تركيا.. اسرائيل: البدء من جديد

حجم الخط
1

الحكومة التركية بصدد اتخاذ اجراءات لأصدار قانون يمنع أهالي ضحايا السفينة مرمرة من تقديم شكاوى للقضاء التركي، لمحاكمة الضباط والجنود الاسرائيليين الذين ارتكبوا مجزرة على ظهر السفينة، وتسببوا في قتل وجرح العشرات من المواطنين المسالمين الأتراك، هذا ما أعلنته صحيفة ‘هآرتس’ الاسرائيلية ولم يقم أي مسؤول تركي بنفيه. يأتي ذلك بعد رفض أهالي الضحايا الاعتذار الصهيوني، واعتبروا أن شرطهم الأساسي لم يتحقق ألا وهو رفع الحصار الاسرائيلي نهائيا عن القطاع، وأن قضاياهم ضد الاسرائيليين ما تزال سارية المفعول أمام المحاكم التركية، ما دام الحصار قائما.
جاء ما يسمى بـ(الاعتذار) الإسرائيلي لتركيا بضغط وترتيب مباشرين من الرئيس أوباما، أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة، ليضع ملف العلاقات بين الطرفين التركي والإسرائيلي على الطاولة من جديد. الإعلام التركي حاول الإيحاء حينذاك بأن الدولة الصهيونية خضغت للطلب التركي، فقد تناولت صحيفة ‘يني شفق’ التركية الموالية ‘لحزب التنمية والعدالة’هذا الموضوع تحت عنوان رئيسي فيها ‘تركيع إسرائيل’.
فمن وجهة نظر أنقره فإن تل أبيب استجابت للطلبات التركية: قدمت الاعتذار، وستدفع تعويضات لأهالي ضحايا ومصابي سفنية ‘مرمرة’ التي تعرضت لاعتداء وحشي في 31 آيار/مايو2010 وذهب ضحيته تسعة أتراك وأصابة عديدين، وأن إسرائيل ستعمل على رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، هذا وفقاً لتصريحات العديد من المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم أحمد داود أوغلو وزير الخارجية، حول الشرط التركي الثالث (برفع الحصار عن غزة)، جاء في البيان الذي أصدره رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو حول هذا الموضوع ‘ان إسرائيل لن ترفع الحصار كلياً عن قطاع غزة والضفة الغربية، وانها سترفع بعض القيود عن حركة المواطنين الفلسطينيين والبضائع’. البيان الإسرائيلي تضمّن أيضاً: أن تركيا وافقت على إغلاق ملف الإجراءات القضائية التي تبنتها قبلاً ضد الجنود الإسرائيليين. هذا الأمر لم تجر الإشارة إليه من قبل أي مسؤولٍ تركي.
بداية من الضروري التأكيد على أن العلاقات التركية – الإسرائيلية تأثرت قليلاً بعد العدوان الهمجي على السفينة مرمرة، وبعد إهانة السفير التركي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، لكنها لم تنقطع فقد تم سحب السفير التركي من تل أبيب في ظل عدم قطع العلاقات الدبلوماسية. هذا من جانب. أما من جانب ثان فإن العلاقات العسكرية والأخرى الأمنية بقيت كما هي متينة بين الجانبين، فقد استأنفت إسرائيل تزويدها لطائرات الأسطول الجوي التركي، بأجهزة إلكترونية (وفقاً للعديد من المراقبين العسكريين). كما ساهمت تركيا عبر إرسالها طائرات، في إطفاء الحرائق التي اندلعت في شمال فلسطين في نهاية عام 2010، وإن جاء هذا الأمر تحت عنوان ‘المشاركة الإنسانية’ وفقاً للتفسير التركي. أما العلاقات الاقتصادية فيشير ميزان التبادل التجاري بين الجانبين إلى أن حجم التجارة بين البلدين في عام 2009 بلغ ثلاثة مليارات دولار، وخمسة مليارات في عام 2011 (أي بعد حادثة السفينة مرمرة).
الصحف الإسرائيلية أجمعت من جانبها على أن التقارب بين البلدين (بعد الهجوم الصهيوني على السفينة التركية) قد تم الإعداد له في السنتين الأخيرتين وبحماسة شديدة في الولايات المتحدة والناتو، وأن ما سرّع التوصل إليه هو التطورات في سورية وتدخل جون كيري وأوباما شخصياً في هذا الملف، وكذلك خشية البلدين من خطر انتقال الأسلحة الكيماوية إلى حزب الله والتنظيمات الأصولية.
يأتي التقارب التركي- الإسرائيلي في وقت تراجعت (بل تدهورت) فيه علاقات تركيا مع دول أخرى كثيرة في المنطقة، مثل سورية وإيران والعراق وأخرى خارجها مثل روسيا والصين، الأمر الذي يشي بضغوط أمريكية وغربية وإسرائيلية كبيرة مورست على أنقره لبدء سياسة جديدة لتركيا في المنطقة، متقاربة تماماً مع السياسات الأمريكية والغربية تجاهها، ولهذا حرص الناتو على نشر صواريخ ‘باتريوت’ في الأراضي التركية. الغريب أن تركيا بدت وكأنها في انتظار طويل لسماع هذا (الاعتذار) من الدولة الصهيونية، ليأخذ التعاون بين الجانبين وتائره السابقة، خاصة أن ملفات كثيرة تطرح استحقاقاتها على جدول الأعمال التركي، الملف السوري، الملف الكردي، إعادة رسم خرائط المنطقة، سفير تركيا السابق في إسرائيل (وهو السفير التركي الحالي في واشنطن) ناميك تان صرّح قائلاً: ‘بان الأصدقاء الحقيقيين فقط هم الذين يستطيعون الاعتذار لبعضهم البعض’ في كل الأحوال فإن الدولة الصهيونية هي المستفيد الأول والأخير من إعادة العلاقات مع أنقرة، إن بالنسبة لفتح المجال الجوي والأراضي التركية لسلاح الجو الإسرائيلي، وإجراء المناورات المشتركة مع تركيا (وفقاً للاتفاقيات المعقودة بين الجانبين وما تقضيه شروط حلف الناتو) او في إعادة العلاقات المتينة بين الجانبين في كافة المجالات الأخرى.
بالنسبة للعلاقات التركية – الإسرائيلية (بعد الاعتذار) وتأثيرها على القضية الفلسطينية فإن فك الحصار كلياً هو غير تخفيفه، لكن تركيا لم تجعل من شرط إنهاء الحصار على غزة، قضية رئيسية فقد أعلن أردوغان بعد الاعتذار أنه سيقوم بزيارة إلى قطاع غزة، الأمر يبدو وكأنه ‘مجاملة سياسية تركية للفلسطينيين ليس إلا’، فتركيا تدرك مثلما أردوغان أن إسرائيل وفي حالة إعادة الكرّة بإرسال سفينة تركية جديدة تحمل مواد غذائية وإنسانية إلى قطاع غزة دون موافقة الدولة الصهيونية ودون التنسيق معها، فستقوم باعتداء جديد على هذه السفينة، خاصة في ظل وجود الحكومة الأكثر تطرفاً في الدولة الصهيونية على رأس الحكم، ووجود حلفاء لنتنياهو ولليكود يقفون موقفاً معارضاً من تقديم (الاعتذار) الذي جاء على لسان نتنياهو مثل الفاشي ليبرمان.
في نفس السياق تأتي الاتصالات الهاتفية التي حرص أردوغان على إجرائها مع محمود عباس وإسماعيل هنية وخالد مشعل، ووضعهم في أجواء ما يسمى بــ(الاعتذار الإسرائيلي)هو محاولة’تبرئة ذمة’من قبل تركيا وأردوغان شخصياً وحزب التنمية والعدالة، أمام تراجع الالتزام التركي عن :عدم إعادة العلاقات مع إسرائيل قبل رفع الحصار الصهيوني الكامل للقطاع. وهو محاولة أيضاً لكي يبدو الفلسطينيون وكأنهم موافقون على عودة العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى طبيعتها! حركة حماس في بيانها الصادر حول هذا الموضوع اعتبرته (انتصاراً وإنجازاً كبيرين).
السلطة الفلسطينية لم تُصدر أي بيان ضد عودة هذه العلاقات، رغم الحصار المستمر المفروض على قطاع غزة وأيضاً إلى حد ما على الضفة الغربية.
دول الحراكات العربية، خاصة مصر وتونس والحزبين الحاكمين فيهما (حزب الحرية والعدالة في مصر وحركة النهضة في تونس) وهما يمتلكان أوثق الصلات مع حزب التنمية والعدالة التركي، وكل هذه الأحزاب تابعة لحركة الإخوان المسلمين، اعتبرا أن عودة علاقات تركيا مع الدولة الصهيونية وكأنه أمر طبيعي، بغض النظر عن الاستهدافات الأمريكية الإسرائيلية الغربية لدول المنطقة، ومنها مصر وتونس، خاصة أن الطرفين (التركي والإسرائيلي) يقعان على تجاور وتلاصق مع المنطقة العربية.
على ما يبدو، فان أردوغان لا يدرك حقيقة إسرائيل، فهو رغم مجازرها ضد الفلسطينيين والعرب والسفينة التركية، وافق على إعادة العلاقة معها إلى كامل طبيعتها السابقة، فإن كان لا يدرك (فهذه مصيبة) وإن كان يدرك حقيقتها ورغم ذلك يعيد العلاقات معها فالمصيبة أعظم! خطوة الحكومة التركية بمنع محاكمة الجلادين الاسرائيليين أمام محاكمها هي خطوة تراجعية سلبية بكل المقاييس.

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح عزام الجزائر:

    تركيا تسير في الركب الامريكي ومن يسير في درب امريكا حقيقة لا ننتضر منه شيء لفلسطين او للعرب

إشترك في قائمتنا البريدية