“بسطة الحلاقة”.. مقص وكرسي بلاستيكي بدلا من صالونات التجميل.. الحرب تعيد سكان غزة لعادات عاشها أجدادهم- (صور)

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة- “القدس العربي”:

أعادت الظروف القاسية التي يعانيها قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية التي دخلت شهرها الخامس، السكان لاتباع عادات انتهت قبل عشرات السنين، ومن بينها “حلاقة الشوارع”.

صالون شارع

لم يعد غريبا في هذا الوقت، أن يجلس الشخص الذي يريد تقصير شعره، في الهواء الطلق، على كرسي خشبي أو بلاستيكي صغير، بدلا من الجلوس على كرسي مريح، وأمامه مرآة كبيرة، داخل صالون حلاقة، بالغالب يكون مجهز بأدوات تهوية وتبريد صيفا، أو تدفئة في فصل الشتاء.

ففي هذا الوقت استغنى الكثير من الحلاقين عن تلك الصالونات، إما بفعل تدميرها في الحرب، أو بسبب نزوحهم من مناطق سكناهم التي كانوا يقيمون فيها صالونات الحلاقة، أو بسبب تعثر إنارة الصالونات الحالية، لانقطاع التيار الكهربائي.

وخلال الغارات الجوية العنيفة على غزة، جرى تدمير الكثير من صالونات الحلاقة، والتي بالغالب كانت عبارة عن محال تجارية، مقامة أسفل البنايات العالية.

كما أُجبر أصحاب صالونات الحلاقة، الذين نزحوا من مناطق غزة والشمال ومدينة خان يونس ووسط القطاع أيضا، إلى مدينة رفح جنوب القطاع، وإلى غرب مدينة خانيونس “المواصي”، على البحث عن قوت يومهم بأدوات وإمكانيات بسيطة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي خلفتها الحرب، فاستعانوا على فتح تلك الصالونات بشكلها البسيط، بعد أن اختاروا لها زاوية على قارعة شارع، أو في داخل “مركز إيواء”، أو قرب تجمع خيام النازحين، ومن بينهم من عمل على تجهيز صالون حلاقة داخل خيمة بلاستيكية صغيرة صنعها بنفسه على زاوية أحد الشوارع، ليدرّ عليه أموالا تساعده على تحمل أعباء الحياة.

ظروف الحياة

في العادة، تحتاج صالونات الحلاقة إلى اضاءات كثيرة تنير المكان، وأثاث وديكورات مميزة، لكنها لم تعد متوفرة الآن.

ويقول رائد عاشور، الذي اضطر وعائلته للنزوح من وسط مدينة خان يونس التي تتعرض لهجوم بري عنيف منذ أكثر من شهرين، إلى غرب مدينة رفح، إنه بحث في بداية وصوله عن مكان يأويه وأسرته النازحة، ويضيف في حديثه لـ”القدس العربي”، أنه قام بتجهيز خيمة بلاستيكية في مكان قريب من صالونه الجديد، بالكاد تتسع لأفراد أسرته، وأنه اضطر بعد أيام من النزوح إلى التفكير بفتح هذا الصالون الجديد، بعد أن رأى بأن الأمر أصبح رائجا بشكل كبير.

ويقول إنه أحضر حقيبة بها بعض معدات الحلاقة، مثل المقص والماكنة الكهربائية وبعض الأمشاط، وأضاف إليها كرسيا بلاستيكيا كان قد أحضره ضمن أثاثه الذي خرج به من خان يونس.

ويلفت: “هذه البسطة (صالون حلاقة الشارع) توفر الأموال اللازمة لأسرتي”، مضيفا: “لما وصلت هان (عند وصولي) بقيت أياما بدون عمل، وما عدت أمتلك فلوس، فاضطريت لهذا عمل”.

ويشير رائد إلى أن هناك أناسا من كافة الأعمار يأتون إلى “بسطة الحلاقة”، ومنهم رجال أعمال كانت لهم مصالح تجارية في مدينة غزة، ودُمرت أو أغلقت بفعل الحرب.

ولم يكن بعيدا عن رائد الذي وضع صالونه الجديد في الجهة الغربية من الشارع الرئيس لمدينة رفح، الشاب رامي وهو في بداية الثلاثينات، حيث طوّر صالونه الذي يمتد بطول مترين وبعرض مماثل، بأن جعل له سقفا وجدرانا بلاستيكية، ووضع في مقدمة تلك الخيمة الصغيرة مرآة صغيرة أيضا، ليرى الزبون نفسه أثناء العمل.

صالونات مدمرة

يوضح رامي لـ”القدس العربي”، أنه كان يملك صالونا جميلا، أثّثه بشكل أنيق، وفيه الكثير من الديكورات بمنطقة جباليا شمالي قطاع غزة، غير أنه دُمر تماما في الحرب، ويقول: “جيراني من بقوا في المكان أرسلوا لي صورا للصالون بعد تدميره”.

هذا الشاب اضطر لشراء بعض أدوات الحلاقة البسيطة، ويقول إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرته على العمل بهذه الظروف، وأجبرت الزبائن على الحلاقة أيضا في هذه الأماكن البسيطة.

وتنتشر “صالونات الشارع” بكثرة أيضا إما داخل “مراكز الإيواء”، أو أمامها. وفي الغالب يكون أصحابها من المقيمين في هذه المراكز، ومن بينهم ماهر خلف، الذي يقول إنه بحث عن مصدر رزقه بين النازحين، خاصة وأن بعض المال الذي جلبه عند نزوحه من مدينة غزة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، نفد بعد وقت وجيز من النزوح، فيما بات حاليا يتمكن من توفير بعض متطلبات الأسرة.

هذا الشاب قال لـ”القدس العربي”، إنه يراعي ظروف الزبائن، على اختلاف أعمارهم، وفي العادة كان في السابق يكلف متوسط حلاقة شعر الرجل عشرة شواكل “الدولار يساوي 3.8 شيكل”، وكان الثمن يرتفع أو يقل قليلا بحسب المكان، فيما كان ثمن حلاقة الأطفال والفتية خمسة شواكل.

ويقول ماجد إنه في بعض الأوقات يأخذ ما يقدّم له من الزبون، حتى وإن كان أقل من ثمن الحلاقة بكثير، حيث ينظر إلى الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به السكان، ويشير إلى أنه أيضا يقدم خدمة الحلاقة مجانا لعدة زبائن، يقيمون داخل “مركز الإيواء”، ويعلم أن وضعهم المادي سيئ جدا.

ويعاني هذا الشاب كثيرا حين يقوم بشحن بطاريات آلة الحلاقة، ويضطر إما لانتظار وصول الكهرباء عبر مولد يمد مركز الإيواء يوميا بنحو ساعة من الكهرباء، أو يذهب كغيره إلى “نقاط شحن” تستعين بألواح شمسية، مقابل بعض المال.

ذكريات النكبة

“القدس العربي” قابلت عددا من رواد هذه الصالونات، أحدهم قال خلال حلاقة شعره وهو يجلس على كرسي بلاستيكي صغير، إنه يتذكر كل مرة يقوم بها بالحلاقة، ما كان يفعله قبل الحرب.

ويقول ذلك الشاب إنه كان يجري اتصالا على الحلاق، يحجز فيه دوره، وكان يجلس على كرسي أنيق، ثم ينهي جلسة الحلاقة بتصفيف شعره بالهواء الساخن، وكان قبلها يقوم بتنظيف بشرة الوجه.

ويشير إلى أن الظروف الحالية التي خلفتها الحرب جعلته يفعل أشياء لم يكن معتادا عليها، ولم تكن في مخيلته.

أحد الرجال المسنين في ذلك المركز، والذي كان يسير برفقة حفيده، ينتظر أن يحل دوره لقص شعره، قال إن هذا الشكل من الصالونات كان رائجا خلال وبعد أحداث “النكبة” عام 1948.

هذا الرجل المسن قال إنه يتذكر في طفولته كيف كان يجلس على كرسي في الشارع، يحلق شعره. ويوضح أن الفرق بين الوضع الحالي والسابق، هو أن الحلاقة في السابق كان تتم والشخص يجلس على الأرض، فيما تجري الحلاقة حاليا على كرسي صغير.

ويؤكد أن الحرب أعادت الناس إلى اتباع أشياء توقف العمل بها منذ عشرات السنين، ومنها الطهي والخبز على مواقد الحطب، بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية