الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة لحظة فارقة لسقوط منظومة الحماية الدولية

سعيد أبو معلا
حجم الخط
0

رام الله ـ «القدس العربي»: يعترض الخبير القانوني الفلسطيني شعوان جبارين على استخدام مصطلح «حرب» في وصف ما يتعرض له قطاع غزة، فهو يرى بلغة القانون أن ما يجري في القطاع هو «هجوم».

يبرر ذلك جبارين معتبرا أن الفلسطينيين يقعون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي هم ليسوا دولة، فيما الاحتلال دولة يجابه ويهجم على إقليم محتل.
وفقا لهذه الرؤية يرى أنه لا يحق للاحتلال، وكذلك للدول التي يصفها بـ«السفلة» وتحديدا من الدول التي حج مسؤولوها لدولة الاحتلال ومنحوها الضوء الأخضر للقتل على اعتبار أنه حق لها في الدفاع الشرعي عن النفس.
ويضيف: «لقد قصد هؤلاء المسؤولون الأوروبيون المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي للدول حق استخدام العنف المشروع في حال أبلغت الأمم المتحدة بإن دولتها تعرضت لهجوم يهدد وجودها واستمرارها ومصدره دولة أخرى، وهو أمر لا ينطبق على الحالة الفلسطينية، فنحن نتحدث عن شعب تحت الاحتلال ومن حقه مقاومته ورفض ممارساته».
ويضيف: «نحن لا نعترف قانونيا بهذه المادة كما يستحضرها السياسيون، وحتى لو تم التعاطي مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة في سياق ما تقوم به دولة الاحتلال فإنه لا يجوز لها أن تستهدف المدنيين بيدين مفلوتتين بحيث يحلو لها أن تقوم بما تقوم به».
تبدو هذه المقدمة وهي مستمدة من محاضرة قدمها جبارين في ندوة نظمت مؤخرا في مدينة رام الله مهمة في فهم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وتحديدا في قطاع غزة، كي لا يحدث التباس قانوني فيما يفعل القاتل والمجرم وفيما يتعرض له الضحية المحاصرة بالقتل والتجويع في القطاع.

ولا مادة واحدة!

يقول جبارين في سياق آخر، إن إسرائيل ترتكب الجرائم منذ 75 عاما، وبشكل متواصل ومستمر، منذ عام 1948 حيث مجازر الطنطورة ودير ياسين وحتى اليوم، ويرى أن ما نشهده اليوم في القرن الواحد والعشرين جرائم غير مسبوقة من حيث الاتساع والحجم وبثها على الهواء، وتترافق مع إطلاق مسؤولين إسرائيليين تصريحات تؤكد فيها على ارتكاب الجرائم ونيتهم والقصد الجرمي فيها.
وبعصبية يشدد على أنه لم يبق هناك مادة واحدة في القانون الدولي الإنساني أو من مواد حقوق الإنسان لم يرتكب فيها الاحتلال انتهاك أو جريمة «لم يقم وزنا لأي مادة.. وعندما نقول إنها جرائم نحن نتحدث عن استهداف المدنيين بشكل قصدي وعمدي وتحديدا الأطفال والنساء والمدنيين بشكل عام، رغم أن القانون واضح وضوح الشمس، فلكل أطراف النزاع هناك التزامات قطعية».
ويضيف أن القانون الدولي الإنساني أمن للمدنيين، اتفاقية جنيف الرابعة، حماية خاصة وقت النزاع، لكن الاحتلال يستهدف الأطفال والنساء الذين يتواجدون بأعداد كبيرة بالبيوت، فنحن لدينا مليون و200 ألف تم تهجيرهم وهؤلاء سيذهبون عند الأقارب والأصدقاء وبالتالي قصف البيوت يعني قتل الأطفال بحكم المجتمع وطبيعته، وهو ما يجعل من الاحتلال يعلم أنه يقصف النساء والأطفال منذ اليوم الأول على الهجوم على قطاع غزة».
ويرى أن الأعداد الضخمة من عمليات قتل المدنيين وسياسة تدمير الممتلكات المدنية، وتدمير البنية التحتية، وقطع المياه، واستهداف المرضى والمستشفيات والمراكز طبية، كلها جرائم وأساليب مستمدة من العصور الوسطي.

العصور الوسطى

ويضيف: «إسرائيل امتداد فكري وثقافي وقيمي من العصور الوسطي وما قبل ذلك بكثير، لا يمتون للحداثة والعصر الحديث وحقوق الإنسان بأي صلة. إنهم يعودون لسنوات خلت عندما كانت تقطع المياه عن القلاع أو المدن حتى يموت سكانها، وهو ما يجري اليوم في غزة حيث المجاعة وخوف الموت من الجوع».
وحسب الخبير القانوني ومدير مؤسسة «الحق» فإن إسرائيل دولة طرف في كل اتفاقيات حقوق الإنسان واتفاقيات القانون الإنساني الدولي التي تنظم العلاقات والممارسات في ميدان المعركة للجيوش بمختلف أنواعها، وهو يعني أن الجيش الإسرائيلي ليس مطلق اليدين في فعل ما يريد، فهناك قواعد وهي خلاصات من الحرب العالمية الثانية والأولى وما سبقهما.
ويؤكد أن كل بنود الاتفاقيات الدولية عرفيا أو غير عرفي كلها انتهكت ودمرت بالكامل في الهجوم على قطاع غزة، سواء ما تعلق الأمر بحماية المدنيين: الأطفال والنساء، الطواقم الطبية، الخدمات الإنسانية ومقدمي المعونات..الخ، فـ»إسرائيل لم تبق عنصر واحد من هذه الاتفاقيات إلا ودمرته».
ويرى أن ما يجري في قطاع غزة كله يعكس ويمكن تكييفه على أنه ممارسة لجرائم الحرب، والسبب في ذلك بسيط لكونه يرتبط باتفاقية جنيف الرابعة التي وضعت الممارسات التي إذا ما تم استهدافها مثل المدنيين والمباني المدنية والأعيان المدنية والطواقم الطبية فإنها تعني ممارسة (انتهاكات جسيمة) وضعت لاحقا في المادة 147 في ميثاق روما في المحكمة الجنائية الدولية وصنفت كجريمة حرب ومنها جرائم القتل العمد، تدمير الممتلكات لأسباب خارجة عن الضرورة العسكرية.
ويشدد أن ما يجري في غزة يتجاوز جريمة الحرب حيث يمكن أن يكون جرائم ضد الإنسانية، حيث الجرائم الأكثر بشاعة التي تهز الضمير الإنساني، وهي لا ترتبط بالجرائم الفردية وتأتي ضمن سياسية رسمية.
ويؤكد ان ما يجري في فلسطين يمكن وضعه ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية معا أيضا، مثل: التهجير، والاستيطان، لكنه يستأنف موضحا: «غير أن ما يجري في غزة تجاوز كل ذلك ووصل إلى جريمة الإبادة الجماعية».
ويستحضر نماذج من ممارسات الاحتلال بحق السكان في قطاع غزة والتي تدلل على وقوع جريمة الإبادة مثل: وصف الفلسطينيين بالوحوش البشرية حيث الحط من قدر الفلسطيني، وكأن أمره لا يتعلق بالإنسانية، إلى جانب قطع المياه والكهرباء والمساعدات وتنفيذ سياسة الاغلاق الشامل، ووضع السكان المدنيين بظروف صعبة تؤدي لإهلاكهم، وهو ما يدلل على وجود القصد الجنائي.
وأضاف: «كما أن هناك الممارسة في قتل المدنيين واستهداف الأهداف المدنية وضرب مقومات الحياة المدنية في غزة».

إبادة جماعية

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد ذهب إلى ما يقوله جبارين، فما يتعرض له المدنيون هو حملة الإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي وسط توثيق ارتفاع حصيلة الضحايا إلى نحو 20 ألف بين شهيد ومفقود حتى الآن. وحسب الأورومتوسطي فأنه وثق استشهاد ما لا يقل عن 15271 فلسطينيا من بينهم 6403 أطفال و3561 امرأة، فضلا عن أكثر من 32310 مصابين منهم العشرات بحالة حرجة ولا يتلقون الحد الأدنى من الرعاية الطبية اللازمة بفعل انهيار المنظومة الصحية.
وذكر المرصد أن البلاغات عن المفقودين تجاوز عددها 4150 تحت أنقاض المباني المدمرة في الهجمات الجوية والمدفعية الإسرائيلية، وسط تضاؤل فرص العثور على أحياء، في وقت يعتقد المرصد الحقوقي بوجود المئات من المفقودين والجثث في الطرقات يتعذر انتشالهم، لا سيما في مناطق عمليات التوغل البري لجيش الاحتلال.
وتحدث الأورومتوسطي أيضا عن مخاطر التوقف الكامل لخدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة بعد أن أعلنت الشركات الموردة عن نفاد الوقود المستخدم لتشغيل المولدات الكهربائية، وهو ما يعرض سلامة المدنيين وتوفير المساعدة المنقذة للحياة للخطر الشديد ويحولهم إلى ضحايا القتل بصمت، وكذلك ممارسات استهداف الصحافيين ومقار عملهم، حيث عمدت إسرائيل إلى الإضرار بقوة بالبنية التحتية الأساسية للاتصالات والإنترنت من خلال تدابير تقنية بغرض عزل سكان قطاع غزة عن العالم الخارجي، وتغييب القدرة على توثيق الأدلة على الجرائم المرتكبة.
وجاء في تقرير المرصد أن نفاد الوقود بفعل الحصار، وفضلا عن الهجمات الجوية والمدفعية الإسرائيلية المتكررة بالاستهداف المباشر للمستشفيات ومحيطها، إلى خروج 26 من أصل 35 مستشفى في قطاع غزة عن العمل ووقف خدماتها الطبية الرسمية، في وقت توقف عمل غالبية سيارات الإسعاف. إلى جانب استشهاد 200 من الكوادر الصحية.
وحسب الإحصاءات التي يوفرها المرصد فأن عدد النازحين في قطاع غزة تجاوز مليونا و650 ألف شخص -يقيم نحو نصفهم في مراكز إيواء تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)- دون توفر ملجأ أمن لهم أو أدنى الاحتياجات الإنسانية.
ورصد الأورومتوسطي تدمير هجمات الاحتلال الإسرائيلي الجوية والمدفعية وخلال العمليات البرية 55200 وحدة سكنية كليا وتضرر 160700 ألف بشكل جزئي، و117 مرفقا صحيا، فضلا عن 223 مدرسة 821 منشأة صناعية و117 مقرا صحفيا و75 مسجدا و3 كنائس.
وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالمياه والصرف الصحي بيدرو أروجو أجودو قد صرح لوسائل الإعلام معتبرا أن «كل ساعة تمر مع قيام إسرائيل بمنع توفير مياه الشرب في قطاع غزة، انتهاك صارخ للقانون الدولي، يعرض سكان غزة لخطر الموت من العطش والأمراض المرتبطة بنقص المياه».
ورأى أن قطع المياه سيؤثر على الصحة العامة والنظافة العامة وهو أمر لا يمكن تصوره، ويمكن أن يؤدي إلى مقتل عدد أكبر من المدنيين مقارنة بعدد القتلى الهائل بسبب قصف غزة. كما سيكون الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، أول المتضررين من أزمة المياه والصرف الصحي، والنساء أيضًا.
وحذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، من «الخطر الشديد» لانتشار الأمراض بين سكان قطاع غزة «المنهكين والضعفاء».
وحسب المنظمة فإن الافتقار إلى المياه والصرف الصحي والحصول على الرعاية الصحية الأساسية والوقود وغيرها من الضروريات، «يشكلان خطرا شديدا لبدء انتشار الأمراض بين السكان المنهكين والضعفاء بالفعل».

سقوط المنظومة الدولية

ويخلص جبارين أمام المعطيات الآتية من القطاع إلى أن المنظومة الدولية من ناحية الدفاع والحماية والمتابعة سقطت، وهي أصبحت تشبه عصبة الأمم التي سقطت بعد 20 نيسان/أبريل 1946 حيث لم تعد موجودة، بعد أن سلمت جميع أصولها إلى الأمم المتحدة.
ودعا جبارين إلى مجموعة من الخطوات لملاحقة إسرائيل على جرائمها في المحاكم الدولية، ومنها ملاحقة الجنود الإسرائيليين أمام القانون في الدول التي يمتلكون جنسيتها، وملاحقة الشركات المزودة بالأسلحة، إضافة إلى التنسيق مع الجانب المصري من أجل دخول فريق التحقيق التابع للجنائية الدولية إلى غزة لتوثيق الجرائم التي ارتكبها الاحتلال، وكذلك الطلب من الدول العربية ملاحقة الجنود الأمريكيين الذي يشاركون في الحرب، وهذا الأمر يتطلب ضغطًا شعبيًا، لا سيما في ظل الخشية من عواقب ذلك.
ويشير جبارين إلى أن الجهة التي يمكنها مساءلة ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في غزة ترتبط بمسألتين، الأولى مادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تعتبر كل دول العالم طرفا فيها، وهي تقول إن كل الدول الأطراف عليها أن تلاحق المجرمين في حال قاموا بانتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان بغض النظر عن الجنسية وأين وقعت الجرائم.
ويتحدث ساخرا: «حاولنا استخدام هذا الأمر سابقا والعمل على تفعيله لكن أغلقت الأبواب في وجوهنا والسبب هو أن الفلسطينيين أرادوا استخدامه، لم يكونوا يدركون أن الفلسطينيين يمكن أن يأتي يوم ويستخدموا هذه النصوص التي استخدموها عام 1949 لو كانوا يعرفون أن ذلك سيحدث كانوا غيروا الوجهة قليلا».
أما البعد الثاني فهو المحكمة الجنائية الدولية التي لها اختصاص على الحالة في فلسطين، ونقصد بذلك (المكان والشخوص) وهي تختص بأربع جرائم: الحرب، والجريمة ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة، وجريمة العدوان.

حالة استثنائية غير مسبوقة

بدورها، عقدت مؤسسة الدراسات الفلسطينية ندوة حوارية مع الباحث عمر نشابة، وهو أكاديمي متخصّص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، وفيها اعتبر نشابة ما يجري في غزة مسألة تعيدنا إلى مسائل أساسية تتعلق بقيمة البشر والإنسان والعلاقات الإنسانية وتنظيم هذا العالم الذي يجد نفسه عاجزا ولا يتدخل لمنع وقف إطلاق النار.
وقال: «دول عالمية كبرى تقف ضد وقف إطلاق النار، ما يجري يتخطى القانون، نحن إزاء حالة استثنائية غير مسبوقة حيث نشهد إبادة شعب بشكل فاضح وصريح ومن دون أي تردد، وكل العالم يساند المجزرة المستمرة، وتحديدا الدول التي تصنف نفسها راعية لحقوق الإنسان حيث نراها تعترض على وقف قتل الأطفال».
ويعتبر نشابة أن هذه المفارقة هي الجريمة الأكبر، فالأهم هو الوقوف على موقف هذه القوى الكبرى المسيطرة على العالم التي تعترض على وقف إطلاق، «إنها أبشع اللحظات في تاريخ البشرية».
ويشدد نشابة: «نحن في لحظة تاريخية جديدة، آلاف القتلى يسقطون في فترة زمنية قصيرة ويستمر فعل القتل، والدول الكبرى تبحث في كل وسائل الإعلام عن سبل تبرير القصف والقتل، تبحث عن سبل تغطية جريمة المجزرة التي قاموا بها في المستشفيات».
ويتابع «كل الجرائم ترتكب في قطاع غزة، وتحديدا الجرائم الأربع بحسب قانون المحكمة الجنائية الدولية بحسب نظام روما الأساسي، وهو أمر يفترض أن يدفع بالمدعي العام الدولي على التدخل».
ويعلق نشابة على زيارة خان لرفح المصرية والمؤتمر الصحافي الذي عقده هناك قائلا: «لقد حضر وعاين منع إسرائيل إدخال المساعدات، وقال إنها قد تشكل جرائم حرب.. حيث استخدم كلمة (قد) في حين يفترض به أن يكون قد جاء من أجل المعاينة والمشاهدة، لكنه تصرف وكإنه محايد، علما أن دوره لا يقول إن يكون محايدا، كان يفترض أن يقول إنه عاين تجاوز القانون الدولي، وعاين المنع وبالتالي يشكل ذلك جريمة تحاكم عليها وبالتالي يوجه الاتهام إلى الجهة المحددة».
ويختم: «لقد كان لطيفا ومتوازنا بخبث. لكونه يتجاوز مسألة النسبية في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني (التناسبية) فقدم نفسه محايدا».
ويعتبر نشابة أن الأكثر مدعاة للغضب والقلق هو أن الدول الكبرى تدرك أنه لا يمكن تجنب قتل المدنيين فيما تتعرض له غزة، وبالتالي لا يمكن تجنب المجازر، ورغم ذلك يستمر القتل من دون أن توجد أي بوادر أو وعود جدية لوقف القتل، ليس هناك خطة للخروج من بحر الدم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية