يحدث في بعض الأحيان عدم الانتباه الكافي لبعض الأخبار التي تكون ذات أهمية كبيرة، بل تشكل منعطفا سواء للمستقبل، أو تشرح تغييرات وقعت في الماضي، لا تحظى بالتحليل والقراءة. ومن ضمن هذه الأخبار خلال الأيام الأخيرة، نجد مقترح إيران للسعودية في مجال الطاقة النووية، ثم ما نشرته مجلة «ذي أتلانتيك» حول كيف واجه الجيش، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حماية للدستور. ويمكن الوقوف عند عدد من الأخبار التي تمر، من دون انتباه رغم أهميتها، ويعود هذا خاصة في العالم العربي إلى ثلاثة عوامل:
أخبار لا تحظى بالانتباه رغم أهميتها لكنها مهمة في أجندة الآخرين، الذين يسعون لتبقى بعيدا عن النقاش العمومي مثل الحق في الحصول على الطاقة النووية السلمية
الأول وهو العامل الكلاسيكي المتمثل في الرقابة التي تجعل الإعلامي يتفادى تناول بعض المواضيع الحساسة. ويتجلى العامل الثاني في تدفق الأخبار بشكل رهيب بفضل التطور الحاصل في تكنولوجيا التواصل والاعلام، حيث أصبح القارئ أو الاعلامي أو السياسي يطلع على منابر إعلامية بمختلف اللغات بفضل الإنترنت عكس حقبة الصحافة الورقية حيث كان القارئ يقتصر على الجريدة وما يقدمه الراديو أو التلفزيون. ويبقى العامل الثالث هو غياب آليات تقييم الأخبار والارتهان الشديد لمصادر كلاسيكية لا تخرج عن دائرة بعض الصحف مثل «نيويورك تايمز» و»الواشنطن بوست» أو لوكالات مثل رويترز.
في هذا الصدد، يعتبر الخبران المشار إليهما: الطاقة النووية ودور الجيش في محاصرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من أهم الأخبار، ليس فقط خلال هذه الأيام، بل ربما خلال السنة الجارية. وعليه، اقترحت إيران على السعودية المساعدة في إنشاء محركات نووية من خلال تكوين خبراء. الخبر يعتبر استثنائيا لعاملين: الأول وهو في حالة نجاح المقترح قد يؤدي الى وضع جيوسياسي جديد في الخليج والشرق الأوسط، يتميز بالتعاون في قطاع حساس. والثاني هو ضرب هيمنة الغرب وبعض الدول ومنها الصين وروسيا على القطاع النووي، إذ يرغب عدد من الدول في تحقيق تقدم، غير أن الحصول على مصدر قار للطاقة في ظل تقلب أسعار النفط والغاز والفحم الحجري بسبب النزاعات والحروب والأزمات يحول دون تحقيق هذا التقدم. ومع نفاد مصادر الطاقة، ستضمن الدول التي لديها الطاقة النووية وضعا مريحا عكس الدول التي تفتقر لها. وبغض النظر عن مصداقية المقترح الإيراني والأحكام المسبقة المهيمنة في ذهنية العربي والفارسي على حد سواء، يعتبر قرار طهران منعطفا حقيقيا، إذ يكسر هيمنة الغرب على هذه الملف، ويشجع دول الجنوب على التعاون في مجال الطاقة النووية، بعيدا عن الفيتو الغربي. وفي مقال سابق في هذا الركن بتاريخ 5 يوليو/تموز 2021 وبعنوان «هل يسمح الغرب للعرب بالطاقة النووية؟» اعتبرنا أن قرار الغرب بحرمان معظم دول العالم من الطاقة النووية السلمية، وعلى رأسها الدول العربية لا يمكن فهمه، إلا بصراع الحضارات، ورغبة هذا الغرب في الحفاظ على الريادة في هذا المجال. لن يقف الغرب مكتوف الأيدي أمام المقترح الإيراني، وسيسعى إلى نهج سياسة العرقلة، كما فعل مع بعض الدول التي أرادت مساعدة العالم العربي مثل حالة باكستان. ولعل العرض الأمريكي المحدود باحتمال المساعدة في محرك نووي سعودي مستقبلا، قد يدخل في إطار ضرب أي تعاون بين دول الجنوب. وفي خبر ثان، يعتبر مثيرا حقا هو ما نشرته مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية الأسبوع الماضي بعنوان «الوطني».. المقال بعنوان «كيف حمى الجنرال مارك ميلي الدستور من ترامب»، وهو بمناسبة نهاية قيادة الجنرال للجيوش الأمريكية، ويتحدث المقال عن كيف نجح الجنرال مارك ميلي ومساعديه وآخرين في البيت البيض، في لجم اندفاع الرئيس ترامب إبان الأزمات الدولة والوطنية، ويركز على رغبة ترامب إنزال الجيش لمواجهة المحتجين في احتجاجات مقتل جورج فلويد في مايو/أيار 2020، غير أن قيادة الجيش اعترضت وواجهت هذا الإجراء والإجراءات اللاحقة، ثم كيف لجم الجيش ترامب عندما أراد الانقلاب على نتيجة الانتخابات الرئاسية سنة 2020 التي تعرض فيها للهزيمة. وعمليا، لم يسبق لأي رئيس أن دفع الجيش لمعارضته، مثلما حدث في حالتين، الأولى مع الرئيس جون كينيدي بسبب سياسة المهادنة تجاه الاتحاد السوفييتي، حيث يعتقد أنها السبب في اغتياله، ثم مع دونالد ترامب، لكن الصراع مع الأخير خرج للعلن بسبب إعلان عدد من قادة الجيش معارضة قرارات ترامب. والتساؤل، ماذا لو كان ترامب قد نجح في تنفيذ مخططاته التي تبرز أنه لم يكن يختلف كثيرا عن رؤساء ديكتاتوريين في العالم الثالث؟
المقال يلقي الضوء على بعض الآليات غير المعروفة في العالم الغربي ومنها الولايات المتحدة، كيف تتحرك المؤسسات العسكرية في الغرب لحماية الدستور من انحرافات الرؤساء، الذين يتذرعون بحصولهم على الشرعية من صناديق الاقتراع ديمقراطيا، لإحداث تغييرات. وبطبيعة الحال، لا يكون الاعتراض من خلال تنفيذ انقلاب عسكري كما هو متعارف عليه. وتنقل «ذي أتلانتيك» كيف تحرك الجنرال يوم الهجوم على الكونغرس مخافة من استغلال ترامب الحادث لتحويله الى ما يشبه «ليلة إحراق البرلمان الألماني» يوم 27 فبراير/شباط 1933، واستغل هتلر الحادث للقضاء على باقي الأحزاب والانتقال الى النازية. قد تكون المقارنة صعبة، لكن طريق الديكتاتورية يبدأ بتراكم القرارات غير الديمقراطية وسط التقليل منها حتى بلوغ الديكتاتورية، ولنا في بعض الأنظمة العربية بعد الربيع العربي خير مثال.
الحدث الأول، الطاقة النووية، ستراقبه الدول الغربية بحرص شديد لأن يمس مصالحها مستقبلا، بينما الحدث الثاني أصبح مرجعا في تعامل القيادة العسكرية مع أصناف رؤساء من طينة ترامب. عديدة هي الأخبار التي لا تحظى بالانتباه الكافي رغم أهميتها لكنها مهمة في أجندة الآخرين، الذين يسعون أحيانا لتبقى بعيدا عن النقاش العمومي مثل الحق في الحصول على الطاقة النووية السلمية.
كاتب مغربي