تطورات سياسية في الكويت تفرض إعادة قراءة المشهد السياسي

‘حزمة’ من التطورات تفرض إعادة قراءة المشهد السياسي في الكويت من جديد، وربما تدفع إلى محاولة تفسير تلك التطورات، خاصة إذا ما عرفنا أننا قاب قوسين أو أدنى من تغييرات جذرية قد تطال جزءا كبيرا من ذلك المشهد، وقد تخلق أيضا واقعا جديدا لم تعهده البلاد من قبل، يمس بشكل مباشر فكرة ‘تبادلية’ السلطة، تلك التي سادت فترة طويلة بين فرعي أسرة المبارك (الصباح) الأحمد والسالم .
البداية ستكون من لقاء ضم مجموعة من الشخصيات المحورية في البلاد في أحد القصور على شاطئ الخليج، خلال الأيام الماضية، وقد طرحت خلال ذلك اللقاء المسارات المستقبلية للسلطة، ومن يبقى ومن يرحل، وما هي المعادلات التي ينبغي لها أن تظل، وتلك التي يجب أن تغيب عن المشهد السياسي، لتفتح الطريق أمام معادلة جديدة تكرس أجواء الاستقرار وتمد في أجله حسبما يعتقدون .
الحوارات حسمت منصبي رئيس الدولة وولاية العهد وحصرتهما في فرع الأحمد المبارك دون غيره من الفروع (السالم، الحمد، الناصر)، ويقال ان هناك ترجمة فعلية لهذا الخيار الجديد، من خلال تولية المناصب الرئيسية في هرم الدولة للفرع المعني، خاصة المؤسسات الأمنية (الجيش، الشرطة، الحرس الوطني) تحسبا لأية ضغوط يمكن أن تمارس في إطار التنافس على المراكز المتقدمة، وبهذا الحسم تكون الحوارات قد حضــــرت للتغيــــــير الجديد في أوساط الأسرة الحاكمة في البلاد، ويبدو لي أن هناك تناغما مع هذا التغيير الذي ارتبط بتوزيع متوازن للسلطة، إذ أن هناك حديثا عن ترك منصب رئيس الحكومة لفرع السالم والحمد لتبادله مع بعض المناصب الرئيسية في الحكومة.
قسمت الحوارات الطبقة التجارية، التي ظلت متماسكة إلى حد كبير خلف عائلة الصقر منذ عشرينيات القرن الماضي، وفق ما يسمى حلف العتوب (التجارة للعوائل التجارية الخمس والحكم للصباح)، إلى فرعين رئيسيين لأول مرة بعدما فرضت خياراتها على المشهد، مع الاحتفاظ بهما ضمن معادلة جديدة وخلق أجواء من التنافس الإيجابي بينهما على خدمة تلك المعادلة والحصول في المقابل على بعض الامتيازات، وقد نجحت تلك الفكرة وبدا واضحا حدود ذلك الانقسام، وتمترس كل طرف ضمن تلك الحدود بما في ذلك الشخوص والأدوات، وهذا سيؤدي بكل تأكيد إلى ارتهان تلك الشريحة المهمة في المشهد السياسيي المحلي وإضعاف فعاليتها، خاصة على الصعيد الديمقراطي وتحولاته المفترضة .
اللقاء جدد تمسكه بآلية الانتخاب الحالية (الصوت الواحد) باعتبارها أحد ثوابـــت المرحلة المقبلة، في محاولة لقطع الطريق على كل تلك الإشاعات التي تحاول فرض واقع جديد، فقد حاولت بعض القوى ممارسة ضغط على الحكومة لتبني خيار يرفع عدد الأصوات الممنوحة للناخب إلى صوتين، لكن ما دار في ذلك اللقاء حسم تلك الآلية تجاه البقاء على الصوت الواحد، وسيظل المسار الانتخابي قائما عليها لتكون خيارا إستراتيجيا يكاد يكون من المستحيل التراجع عنه .
طرحت في اللقاء إستراتيجية أخرى غابت عن الساحة السياسية بتواطؤ حكومي نهاية سبعينيات القرن الماضي، تتعلق بالعودة إلى الأجواء الليبرالية التي كانت قرينة بدايات الكويت الأولى كدولة، ويمكن من خلال الإستراتيجية الجديدة إعادة النظر في كل نتاج المرحلة الماضية، خاصة ذلك الذي يضع قيودا على طبيعة العلاقة في ما بين أفراد المجتمع، ويقال ان مثالا ضرب حول قانون الجامعة الجديد، والعثرات التي مرت به بسبب التجاذب بين أجواء الانفتاح والانغلاق، وإمكانية المضي قدما بعد التغييرات المنشودة على هذا الصعيد .
التغييرات الجديدة لم تستبعد التيار الإسلامي ‘الإخوان’ و’السلف’ من مشروعها، فالحركة الدستورية الإسلامية والتجمع الإسلامي السلفي أصبحا جزءا من هذا المشروع، لكنهما هذه المرة ليسا جزءا أصيلا في المعادلة الجديدة، كما كان يحدث من قبل، بل أصبحا ملحقين بأحد أطرافها وقد قبلا مرحليا أن يكونا على هذه الصفة، أملا بتجاوز التطورات الإقليمية والدولية، وليس معروفا في ما إذا كان لديهما مشروع خاص بهما كل على حدة بعد مرور أجواء التوتر الإقليمي والدولي، لكن المؤشرات تقول ان كل شيء مؤجل مرحليا .
المؤسسات الاقتصادية في البلاد لن تكون استثناء من الترتيبات الجديدة، وربما يطرأ على مجالس إدارات بعض تلك المؤسسسات تغييرات جذرية ضمن خطط قد تستمر فترة طويلة حتى لا تتأثر في أدائها، كون أوضاع المؤسسات الاقتصادية يختلف عن غيره من المؤسسات الحكومية، وستسند المناصب الرئيسية فيها لمكونات التحالفات الجديدة تديرها في إطار المسارات نفسها، كما أن أجهزة أخرى مرشحة لتغييرات هي الأخرى، لكن التطرق لها ربما يضعنا في دائرة النقد الحاد والتداعيات السلبية، لذا من الأفضل الابتعاد عنها وستفهم من خلال قرارات ستصدر تباعا .

كاتب كويتي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية