انعزاليون وعنصريون ومتآمرون على لبنان

حجم الخط
2

في زمن وباء كورونا، حيث البشر في كل العالم مستهدفون بالمرض، بدون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو مكان السكن، في هذه الحالة يُفترض أن تتضافر جهود العالم أجمع لمحاولة القضاء على الوباء الخبيث، فكيف بمن يسكنون على أرض واحدة، فالمفترض فيهم أنهم أبناء أمة واحدة. في خضم هذه القضية جاء تصريح زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع، من أجل القضاء على كورونا، من خلال اقتراح قدّمه للدولة اللبنانية، بفرض حصار على المخيمات الفلسطينية، ومنع اللاجئين الفلسطينيين من الدخول والخروج منها. فقد قال بالنص في كلمة له من مقر حزبه في معراب: «إنه يتعين إعلان تدابير ضد المخيمات الفلسطينية والوجود السوري في لبنان، تتمثل بإغلاق المخيمات، ورفض السماح لأي كان بالدخول والخروج منها».
وما كاد حبر هذا التصريح يجفّ، حتى قامت صحيفة «الجمهوريّة» اللبنانية قبل عشرة أيام بنشر رسم كاريكاتير بمناسبة ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية، يسيء إلى الفلسطينيين، حيث يظهر فيه «ملثم يرتدي الكوفيّة الفلسطينية تحت تاريخ 13 نيسان 1975، إلى جانب رسم يجسّد فيروس كورونا تحت تاريخ 13 نيسان 2020». المقصود مفهوم بالطبع، وهو أن سبب الحرب الأهلية اللبنانية هم الفلسطينيون، كما أنهم سبب كورونا، أو إنهم شبيهون بها! القضيتان فيهما من العنصرية ما يشبّه بعنصرية العدو الصهيوني والنازيين كما الفاشيين.
جعجع يضرب أيضا مبدأ إنسانيا معروفا، أي يحاول منع علاج من يقيم قبل كورونا على الأرض اللبنانية من خارج لبنان، وهذا ما لا تطبقه دولة في العالم، فتقوم بمعالجة كل من يتواجد ضمن حدودها، وإن تمكنت، تقوم بتقديم المساعدة لجاراتها من الدول والأخرى البعيدة. نقول ذلك لا من أجل فتح حدود لبنان لمن يريد دخولها بعد الوباء، فبسبب كورونا وخوفا من العدوى أغلقت معظم دول العالم حدودها، وإنما نعني إنسانية معالجة المتواجدين على الأرض اللبنانية منذ سنوات طويلة. وقد أضاف جعجع في تصريحه، أنه في حال «لم تقم الحكومة باتخاذ التدابير المطلوبة، في حالة ازدياد عدد الإصابات في لبنان بشكل يفوق قدرة المستشفيات، سنقاضي جزائيا رئيس الحكومة، ووزير الصحة العامة»، وزاد جعجع: «أردت أن أكون واضحا وصريحا، لأن هذه الأيام لا تحتمل اللغات السياسية والدبلوماسية والمحاباة، باعتبار أن هناك لبنانيين من المفترض أن يبقوا على قيد الحياة»، وبالنسبة له بالطبع فإن معالجة لاجئ فلسطيني، أو سوري خطأ لأنه يحتل مكان اللبناني!
إن مثل هذه التصريحات والمواقف، التي تميز بين اللبنانيين وغير اللبنانيين في شأن إنساني، لا يحتمل التأويل ولا المتاجرة السياسية، هي تصريحات ومواقف عنصرية كريهة ومرفوضة ومدانة، وتتنافي مع القيم الإنسانية، ومع حقوق الإنسان. تصريحات زعيم القوات اللبنانية والكاريكاتير، لاقتا ردود فعل غاضبة لدى قوى لبنانية وفلسطينية، وأصدرت فصائل فلسطينية ولبنانية بيانات استنكار، معتبرة أن اقتراحات رئيس حزب القوات اللبنانية لمحاصرة وباء كورونا العالمي في لبنان تصب في مجرى كراهية الفلسطينيين، وتخدم العدو الصهيوني. بدورها دعت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) في بيان لها السلطات اللبنانية، والجهات الأمنية عند مداخل المخيمات، إلى اعتماد آلية جديدة تقي السكان الداخلين والخارجين، كما تقي الجنود على حد سواء من مخاطر انتقال العدوى. ورفضت المؤسسة الحقوقية المستقلة، أي دعوة إلى إغلاق المخيمات، أو أي تجمعات سكنية أخرى نهائيا أمام السكان، لأن من شأن ذلك أن يطيح بجملة واسعة من حقوق السكان المقيمين في تلك التجمعات السكنية، ولا يحقق الغاية المرجوة من هذا الإغلاق حسب البيان. كما قال بيان المؤسسة إن من شأن دعوات كهذه أن تشير خطأ إلى أن المخيمات الفلسطينية هي سبب انتشار كورونا، علما أنه لم تسجل حتى الآن أي حالة إصابة بوباء كورونا، لأي لاجئ فلسطيني سواء في المخيمات أم خارجها. واستنكرت قوى لبنانية تصريحات جعجع الذي وصفته بالعنصري وغير الإنساني.

اقتراحات رئيس حزب القوات اللبنانية لمحاصرة وباء كورونا العالمي في لبنان تصب في مجرى كراهية الفلسطينيين وتخدم العدو الصهيوني

من جانبه، عبّر رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا، عن أسفه من قيام صحيفة «الجمهوريّة» اللبنانية، بنشر «كاريكاتير» يسيء إلى الفلسطينيين. واعتبر في بيان أصدره، أنّ نشر هذا الكاريكاتير «يتناقض مع كافة القيم الإنسانية والأخلاقية»، مطالباً الصحيفة اللبنانية بـ»الاعتذار»، ومتمنياً «عدم تكرار هذه الأخطاء». وأضاف: «أن تتمّ مقارنة الفلسطيني مع وباء كورونا، هو جريمة بحق القيم الإنسانية والأخلاقية والحضارية النبيلة، ونحن كفلسطينيين ومن قلب مدينة القدس، وفي هذا الأسبوع العظيم المقدس، نعرب مسيحيين ومسلمين عن رفضنا واستنكارنا وشجبنا لهذا الكاريكاتير الذي يسيء ليس فقط للشعب الفلسطيني، بل لكل إنسان عنده قيم وأخلاق ومبادئ سامية». واعتبر في بيانه أنّ «وباء كورونا وحّد العالم بأسره، وكما توحّدنا في معاناتنا ومواجهتنا للفيروس، يجب أن نتوحد في دفاعنا عن حقوق الإنسان والعدالة والحرية والكرامة، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني». لا نستغرب ما صرّحه سمير جعجع، فمجزرة صبرا وشاتيلا ما زالت حيّة وشاهدة على دوره والكتائب اللبنانية في ارتكاب المجزرة الفظيعة، التي يندى لها الجبين الإنساني، وللعلم كان شارون شخصيا وقائد أركان الجيش الإسرائيلي شاهدينْ على المجزرة، ويوجهان العصابات المجرمة التي اقترفتها مباشرة (ويمكن مراجعة تقرير «لجنة كاهان» التي شكّلتها إسرائيل في نوفمبر 1982 للتحقيق في المجزرة)، كذلك ما زلنا نذكر قصف القوات الصهيونية لبيروت الغربية وحصارها عام 1982 من بيروت الشرقية حيث يتواجد جعجع وقواته والكتائب اللبنانية، كما فريق الانعزاليين المعروف العملاء، كذلك إقامة الولائم لشارون ورئيس أركان الجيش الصهيوني والضباط الإسرائيليين، الذين يقصفون بني جلدتهم، في بيوتهم في بيروت الشرقية. في عام 1994 سجن جعجع بسبب اتهامه بتفجير كنيسة سيدة النجاة في كسروان، كما حوكم بتهمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي، ورئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون، كما اتهم باغتيال النائب طوني فرنجيّة، ابن الرئيس سليمان فرنجيّة وعائلته في إهدن، وهو ما سمي لاحقًا بمجزرة إهدن، لكن، أطلق سراحه في التسويات اللبنانية عام 2005. وعلى جعجع وزبانيته أن لا ينسوا أنه في العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، استقبلت سوريا مليون لاجئ لبناني قدموا إليها، وفق ما تقتضيه الأخوة الوطنية والقومية العربية.
وما كاد لبنان يبدأ العودة إلى العافية بعد أحداث الأشهر الأخيرة (إثر انتفاضة ضربت اتفاق الطائف المبرم عام 1992 بعد حرب أهلية لبنانية امتدت منذ عام 1975- 1990) ويتم الاتفاق على تشكيل حكومة برئاسة التكنوقراطي اللامنتمي لحزب، سوى لمصلحة لبنان وهو حسان دياب (الذي لم يمض عليه في الحكومة سوى 73 يوما فقط) فإن القوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط، وحزب المستقبل برئاسة سعد الحريري، كل هؤلاء أرسلوا أزلامهم إلى الشوارع في طرابلس وبيروت، وأماكن أخرى في لبنان خلال الأيام الأخيرة، كما ينوون التصعيد، لمهاجمة الحكومة والمطالبة باستقالة رئيسها.
في الواقع ليس دفاعا عن رئيس الحكومة اللبنانية، ولكن إنصافا للحقيقة يتوجب القول: لقد تسلّمت الحكومة اللبنانية مهامها، وفي لبنان جملة من الملفات المعقّدة، والانهيارات المالية، والتصدّعات الاقتصادية، وتراكم الديون، والأزمات السياسية والاجتماعية والمعيشية العميقة، وفي ظلّ ضعف الثقة داخلياً وخارجياً بالدولة اللبنانية، وانضمام وباء كورونا إلى ضفة جبهة تعطيل الحكومة، التي واجهت أصعب امتحان يهدّد حياة الناس، في ظلّ إمكانيات شبه معدومة، وغياب بنية صحية في الدولة، التي يفترض بها أن تحمي مواطنيها وتؤمّن لهم الرعاية، ووفقا لرئيس الحكومة اللبنانية، فللأسف أن هناك من يصرّ على تعميق الأزمة المالية، فتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية يتسارع بشكل كبير في السوق السوداء، فسعر صرف الدولار بلغ 4000 ل. ل بواقعية، ثمة معضلة تتمثّل بغموض مريب في أداء حاكم مصرف لبنان، إزاء تدهور سعر صرف الليرة، وهذا ما يؤدي إلى تسارع هذا التدهور الذي ينعكس سلباً على كل شيء في البلد، خصوصاً على المستوى الاجتماعي والمعيشي، حيث تتفاقم الأزمات التي يواجهها اللبنانيون، في حين يبدو دور مصرف لبنان، إمّا عاجزاً أو معطّلاً بقرار أو محرّضاً على هذا التدهور الدراماتيكي في سعر صرف العملة الوطنية. اللبنانيون يعيشون في قلق كبير على لقمة العيش وجنى العمر والرواتب التي تآكلت وخسرت قيمتها. وقلق على المستقبل. ووفقا للخبراء الاقتصاديين، فإن هناك فجوات كبرى في مصرف لبنان: في الأداء، والاستراتيجيات، والوضوح، والسياسة النقدية والحسابات وفجوة في حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للعلم زارت السفيرة الأمريكية في لبنان زعماء القوى الثلاث قبل الأحداث الأخيرة مباشرة.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نقولا ألصايغ:

    ماذا يمكننا أن نتوقع من جعجع سوى ألجعجعة وألأغتيالات. أن ما قام به للتخلص من ألشخصيات ألسياسية تستوجب عقوبة ألأعدام وليس ألسجن. وهكذا عادت حليمة الى عادتها ألقديمة.

  2. يقول رجا فرنجية - كندا:

    أن مطالبة بعض ألسياسيين وألعمل من أجل أجبار رئيس ألحكومة ألسيد حسان دياب ألذي لم يمض على توليه رئاسة ألحكومة سوى 73 يوماً فى ألوقت ألذي أمامه ألعديد من ألملفات ألمعقدة هو عمل ليس لمصلحة لبنان بأي شكل من ألأشكال خصوصاً في هذه ألظروف ألصعبة من ألنواحي ألأقتصادية وألمالية في ظل أنتشار فيروس ألكورونا ألمميت.

إشترك في قائمتنا البريدية