بين التونسي البوعزيزي والطيّار الأمريكي: كيف يمكن أن يكون انتحارٌ احتجاجيٌّ بطوليًا والآخر مجنونًا؟

جمال الدين طالب
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً لشادي حميد بعنوان “كيف يمكن أن يكون انتحارٌ احتجاجيٌ بطوليًا وآخر مجنونًا؟”، تناول حادثة إحراق الجندي في القوات الجوية الأمريكية آرون بوشنل نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن مؤخراً وهو يصرخ “فلسطين حرة”.

والكاتب أمريكي من أصل مصري، عضو هيئة التحرير، وكاتب عمود في “واشنطن بوست”، وأستاذ باحث في الدراسات الإسلامية في مدرسة فولر ومؤلف العديد من الكتب، من بينها “مشكلة الديمقراطية” و”الاستثناء الإسلامي”.

 الولايات المتحدة بلد منقسم، لأسباب ليس أقلّها الحرب في غزة. ولذا يبدو أنه لا مفرّ من أن ننظر إلى نفس الحقائق ونفسرها بطرق مختلفة تمامًا

وقد أكد الكاتب على أن “الولايات المتحدة بلد منقسم، لأسباب ليس أقلّها الحرب في غزة. ولذا يبدو أنه لا مفرّ من أن ننظر إلى نفس الحقائق؛ رجل يحترق وهو يصرخ “فلسطين حرة”، ونفسرها بطرق مختلفة تمامًا. كانت بعض ردود الفعل المبكرة على انتحار بوشنل رافضة، بل ساخطة. لماذا يفعل شيئًا سخيفًا جدًا؟ أو مجنونًا؟”

وأشار حميد إلى أن مايكل ستار وَصَفَ، في مقاله بصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، حادثة الانتحار احتجاجاً على حرب غزة، بأنها “حالة من الهستيريا”، في حين قال الصحافي مارك جوزيف ستيرن متعاليًا إن “الأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي يستحقون التعاطف والاحترام، ولكن من غير المسؤول إلى حد كبير الثناء عليهم لاستخدامهم مبررًا سياسيًا للانتحار. تم افتراض المرض العقلي دون دليل”.

وأكد حميد على أن الاندفاع نحو إضفاء الصبغة المرضية على تصرفات بوشنل يشير إلى وجود معايير مزدوجة. وأشار إلى أنه عندما تعلّق الأمر بانتحار البائع التونسي المتجول محمد البوعزيزي بإحراق نفسه، في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، احتجاجاً على مصادرة الشرطة عربته التي كان يعتاش منها ببيع الخضار، وهي الحادثة التي أشعلت ثورات الربيع العربي، لم يشكك أحد حول ما إذا كان يعاني من مرض عقلي، بل إن الرئيس باراك أوباما أشاد به حينها معّتبراً إياه “بطلاً”.

ولفت الكاتب إلى أنه نادراً ما وصفت وسائل الإعلام الغربية وفاة البوعزيزي بأنه انتحار.

وإزاء هذا الكيل بمكيالين تساءل حميد: “كيف يمكن لحادثة انتحار أن تكون عملاً بطولياً، بينما الأخرى تُعدّ تصرفاً جنونياً؟”، و”ما الذي يجعل حادثة انتحار عملاً نبيلاً، والأخرى فعلاً ناجماً عن اعتلال نفسي؟”.

وقارن حميد بين انتحار بوشنل والبوعزيزي، مشيراً إلى أن الجندي الأمريكي فكّر مليّاً، على ما يبدو، ونبّهَ وسائل الإعلام، قبيل تنفيذ فعلته بساعات، بخلاف البائع التونسي المتجول الذي كان تصرفه رداً على مصادرة السلطات بضائعه وإساءة الشرطة معاملته.

وأشار الكاتب إلى أن أحد المنتقدين قال إنه في حين كان البوعزيزي يحتج على حكومته، كان بوشنل منشغلاً بـ “صراع عرقي وديني بعيد.. وليس له وشائج قربى بالمنطقة.. فلماذا ينتابه شعور عارم تجاه مشكلات الآخرين؟”.

وشدّد حميد على أن الولايات المتحدة هي الراعي العسكري الرئيس لإسرائيل، إذ تزوّدها بأسلحة “الطوارئ” والإمدادات التي تحتاجها للاستمرار في حربها. والأكثر من ذلك فالقوات الجوية الأمريكية التي كان بوشنل أحد جنودها، تزوّد إسرائيل بمعلومات استخباراتية تعينها على استهداف مواقع في غزة بالقصف الجوي المكثف.

وأشار هنا إلى أن بوشنل  لم ينظر إلى الصراع على أنه بعيد، حيث قال: “أنا عضو نشط في القوات الجوية للولايات المتحدة. ولن أكون متواطئاً بعد الآن في الإبادة الجماعية. أنا على وشك الانخراط في عمل احتجاجي متطرف، ولكن مقارنة بما شهده الناس في فلسطين على أيدي محتلّيهم، فهو ليس متطرفًا على الإطلاق. وهذا ما قررت طبقتنا الحاكمة أنه سيكون طبيعياً”.

عندما تعلّقَ الأمر بانتحار البائع التونسي المتجول محمد البوعزيزي بإحراق نفسه، احتجاجاً على الشرطة، لم يشكك أحد حول ما إذا كان يعاني من مرض عقلي، بل إن أوباما اعتبره بطلاً

وأكد الكاتب على أنه استناداً إلى المعلومات المتوفرة، بدلاً من التكهنات حول الحالة العقلية لرجل ميت، كان بوشنل يائساً على نحو متزايد بشأن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الحرب الإسرائيلية التي أودت بحياة ثلاثين ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.

وذكر الكاتب: خلص تحقيقٌ شاملٌ أجرته صحيفة “واشنطن بوست” إلى أن حرب إسرائيل في غزة كانت واحدة من أكثر الحروب تدميراً، وربما الأكثر تدميراً، في القرن الحادي والعشرين.

وختم حميد بالقول: “لعلّه من غير المنطقي، أو حتى من الخبل، التفكير بالقيام بمثل ما قام به بوشنل، لكن من غير المعقول ألا يشعر بوشنل، وملايين آخرون من الأمريكيين، بإحساس متزايد بالعجز إزاء ما تقوم به حكومتهم من تسهيل عمليات القتل الجماعي لشعب أعزل إلى حدّ كبير. وهذا أيضاً غير معقول. إنه أسوأ من غير المعقول”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية