاضر الرسمية.

حُكم على الصحافي توفيق بوعشرين، مدير ومالك صحيفة “أخبار اليوم” وهو متزوج ولديه أطفال، في ليلة جمعة من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2018 في المحكمة الابتدائية في الدار البيضاء بالسجن 12 عاماً بسبب عدة جرائم ذات طابع جنسي، مثل الاغتصاب ومحاولة الاغتصاب.

كما حكمت عليه محكمة استئناف الدار البيضاء السابعة بدفع غرامة قدرها 200 ألف درهم، أي ما يعادل (18 ألف و500 دولار) لتعويض الضحايا، بمبلغ 46 ألف دولار (500 ألف درهم) وثلاثة من أصحاب الشكوى الآخرين بقيمة 28 ألف دولار. وقد نفى كل من بوعشرين ومحاميه، محمد زيان، هذه الاتهامات وقالا إن الإدانة ترجع إلى أسباب سياسية.

بوعشرين صحافي انتقادي للغاية للنظام، وكان مدافعا عن شخصية الرئيس السابق للحكومة، الإسلامي عبد الإله بن كيران، الذي تولى رئاسة الحكومة المغربية ما بين عامي (2011-2017).

وكانت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء قد سبق وأن حكمت عليه بالفعل في شباط/فبراير بدفع ما يقارب من 40 ألف دولار، إلى وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد. وصدرت إدانة بوعشرين، في الحكم الصادر عن محكمة الجنايات التابعة لمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء، بعد ثمانية أشهر من المحاكمة. وفي 23 من الشهر نفسه، اقتحم عشرون رجل أمن بملابس مدنية مقر “أخبار اليوم” في الدار البيضاء، وتم إخراج المدير، توفيق بوعشرين، 50 سنة، وهو مسجون منذ تلك الليلة.

وقدم الادعاء 50 شريط فيديو مسجل في مكتبه بين الـ6 كانون الثاني/يناير 2015 والـ30 كانون الثاني/يناير 2018 في 38 منهم، يظهر بوعشرين يمارس الجنس مع النساء اللواتي يشتغل عنده، وفقا للشرطة.

أول محاكمة كانت قبل بوعشرين ذات وزن، وتتشابه تقريبا في التهم، جرت في التسعينيات من القرن الماضي، التي حكم فيها على عميد الشرطة المغربي الحاج ثابت بالإعدام، وإبان محاكمة بوعشرين، كتب الصحافي المغربي علي أنوزلا، مدير صحيفة “لكم” الإلكترونية، تدوينة على حسابه الشخصي فيسبوك، أشار فيها إلى أنه “أثناء محاكمة عميد الشرطة محمد ثابت، في تسعينيات القرن الماضي، لم تتسرب صورة واحدة للرجل أثناء التحقيق معه أو من الفيديوهات التي استعملت لإدانته، كما لم تنشر أي صورة لأي من ضحاياه المفترضات اللواتي كان يرمز إليهن في الصحافة بالأحرف الأولى لأسمائهن، ولم تنشر قط أسماؤهن الكاملة. مع تذكير بسيط، ولكنه يبدو اليوم فارق وجد مهم، وهو أن الدرك الملكي هو من تولى التحقيق في القضية”.

وأضاف “مع ذلك يجب ألا ننسى أن الإعلام الحزبي وخاصة جريدة (الاتحاد الاشتراكي) آنذاك، التي تم تسريب سبق خبر إلقاء القبض على ثابت لها، لعبت دورا بعيدا كل البعد عن أخلاق المهنة في إدانة الرجل قبل الحكم عليه، واستُعملت إعلاميا لتوجيه القضاء، والضغط عليه لإصدار الحكم بإعدامه، ولتهيئة الرأي العام لِتَقبُّل تنفيذ حكم الإعدام فيه، والذي تم فجر ذات يوم من عام 1993 في ظل صمت مريب ما زال يديننا جميعا”.

وقال محمد زيان، المحامي المدافع عن بوعشرين، في اذار/مارس الماضي “بوعشرين يعاقب لأسباب سياسية. لكنهم يفعلون ذلك بشكل سيء للغاية. لقد اتهموه بارتكاب جرائم واهية”.

