باحثان إسرائيليان: المناعة المجتمعية لدى الإسرائيليين في تراجع والأمن القومي في خطر حقيقي

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: يؤكد باحثان في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب من أن “الانقلاب القضائي والمعارضة الواسعة لها” يلحقان ضرراً خطيراً بـالمناعة الاجتماعية للإسرائيليين وبأمنهم القومي، خاصة أن مكونات هذه المناعة تتعرض للتآكل منذ سنوات نتيجة تغيرات داخلية بالأساس.

 القاسم المشترك الذي يوحّد الفئات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي تقلص في الأعوام الماضية، وازدادت نسبة العداء ما بين الفئات المختلفة، بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة العنف.

ويقول الباحثان الإسرائيليان مئير إلران وموران ديتش إن إسرائيل الآن في خضم أزمة سياسية- اجتماعية متعددة الأبعاد، حادة ومستمرة، سببها الأساسي الصراع بين مجموعات ورؤى متناقضة في قضايا مختلفة، تتكثف جميعها في السؤال الأساسي عن هويتها كدولة “يهودية وديمقراطية”، والعلاقة ما بين مركّبيْ الهوية.  كما يقولان إنه على مدار أعوام نجح المجتمع والسياسة في إسرائيل في المناورة، إلى حد ما، بين التفسيرات المختلفة التي تصب في هذه القيم في نهاية المطاف، من دون صعوبة كبيرة، وسط واقع مملوء بالتحديات والفروقات الاجتماعية والتناقضات السياسية الحادة. ويعتبران أن الجولة الانتخابية الخامسة والعشرين انتهت بانتصار معسكر اليمين، وإقامة ائتلاف يميني واضح، تدعمه الأحزاب “الحريدية” من جهة، واليمين المتطرف من جهة أُخرى. ويرى الباحثان أن لهذه النتيجة إسقاطات ومعاني في عدة مجالات حساسة. ويتابع: “هذا بالإضافة إلى أن تركيبة الحكومة ذاتها، التي تحوي وزراء لديهم أجندات متطرفة، في مواقع قوة وقدرات عالية على المساومة، تهدد استقرار الحكومة وقدرتها على الصمود”.

المساس بالفصل بين السلطات الثلاث

 وحسب الباحثين الإسرائيليين فإن هذه الأحوال بحد ذاتها عززت الخلافات السياسية المعروفة، وخلقت شعوراً بالخوف والتهديد لدى فئات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، وفي هذا السياق، يجب فهم القوة الكامنة والمخاطر الواسعة في المبادرة الحكومية إلى القيام بتغييرات كبيرة في النظام القضائي ومكانة القضاء. ويعتبران أن كلا الطرفين، الطرف المبادر إلى التغييرات، أو المعارض لها، يعتبرها خطوة جذرية، ستؤدي إلى انقلاب في الموازين المعروفة ما بين مؤسسات الحكم الثلاث، من خلال منح الهيئة التنفيذية سلطة مطلقة، على حساب استقلالية وقوة السلطة القضائية والنظام القضائي برمّته. ويوضحان أن تطبيق المبادرة، كما طُرحت كاملة، سيؤدي إلى تغييرات عميقة في نظام الحكم في إسرائيل، ويغيّر، جوهرياً، هوية الدولة ومؤسساتها “الديمقراطية”. ويكرر الباحثان الإسرائيليان مقولة سابقة لهما مفادها إن الضرر الجوهري بـ”الديمقراطية” في إسرائيل يمكنه زعزعة الأمن القومي، داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى أن معارضي الحكومة يرون أن سبب السرعة في الدفع بالتغييرات، هو خدمة رئيس الحكومة في صراعه مع القضاء بسبب مخالفاته الجنائية، وهو ما يؤدي إلى احتجاجات جماهيرية واضحة ومقاومة كبيرة من فئات كبيرة من الإسرائيليين.

سبب السرعة في الدفع بالتغييرات، هو خدمة رئيس الحكومة في صراعه مع القضاء بسبب مخالفاته الجنائية، وهو ما يؤدي إلى احتجاجات جماهيرية واضحة ومقاومة كبيرة من فئات كبيرة من الإسرائيليين.

أغلبية الإسرائيليين تريد وقف الإصلاحات القضائية

وضمن تحليلهما يقولان إن هذا يبدو واضحاً في استطلاعين للرأي أجرتْهما القناة 12، في 10 و17 شباط/فبراير، وتشير إلى أن 62% و66% من المستطلعين يدعمون وقف المسار التشريعي، أو تأجيله، بهدف السماح بحوار مجتمعي بشأن مضمونه، وأن 21% و24% فقط من المستطلعين يعتقدون أنه يجب الاستمرار في المسار كما هو مخطَّط له، وحتى في أوساط الذين صوتوا لأحزاب الائتلاف، هناك كثُر يدعمون وقف المسار.

ويرجح الباحثان مئير إلران وموران ديتش أن مصير هذه الخطوة غير واضح بعد، وأنه يمكن الافتراض أنه سيتم التوصل إلى تسوية ما في نهاية المطاف، ربما تكون مستندةً إلى مبادرة الرئيس هرتسوغ، التي طرحها يوم 12 شباط/فبراير الجاري. ويضيفان: “لكن، وفي هذه المرحلة أيضاً، يمكن النقاش في مميزات الأزمة الحالية التي قال عنها الرئيس أنها تضع إسرائيل على “حافة الانهيار الدستوري والاجتماعي”. وفي هذا السياق، من المهم فهم الإسقاطات الممكنة للخطوة الحكومية على حصانة الدولة وأمنها القومي”.

التأثير على المناعة القومية

ويرى الباحثان الإسرائيليان أن الحصانة أو المناعة القومية لإسرائيل تستند إلى ثلاثة أساسات مركزية: التضامن الاجتماعي، ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، والحوكمة الفاعلة. وينبهان إلى أن هذا على افتراض أن القوة “الصلبة” (العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية)، و”الناعمة” (الدبلوماسية) (وضمنها العلاقات مع الجاليات اليهودية في العالم)، والتعليمية/العلمية، جيدة في مواجهة التحديات والظروف الجيوسياسية الحالية والمتوقعة. من هذا المنطلق يستنتجان وجوب فحص جوهر التغييرات التي تقترحها الحكومة، وأيضاً عمق الأزمة الاجتماعية- السياسية الحالية وإسقاطاتها على مركبّات القوة الإسرائيلية. وبرأيهما أن الحديث هنا يدور عن القوة بحد ذاتها كما يتم النظر إليها من الخارج، بما فيها أعداء إسرائيل، وهذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن تراجعاً مقلقاً جرى خلال الأعوام الأخيرة على المركّبات الثلاثة للحصانة القومية:

في ما يتعلق بالشرطة في إسرائيل 53% عبّروا عن ثقتهم بها في سنة 2018، في مقابل 30% في سنة 2022.

التضامن الاجتماعي: وفي هذا المضمار يقول مئير إلران وموران ديتش: “يتضح أن القاسم المشترك الذي يوحّد الفئات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي تقلص في الأعوام الماضية، وفي الوقت نفسه، ازدادت نسبة العداء ما بين الفئات المختلفة، بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة العنف في الحيز العام، بعد أن تراجعت الروح الموحِّدة للجماعة الاجتماعية لمصلحة القبلية والفردية الواضحة. وينبهان أن هذه التوجهات كانت واضحة في “مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية” الصادر عن المعهد الإسرائيلي لدراسات الديمقراطية (2022)، إذ تشير نتائج المؤشر إلى علامة متواضعة جداً (5 من 10) في رؤية الجمهور لمستوى التضامن الإسرائيلي الداخلي خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وتراجُع في التضامن في الأعوام الثلاثة الأخيرة، من 5.5 إلى 4.7 (من 10) في أوساط اليهود، ومن 4.8 إلى 3.8 في أوساط العرب.

معطيات معهد دراسات الأمن القومي

يذكر هنا أن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب كشف، في تشرين الأول/ أكتوبر، أن 61% من الإسرائيليين يوافقون على ادّعاء حدوث تراجُع في شعور التضامن، في مقابل 20% فقط يعتقدون العكس.

 ويعتقد الباحثان الإسرائيليان أنه يجب النظر إلى هذه المعطيات على أنها خلفية للأزمة الحالية التي تنعكس بصورة خطِرة على النقاش العام في المجتمع الإسرائيلي، وتعزز الفروقات في أوساطه. ويدللان على رؤيتهما المتبصرة للتيارات العميقة خلف الهزة السياسية داخل إسرائيل بالقول إن ثقة الإسرائيليين، سواء بين الفئات المختلفة، أو بين الأحزاب السياسية، وحيال مؤسسات الحكم، في تراجُع. ويوضحان أن هذا الاتجاه ينطبق بصورة خاصة على النظام القضائي، والذي تراجعت فيه الثقة بشكل ملحوظ: من 64% في سنة 2018 إلى 41% في سنة 2022.

 ويؤكدان أن هذا هو ذاته الملاحَظ أيضاً في ما يتعلق بالشرطة في إسرائيل (53% عبّروا عن ثقتهم بها في سنة 2018، في مقابل 30% في سنة 2022).

 أما الحكومات، فإنها دائماً ما تحصل على ثقة متدنية بصورة خاصة (30% في المعدل لثلاثة أعوام). وفي مجال ثقة الجمهور بالجيش والموساد والشاباك، فإن النسبة مرتفعة أكثر بكثير، مع ميل طفيف إلى التراجع، تم تسجيله في العام الماضي. ويرجحان أن أزمة الثقة ازدادت الآن أكثر بكثير، إذ تتميز الأزمة الحالية بانعدام الثقة المطلق بدوافع الطرفين.

يقول باحثان إن الزلزال الجماهيري الذي يجري الآن يشكل بحدّ ذاته خطراً على الحصانة القومية، وإن على حكومة إسرائيل أن تعي أن خطواتها قادرة على زعزعة التضامن الداخلي، وأن تؤدي إلى فجوات عميقة.

الحوكمة: ويوضح الباحثان أن الحوكمة التي يتم التعبير عنها من خلال ثقة الإسرائيليين بقدرة النظام على فرض سيطرته في مجالات مهمة في المجتمع، في حالة تراجُع. ويقولان إنه على سبيل المثال، “الشعور بالأمان الشخصي” يتقلص لدى فئات واسعة لدى الإسرائيليين، ويزداد توجيه الانتقادات مؤسسات فرض القانون. كما تم تسجيل تراجُع مستمر في الشعور بالأمان الشخصي كما يظهر استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي: 57% من المستطلعين يعتقدون أن شعورهم خلال العام 2022 بالأمان الشخصي تراجع، في مقابل 6% فقط اعتقدوا أن شعورهم بالأمان الشخصي تعزّز. ويقولان هنا إنه من المهم الإشارة إلى أن قضية الحوكمة لها أهمية بالنسبة إلى مجالات أُخرى فمؤخراً، تتحدى الحوكمة المنظومة السياسية نفسها، وهو ما يثير المخاوف بشأن أداء إشكالي لوزارات مهمة كوزارة الأمن ووزارة الأمن القومي.

دلائل المناعة العالية

ويؤكدان أن الإطار العلمي للحصانة القومية يشير إلى أن مؤشرات تضامُن وثقة وحوكمة عالية هي دليل على حصانة عالية، وهذا يعني قدرة أكبر على التعامل مع المشكلات الصعبة، من الكوارث الطبيعية (زلازل وغيرها)، ومن فعل الإنسان (حرب أو عمليات “إرهابية”)، في مجالات أساسية:

 1) قدرة تعامُل قيادية في أعقاب الحدث، وعند حصوله.

 2) الحفاظ على السلسلة الهرمية القيادية، حتى في حالات الطوارئ.

 3) قدرة على النهوض السريع بعد الأزمة، وعودة إلى ما كان عليه الوضع قبلها.

 4) الوصول إلى أعلى قدرة من الفعالية الشاملة بعد الحدث، وصولاً إلى النهوض القومي المتعدد الأبعاد.

وينوهان إلى أن، في السياق الإسرائيلي، الضرر بالحصانة القومية يمكن أن ينعكس في أعقاب أحداث كثيرة، بدءاً من أزمة سياسية أو اقتصادية، مروراً بزلزال قوي، وصولاً إلى مواجهات أمنية خارجية أو داخلية.

ويتابعان: “تزعزُع الحصانة القومية بسبب الضرر بمكوناتها الأساسية، يمكن أن يُلحق الضرر بقدرة إسرائيل على التعامل مع هذه التحديات بنجاح، وعلى احتوائها، والنهوض منها بسرعة (نسبةً إلى حجم الحدث)، والوصول إلى النمو. ومن هنا تنبع أهمية تقوية مركّبات الحصانة القومية في إسرائيل، من وجهة نظر الأمن القومي للدولة”.

مخاطر الهزة السياسية

ويخلص الباحثان الإسرائيليان للقول إإن الزلزال الجماهيري الذي يجري الآن، يشكل بحدّ ذاته خطراً على الحصانة القومية. ومن هنا يستنتجان أنه يتوجب على حكومة إسرائيل أن تعي أن خطواتها قادرة على زعزعة التضامن الداخلي، وأن تؤدي إلى فجوات عميقة وعداء بين فئات المجتمع، وأن تضر بثقة الجمهور بها، وبالحوكمة، وهو ما يمكن أن يكلّف غالياً.

ويتابعان: “حتى لو كانت الحكومة مصّممة، لأسباب تعود إليها، على الدفع قدماً بالتغييرات القضائية، عليها أن تقوم بذلك بتأنٍّ، وبصورة تسمح بالحوار مع المعسكر الآخر، والاستعداد لتقديم تنازلات من الطرفين، لكبح التراجع الواضح في الحصانة الاجتماعية والمخاطر المشتقة منه على أمن إسرائيل القومي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية