تحوّل الفلسطينيين إلى كنديين وحيرة اليهود في اختيار دولتهم

حجم الخط
5

المثلان العربيان «الدار دار أبونا، وجاء الغرباء يطحوننا منها». و»طمعَ الشحاذ ومدّ يديه يريد أكثرْ». يذكّراننا بالتصريح الوقح للسفير الأمريكي الصهيوني في إسرائيل ديفيد فريدمان في مقابلته مع صحيفة «إسرائيل اليوم» الذي قال فيه بالنّص: «إنه من غير المنطقي أن تتنازل إسرائيل عن الخليل وبيت إيل، تماما كما أن الولايات المتحدة لا تتنازل عن تمثال الحرية في نيويورك». وأضاف فريدمان «إن إعلان السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية هو مسألة أسابيع، زاعما أنه على اليمين الإسرائيلي الاعتياد على الحياة مع دولة فلسطينية، ستقوم في حال تحول الفلسطينيون إلى كنديين».
وردا على سؤال ماذا ربحت الولايات المتحدة من نقلها السفارة إلى القدس؟ قال فريدمان إن «الخطوة أثلجت صدره بسبب دعمها من قبل الإسرائيليين» لافتا إلى أن بلاده لا تنظر للموضوع هكذا، لأنه ليس كل شيء في الحياة هو «مال وأعمال».
جاء أفراد وجماعات قليلة من اليهود إلى فلسطين وسمّوا بطلائع المهاجرين من روسيا ورومانيا ودول أوروبية مختلفة، هربا من الاضطهاد الأوروبي لهم. وتعاطف الفلسطينيون معهم، وسهّلوا أماكن سكناهم وأوجدوا لهم أعمالا، رأفةً بهم وبأطفالهم. ووجدت هجرة قليلة لأقلية يهودية ضئيلة لا تذكر بين السكان العرب أي بعد وصول السفارديم إليها (صبري جريس، تاريخ الصهيونية). ويعود تاريخا وجود اليهود في فلسطين في العصور الحديثة إلى نهاية القرن الخامس عشر.
في ذلك الوقت الذي كانت فيه مدينتا حيفا ويافا مينائين مزدهرين، وكان يجري الحج الأوروبي إلى مدينتي القدس وبيت لحم، وكانت تتم أيضا من قبلهم زيارة مدينة الناصرة في الشمال. وبإجماع الزائرين كانت فلسطين عامرة بأهلها وبضائعها. ووفقا لما ورد في الكتاب السنوي الإسرائيلي، فإنه كان في فلسطين سنة 1822 ما يقارب 24 ألف يهودي.. (حسن حلاق، موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية 1897-1909). ويبدو أن هذا الرقم (وفقا للباحث سميح شبيب) قريب من التقدير العثماني. ذلك أن السلطات العثمانية، لم تقم بإحصاءات رسمية للسكان يمكن الاعتماد على نتائجها، لكن مع ذلك، بلغ عدد سكان فلسطين وفقا للإحصاءات التقديرية في منتصف القرن التاسع عشر نحو نصف مليون نسمة، 80% منهم كانوا عربا مسلمين، و10% عربا مسيحيين، وربما 5% -7% يهودا (عبد العزيز عوض، مقدمة تاريخ فلسطين الحديث، 1914 – 1931).

حاولت إسرائيل تخدير الفلسطينيين والعرب، بوعود إقامة دولة فلسطينية، منزوعة السلاح مرة، وأخرى ناقصة السيادة

ومع نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، بدأت التوجهات الاستعمارية للوطن العربي، عقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل (وسُبق بلقاءات صهيونية متعددة لجماعات يهودية في بلدان عديدة)، ثم جاء مؤتمر كامبل بنرمان 1905 – 1907، ثم اتفاقية سايكس بيكو 1916، وتوالت الأحداث، وسهلت ألمانيا أول هجرة يهودية إلى فلسطين نتيجة صفقة تجارية. ثم جرت هجرتان يهوديتان كبيرتان، بتسهيل من بريطانيا، التي انتُدبت على فلسطين عام 1920(عمليا احتلتها)، وتم إنشاء المنظمات الإرهابية الصهيونية المسلحة، وتوالت الهجرات اليهودية، واقترح قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 لتقسيم فلسطين، وفي موسوعته يتناول عبد الوهاب المسيري، كما حسين الطنطاوي، نتيجة مؤداها: إن إفشال إسرائيل لقرار التقسيم تم عمدا، ولو أرادته إسرائيل لطبقت القرار 194 لعام 1948 بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين؟ نقول ذلك لمن يحمّل الفلسطينيين والعرب إفشال قرار التقسيم.
احتل الكيان الصهيوني باقي الأراضي الفلسطينية في حرب عام 1967، وبدأت إسرائيل في مصادرة وقضم الأراضي تدريجيا، واستعملت «المورفين» في تخدير الفلسطينيين والعرب، بشبه وعود بالموافقة على إقامة دولة فلسطينية، مرة منزوعة السلاح، وأخرى ناقصة السيادة. ضمت القدس، وهي بصدد ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت إلى كيانها، بعد استيلائها على آلاف الدونمات المحيطة بالحرم الإبراهيمي في الخليل، بالطبع على طريق ضم الضفة الغربية كاملة، ووصلنا أخيرا إلى تصريح علني من ديفيد فريدمان، وهو ليس أكثر من ناطق رسمي باسم إسرائيل الرسمية والحزبية: سواء لنتنياهو أو غانتس وأحزاب اليمين القومي الديني الكولونيالي الفاشي. يقول فريدمان: تتحقق للفلسطينيين دولة عندما يصبحون كنديين (هو نقلنا من مرتبة بلجيكيين إلى كنديين).
حاولت الحركة الصهيونية الربط الروحي بين اليهود وفلسطين منذ صاغ مصطلحها السياسي الصحافي السويسري ناتان بيرنباوم في عام 1899 زميل هرتزل، لتصبح حركة سياسية ذات مضمون أيديولوجي، ومن قبل هذا ارتبطت بالمعنى الديني اليهودي، المتمثل في مكان ديني هو «جبل صهيون». ونؤكد على مسألة الربط الروحي القسري مع فلسطين، لأن خيارات إقامة دولة إسرائيل كانت متعددة، أي في أماكن مختلفة، هذا أولاً، ثانيا مشروع إقامة الدولة جوبه برفض مجموعات يهودية في دول كثيرة، لارتباط إقامتها بسهولة الخلاص من اليهود، وهذه قضية إيمانية، فجماعات كثيرة منها «ناطوري كارتا» ما تزال تؤمن بفكفكة إسرائيل وعودة ساكنيها إلى البلدان التي جاؤوا منها، أو أن يكونوا مواطنين عاديين تحت حكم الدولة الفلسطينية.
كانت هناك عدة مقترحات لإنشاء الدولة اليهودية خلال التاريخ اليهودي بين تدمير إسرائيل القديمة (في المعتقد اليهودي) وتأسيس دولة إسرائيل الحديثة. وفي حين أن بعض هذه الاقتراحات أبصرت النور، إلا أن بعضها لم ينفذ أبداً. عادة ما يشير الوطن القومي اليهودي لدولة إسرائيل أو «أرض إسرائيل»، اعتماداً على المعتقدات السياسية والدينية. اليهود وأنصارهم، إضافة إلى منتقديهم واللاساميين طرحوا خططا كثيرة من أجل إقامة دول يهودية. ففي عام 1820، كمقدمة للصهيونية الحديثة، حاول مردخاي مانويل نوح إيجاد وطن يهودي في جزيرة غراند في نهر نياغارا، يسمى «أرارات»، نسبة إلى جبل أرارات، مكان رسو سفينة نوح بحسب الكتاب المقدس، ووضع نصب تذكاري في الجزيرة كان نصه «أرارات، المدينة الملجأ لليهود» أسسها مردخاي م. نوح في شهر تيشري، 5586 (سبتمبر 1825) وفي السنة الخمسين لاستقلال أمريكا. وتكهن بعض ما إذا كانت أفكار نوح الطوباوية قد أثرت بجوزيف سميث، الذي أسس حركة قديسي الأيام الأخيرة في شمال ولاية نيويورك بعد سنوات قليلة. في حواره حول إصلاح أمر اليهود أعلن نوح إيمانه بعودة اليهود، وإعادة بناء وطنهم القديم. ودعا نوح أمريكا لأخذ زمام المبادرة في هذا المسعى (سيلينغ أدلر وتوماس كونيللي ـ تاريخ المجتمع اليهودي، مكتبة الكونغرس الأمريكي 1960).
أما برنامج أوغندا البريطانية، فهي خطة لمنح جزء من افريقيا الشرقية البريطانية لليهود كوطن. وقدم العرض وزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشامبرلين،  للمنظمة الصهيونية بقيادة ثيودور هرتزل عام 1903. وعرض عليه منطقة بمساحة 5.000 ميل مربع 13.000 كـم2) من هضبة ماو في ما يعرف اليوم بكينيا. جاء العرض رداً على ارتكاب الاضطهاد ضد اليهود في روسيا، وكان من المأمول أن تصبح المنطقة ملجأ للمضطهدين اليهود. عرضت الفكرة على المؤتمر الصهيوني التابع للمنظمة الصهيونية العالمية في اجتماعه السادس عام 1903 في مدينة بازل. وتلت ذلك مناقشات ساخنة. وصفت الأرض الأفريقية بأنها «خطوة على طريق الهدف النهائي المؤدي للأرض المقدسة»، ولكن جماعات أخرى رأت أن قبول العرض سيجعل مشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين صعباً. وقبل التصويت على هذه المسألة، خرج الوفد الروسي مندفعاً مبدياً معارضته. وفي النهاية، تم تمرير الاقتراح الداعي إلى النظر في الخطة بموافقة 295 صوتا مقابل 177 صوتا. في السنة التالية، أرسل المجلس الصهيوني ثلاثة رجال لتفقد الهضبة، ونظراً لارتفاعها العالي تميزت بمناخ معتدل، وهو ما جعلها من وجهة نظرهم ملائمة للاستيطان اليهودي. بيد أن المراقبين وجدوا أرضاً خطرة مليئة بالأسود وغيرها من المخلوقات. علاوة على ذلك، فإنه كان يسكنها عدد كبير من الماساي، الذين لم يبدو عليهم على الإطلاق قبولهم لتدفق اليهود.
بعد استلام هذا التقرير، قرر الكونغرس عام 1905 رفض العرض البريطاني. أنشأ بعض اليهود، الذين اعتبروا هذا الخطوة خاطئة، المنظمة الإقليمية اليهودية، بهدف إنشاء دولة يهودية في أي مكان، وجرى البحث من جديد عن دولة في أمريكا، أو أمريكا اللاتينية.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية:

    ألشكر للدكتور فايز رشيد على مقال أليوم, أن قول فريدمان «إنه من غير المنطقي أن تتنازل إسرائيل عن الخليل وبيت إيل، تماما كما أن الولايات المتحدة لا تتنازل عن تمثال الحرية في نيويورك» هو قول خال من ألمنطق. أن تمثال الحرية في نيويورك تملكه ألولايات ألمتحدة ة وعليه فمن ألمنطق عدم ألتنازل عنه. وأن هذا ليس له أية علاقة بقوله بأن من غير المنطقي أن تتنازل إسرائيل عن الخليل وبيت إيل. أن الخليل وبيت إيل هي أراض فلسطينية وستسترد مهما طال ألزمن. ليس من ألغريب أن يكون موقف ألسفير ألأمريكي بهذا ألقدر من دعم أسرائيل أذا علمنا بأن مهنة والده رجل دين يهودي وأبنته تفتخر بحصولها على ألجنسية “ألأسرائيلة”.

  2. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا:

    شمراً أخي فايز رشيد. أول شيء تذكرته هو مقولة فلسطين بلا شعب واليهود شعب بلا أرص، وهكذا أيضاً وبنفس الطريقة الخادعة تم اختيار تعبير … تمتما كما أن أمريكا لا تتنازل عن تمثال الحرية في تيويورك. ولكن إلى متى سيستمر هذا الخداع! اللحظة الحالية جعلت قوة السلاح الصهيونية بفضل الدعم الإستعماري، لها اليد العليا واستغل الصهاينة هذا ببشاعة. لكن الخداع لايدوم ولايستمر ولاأعتقد أن الشعب الفلسطيني سيتخلى عن وطنه وأرضه وهذا يدركه السفير الأمريكي والصهاينة، ولهذا يحارلون مواجهة هذه الحقيقة بمزيد من الخداع والخداع والكذب على مبدأ النازية الألمانية كما هو معروف.

    1. يقول أسامة كليّة:

      عذراً، شكراً أخي فايز رشيد

  3. يقول خليل ابورزق:

    بدأت المشكلة بالقضية اليهودية و انتهت الى القضية الفلسطينية او هكذا يحلو للبعض تقديمها
    المشكلة هي العدوان الغربي على الشرق و اقامة هذه القاعدة المتقدمة للغرب في قلب الشرق. و قد غلفوا هذا العدوان بالصهيونية اليهودية و الصهيونية المسيحية و لكن جوهره هو الصراع الحضاري ضد الاسلام بكل صوره و لابقاء الشرق تحت السيطرة. و ما هذا الكيان المسمى اسرائيل الا جزءا من استراتيجية مستمرة للغرب تجاه الشرق و منها اللعب على القوميات و المذاهب و الاديان و التقسيم

    1. يقول ع. عنايه:

      هذا عين الصواب اخ خليل?

إشترك في قائمتنا البريدية