وبدأت المحاكمة ضد مدير وصاحب “أخبار اليوم” في الثامن من اذار/مارس، وهو اليوم العالمي للمرأة. ومن حيث المبدأ، قدم الادعاء شهادات ثماني نساء ضد بوعشرين، معظمهن صحافيات. ورفضت العديد منهن المشاركة في القضية، وحُكم على إحداهن بالسجن ستة أشهر بعدما اتهمتها الشرطة بتزوير أقوالها.

وفي حوار له، مع “أخبار اليوم” كان يستقرئ فيه المحاكمة، قال عبد المولى المروري، عضو هيئة دفاع بوعشرين، “باختصار شديد، وبعد مواكبتي لكل جلسات محاكمة الصحافي توفيق بوعشرين، أؤكد أن محاكمته هي محاكمة لكتاباته وتحليلاته السياسية ومواقفه الشجاعة، هي محاكمة للخط التحريري للجريدة”.

وأضاف “هذه المحاكمة بدل أن تعلن عن حقيقتها المتعلقة بمحاكمة الرأي، اختفت وراء جرائم سيريالية، في إطار الحق العام بتهم خطيرة للغاية تستهدف ضرب مصداقية الصحافي توفيق بوعشرين، أمام الرأي العام المتتبع لافتتاحياته الشهيرة. هذه المحاكمة عرفت للأسف الشديد العديد من الاختلالات والخروقات والأخطاء القانونية الجسيمة، وعلى رأسها ادعاء حالة التلبس التي بها تم تبرير الاعتقال، وتجاوز مدة الحراسة النظرية المسموح بها للنيابة العامة والدخول في حالة اعتقال لا ترتكز على أي أساس قانوني”.

وسبق وأن قال عبد المولى المروري، العضو في فريق دفاع بوعشرين، عمن وصفها بـ”مصادر حكومية” قولها بإن “السفارة السعودية في الرباط قدمت شكوى قانونية، بشأن مقالين افتتاحيين للصحافي المغربي”.

لكن في المقابل، يصف محامي الادعاء، محمد قاروط، المحاكمة بأنها “قضية جنائية ذات وقائع وضحايا”.

وأضاف: “ليست هناك علاقة، بين التعبير عن المواقف السياسية وارتكاب اعتداءات جنسية”.

النقيب والحقوقي المغربي عبد اللطيف بوعشرين، قال إن الخروقات في ملف بوعشرين “لم تلق الجواب المناسب حتى اليوم” وذلك منذ لحظة توقيفه في مكتبه بمقر جريدة “أخبار اليوم”.

يشار إلى أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” قالت في نيسان/أبريل الماضي إن “إدارة سجن مغربي تحتجز صحافيا في نظام عزلة تعسفي” إثر محاكمة اعتبر البعض، بمن فيهم فريق العمل الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي، “شابتها انتهاكات للإجراءات القانونية الواجبة”.

وأضافت المنظمة الدولية أنه “منذ احتجاز بوعشرين في سجن عين برجة بالدار البيضاء، لم تسمح له السلطات بلقاء السجناء الآخرين وتبادل الحديث مع موظفي السجن”.

واعتبرت أن “هذا الإجراء يعد قاسيا ولا إنسانيا بموجب قواعد الأمم المتحدة. ومهما كانت الجريمة المزعومة، لكل مُحتجز الحق في معاملة إنسانية. نظام العزلة القاسي المفروض على توفيق بوعشرين غير مبرر ويجب رفعه”.

وفي 29 اذار/مارس 2019 ردت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، على استفسار “هيومن رايتس ووتش” بشأن عزلة بوعشرين، بتعداد “الامتيازات التي يحظى بها في السجن، منها حصوله على تلفزيون وراديو، والصحف اليومية، والاستحمام بالماء الساخن، وخدمة البريد”.

توفيق بوعشرين، سواء أكان مذنبا، أو بريئا، يبقى واحدا من أهم الأقلام الصحافية السلسة في المغرب، لكنه سيبقى صحافيا موقوف التنفيذ في “عين برجة” حتى ينتهي الحكم الصادر في حقه، أو يحدث قبل ذلك أمر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية