الوحدة الوطنية في الاردن.. كيف تصحح العلاقة بين الاردنيين والفلسطينيين؟

حجم الخط
6

ان شعار الوحدة الوطنية الذي ترفعه وتنادي به القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية رداً على ما يقول به بعض الاردنيين من أن الفلسطينيين ضيوف علينا في الاردن، ولهم حق الضيافة علينا فقط، ولا أرغب أن أذكر ما هو أبعد من ذلك وأكثر سوءاً. ان شعار الوحدة الوطنية ليس الشعار الأصح موضوعياً لتصحيح العلاقة بين العرب الفلسطينيين والعرب الاردنيين.
إن شعار الوحدة الوطنية ليس الشعار الأصح موضوعياً للدلالة على المضمون الأصح لموضوع العلاقة بين العرب الفلسطينيين والعرب الأردنيين في الأردن. فشعار الوحدة الوطنية يطرح كشعار في وطن يتكون شعبه من قوميتين أو أكثر كالعرب والأكراد والعرب واليهود (بعد أن أصبحوا دولة قومية دينها اليهودية وادعائهم بغير ذلك لا يغير الحقيقة)، والانكليز والاسكوتلنديين والايرلنديين والتشيك والسلاف وغيرهم الكثير. أما العرب الفلسطينيون والعرب الاردنيون فهم من عنصر واحد، أي من قومية واحدة في وطن واحد عبر التاريخ المشترك، وهم لا يزالون في نفس الوطن وفي نفس الخندق، على الرغم من كل ما مر بهم من مخاطر تاريخية، ومن يقول بغير ذلك ويعمل على أن يستعديهم على بعضهم البعض فهو إما جاهل بهذه الحقيقة ويمكن تصحيح معارفه، وإما أنه يخدم مصلحته الذاتية مدفوعة الأجر.
ان التاريخ الممتد من (سايكس- بيكو) الى اليوم في هذه البقعة من الوطن العربي خاصة، وفي الوطن العربي الكبير عامة، استند الى التجزئة، التي شكلت أوطاناً تولاها المستعمرون الى حين، ومن بعد تولاها عملاؤهم الاكثر ولاء والأكثر هواناً. هذا الأمر أضعف الحقيقة التاريخية من أن هذه البلاد هي وطن واحد لعنصر واحد، وأن المحاولات التي جرت عبر التاريخ من أجل طمس هذه الحقيقة قد باءت جميعها بالفشل على تعددها.
ان التناقض بين مسار وعد (بلفور) الذي التزم به الأردن كنظام منذ تأسيس الامارة حتى يومنا هذا، والمسار المقاوم للشعب العربي الفلسطيني لهذا الوعد، هما الأساس التاريخي لهذا الشرخ في المجتمع الاردني اليوم، يضاف اليه فعل القوى صاحبة المصلحة في ديمومة هذا الشرخ، فأنا ألمس هذا الشرخ بين الكثير من شرائح المجتمع في الأردن ذات الجذر الأردني، وهو كذلك بين الكثير من شرائح المجمتع ذات الجذر الفلسطيني، وهو أشد وأسبق ولكنه لا يظهر، وسأروي واقعة غير منقولة لأنها حدثت معي شخصياً، ففي (أيلول الأسود) كما يسمى عام 1970، حينما وقع الصراع المسلح بين المقاومة ومكونات النظام الأمنية، كنت في حينه في منطقة جرش وعجلون، وكنت والفصيل الذي أقوده أساسيين في المقاومة، وهناك كنت ألتقي بقائد قوات حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عضو اللجنة المركزية المرحوم أبو صبري، وفي إحدى زياراتي له لم أجده، فجلست انتظره وكان يوجد في المكان الكثير من الشباب المقاوم، وطبعا كان الحديث يدور حول الأحداث ولم أشارك في الحديث، ولكنني كنت أستمع باهتمام، وكان هؤلاء الشباب الذين ولدوا جميعهم في الأردن لا يشيرون في حديثهم الى النظام وجيشه الذي كان يجري معهم الصراع، ولكنهم كانوا يقولون الأردنيين، أي أن الصراع يجري مع الأردنيين، وقالوا بالأردنيين ما لم يقله مالك في الخمر، وانتبه أحدهم الى وجودي فجرى حينها صمت مطبق فضحكت وشر البلية ما يضحك. طبعا هذا الشعور الفلسطيني لم يأت من فراغ تجاه الأردن كنظام تجاوز بامتداد الزمن الى الاردنيين كشعب، وقد نتج عن تراكم تاريخي أساسه دور الأردن السياسي الاستراتيجي في المسألة الفلسطينية منذ وجود الأردن ككيان سياسي ملتزم بوعد (بلفور) معاوناً على تحقيقه وانتهاء بفك الارتباط وما بينهما الكثير الذي علينا المرور بأهمه.
قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى وقعت اتفاقية (سايكس- بيكو) وبعد انتهاء الحرب صدر وعد (بلفور) وبهذا تكون قد جزأت بلاد الشام وأصبحت بذلك سورية ولبنان في ذمة الاستعمار الفرنسي، وفلسطين والأردن في ذمة الانتداب البريطاني. وقد قام الانتداب البريطاني صاحب الذمة الواسعة من أجل تحقيق هذا الوعد بكل الوسائل والاساليب غير المشروعة الظالمة التي تتخطى القانون والقيم المشروعة من أجل تحقيق هذا الوعد. ولما كان الأردن تحت سلطة هذا الانتداب ويعترف بوعد (بلفور) فقد ساهم بالقدر المطلوب منه لتحقيق هذا الوعد. هذه واحدة، أما الثانية فقد شكل دور الأردن السياسي والأمني تجاه هذا الوعد خلافاً بين الأمير عبدالله والحاج أمين الحسيني (رحمهما الله)، قائد نضال الشعب العربي الفلسطيني في تلك المرحلة، مركز استناد لاتجاهين استراتيجيين متناقضين، أحدهما وافق على اعطاء أرض فلسطين واغتصابها من أهلها لغير اهلها، وهو بذلك لا يعادي الحاج أمين الحسيني فقط بل يعادي الشعب العربي الفلسطيني- كل الشعب العربي الفلسطيني. وهو يفرض هذه المساهمة على الواقع الذي يحكمه وهو الشعب العربي في الأردن. أما الاتجاه الاخر فقد قاومه بالنضال السياسي وبالسلاح وبالشعر وبالاوصاف، من مثل ابو الطبيخ، ابو العبدات، الحاخام. هذا التناقض بين الاتجاهين تجذر في نفوس الشعب العربي الفلسطيني بامتداد الزمن الذي استمر لأكثر من ربع قرن، أي منذ تأسيس الامارة حتى خروج الانكليز من فلسطين، ولهذا تطور عداء الشعب العربي الفلسطيني لينال كل من ساهم في ضياع فلسطين. وهذا العداء اذا لم يستأصل بفعل يعيد للشعب العربي الفلسطيني حقه في فلسطين، فان هذا العداء يصبح حقداً مدمراً للذات. ينطبق عليه القول (علي وعلى من ضيعوا حقي في فلسطين). ولسوء الحظ أو لضعف المعرفة والقدرة فلا المعارضة في الاردن، التي لم تكن ضعيفة ففيها زعماء عشائر وشخصيات قائدة في مجتمعها ولا قادة الشعب العربي الفلسطيني استطاعا أن يثبتا علاقات نضالية توحد طاقات الشعبين ضد ‘عدو مشترك’ يستهدفهما كليهما. وكانت ادارة الانتداب تخشى خشية جدية من أن تمتد مقاومة مشروعها الى الاردن، وسأروي لكم حكاية تعبر عن هذه الخشية: كان سليمان الجمعاني أحد وجهاء قبيلة بني حميدة ، ميسور الحال شجاعا سافر الى الشام ليجهز لأحد أبنائه، وبعد عودته من هناك بأيام وصل الى مضاربنا أحد فرسان الدرك أبلغه أنه مطلوب للقاء سمو الأمير آنذاك. وفي اليوم التالي سافر الجمعاني الى عمان والتقى سمو الأمير، سأله الأمير قائلا يا سليمان أنت كنت بالشام؟ فأجابه نعم يا سيدنا لقد كنت في الشام وهناك التقيت صديق لابد أن التقيه حين أكون في الشام وهو الدكتور صبحي أبو غنيمة، والدكتور صبحي أبو غنيمة كان زعيمأ للمعارضة في الاردن لاجئا سياسيا في دمشق. فرد الامير قائلأ: لا ما هي هذه. لقد وصلتني معلومة أنك التقيت الحاج أمين الحسيني الذي أعطاك 300 ليرة لتقيم ثورة في جبل بني حميدة. فأجابه الجمعاني أنت تعرف يا سيدنا أنني موال لك وأنت تعرف كذلك أنني لست بحاجة الى 300 ليرة.
هذه الواقعة تدل على خوف القائمين على المشروع الصهيوني من توحيد الرؤية والفعل بين الشعبين العربيين الأردني والفلسطيني تجاه هذا المشروع ومخاطره عليهما كليهما. لأن فلسطين والأردن هما المستهدفان أساساً من قبل هذا المشروع. واصرار الحركة الصهيونية على أن يكون الأردن جزءأ من وعد (بلفور) شاهد على ذلك والعوامل التي استند اليها هذا التفريق لا تزال قائمة ولم تختلف إلا بالاساليب والوسائل فقط. وقد زاد شعورالعرب الفلسطينيين، الذي ذكرت، عمقا النتائج التي تحققت في دخول الجيوش العربية القتال في فلسطين، والتي تحمل الكثير من وزرها الأمير عبدالله في حينه كونه قد عين قائدأ عاماً لهذه الجيوش التي لم يكن يملك أي قدر من المسؤولية والسلطة مهما صغرت على هذه الجيوش، بما فيها جيش بلاده الوطني. وكانت ثالثة الأثافي الدور السياسي والأمني الذي تولى مسؤوليته الأردن في المناطق التي استطاع الجيش العراقي والأردني الدفاع عنهما في فلسطين (أي الضفة الغربية) في ما بعد، قبول أن يكون الأردن عامل عون للأرض وأصحابها يمنحهم الحق في المسؤولية عن ادارة شؤونهم السياسية والاجتماعية والدفاعية وغيره. تولى النظام في الاردن كل ذلك مطبقاً اسلوبه في حكم شرق الاردن ملتزمأ بوعد (بلفور). الأمر الذي اعتبره أحد الشيوعيين البارزين في مذكراته احتلالا وهذا المفهوم للعلاقة بين فلسطين والأردن أي بين العرب الفلسطينيين والعرب الأردنيين لم يرد على ذهني اطلاقأ كوني ملتزما قومياً الا حينما قرأت هذه المذكرات لهذا المناضل الشيوعي السيد نعيم الأشهب، الذي يقول لقد تعرضنا لثلاثة احتلالات، الانكليزي والأردني والاسرائيلي، وهو يضع الاسرائيلي اخر المحتلين. طبعا هذا القول فيه الكثير من التناقض الموضوعي مع التحليل للظروف والواقع مثال ذلك:
(1) ان الفلسطينيين والأردنيين من عنصر واحد فرضت عليهم التجزئة فرضاً رغما عنهم.
(2) ان وطنهما كليهما مهدد من قبل قوى طامعة.
(3) كلاهما يتطلعان الى وحدة الأرض والعنصر الذين هم جزء منه تجميعا للقدرة لدفع المخاطر التي تحيط بهم وبوطنهم.
(4) ان العلاقة بين فلسطين والاردن هي علاقة تكاملية في كل أبعادها عنصرا وجغرافيا واجتماعا واقتصادا وسياسة. والموقف الشيوعي من القضية الفلسطينية في ذلك الحين هو موقف سياسي وايديولوجي مفروض وخاطئ وهو بالتالي غير ماركسي.
والآن بعد الذي ذكرت ما هو دور الشعب في الاردن في نكبة فلسطين. وكلاهما ‘الشعبان العربيان الفلسطيني والاردني’ فرض عليهما واقع لم يستطيعا دفعه عنهما حتى يومنا هذا؟

‘ كاتب اردني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مهند خليفات:

    ة !!!

    اولا : تاسست امارة شرق الاردن عام 1921!!
    اي لم يكن هناك نظام اصلا و لا دولة !!
    فكيف تتهم النظام ان مع سياق وعد بلفور و تكور ذلك لغاية معينة !!!

    ثانيا : هل حرب الجيش الاردني دفاعا عن القدس و فلسطين كان تسلية !!

    ه

    كيف يمكن ان تتحدث عن تاريخ معروف و قضايا حذيثة يعرفها القاصي و الداني !!!!

    الاردنيين اخوان من شتى المنابت و الاصول
    شركس. ارمن. فلسطينيين. الخ. …

    و لا يحق لك ان تشكك بالدور الاردني و تتهمه بانه مع وعد بلفور

  2. يقول hasan bani hasan:

    الى الكاتب الف تحيه
    الى المعلق رقم 1 الكاتب شكك بدور الحكم في الاردن وعلى راسه الامير عبدالله
    اما دور الجيش الاردني فقد ذكره الكاتب بالخير وهو ساهم مع الجيش العراقي بالحفاظ على الضفه…رجاء ملاحظة الاتي
    1-في مقابلة لصحفي لبناني على الجزيره منذ سنوات(اعتقد انه زهير عسيران)
    وكان مراسلا لصحف مصريه في بلاد الشام عام 47-48 يقول ذهبت للامير عبدالله قبل حرب فلسطين وسالته هل ستشارك في الحرب في فلسطين للدفاع عنها
    هنا انتفض الامير وضرب على صدره وقال(هل معقول ان احارب اولاد عمي اليهود)..
    لا تقل لي ان الجيش الاردني شارك بعد ذلك فهذا له تفاصيل اخرى
    يمكنك العوده الى مذكرات عبدالله التل قائد الجيش الاردني في القدس عام 48
    كذلك يمكنك العوده الى مذكرات كلوب باشا وفيها يعترف بالانسحاب من اللد والرمله بدون قتال لتسليمها لليهود
    2- تاسيس امارة شرق الاردن كان للمساعده في تطبيق وعد بلفور ولحماية خطوط النفط الاتيه من الخليج العربي لحيفا( يمكنك العوده لمقابلة الجزيره مع رئيس اركان الجيش الاردني ايام معركة الكرامه والتي تحدث فيها عن مشاهداته منذ صباه في الجيش وايضا كيف اصدر الاوامر بالمشاركه بمعركة الكرامه بدون الرجوع للقياده السياسيه في الاردن.

  3. يقول فارس ابراهيم:

    الى مهند خليفات ويبدو انك لا تعرف وزن وقيمة المناضل ضافي الجمعاني الذي قضى ورفيق دربه حاكم الفايز اكثر من عشرين سنة في سجون حافظ الاسد دفاعا عن مبادئهما ومواقفهما المشرفة وانا كمواطن اردني من اصل فلسطيني كنت اسمع عن هذين المناضلين منذ نعومة اظفاري
    تحية بالمناضلين المذكورين اعلاه

  4. يقول جمال عزالدين السطري / مخيم الوحدات:

    الحديث الدائر في الأوساط السياسية الأردنية، بمناسبة وبدون مناسبة، والمتمحور حول العلاقة الأردنية الفلسطينية أصبح مع مرور الوقت جزءاً من الحياة السياسية في الأردن. تلك العلاقة تعرضت لرياح السموم مرات عديدة إلى أن استقرت بعد التقارب الذي حصل مؤخراً على مستوى القيادات، التي كانت أصلاً من أبرز أسباب تسميمها. ولقد فاضت تلك الحقبة من العلاقات المتوترة وتداعياتها بالعديد من المصطلحات الفضفاضة التي تعكس وجود أزمة ما، لم يرغب أحد بالاعتراف بوجودها، مثل: ‘الأصول والمنابت’، ‘الوحدة الوطنية’، ‘الحقوق المنقوصة’، ‘الحقوق المكتسبة’، ‘الوطن البديل’، ‘المكون الفلسطيني’، ‘المحاصصة’، ‘المواطنة’، إلى آخر ذلك من مصطلحات تتعلق تحديداً بالأردنيين من أصل فلسطيني، وكذلك الفلسطينيين عموماً، لكن بدون الإقرار بذلك. وقد جاء توقيع اتفاقية الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس بين ملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية على خلفية هذا الوضع السائد في الساحة السياسية الأردنية بمثابة مفاجأة للعديدين.
    وقد أثار ذلك تساؤلات عن سبب عدم إعطاء محمود عباس الوصاية للأردن وهو البلد الشقيق والتوأم عوضاً عن إعطائها للهاشميين، وهم العائلة المالكة الحاكمة في الأردن. والفرق بين الاثنين كبير، خصوصاً أن الوصاية لها مدلولات عديدة منها الدينية ومنها السياسية وتغوص في أعماق مفاهيم أساسية أهمها السيادة الوطنية، مما كان يستوجب أن تُعطى للأردن كبلد شقيق وليس لعائلة حاكمة تسعى إلى تعزيز شرعيتها الدينية، هذا إذا كان لا بد من حصول ذلك التنازل أصلاً.
    كان لتوقيع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية باسمه واسم الفلسطينيين (من خلال إشارته إلى صفته كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية) على اتفاقية الاعتراف بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، وقع الصاعقة على رؤوس معظم الفلسطينيين. ولم يستطع أحد أن يفهم نقطتين أساسيتين: الأولى، لماذا أصلاً وما هي الأسباب الموجبة؟ والثانية، لماذا الآن؟ خاصة أن هذا الإعلان جاء عقب زيارة أوباما للمنطقة، وعشية زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأخيرة، مبشراً باستئناف مفاوضات التسوية وليس الحل العادل أو السلام العادل. وحتى الآن لم يتبرع أحد بالإجابة على هذين السؤالين أو أي منهما، سواء من الجانب الفلسطيني أو من الجانب الأردني، وكأن هناك اتفاقا بينهما على أنه في مثل هذه الحالات فإن الصمت هو سيد الأحكام.
    ومن بين الأسئلة الأخرى التي أثارها التوقيع سؤال حول ما إذا كان محمود عباس يملك سلطة توقيع مثل هذه الاتفاقية بصفته الأخرى كرئيس للسلطة الفلسطينية، التي لا تتمتع بالسيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها القدس. وإذا كان الوضع كذلك فإن فاقد الشيء لا يعطيه ومن لا يملك السيادة لا يستطيع التنازل عنها للآخرين حتى ولو كانت سيادة دينية، اللهم إلا إذا كانت الغاية تبرر الوسيلة وبموافقة كل الأطراف، بما في ذلك أمريكا وإسرائيل والعرب بهدف تنازل الفلسطينيين مبكراً عن حقهم في السيادة على القدس.
    ولو أن توقيع مثل هذه الاتفاقية جاء في ظروف أخرى وتحت نور الشمس بدلاً من عتمة الظلام، ولو تم إيضاح الأسباب والمسببات والأهداف الحقيقية، لربما رحّب البعض بها واعتبروها خطوة لتوفير دعم إضافي لحماية الحقوق الفلسطينية وليس تشتيتها وسلبها. لكن الحال ليس كذلك.
    الهمس الدائر الآن في أوساط سياسية أردنية رفيعة المستوى يتعلق بالتحضيرات التي تجري في الأردن لصرف جوازات سفر أردنية بأرقام وطنية لسكان القدس العرب، بالإضافة إلى جوازات سفرهم الإسرائيلية. ويجيء ذلك بعد قرار القمة العربية العجيب الغريب المريب الذي لا يمكن تفسيره بحسن النية، والقاضي بتأسيس ‘صندوق القدس′ برأسمال قدره مليار دولار، وكأن القادة العرب اكتشفوا فجأة أن هنالك قدسا عربية محتلة. ذلك القرار كان مدعاة لقلق الكثيرين نظراً لتوقيته وحصره بمدينة القدس المحتلة وليس بالأراضي الفلسطينية المحتلة، مما أثار مخاوف الكثيرين من أن هنالك أمراً ما لا يمكن وصفه بالجيد أو الايجابي يجري التحضير له للإطاحة بالحقوق الفلسطينية في القدس.
    وهكذا تتضح بعض ملامح ما يمكن أن ندعوه بالعدوان الجديد على القدس. القدس هي عنوان المرحلة المقبلة، وتصفية الحقوق الفلسطينية في القدس ستكون المدخل لتصفية القضية الفلسطينية تماماً، كما ستكون اتفاقية الوصاية الدينية بمثابة حصان طروادة الذي سيتم من خلاله إعطاء القيادة الأردنية دوراً فاعلاً وعلنياً في تحديد مستقبل القدس وبالتالي مستقبل وطبيعة التسوية بشكل عام.
    إن إدخال الأردن كطرف في المعادلة يعني تقليصاً فعلياً للدور الفلسطيني وانتقاصاً من وحدانية حق منظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الشعب الفلسطيني والمطالبة بالحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة. ودخول الحكم الأردني حلبة التفاوض يعني أن هنالك أكثر من طرف يفاوض الإسرائيليين إلى جانب الفلسطينيين. وعلى الرغم من الحقيقة المرّة بأن كل الأطراف تعمل تحت المظلة الأمريكية وبتوجيهاتها، إلا أن هذا الوضع يجب ألا يشكل مبرراً للتنازل المبكر والمجاني عن الحقوق الوطنية الفلسطينية أو أجزاء منها. كما أن الأموال العربية في صندوق القدس قد تستعمل لتسهيل هذه المهمة من خلال تطويع أو تليين الإرادة الوطنية لسكان القدس العرب وصمودهم ومحاولة ضمان تعاونهم مع أي مخطط خفي لتسوية موضوع القدس ضمن الرؤية الإسرائيلية والأمريكية، خصوصاً أن عرب القدس سوف يكونون رعايا إسرائيليين ورعايا أردنيين في الوقت نفسه. أما السلطة الفلسطينية فستبقى في أحسن الأحوال من سكان ضواحي القدس وضيفاً غير مرحب به. إن فتح الباب أمام دور أردني نشيط وعلني في التفاوض على تسوية ما للأراضي الفلسطينية المحتلة قد يكون هو السبب وراء اتفاقية الوصاية التي قد تتبعها اتفاقيات أخرى يجري الإعداد لها الآن بصمت. والوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة سوف تجعل أي تسوية لموضوع القدس تسوية عامة تهدف إلى تحويل الحقوق السياسية للفلسطينيين في القدس إلى حقوق دينية للأردن وتحويل سكان القدس من فلسطينيين إلى أردنيين. وهكذا تخرج ‘فلسطين’ ومعها ‘الفلسطينيون’ من المعادلة المقدسية تماماً وبأيد عربية. وهذا سوف يسهل الحل على إسرائيل لأنه قد يحصر الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في القدس في الأماكن المقدسة فقط، والحق السياسي للفلسطينيين في ضواحي القدس والكل يستطيع أن يعطي سكان القدس العرب الصفة التي يريد. فالإسرائيليون سوف يصنفونهم أحياناً كأردنيين وبالتالي هم ضيوف لا حقوق سياسية لهم، وأحياناً أخرى كإسرائيليين عندما يتعلق الأمر بالضرائب ورخص البناء والتملك. وفي النهاية تبقى الحقيقة المُرّة بألا أحد سوف يدعوهم بصفتهم الأصلية كفلسطينيين. فالأردن يريدهم أردنيين، وإسرائيل تريدهم تحت أي صفة إلا الصفة الفلسطينية. وهويتهم المقدسية الفلسطينية سوف يتم سحقها بين الجواز الإسرائيلي والجواز الأردني.
    نحن إذاً أمام تقاسم وظيفي له مدلولات سياسية خطيرة والمدخل هو القدس. التقاسم الوظيفي في الحالة الفلسطينية يهدف إلى الالتفاف على مفهوم وحدانية السيادة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية من خلال تقاسم مهام السيادة، إن وجدت، بين أكثر من طرف، إما عن طريق تقسيم الأدوار والمهام أو عن طريق الإلحاق. فالتقاسم الوظيفي هو أحد الأشكال المتطورة للحكم الذاتي وهو نقيض السيادة والاستقلال. واستعمال هذا الاصطلاح يجَنب من يستعمله فخ الوقوع في مسميات قد تكون غير دقيقة أو قد يكون من المبكر حسم طبيعتها وصفتها مثل الفيدرالية أو الكونفيدرالية.
    من هنا تبرز خطورة التنازل عن السيادة على الأماكن المقدسة، لأنها تعطي آخرين الشرعية من قبل صاحب الحق والولاية (وهو الطرف الفلسطيني) للعب أدوار قد لا تكون منسجمة مع التطلعات والأهداف الوطنية الفلسطينية.
    تأتي اتفاقية الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس منسجمة تماماً مع ما ورد في اتفاقية وادي عربة وهي بذلك لا يمكن أن تكون في صالح الحقوق الفلسطينية أو منسجمة معها. فالنص الوارد في اتفاقية وادي عربة الذي يقبل الأردن بموجبه اعتراف إسرائيل بدوره ( أي الأردن) في الإشراف على الأماكن المقدسة في القدس يشكل بحد ذاته اعترافاً أردنياً ضمنياً بسيادة إسرائيل على القدس العربية. وانسجاماً مع ذلك نحن الآن بانتظار مباركة إسرائيل العلنية أو الصامتة للاتفاقية الموقعة بين الملك عبدالله الثاني ومحمود عباس حتى تستكمل تلك الاتفاقية مداها الحقيقي وتصبح منسجمة تماماً مع اتفاقية وادي عربة. وبذلك يصبح مصير القدس بين ثلاثة أطراف هي الأردن وفلسطين وإسرائيل وتحت مظلة اتفاقية وادي عربة وضمن سقفها ومحدداتها.
    إن أكثر ما نخشاه هو أن يتم تنفيذ خطط مثل الفيدرالية أو التقاسم الوظيفي أو الوطن البديل بإرادة الحكام وليس بإرادة الشعوب ورغباتها. وهذا يعني أن على كل من يريد أن يحارب هذه الأفكار التي سوف تدمر الحقوق الفلسطينية عليه أن يعرف لمن يوجه سهام النقد. فالشعوب غير معنية بتسهيل مهمة الاحتلال الإسرائيلي وتسهيل مهمة القضاء على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مثلما أن الفلسطينيين غير راغبين بل وغير قادرين على تنفيذ مؤامرة الوطن البديل. القادرون على ذلك هم الحكام وليس الشعوب، ومحاولة إلصاق هذه التهمة بالشعوب هي اجتهاد خطير يخفي نوايا أقل ما يمكن وصفها بأنها عنصرية وظالمة.
    الفلسطينيون هم الضحايا الحقيقيون لمؤامرة التقاسم الوظيفي أو الوطن البديل ومحاولة إلصاق هذه التهم بهم إنما هي في الواقع محاولة لتبرئة تورط آخرين في هذا المسار.
    مرة أخرى يركض العرب والسلطة الفلسطينية إلى الحضن الإسرائيلي سواء عن وعي أو بدون وعي.
    عروبة القدس في خطر، والقضية الفلسطينية في خطر أكبر، وعلى الجميع الانتباه.

  5. يقول احمد الرشدان:

    ضافي جمعاني قامة وطنية باسقة،قضى اغلب حياته في السجن في سوريا لانه كان ضد انقلاب حافظ الاسد، اتفق مع محتوى المقال ،ولكن مطلب الوحدة الوطنية يكون صحيحا حتى بين ابناء العرق او الاصل الواحد،بدليل اننا نعترف بوجود الخلل ومعالجة الخلل تكون بتعزيز الوحدة الوطنية بين مكونات هذا الشعب.

  6. يقول علي الكسواني:

    المفكرون القوميون لا يومنون بالحدود وهذا شيء حالم . هناك واقع وحدود ودول , وأسرائيل تلجأ لتمييع الهويه الفلسطينيه عبر اطلاق مصطلح 0عرب اسرائيل) على فلسطينيي الداخل , في هدف ألى نقض فكرة ارتباط الفلسطيني بفلسطين ويصبح عربيا وطنه من مراكش غربا الى عمان شرقا ,وهنا يسهل الأستنتاج وطرح الحلول ,لما لا يتم تهجير هؤلاء العرب عند اشقائهم واقربائهم كما تم تهجير اليهود من الدول العربيه ؟؟ خصوصا أن قضايا تبادل السكان حدثت كثيرا كحل سيلسي (مثل التبادل اليوناني التركي) .
    ولهذا وفمع الأحترام للطرح الشريف للقوميين الأردنيين وفي التصاقهم بالقضيه الفلسطينيه (مثل باقي الشعب الأردني الشريف الذي قدم الآف الشهداء في فلسطين) الا ان قضيه فلسطين قضيه سياسيه بها قرارات دوليه ملزمه وقد وصل الأعتراف بالدوله الفلسطينيه الى 139 دوله ولا بد من اكمال المسيرة دون أراء بريئه وشريفه ولكنها قد لا تخدم الغرض , مع الأجترام .

إشترك في قائمتنا البريدية