بعد 200 يوم.. لأعضاء الكابينت: فشلتم فشلاً ذريعاً.. لا تضللونا بـ “رفح”

حجم الخط
0

 ايتان غونين، والد الفتاة رومي ليشم غونين التي اختطفت في 7 أكتوبر من حفلة “نوفا”، لا ينوي الاحتفال بعيد الفصح هذه الليلة. وقال الأسبوع الماضي في مقابلة مع راديو “كان” بأنه لا يرى معنى للاحتفال بعيد الحرية وابنته مخطوفة مع 132 آخرين، الكثير منهم أموات، ما زالوا محتجزين لدى حماس في قطاع غزة. هذا شعور لدى عائلات المخطوفين، ولدى الجمهور الإسرائيلي كله.

بمناسبة اليوم الـ 200 على الحرب ضد حماس، التي انتشرت إلى جبهات أخرى في هذه الأثناء، لا مناص من الحديث عن فشل ذريع في الوضع الأمني الوطني. إيران حددت نقطة أخرى مقلقة بقرارها إطلاق أكثر من 300 صاروخ ومسيرة نحو إسرائيل قبل أسبوع. حزب الله زاد هجماته من لبنان بالمسيرات والصواريخ المضادة للدروع، في حين أن نحو 50 ألف شخص من سكان المنطقة الشمالية ما زالوا مهجرين من بيوتهم. وعودة سكان غلاف غزة إلى بيوتهم تتقدم ببطء، والتجمعات التي تم تدميرها قرب الحدود ستنتظر فترة طويلة لإعادة الترميم والبناء.

يضاف إلى كل ذلك عدم تحقيق إسرائيل لأهداف الحرب المعلنة. سلطة حماس في القطاع لم يتم تدميرها، جزء (صغير نسبياً) من قدرتها العسكرية ما زال قائماً ولم تتهيأ الظروف لإعادة جميع المخطوفين. ضائقة المخطوفين هي الأكثر إلحاحا وإيلاماً. مشكوك فيه إذا كان معظم الإسرائيليين قد اعتقدوا أننا سنحتفل بعيد الفصح بدون عودتهم، بصفقة تفرض على حماس. بعد الشرخ الكبير في الروح الإسرائيلية الذي تسببت به المذبحة نفسها عندما لم يصل الجيش الإسرائيلي في الوقت لإنقاذ العائلات التي صرخت طالبة المساعدة في المناطق الآمنة في الكيبوتسات والمحتفلين الذين قتلوا في حفلة “نوفا”، لقد حدث هنا شرخ آخر كبير.

التضامن الأساسي الذي تفاخر به المجتمع منذ سنوات تضرر تماماً. في العام 2011 تم إطلاق سراح 1027 سجيناً فلسطينياً في صفقة مختلف عليها، بينهم مئات المخربين القتلة مقابل جندي مخطوف واحد هو جلعاد شاليط. في هذه المرة، يقبع المخطوفون ويتعذبون في الأسر، وجزء كبير من المستوى السياسي يظهر اللامبالاة، حتى العداء تجاه صراخ عائلاتهم. ثمة خطر ملموس لتكرار مأساة الطيار رون أراد، الذي لم يُعرف مصيره بعد مرور أربعة عقود على سقوط طائرته في لبنان. وكلما مر الوقت يكلف أعضاء الائتلاف بصعوبة أنفسهم عناء دفع ضريبة كلامية على معاناة المخطوفين، في حين أن من يؤيدون الحكومة في الشبكات الاجتماعية يتطاولون عليهم علناً. دماء أخوتنا تصرخ من غزة، من تحت الأرض؛ ومن يسوقون لعيد الفصح يتصرفون كما العادة.

الشرك الاستراتيجي الذي علقت به إسرائيل يبدو جلياً الآن، ويندمج مع تطورات أوسع في الساحة الدولية، على رأسها وقوف محور روسيا – إيران (بدعم ما وبشكل خفي من الصين) ضد الهيمنة الأمريكية الطويلة. ولأن رئيس الحكومة نتنياهو يرفض، خلافاً لأي منطق موضوعي، مناقشة جوانب الحرب السياسية والحلول المطلوبة في أعقابها، ولأن إسرائيل فقدت جزءاً كبيراً من دعم الغرب بسبب نشاطاتها العسكرية في القطاع، فإنها الآن في مكانة عضو مشروط في المعسكر الليبرالي – الديمقراطي. الولايات المتحدة ودول أوروبية هبت لمساعدتها ضد هجوم إيران، لكنها في الوقت نفسه تطالبها بضبط النفس في غزة وتضغط عليها لإنهاء الحرب.

على المدى البعيد يحلق خطر أكبر يتمثل في ترسخ وضع يشبه الوضع في أوكرانيا: سيستمر القتال بحجم محدود، لكن بصورة تصعب على الحياة الاقتصادية هنا، وسيشل السياحة، ولن يسمح بالعودة إلى المستوطنات على الحدود مع لبنان وإلى غلاف غزة. إيران ستدعم حزب الله وحماس بإطلاق الصواريخ بين حين وآخر، والعالم الغربي سيثرثر ويشرح لإسرائيل بأن تكون واقعية وتأخذ هذه الضغوط في الحسبان. خلافاً لأوكرانيا، لم يتم احتلال أي مناطق لدينا بشكل ثابت، لكننا الآن لا ننجح في إعادة توطين مناطق داخل أراضي سيادتنا. الحرج يزداد، لا سيما في الشمال. فهناك آلاف العائلات التي لا تحصل على حماية من الحكومة والجيش كي تستطيع تسجيل أولادها في المؤسسات التعليمية الأصلية قبيل 1 أيلول.

الشرك الاستراتيجي الذي تعلق فيه إسرائيل أضحى ملموساً في غزة ولبنان والضفة الغربية وأمام إيران، وفي القريب أمام تركيا التي تنوي إرسال قافلة مساعدات استفزازية إلى القطاع. البشرى السيئة، مثل القرار المناوب بشأن خفض التصنيف الائتماني (هذه المرة لشركة إس.آند بي)، تقف في تناقض مع الخطاب الفارغ والوعود التي لا أساس لها التي ينثرها رئيس الحكومة. في الفترة الأخيرة، في احتفال رأس الكؤوس التقليدي بمناسبة عيد الفصح مع كبار قادة جهاز الأمن، كانت لنتنياهو شجاعة للتحدث عن الانقسام الداخلي على اعتبار أنه الخطر الرئيسي الذي يهدد دولة إسرائيل. وكأن خطواته في السنوات الأخيرة، مثل التحريض ضد اليسار وجهاز القضاء والحملات الانتخابية والموقف المنفر تجاه المؤسسة الأمنية ورجال الاحتياط، وفوق كل شيء إدخال متعصبين يمينيين متطرفين إلى مناصب رئيسية في حكومته، لم تكن المحرك الذي أطلق العمليات التي ورطت إسرائيل في أكبر مشكلة في تاريخها.

       ما زال النصر بعيداً

بعد مرور أكثر من شهرين على التهديدات العلنية، يبدو أن إسرائيل وبحق تقوم في الأسبوع الأخير بالعمليات الأولية قبل احتمالية الدخول العسكري إلى رفح. حتى الآن، ليس واضحاً حجم العملية، هذا إذا حدثت أصلاً. إزاء الخلاف حول هذا الأمر مع الإدارة الأمريكية، الذي ظهر مرة أخرى في نهاية الأسبوع عبر لقاء “زوم” بين جهات رفيعة لدى الطرفين، تشير التطورات على الأرض إلى استعداد لحدوث تغيير.

جند الجيش الإسرائيلي لواءين في الاحتياط في فترة قصيرة، ربما يحتلان الممر الذي يفصل بين شمال القطاع وجنوبه وتحرر لواءين نظاميين، لواء “الناحل” ولواء المدرعات 401، كي يستعدا قبل دخول رفح. انسحاب القوات من خان يونس يسمح لمئات آلاف الفلسطينيين بالعودة من رفح إلى الشمال، إلى بيوتهم المدمرة، بصورة تقلص حجم السكان المدنيين في جنوب القطاع. والإعدادات التي يقوم بها النظام المصري على منطقة الحدود مع القطاع مع عدة تسريبات من القاهرة، تدل على أن مصر تعلم باقتراب العملية الإسرائيلية.

نتنياهو ووزير الدفاع، وأحياناً الوزير بني غانتس وقادة كبار في الجيش الإسرائيلي، جميعهم يتحدثون عن الحاجة لضغط عسكري للدفع قدماً بصفقة جديدة لإطلاق سراح المخطوفين الباقين. ما زالت أربع كتائب قطرية لحماس تتمترس في رفح. وحسب الجيش الإسرائيلي، فإن حوالي 18 كتيبة من كتائب حماس في القطاع تم تفكيكها بالكامل، وقتل حوالي 12 ألف مخرب في حماس و”الجهاد الإسلامي”. ما زالت كتيبة أو كتيبتان في حماس تعملان بشكل جزئي في مخيمات اللاجئين في وسط القطاع، ولكنها تكبدت مؤخراً خسائر في العملية الإسرائيلية في مخيم النصيرات.

احتلال رفح سينزل ضربة قاسية على حماس، لكن من يعتبر ذلك نهاية المعركة يضلل الجمهور. دليل ذلك ما يحدث في شمال القطاع. الجيش الإسرائيلي أخلى المنطقة بصورة مطلقة، وعادت حماس وسيطرت هناك بالتدريج. تضاءلت قدرة حماس العسكرية، وتعمل اقتحامات إسرائيل المتواترة في شمال القطاع على إبقاء الوضع على حاله. ولكن حماس لا تجد صعوبة في إعادة رموز السلطة المدنية، في الوقت الذي يقوم فيه رجالها بقتل نشطاء حركة فتح ورؤساء العائلات المحلية الذين يتجرأون على إظهار علامات الاستقلالية.

منذ تشرين الثاني والإدارة الأمريكية تتوسل لنتنياهو لمناقشة دخول السلطة الفلسطينية المحدثة (ما زال اقتراحاً على الورق حتى اليوم) إلى القطاع في اليوم التالي. رئيس الحكومة، الذي يبتزه شركاؤه في اليمين المتطرف، يرفض. والذريعة ايديولوجية (محظور إعطاء هدية للسلطة الفلسطينية مقابل المذبحة، والتي هي تؤيد الإرهاب أيضاً)، لكن الذريعة الحقيقية سياسية – عملية. بدون الوزيرين بن غفير وسموتريتش لن يحقق نتنياهو هدفه السامي، وهو البقاء في الحكم إلى نهاية 2026 ثم الفوز في الانتخابات. لذا، لا تغيير على الوضع في القطاع، في حين يحارب نتنياهو حركات الاحتجاج ويقرب إليه أعضاء الكنيست الذين يعتبرون حلقة ضعيفة في الائتلاف، والذين يفكرون بالانفصال. نسمع اعترافاً صادقاً بثلاثة استنتاجات في كل لقاء مع جهات رفيعة في جهاز الأمن: لم ننتصر (البعض يضيف: حتى الآن)؛ لا يوجد حل بدون موطئ قدم للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة؛ والعجز السياسي يبدد الإنجازات العسكرية.

في نهاية الأسبوع الماضي، اتهمت بعض الجهات الأمريكية الرفيعة قيادة حماس برفض اقتراح حل الوسط الذي قدمه الوسطاء لعقد صفقة التبادل. رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، السادي الواضح، يستمر بوضع العراقيل أمام أي صيغة معقولة من أجل التوصل إلى الاتفاق. ولكن المماطلة في المفاوضات في الأشهر الثلاثة الأخيرة التي كان فيها نتنياهو شريكاً رئيسياً ومدركاً، ساهمت في تفويت نافذة الفرص لعقد الصفقة، إلى درجة تظهر وكأنه تم إغلاقها الآن. في ظل غياب الضغط العسكري وإدخال المساعدات الإنسانية بالحجم الذي طلب مسبقاً (500 شاحنة في اليوم)، لا يشعر السنوار بالحاجة إلى الاستعجال.

ليس صعباً تخمين ما يريده – إنهاء الحرب. وإذا أرادت إسرائيل إنقاذ جميع المخطوفين الذين هم على قيد الحياة قبل موت المزيد منهم في ظروف أسر صعبة أو قتلهم على يد حماس، فعليها فحص حل بديل: تقليص الخسائر والإعلان عن إنهاء الحرب والخروج من القطاع. بعد ذلك، عندما يعود المخطوفون وجثث أصدقائهم إلى البيت، ستكون إمكانية للبحث عن ذريعة (ستوفرها حماس بطبيعتها) لمواصلة الحرب في ظروف أفضل. هذه هي المقاربة التي سمعت من أعضاء مركز الأسرى والمفقودين في الجيش الإسرائيلي. أمس، تم عقد مجلس الحرب لمناقشة قضية المخطوفين، للمرة الأولى بعد حوالي أسبوعين. القيادة التي تهتم بإعادتهم لا تتصرف بهذا النحو.

الصعوبة في هزيمة عدو شبه متبلور بدرجة ما، الذي يقوم بالمداهمة وتغيير الشكل والاختباء تحت الأرض ويلف نفسه بأحزمة حماية مدنية، تأخذنا أحياناً إلى أماكن غريبة. وفي ظل غياب النصر الكامل، كما يعرف الآن كل مواطن إسرائيلي ذكي ولسنا على بعد خطوة منه، تحاول إسرائيل التعلق بآمال أخرى. ولرفع المعنويات بدأت وسائل الإعلام تبث مقابلات كثيرة مع قادة وجنود بصورة ثابتة. وهذا بالتأكيد أفضل من إجراء المقابلات مع الوزراء وأعضاء الكنيست في الائتلاف، الذين يساعدون على تحطيمها.

 عاموس هرئيل

هآرتس 22/4/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية