الهاكرز العرب ‘الأنونيموس’ واسطورة البطل الخارق

حجم الخط
1

الفكرة هي السلاح الأخطر في تاريخ الإنسانية جمعاء، فمهما حاولت مقاومتها أو منع انتشارها لن تستطيع، فهي كالروائح العطرة، تنتشر بسرعة الريح دون أن تراها أو أن تستطيع تحديد بأي اتجاه قد انتشرت ومن الذي استنشقها وملأ رئتيه بها وأحبها واكتنزها في صدره.
هي طوق النجاة والخلاص للأمم عبر العصور حسبما ثبت تاريخياً، ولكن هذا لا يمنع أنها كانت أيضا هي سبب الموت المحتم لصاحبها عندما عشقها وتبناها ونثرها عبقاً بين الناس بما يخالف رغبة الحكام والحراس.
وهنا تحديداً تكمن خطورة هذا السلاح، أن الفكرة لا تموت بموت صاحبها، إنما قد تتحول إلى عقيدة يعتنقها كل من وجد فيها خلاصه.
وصانع هذا السلاح هو ذلك الشيء المسمى ‘بالإلهام’ وليس هناك فكرة ليس وراءها كم كبير من الإلهام الذي عادة ما يؤججه حاجة ملحّة عند صاحبه تؤدي به إلى ابتكار فكرته التي سيتبناها لبقية حياته!!!
فكما أن الشوق والحاجة إلى الوصال مع الحبيب ألهمت العاشقين فكرة الشعر، وكما أن الحاجة إلى حرية الرأي والتعبير ألهمت الأحرار فكرة الصحافة، ألهمت الحاجة إلى العيش الكريم الحرّ فكرة النضال حتى الموت لكل من كان له وطن مغتصب يحنّ للرجوع إليه يوماً ما.
أن هذه المقدمة الفلسفية هي ليست إلا مدخلاً للموضوع الذي قررت أن اطرحه اليوم فيما يخص الحرب الإلكترونية ضد الكيان الصهيوني.
الشباب العربي، جيل بأكمله تعداده عشرات الملايين، هو عبارة عن طاقة جبارة غير مستغلة تعاني الكثير من التشتت والشعور بالانهزام والفشل والفراغ عل صعيد الهوية القومية بالرغم من امتلاكها لجميع مقومات التميز والنجاح والقيادة.
هذا الجيل ‘باستثناء الشباب الفلسطيني والشباب اللبناني’ لم يشهد في تاريخه أي نوع من أنواع الانجازات الوطنية أو الانتصارات العسكرية أو حتى أي حرب حقيقية منحته فرصة تجرّع تلك المشاعر المختلطة مابين حب العيش بكرامة وعشق الموت في سبيل ذلك، ولذلك فقد افتقد إلى الفهم الحقيقي لمعنى كلمة الانتصار الوطني أو الانجاز الوطني بسبب أن أكبر انجاز وطني تعايش معه كان لا يتجاوز فوز فريق بلاده في بطولة رياضية معينة أو فوز أحد مواطنيه في مسابقة غنائية مشهورة على إحدى القنوات الفضائية.
جيل يعاني من غياب القدوة، وافتقاد الأبطال القوميين أو حتى الرموز الوطنية ‘المجمع عليها’ في حياتهم
وما زلنا ‘كشباب عربي’ تائهين في مشاعرنا الوطنية ما بين أبطال ورموز الوطنية الغربيين من أمثال ‘تشي جيفارا’ و’وليم والاس’ تنازعنا فيهم أنفسنا بأبطال ورموز مرّوا في تاريخنا الغابر لا ننفك نستذكرهم بحسرة ونمجدهم بأعمال تلفزيونية وسينمائية من دون أدنى محاولة منّا لإعادة صناعة مثل هؤلاء الأبطال.
هذا الفراغ القومي الذي صاحبه احتقان أيديولوجي شديد والكثير من الظروف الأخرى جميعها ساهمت في نجاح فكرة ظهور البطل الخارق Super Hero الذي يظهر من المجهول لنصرة المظلومين بقدراته الغير اعتيادية التي يمتلكها وغالباً ما يكون مجهول الهوية ولا يطلب أي مقابل لقاء خدماته وليس له أي توجه مذهبي أو فكري معين، الأمر الذي سيساعده في جمع اكبر عدد ممكن من هؤلاء المظلومين الذين قد يتحولوا بلمح البصر من أشخاص مقهورين عاجزين متفرقين ضعفاء إلى امة عظيمة منتصرة بكل ما للكلمة من معنى، بسبب إيمانهم بفكرة أنهم إذا ما اتحدوا سيستطيعون إحداث الفرق المنشود، وسيكون السبب الرئيسي لنجاحهم هو ولاءهم ‘للفكرة’ وليس للشخص، لأنه وإن مات صاحب الفكرة، فالفكرة بحد ذاتها لن تموت أبدا.
وعندما كان لدينا وطن مغتصب، لم يعد أحد من القادة يرغب باستعادته.
وعندما كان لدينا قضية اللاجئين المهجرين من هذا الوطن والذين لم يعد هناك احد يرغب بان يحارب من اجلهم.
وعندما كان لدينا أهلاً في الضفة والقطاع محاصرون ويموتون كل يوم ولم يعد أحد يرغب بالوقوف إلى جانبهم.
وعندما كان واقعنا الاقتصادي قاس لدرجة الموت من الجوع والانتحار بسبب البطالة وغلاء الأسعار.
وعندما كان لدينا أفواه مكممه ممنوع عليها الحديث بغير المسموح لها به
وعندما كان لدينا ربيع عربي غامض ومشكوك في نسبه أصلا، ولم يزدنا إلا تفرقاً وانقساماً بحيث أننا لم نشهد أي من أبطال هذا الربيع طالب بالوحدة العربية أو ما يؤدي أليها !
عندما كان كل ذلك، تظهر لنا مجموعة من الأشخاص توافرت فيهم جميع صفات البطل الخارق، (مجهول الهوية، يظهر من اللا مكان، مؤمن بقضيته العادلة، ليس له ملامح مذهبية أو فكرية تجعله محسوب على فئة معينة دون سواها، لديه قدرات غير اعتيادية يحارب بها ولا يطلب أي مقابل لقاء ما يقوك به) أضف إلى ذلك توافر البيئة المتعطشة لظهوره (ظلم، قهر، قمع، احتلال، فقر، جوع… الخ)
هذه المجموعة ‘الهاكر العرب او الانانيموس كما يحلو لهم تسمية أنفسهم’ هي في الحقيقة نتاج أبداع فكري نضالي ألهم العديد منّا بان الشباب العربي ما زال قادر على الابتكار ومازالت جينات الإبداع والتميز قابعة في خلاياهم التي توارثوها عن أجدادهم الذين حكموا هذه البسيطة في قديم الزمان.
هذه المجموعة تملك من فرص النجاح الشيء الكثير إذا ما التزمت بأدبيات رسالتها النضالية.
محمد جهاد – دبي- الامارات العربية المتحدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مختص بالامن الالكتروني:

    الأنونيموس منضمة دولية و ليست عربية و يوجد فرع عربي يسمة Anounymous Arab

إشترك في قائمتنا البريدية