بعد شهور من الجمود.. فرصة جديدة أمام الدبلوماسية في سورية

حجم الخط
0

 

روما ـ موسكو ـ رويترز ـ إذا كانت روسيا قد قررت القيام بمسعى دبلوماسي جديد لإقناع الأطراف المتناحرة في سورية بالدخول في محادثات سلام فقد يكون السبب في ذلك علامات على إمكانية انضمام الولايات المتحدة تدريجيا الى الصراع.

وجاء الإعلان المشترك للدولتين العظميين أنهما ستحاولان جمع ممثلين عن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بمعارضين يقاتلون للاطاحة به ليمثل أول مبادرة دبلوماسية جدية منذ قرابة عام.

وبعد محادثات مطولة في موسكو يوم الثلاثاء قالت الولايات المتحدة وروسيا إنهما ستحاولان بث الحياة في اتفاق تم التفاوض جيدا بشأنه وأقرته الدولتان في حزيران (يونيو) 2012 لكنه لم يقدم إجابة عن سؤال ما اذا كان الاسد سيبقى في السلطة.

ومغزى المسعى الجديد هو دفع الطرفين الى الجلوس إلى طاولة التفاوض ربما في جنيف بحلول نهاية أيار (مايو) في محاولة لإنهاء الحرب وحثهما على تشكيل حكومة انتقالية بالتوافق المتبادل.

وتم تحديد هذا الاطار لانهاء الصراع السوري الذي قتل فيه أكثر من 70 ألف شخص منذ أن اندلع في 2011 في شكل إعلان جنيف الذي أقر يوم 30 حزيران (يونيو) 2012 .

وبعدما بدا من عدم اكتراث موسكو بتنفيذ الاعلان فإن رغبتها الواضحة لاحياء الفكرة قد تعكس قلقها من أن يكون الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعيد التفكير في معارضته لشكل من أشكال التدخل العسكري في سورية.

ومن بين العلامات على هذا اعتراف البيت الابيض يوم 25 نيسان (ابريل) أن وكالات مخابرات أمريكية تعتقد ان الحكومة السورية ربما استخدمت أسلحة كيماوية ضد شعبها وكان أوباما قد وصف هذا الأمر في السابق بأنه “خط أحمر.”

وهناك مؤشرات أيضا على اتساع دائرة الصراع حيث قصفت إسرائيل أهدافا في سورية مرتين خلال مطلع الأسبوع بالاضافة إلى المخاوف من صعود الاسلاميين المتشددين الذين أعلن بعضهم ولاءه لتنظيم القاعدة في صفوف المعارضة المسلحة وكذلك دور إيران وحزب الله حليفها في لبنان في دعم الأسد.

وتعالت أصوات في الولايات المتحدة تحث أوباما على تسليح مقاتلي المعارضة ومن بينهم السناتور روبرت مننديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي والذي قدم قانونا لهذا الغرض في السادس من ايار (مايو).

وقال دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه “من بين كل هذه الحجج أعتقد ان الخوف الروسي الأكبر هو أن تكون الولايات المتحدة والغرب في طريقهما لشكل أو آخر من أشكال التدخل العسكري في سورية ويرجح أن هذا يدور بذهنهم.”

وأشار بيان للخارجية الروسية إلى هذا الخوف يوم الإثنين. وعبر البيان عن القلق من الغارات الجوية الإسرائيلية على سورية وقال إن روسيا “قلقة للغاية بسبب إشارات على إعداد الرأي العام العالمي لتدخل مسلح محتمل” في سورية.

ولم يخف أوباما رغبته في تجنب التدخل العسكري في سورية بينما سحب القوات الامريكية من العراق ويحاول إنهاء الحرب الأمريكية في أفغانستان.

وذكر دبلوماسيون أنه إذا قدر لهذا الموقف أن يتغير فإن تسليح جماعات معينة من المقاتلين السوريين يمثل خطوة أولى أكثر ترجيحا من التدخل المباشر مثل شن حملة قصف لدك الدفاعات الجوية السورية وفرض منطقة حظر طيران ناهيك عن إرسال قوات أمريكية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد محادثات مع نظيره الامريكي جون كيري يوم الثلاثاء إن موسكو ليست مشغولة بمستقبل الأسد.

وأضاف “لا نهتم بمصير أشخاص بعينهم. إننا مهتمون بمصير الشعب السوري. ويجب أن يقرر السوريون أنفسهم مصير الشعب السوري ومصير سورية ومصير أشخاص معينين.”

وعبر دبلوماسيون عن بعض التشكك في استعداد روسيا بالفعل لنفض يديها عن الأسد اذ لم يتغير موقفها على صعيد الممارسة كثيرا من هذا الأمر خلال العامين المنصرمين.

وقال دبلوماسي آخر “إن الطريقة التي عبروا بها عن الأمر علنا جديدة لكن فحواها غير واضحة لي.. إلى أي مدى سيضغطون على الأسد لإعطاء هذه المفاوضات فرصة.”

وأضاف أن “هذا الخلاف بشأن ما اذا كان يجب أن يرحل الأسد ومتى يكون موعد ذلك” لا يزال قائما.

وتصر روسيا على أن رحيل الأسد يجب الا يكون شرطا مسبقا لاجراء المحادثات وهي نقطة يبدو ان واشنطن قبلتها.

وكانت الولايات المتحدة قد قالت إن الأسد لابد ان يرحل لكنها لم تضع هذا كشرط صريح لاجراء المحادثات وقد تتقبل صيغة يتنحى الأسد في إطارها عن السلطة في وقت لاحق هذا بافتراض أنه مستعد لترك السلطة.

ولم يطالب إعلان جنيف بتنحي الاسد كما بدا غامضا بشأن من قد يشكل حكومة انتقالية وقال “يمكن ان تشمل أعضاء في الحكومة الحالية والمعارضة وجماعات أخرى وستشكل على أساس التوافق المتبادل.”

وتقول الولايات المتحدة منذ وقت طويل إن عبارة “التوافق المتبادل” تعني ان المعارضة يمكن أن تعترض على أي دور للأسد.

وقال دبلوماسيون إنه على الرغم من أن موسكو قادرة على دفع الحكومة السورية إلى طاولة التفاوض فقد يكون من الصعب على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب إقناع المعارضة بتجرع مرارة الدخول في محادثات مع احتمال بقاء الاسد في السلطة لبعض الوقت.

لكن واشنطن قد تخبر المعارضة السورية بأن الحصول على المزيد من الدعم الأمريكي يتوقف على مشاركتها في المحادثات.

والائتلاف الوطني السوري المعارض ومقره في القاهرة والمدعوم من الغرب والذي رحب بالمبادرة الامريكية الروسية لا يتمتع بسيطرة تذكر على المقاتلين في سورية.

وقال جون الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إن الوضع يستحق استكشاف مدى استعداد الروس للضغط على الأسد.

وأضاف “كان هناك شعور بأن موقف الروس بشأن سورية لا يمكن أن يتغير ومن الجيد التشكيك في هذا بعد تزايد المخاوف من استخدام أسلحة كيماوية والخوف من توطيد المتطرفين لوضعهم.”

وتابع أن الولايات المتحدة وروسيا لهما بعض المصالح المشتركة في سورية ومن بينها الخوف من امتداد “نشاط المتشددين” في سورية الى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وقال لافروف يوم الثلاثاء “جزء كبير من السكان (السوريين) يخشى أن.. يطاح بالنظام.

“وليس هذا لأنهم يحبون هذا النظام.. وليس هذا لأنهم معجبون بالأحداث المروعة الجارية في سورية ولكن لأنهم يخشون أن تتحول سورية إذا انتصر من يقاتلون النظام من دولة متعددة الاعراق والطوائف إلى دولة يحكمها المتشددون.”

وقال “(وبينما) لا يتحدث أحد علنا في هذا الشأن اليوم فإن كل من حاورتهم يشاطرونني هذا الرأي. ولهذا حاولنا تقديم مبادرة لتوحيد كل المجموعات التي تمثل كلا من النظام والمعارضة.”

ومازالت الشكوك تحوم حول ما إذا كانت روسيا قد غيرت بالفعل سياستها أم أنها تكسب وقتا بإظهار أنها تحاول التعاون مع القوى الغربية بشأن سورية في وقت تريد واشنطن أن تظهر فيه أمام الشعب الأمريكي أيضا في صورة الباحث عن انفراجة.

وفي مؤشر على أن روسيا ربما لم تتخل عن دعمها للأسد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أمس الخميس أن إسرائيل أخبرت الولايات المتحدة بشأن صفقة روسية وشيكة لبيع أنظمة صواريخ أرض جو متقدمة لسورية. ولم تعلق موسكو على التقرير على الفور.

وأشار الترمان أيضا إلى تردد روسيا الشديد في أن ترى الغرب يساعد على الاطاحة بزعيم عربي آخر خاصة بعد أن ساعد التدخل الغربي المقاتلين الليبيين على الاطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي.

وقال “قلق روسيا من تعزيز سابقة التدخل الخارجي ومن أن تضع الولايات المتحدة حلفاء لها في مكان حلفاء روسيا دفعها لمعارضة التعاون الدولي الذي يهدف إلى تغيير حكومة الأسد.”

وذكر أن التوصل إلى تسوية سلمية في سورية “سيكون صعبا للغاية لكنه ليس مستحيلا وربما يعتبر نتيجة أفضل بالنسبة للروس مقارنة بفقدانهم السيطرة على الأمور تماما”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية