تطور المواقف الدولية من حرب الإبادة على غزة: جنون كيان أدار ظهره للعالم

عبد الحميد صيام
حجم الخط
0

الأمم المتحدة ـ «القدس العربي»:  وتيرة التصعيد الدولي ضد جريمة الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ما زالت متواصلة من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وخبراء حقوق الإنسان والعديد من الدول الأعضاء وخاصة مع تكشف حجم المجازر وانتشار شبح المجاعة التي قد تفتك بآلاف الغزيين أكثر مما فتكت بهم القنابل والقذائف والصواريخ.

وقد كان آخر تلك التعبيرات الجماعية التي تظهر مدى الحنق الدولي الجماعي على ما يجري في غزة اعتماد قرار في مجلس الأمن يوم الإثنين 25 آذار/مارس الماضي بغالبية 14 صوتاً إيجابياً وانفراد الولايات المتحدة بالتصويت بـ«امتناع». إن هذا التصويت عبارة عن إشارة بأنها سمحت للقرار بالمرور بعد استخدام الفيتو ثلاث مرات للإطاحة بمشاريع قرارات، ومرتين للإطاحة بتعديلات جوهرية على مشاريع القرارات تتعلق بوقف إطلاق النور الفوري. لقد تلكأت ثلاث دول من حلفاء الولايات المتحدة وهي كوريا الجنوبية واليابان وإكوادور، لكنها انضمت في النهاية لرعاة القرار السبع الآخرين. لقد اضطرت الولايات المتحدة أن تنحني قليلا أمام العاصفة وتصوت بامتناع لتضرب عصفورين بحجر، فمن جهة تتزلف للدول العشر المنتخبة لأنها تحتاجها في موضوع أوكرانيا وكوريا الشمالية وغيرها، ومن جهة أخرى لتمتص نقمة الشارع الأمريكي الذي يهدد بعدم التصويت للرئيس بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر.
وسنستعرض في هذا المقال مواقف بعض المسؤولين الدوليين والمنظمات وعينة من الدول التي تطورت مواقفها كثيرا منذ بداية الأحداث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

الأمين العام
أنطونيو غوتيريش

قام الأمين العام بزيارة معبر رفح للمرة الثانية يوم 23 آذار/مارس واطلع على الأوضاع هناك وشاهد بعينيه مئات الشاحنات الجاهزة للعبور لإغاثة الجوعى في الطرف الآخر. وقد التقى غوتيريش في زيارة لمستشفى العريش بالمدنيين الفلسطينيين المصابين وأسرهم واستمع لقصصهم وتجاربهم وجميع الصعوبات التي تحملوها. وقال: «الآن، أكثر من أي وقت مضى، حان الوقت لوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية. لقد حان الوقت لإسكات البنادق. فلا يزال الفلسطينيون في غزة – الأطفال والنساء والرجال – عالقين في كابوس لا يتوقف. طمست المجتمعات. هدمت المنازل. تم القضاء على عائلات وأجيال بأكملها، والجوع يطارد السكان. إنه لأمر فظيع أنه بعد الكثير من المعاناة على مدى أشهر عديدة، يحتفل الفلسطينيون في غزة بشهر رمضان مع استمرار تساقط القنابل الإسرائيلية، وما زال الرصاص يتطاير، وما زالت المدفعية تقصف، وما زالت المساعدات الإنسانية تواجه عقبات تلو عقبات». وكالعادة، لا تملك إسرائيل في جعبتها إلا سلاحا صدئا اسمه «معاداة السامية» حيث اتهمت الأمين العام ووكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» والمنظمة الدولية بكاملها أنها معادية للسامية.

محكمة العدل الدولية: مزيد من الإجراءات المؤقتة والسريعة

محكمة العدل الدولية أصدرت الخميس الماضي قرارا ينص على إضافة تدابير أخرى للإجراءات المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة.
وقالت المحكمة في بيان «إن التدابير المؤقتة التي تضمنها قرارها الصادر في 26 كانون الثاني/يناير في هذه القضية لا تعالج بشكل كامل العواقب الناشئة عن التغيرات في الوضع مما يبرر تعديل هذه التدابير». وأوضحت المحكمة في قرارها أنه منذ 26 كانون الثاني/يناير، شهدت الظروف المعيشية الكارثية للفلسطينيين في قطاع غزة مزيدا من التدهور، لا سيما في ضوء الحرمان المطول وواسع النطاق من الغذاء وغيره من الضروريات الأساسية الذي يعاني منه الفلسطينيون في قطاع غزة، وأن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يواجهون فحسب خطر المجاعة، كما ورد في قرارها السابق، ولكن هذه المجاعة بدأت في الظهور. وشملت التدابير المؤقتة الإضافية التي تضمنها قرار المحكمة أنه على إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وفي ضوء الظروف المعيشية المتدهورة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، لا سيما انتشار الجوع الحاد والمجاعة الوشيكة، اتخاذ جميع التدابير اللازمة والفعالة لضمان- دون تأخير وبالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة: توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها، دون عوائق، وعلى نطاق واسع- بما في ذلك الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمأوى والمساعدات الإنسانية، ومتطلبات الملابس والنظافة والصرف الصحي، فضلا عن الإمدادات الطبية والرعاية الطبية للفلسطينيين في جميع أنحاء غزة- بما في ذلك عن طريق زيادة قدرة وعدد نقاط العبور البرية وإبقائها مفتوحة لأطول فترة ممكنة.
وقالت المحكمة أيضا في قرارها إن على إسرائيل ضمان بشكل فوري عدم قيام قواتها العسكرية بارتكاب أعمال تشكل انتهاكا لأي من حقوق الفلسطينيين في غزة كمجموعة محمية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، بما في ذلك عن طريق المنع من خلال أي إجراء، وتوصيل المساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل. وطلبت المحكمة أن تقدم لها إسرائيل تقريرا عن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا القرار، خلال شهر واحد من تاريخه.

مقررة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة

مقررة الأمم المتحدة الخاصة المستقلة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أعدت تقريرا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قالت فيه إن إسرائيل ارتكبت ثلاثة أعمال إبادة جماعية وهي: التسبب في أذى جسدي أو نفسي خطير لأعضاء مجموعة من البشر، تعمد فرض ظروف معيشية على المجموعة بهدف تدميرها الجسدي كليا أو جزئيا وفرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل المجموعة. وأكدت في تقريرها أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، ودعت الدول إلى ضمان امتثال إسرائيل والدول الأخرى بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ودعت المقررة في تقريرها إلى حظر بيع الأسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات عليها.
وذكرت المقررة الخاصة أن إسرائيل دمرت غزة خلال خمسة أشهر من العمليات العسكرية. وقالت: «إن العدد المروع من الوفيات، والضرر الذي يتعذر جبره اللاحق بالناجين، والتدمير المنهجي لكل جانب ضروري لاستمرار الحياة في غزة – من المستشفيات إلى المدارس، ومن المنازل إلى الأراضي الصالحة للزراعة – والضرر الخاص الذي يلحق بمئات الآلاف من الأطفال والأمهات الحوامل والفتيات- لا يمكن تفسيره إلا على أنه يشكل دليلا ظاهريا على نية التدمير المنهجي للفلسطينيين كمجموعة».
ورحبت، آنييس كالامار، رئيسة منظمة العفو الدولية، بتقرير مقررة حقوق الإنسان، ألبانيز، قائلة: «آن الأوان لمنع الإبادة وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بوقف فوري لإطلاق النار». وقالت كالامار: «آن الأوان للتحرك لمنع الإبادة الجماعية، ويتعين على الدول الأخرى ممارسة ضغوط سياسية على الأطراف المتحاربة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار». ودعت دول العالم إلى «استخدام نفوذها للإصرار على التزام إسرائيل بالقرار، بما في ذلك وقف القصف ورفع القيود المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية».

وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»

بعد منع فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا من دخول قطاغ غزة، أبلغت السلطات الإسرائيلية الأمم المتحدة بأنها لن توافق بعد الآن على مرور أي من قوافل الأونروا الغذائية إلى شمال غزة. المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني وصف القرار بأنه شائن وقال إنه يجعل عرقلة المساعدات المنقذة للحياة أمرا مقصودا أثناء حدوث مجاعة من صنع البشر شمال القطاع. وطالب لازاريني بضرورة رفع هذه القيود. وقال إن الأونروا- وهي العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في غزة- أكبر وكالة إغاثة في القطاع ولديها القدرة الأكبر على الوصول إلى مجتمعات النازحين في غزة. وأضاف: «بمنع الأونروا من الوفاء بتفويضها في غزة، ستدق الساعة بشكل أسرع نحو المجاعة وسيموت عدد أكبر بكثير من الناس بسبب الجوع والجفاف وعدم توفر المأوى».

مفوض حقوق الإنسان

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قال في بيان صحافي صدر الثلاثاء، إن القيود الإسرائيلية المستمرة على دخول المساعدات إلى غزة، إلى جانب الطريقة التي تواصل بها العمليات العدائية، قد يصل إلى حد استخدام التجويع كوسيلة للحرب، وهو ما يعد جريمة حرب. وأضاف تورك أن الكارثة التي تشهدها غزة «من صنع الإنسان وكان من الممكن منعها بالكامل لو تمت الاستجابة لنواقيس الخطر التي دقتها الأمم المتحدة منذ شهور». وشدد على أن حالة الجوع الحاد في غزة هي نتيجة للقيود الإسرائيلية واسعة النطاق على دخول وتوزيع المساعدات الإنسانية والسلع التجارية، وتشريد معظم السكان، فضلا عن تدمير البنية التحتية المدنية الحيوية.

منظمة الصحة العالمية

المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، دكتور تيدروس غيبرييسوس، قال إن المستشفيات ليست ساحات قتال ويجب أن تتم حمايتها بموجب القانون الدولي الإنساني. جاء ذلك تعليقا على اقتحام القوات الإسرائيلية لمستشفى الشفاء حيث أكدت المنظمة وشركاؤها أنهم فقدوا الاتصال بالعاملين في مستشفى منذ بداية الاقتحام. وذكر دكتور تيدروس أن الوصول إلى مستشفى الشفاء أصبح مستحيلا، كما حذر من أن الوضع الجاري قد يؤثر على قدرة المستشفى على العمل، حتى بأبسط قدر، ويحرم المرضى من الرعاية الحرجة المنقذة للحياة. وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن المجاعة شمال غزة باتت أقرب من أي وقت مضى لأن تصبح حقيقة واقعة. وحذر الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر من الدمار الواسع الذي لحق بالخدمات الصحية شمال القطاع وأن المنظومة الصحية أوشكت على الانهيار جنوب غزة.

المستشارة الخاصة
لمنع جريمة الإبادة البشرية

أليس وايريمو نديريتو، المستشارة الخاصة المعنية بمنع الإبادة الجماعية، أصدرت بيانا الخميس رحبت فيه بقرار مجلس الأمن الأخير الذي يطالب بوقف إطلاق النار فورا في شهر رمضان. وقالت «إن هذه الحرب، مع ما يصاحبها من معاناة، يجب أن تنتهي، ويجب أن تنتهي الآن. وهؤلاء المسؤولون عن إعاقة وصول المساعدات الإنسانية وعن خطاب الكراهية والشيطنة والتحريض يجب أن يحاسبوا». وقالت «لقد عانى الكثيرون من أعمال عنف لا يمكن التغلب عليها في تاريخ الشرق الأوسط المضطرب الشرق، وهي المنطقة التي توجد فيها عوامل خطر الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ارتفاع متصاعد». ونديريتو من بين الشخصيات التي تأخرت كثيرا في الاعتراف بما يجري في غزة من جرائم ضد الإنسانية وصولا إلى جريمة الإبادة الجماعية.

أطباء بلا حدود

كريستوفر لوكيير، الأمين العام لمنظمة «أطباء بلا حدود» ألقى كلمة مؤثرة في جلسة مجلس الأمن الدولي، حيث كان يتكلم وتغالبه الدموع حول الأوضاع الإنسانية في غزة وخاصة الطبية. قال «إن الهجمات على مؤسسات الرعاية الصحية هي هجوم ضد الإنسانية. فبينما تدعي إسرائيل أن حماس تعمل في المستشفيات، إلا أننا لم نر أي دليل تم التحقق منه بشكل مستقل على ذلك». مشيراً إلى أنه بينما تدعي إسرائيل أن حماس تعمل في المستشفيات، «لم نر أي دليل تم التحقق منه بشكل مستقل على ذلك».

عينات
من مواقف الدول

تطورت كثيرا مواقف العديد من الدول بسبب التعنت الإسرائيلي وارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وخاصة جريمة التجويع وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية ومهاجمة المستشفيات ومراكز الإيواء وخاصة القتل المتعمد للمنتظرين وصول المساعدات الإنسانية مثل «مذبحة الطحين».
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قارن ما يجري في غزة بمحرقة اليهود على أيدي النازية، والرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، هدد بقطع العلاقات مع إسرائيل إن لم تلتزم بوقف إطلاق النار كما نص على ذلك قرار 2728 الأخير. وكندا قررت وقف بيع السلاح لإسرائيل. أربع دول أوروبية تبحث مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية قبل نهاية حرب غزة هي إسبانيا ومالطا وسلوفينيا وإيرلندا. ومنظمات أوروبية عديدة تطالب الاتحاد الأوروبي بحظر استيراد منتوجات المستوطنات.
تطورت المواقف كثيرا لكنها لم تنعكس على أرض الواقع، فما زال الكيان الصهيوني يستند إلى مخزون عال من الدعم الأمريكي والألماني والبريطاني والفرنسي ويمارس جريمة الإبادة علنا ومن دون تردد أو تراجع، ولن تسمح هذه الدول أن يتعرض الكيان لهزة قوية قد تطيح به.
لكن المواقف العربية هي الأسوأ بشكل عام ضمن المنظومة الدولية وخاصة دول الجوار، بل إن بعض الدول تشكل شريان حياة للكيان وتمده بمسلتزماته اليومية من الخضار والفواكه والنفط. ونخشى أن الجماهير العربية بدأت تتعود على المذابح وتعتقد أن الدعاء وحده في شهر رمضان سيفك الحصار عن غزة ويخرجها من مأساتها التي لم تشهد البشرية له مثيلا في العصر الحديث.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية