“بوليتيكو”: استراتيجية واشنطن في سوريا تدعم النظام وإيران

حجم الخط
0

قوات أمريكية رفقة مقاتلين أكراد في سوريا

لندن ـ “القدس العربي” ـ من إبراهيم درويش:

كتب تشارلز ليستر وويليام أف ويشستر الباحثان في معهد الشرق الأوسط أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لديه خطط في سوريا من دون استراتيجيات حقيقية. وجاء في المقال المنشور بمجلة “بوليتكو” إن أمريكا ستبقى في سوريا لأمد طويل. ففي خطابه الذي ألقاه ريكس تيلرسون يوم 18 كانون الثاني/ يناير الذي لم يحظ إلا بتغطية قليلة ورفع فيه الرهانات الأمريكية في سوريا “الطريق للأمام بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا” وحدد خمسة أهداف كبيرة، وبافتراض أنه كان يتحدث نيابة عن الرئيس وهي: هزيمة تنظيم الدولة والقاعدة وحل المشاكل الحدودية السورية من خلال عملية تسوية تقودها الأمم المتحدة، الحد من التأثير الإيراني، عودة طوعية للمشردين واللاجئين وتنظيف سوريا من أسلحة الدمار الشامل. وهي تعبر عن أهداف الإدارة السابقة لأوباما في سوريا. وبالنسبة للمسؤولين في الإدارة السابقة فإن استراتيجية هي مأساة عن فرص ضاعت وحالات إحباط وصفقات لم تتم وكوارث لم يتم منعها. ولكن هل يمكن لترامب أن يقدم شيئا؟ وبعد كل هذا فتيلرسون أكد هذه المرة أنه برغم قرب هزيمة تنظيم الدولة فإن الولايات المتحدة ستحتفظ بوجود عسكري دائم في سوريا.

أهداف غير واقعية 

وعلق الكاتبان على ما قاله تيلرسون إن هناك ضرورة للحفاظ على وجود عسكري لمنع عودة نظام الأسد الديكتاتوري ومعاملته الشرسة لشعبه. وبرغم ما تحمله التصريحات من وضوح في الاستراتيجية وتجاوز الأفكار الداعية لفك العلاقة مع الحرب الأهلية إلا أن الأهداف التي قدمها تيلرسون تظل أهدافاً غير واقعية. ومثل أوباما الذي طالب عام 2011 برحيل الأسد ورفض في الوقت نفسه الدعوات لمدخل متشدد فلا يوجد ما يشي أن فريق ترامب بدأ أو حتى طور استراتيجية تتناسب مع الاستراتيجية الكبرى التي قدم ملامحها وزير الخارجية. كما أنها لا تخطط بتوفير المصادر الضرورية لتحقيقها. وبالنسبة للولايات المتحدة فمكافحة الإرهاب ستظل أولوية والهزائم التي تكبدها تنظيم الدولة تعتبر إنجازات مهمة. ومثلما لعب الطيران الروسي دوراً حاسماً في حرف ميزان الحرب لمصلحة النظام السوري كانت الحملة الجوية حاسمة في طرد تنظيم الدولة من معاقله.

ومنذ عام 2014 تدعم الولايات المتحدة مجموعة من الجماعات المحلية المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها عدداً وقيادة المجموعات الكردية المعروفة بحماية الشعب وتسيطر على 25% من أراضي سوريا. وعليه فالحفاظ على القوات الأمريكية للتدريب وتسليح القوات هذه يحقق الاستقرار في منطقة معروفة بثرواتها الزراعية والنفطية. ومن خلال بناء الاستقرار في شمال – شرقي سوريا تحاول أمريكا منع عودة تنظيم الدولة من جديد وتعمل في الوقت نفسه على التعامل مع كل لاعب في سوريا. ولكن هناك مشاكل، الأولى وهي تركيا التي ترى في قوات حماية الشعب باعتبارها جناحاً من حزب العمال الكردستاني الذي ترى فيه أنقرة تهديداً وجودياً عليها. وكانت المخابرات الأمريكية – سي آي إيه- قد عادت لوصف قوات حماية الشعب بأنها فرع لبي كا كا التركي والذي تصنفه الولايات المتحدة جماعة إرهابية.

مواجهة خطيرة

وعبرت تركيا عن مخاوفها الأمنية – المفهومة- من خلال غزوين قامت بهما على شمال سوريا وطرحت أسئلة حول حيوية الاستراتيجية الأمريكية ووضعت حليفين لواشنطن في مواجهة خطيرة. فقوات سوريا الديمقراطية تخوض حربا شاملة مع دولة عضو في الناتو. والمستفيد من هذه المواجهة هو تنظيم القاعدة الذي تكشف أبحاث الكاتبين عن زيادة عدد مقاتليه عن 15.000 شخص وفي الجانب الآخر من البلد بعيدا عن القوات الأمريكية في الشرق. ويقول تيلرسون إن الولايات المتحدة تريد هزيمة هذا التهديد ولكن ليس لديها الاستراتيجية المناسبة. وفي الحقيقة قامت في منتصف عام 2017 بقطع الدعم عن القوات المعارضة للنظام والتي تم فحصها. وقامت الجماعات الجهادية باستغلال هذا الضعف. وبعيدا عن الخطابات الرنانة الصادرة من واشنطن، فلم تقدم الإدارة أية خطط ذات معنى لمواجهة تنظيم القاعدة في شمال غربي سوريا. أما الأهداف الأربعة الأخرى فهي تتحدث عن واقع البلاد منذ سبعة أعوام. وللحق فقد أشار تيلرسون إلى واقع مهم وهو أن بقاء الأسد في الحكم سيظل مصدرا لمشاكل البلاد. ولكن ربطه بين رحيل القوات الأمريكية البالغ عددها 1.500 جندي يقترح أن بقاء النظام الذي يحكم بقايا دولة مرتهن بالوجود الأمريكي. وهذا ليس صحيحاً، فالأسد في وضع آمن لم يمر به منذ بداية الأزمة.

لاعب مؤثر

ويتساءل الكاتبان كيف يمكن لعدد قليل من القوات الأمريكية تعمل في المناطق الريفية الروسية منع التأثير الإيراني؟ والموضوع الإيراني أمر تهتم به إدارة ترامب وهي محقة. وكذا أمن إسرائيل الحليف القريب لأمريكا والشريك الذي لا يمكن الاستغناء عنه، الأردن. وتعتبر إيران من أكثر اللاعبين تأثيراً في سوريا، والسبب وجود أكثر من 150.000 مقاتل شيعي يأتمرون بأمرها. وتسيطر إيران على الكثير من القواعد العسكرية السورية وعدد من مصانع الصواريخ الباليستية. وأمنت الاستثمارات الاقتصادية تأثيرا لا يمكن الوقوف أمامه. وتتبع إيران القواعد نفسها التي كتبتها أولا للبنان وطبقتها في العراق وستعطيها لسوريا. وعليه فالتهديد على إسرائيل من جراء هذا سيكون الأكبر منذ عقود. وفي الوقت الذي يتركز فيه نظر العالم على شمال- شرق او شمال- غرب سوريا فإن الجبهة الأخطر ستكون هي الجنوب الذي قد يؤدي فيه الوجود الإيراني وحزب الله إلى حرب مع إسرائيل. وساعدت الولايات المتحدة على التفاوض من أجل اتفاق خفض للتوتر يخفف بعض مظاهر القلق في الجنوب، إلا أن الشروط قدمتها روسيا ولم تكن كافية وتبدو اليوم قد تآكلت. وبرغم ترحيب واشنطن بمناطق خفض التوتر إلا أن ما لم تفهمه هي أنها مناطق صممتها روسيا كي تعطي النظام فرصة للتقدم وببطء واستعادة المناطق التي خسرها. وكانت الخارجية تعرف هذا منذ البداية حيث صممت خرائط في منتصف عام 2017 لكي تصور مكاسب النظام. وبالموافقة على خطط روسية فهي تقوم بدعم بقاء الأسد وتوسع التأثير الإيراني وزيادة الخطر على إسرائيل وفتح الباب أمام تشريد السوريين. وحتى بعد العملية التي قام بها ترامب العام الماضي لتطبيق خطه الأحمر حول الأسلحة الكيميائية واصل الأسد استخدام غاز الكلور. وبرغم تأكيد النظام “الأسد او نحرق البلد” واستمراره في تاكيده إلا أن الولايات المتحدة لم تفعل خلال السبع سنوات الماضية لتحقق هدف رحيل الأسد. وكلما واصلت أمريكا الحديث عن أهداف كبيرة من دون توفير المصادر اللازمة لها لن يؤدي إلا إلى مزيد من التآكل في المصداقية الأمريكية.

ويختم الكاتبان القول: “عندما تؤدي علاقتنا المركزية مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي البلاد إلى حرب مع دولة عضو في الناتو فعلينا التفكير بجدية حول استراتيجيتنا. وعندما تخرج إيران من النزاع بقدرة جديدة لإظهار القوة ضد حلفائنا إسرائيل والأردن فقد حان الوقت لإعادة تقويم الأولويات في سوريا والتساؤل إن كانت لدينا استراتيجية هناك”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية