النكبة الاقتصادية تحتاج فريقا من الخبراء إلى جانب صاحب القرار لإنقاذ مصر من كبوتها

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: بينما يغرق العرب والمسلمون في تفاصيل الساعات التي تسبق عيد الفطر المبارك، والأسواق زاخرة بحلوى العيد، والبرامج المنتشرة في معظم الفضائيات، تشرح لربات البيوت الطرق المثلى لصنع الحلوى بأنواعها المختلفة، والزعماء والمسؤولين يمطرون بعضهم بعضا بالتحية والسلام بالمناسبة العطرة، لم يتذكر أحد غزة من قريب أو بعيد فقط نيكارغوا ذلك البلد الصغير والفقير، تذكر ما يتعرض له مليوني غزي يواجهون الفناء، إذ بدأت أمس الاثنين، أولى جلسات الاستماع التي تعقدها محكمة العدل الدولية في دعوى رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا بتهمة المشاركة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. وقدّم الفريق القانوني لنيكاراغوا طلبا إلى محكمة العدل الدولية، بأن تأمر ألمانيا بوقف دعم الانتهاكات والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وتطالب نيكاراغوا في الدعوى ألمانيا بوقف تصدير الأسلحة والمعدات القتالية إلى إسرائيل كما تطالب باتخاذ تدابير مؤقتة لضمان ذلك. ويوم الخميس الماضي أعلنت محكمة العدل الدولية، في بيان صادر عنها، أن كولومبيا طالبت بالتدخل كطرف في دعوى جنوب افريقيا ضد إسرائيل، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة. وفي وقت سابق أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة جديدة، تدعو إسرائيل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان دخول الإمدادات الغذائية لسكان قطاع غزة.. ومن أخبار المحاكم: كشف المحامي الحقوقي محمد أحمد، عبر حسابه على فيسبوك بأن محكمة جنايات القاهرة دائرة الإرهاب تنظر يومي الثلاثاء والأربعاء 16 و17 أبريل الجاري مدّ حبس عشرات المتهمين في 37 قضية سياسية. وعلى الرغم من اختلاف أرقام القضايا، إلا أن جميع المتهمين يواجهون اتهامات متفاوتة بالانضمام أو مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وحول النضال العمالي لتحسين أوضاع الجيش الأبيض: طالبت حملة “مصيرنا واحد” الرئيس السيسي، بتوجيه الحكومة لضم أطباء الامتياز ضمن حزمة قوانين الحماية الاجتماعية، التي صدرت على خلفية توجيهات رئيس الجمهورية، ومنها رفع الحد الأدنى للأجور إلى 6000 جنيه، وزيادة رواتب العاملين بحد أدنى 1000 جنيه.. ومن حوادث المخدرات: تمكنت الأجهزة الأمنية في مديرية أمن القاهرة من ضبط عاطل وبحوزته (11.500 كيلوجرام من مخدر الحشيش ـ بندقية آلية وعدد من الطلقات وضبط آخر بالمقطم.. وفي حوزته (3.750 كيلو جرام لمخدر الهيروين بندقية خرطوش ـ سلاح أبيض 2 ميزان – سيارة). ونجحت الداخلية في ضبط كمية من المواد المخدرة بحوزة ثلاثة عناصر إجرامية في الجيزة حيث تقدر قيمتها المالية بأكثر من 6 ملايين جنيه تقريبا.
مستمرون في خذلانهم

لم يطلب الشعب الفلسطيني منا أن نزحف نحو غزة بالملايين، كما كانت الشعارات قبل سنين، ولم يطلبوا أن نمتنع عن الأكل والشرب تضامنا وإحساسا معهم، ولم يطالبوا وفق ما ترى خولة مطر في “الشروق”، أن لا نعالج مرضانا لأن مرضاهم مصيرهم بتر الأطراف دون مسكنات، أو حتى الموت البطيء والدواء يترقب السماح بفتح المعابر ليمر هو وكثير من الطحين والأكل والماء، لم يطلب سكان غزة كل ذلك ولم يقولوا لماذا لا تتظاهرون؟ ولم يكرروا، أو ربما يئسوا، أو لماذا لا تلغون اتفاقياتكم أو تتوقفون عن النقاش لتوقيع اتفاقيات جديدة مع دول عربية أخرى. هم لم يطالبوا بكل ذلك، لم ينتظروا منا أي عمل للمناصرة، رغم أن ذلك حقهم كما كان حق شعب جنوب افريقيا مع نظام الفصل العنصري..هم لم يطالبوا ولم يتوقعوا، بل وقفوا لأكثر من نصف عام وحيدين يتصدون للصواريخ بصدورهم وعزيمتهم وإيمان أطفالهم قبل شيوخهم بأن هذه الأرض لهم، ومن يترك أرضه فلا بيت له في أي مكان، يبقى لاجئا حتى آخر رمق. ولكنهم أيضا لا يتوقعون أن يبقى بعضهم هناك في تلك المدينة البعيدة عن العالم ليس جغرافيا، بل في تفاصيلها، والذي “يفتي” في تغريدات مستمرة أن غزة ستكون أفضل لو منحت إدارتها لهذه البلد وستتحول إلى جنة يقصدها السياح من بقاع الكون، وبإمكان الغزاويين الرافضين أن يغادروا.

المواطن مستقر

مضت خولة مطر ملقية الضوء على حال أهل غزة وصمودهم الأسطوري وحالنا وهواننا تجاه دعمهم: حتى تلك السيدة الجالسة في بلدها التي لا تتوقف صواريخ الصهاينة عن انتهاك حرمته، وهي تفاجأنا كل يوم بمقابلة هنا أو هناك حديث بثقة متناهية عن أن سكان غزة لا يريدون الحرب أو إنهم يكرهون حماس أو.. أو.. وكأنها أكثر من يعرف ماذا يريد أهل غزة؟ بل تتمادى لتقول إن أهل غزة كانوا في وضع أفضل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول وكانوا يعيشون “سعداء”.. العيد على الأبواب ونحن نردد تلك العبارة المتكررة “أي عيد؟” وصور الذبح والإبادة تسبق غداء العيد أو تحوله إلى وليمة من الدم المعجون بأشلاء أهلنا هناك.. ليتهم والعيد يقترب وحتى ما بعد العيد يتوقفون عن الإدلاء بآرائهم حول ما هو الأفضل لأهل غزة، أو الحديث نيابة عنهم أو حتى التمثيل أنهم حزينون على ما يجري، لأنهم باختصار كذابون ومنافقون، بل هم أكثر من ذلك كما كان حملة الأختام في تلك الأزمنة البعيدة أو شعراء البلاط.. أو ربما هي العبودية الطوعية التي كتب عنها، إيتيان دولا بويسيه، كتابه الشهير “مقالة العبودية الطوعية” والتي يستغرب فيها الإذلال الذي يقدمه الناس لملوكهم أو حكامهم أو للأنظمة المستبدة، فهو يرى أن على الفرد الذي حتما يولد حرا أن يدافع عن حريته ويحميها. هو من أبدع في وضع “المواطن المستقر” وهو التعبير الأنسب لكثير من الذين يواجهون ما يجري اليوم في غزة بكثير من الحزن طبعا، لكن وهم يرددون “ماذا نستطيع أن نفعل؟” أو “كل ما سنقوم به لن يفيد شيئا”، ربما خوفا من ذاك الاستقرار الهش أو الوهمي..

الفاعل واحد

حدثان يلعبان في الوقت الراهن دورا مؤثرا في المشهد الدامي داخل غزة، انتبه لهما محمد حسن الألفي في “فيتو” أحدهما وقع بالفعل داخل القطاع المنكوب، والثاني خارجه، وليس بعيدا عنه، وقع في قلب العاصمة السورية دمشق.. والفاعل واحد التوصيف الحقيقي للحادثين أنهما جريمتان، ارتكبتهما إسرائيل في وقت متتابع. الجريمة الأولى، هي تعمد الجيش الإسرائيلي قتل سبعة مواطنين من الجنس الغربي الأعلى منا مرتبة، لأننا في نظرهم بشر لا يستحق الحياة، هم عاملون في منظمة المطبخ المركزي العالمي – هيئة خيرية تطوعية – قتلتهم إسرائيل، منهم الكندي الأمريكي، ومنهم الأسترالي ومنهم البولندي وثلاثة بريطانيين وفيهم شاب فلسطيني عمره 25 عاما. الجريمة الثانية بطلتها إسرائيل أيضا، إذ قتلت سبعة من قيادات الحرس الثوري الإيراني في دمشق المنكوبة بما فعله السفهاء والعملاء في سوريا الحبيبة.. ترتب على الجريمتين اتجاهان، اتجاه للتهدئة واتجاه للتصعيد، أما التهدئة فظهرت بوادرها إذعانا لأوامر بايدن بعد مكالمة استمرت ساعة مع نتنياهو، وبخه فيها توبيخا شديدا وعنفه وحذره من أن أمريكا ستغير سياستها، إن لم تغير إسرائيل مسار الحرب في غزة، بل طالبه بوقف فوري لإطلاق النار بعيدا عن صفقة الرهائن المتعثرة، وضمان سلامة المدنيين وعمال الإغاثة، أي أن قتل 33 ألف إنسان فلسطيني، وإصابة 75 ألف إنسان فلسطيني، لم تدفع الغرب المنافق إلى اتخاذ أي خطوة عملية قوية، كما فعل مقتل سبعة أفراد منهم ستة غربيون.. نحزن عليهم بالقطع، لكن المحزن أكثر نظرة الغرب إلينا، بوصفنا بشرا رخيص الدم.

عالم الغابة

محللون كثيرون استمع لهم محمد حسن الألفي على مدار الفترة الماضية يرون أن مقتل السبعة هؤلاء قد يغير مسار العمليات في غزة، ومن الواضح أن التحقيق السريع الذي أجراه الجيش النازي الإسرائيلي وعزل قيادات كبيرة من الضباط، وفتح معبر إيريز فورا للمساعدات لشمال غزة الميت أهله من شدة الجوع، كان بسبب وصلة الغضب من الرجل العجوز في البيت الأبيض، للثور الجامح في تل أبيب، هذا حادث وقع في غزة، وكما شدد الكاتب فإن الفاعل إسرائيل. أما الحادث الثاني فهو قتل قيادات من الحرس الثوري والمجرم إسرائيل، فهو سيأخذ المنطقة إلى التصعيد، فالمعلومات الاستخباراتية الأمريكية تشير إلى أن إيران سوف توجه ضربة انتقامية في قلب إسرائيل ذاتها، بطائرات شاهد المسيرة، التي أثبتت نجاحا ملحوظا في حرب روسيا وأوكرانيا، فضلا عن إطلاق صواريخ كروز.. ومن ثم أعلنت كلا من إسرائيل وأمريكا حالة التأهب القصوى، وكذلك الجيش الإيراني، الذي تعهد قادته بعمل يلحق الندم بإسرائيل على فعلتها بالاعتداء على مقر الدبلوماسية القنصلية لإيران في دمشق وتدميره.. بطبيعة الحال، لو نفذت إيران ضربتها الانتقامية، فقد ترد إسرائيل، ولعلها تبدأ بضربة إجهاضية، وفي كل الأحوال فإننا أمام مسلسل من الدم يسفح ويراق بسبب دولتين لا تراعيان أخلاقا، ولا قانونا، ولا دينا، ولا أي قيمة إنسانية، بل هما دولتان من عالم الغابة.

الشيخوخة اختيار

يبدع مصطفى عبيد في “الوفد”، حينما يرصد حالة الزمن على وجوه البشر، دون أن يخبرهم: يمضي فلا يُبالي. سهم حُر. رصاص مباغت. برقٌ خاطف. قطار لا يتوقف في أي محطات. تتقدم خُطى الزمن دوما للأمام. لا تتباطأ، ولا تتعثر، وكلما مرت سنوات طويلة اندهشنا كيف مرت بهذه السرعة. وهذا ما قد يجعل الإجابة المعروفة لآخر العمر أن سُئل سائل عن ما عاشه، هي أنه لبث «يوما أو بعض يوم». لقد كانت الحياة أسرع مما نتخيل. أطفالا حلمنا، ثم مراهقين اختبرنا الأحلام والأوهام، ثم شبابا واجهنا التحديات، ثُم انخطفنا سريعا، وانشغلنا بحيواتنا، وأفقنا فجأة على خريف زاحف تترجمه حبات دواء يومية، وأوجاع عظام متقلبة، ونظرات تقدير وتوقير لأننا كبرنا في عيون الآخرين.. نحزن على سرعة الزمن، نندهش من كلمة «عمو» التي تقابلنا من فتيات وفتيان شباب نراهم كبارا، ننزعج من كلمة «حاج» التي يمنحنا إياها مَن لا يعرفنا. نُدرك يقينا أننا خرجنا من زمرة الشباب، فنتحسر ونحزن.. لكن ما المردود؟ ما نتاج الحزن سوى الحزن؟ ما بعد الندم؟ سكون؟ كيف ننظر للغد؟ بخوف؟ ثم ماذا بعد؟ لا شيء. إن علينا أن نستوعب حركة الزمن برضا، ونقاوم وهن النفس بطاقة لا حدود لها. مَن قال إن الشباب مُقيد بعمر، ومّن أجزم أن أوان الألق فات؟ لا أوان يفوت ما دام الإنسان يتنفس، لأن الشيخوخة هي مجرد اختيار.

قاوموه ببشاشة

ووفق ما أخبرنا مصطفى عبيد، هناك دائما من يحققون أحلامهم وهم في الستين والسبعين، وما بعد ذلك فهذا هارلند ساندرز الذي نرى صورته في كل مدينة في العالم نجح مشروع حياته «كنتاكي» بعد تجاوزه الستين عاما وخروجه إلى التقاعد. وذاك هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الذي رحل قبل شهور بعد أن أتم المئة عاما، ظل يعمل حتى النهاية بحثا وكتابة وتفكيرا، وأخرج لنا وهو في الثامنة والتسعين كتابا يحدثنا عن مستقبل الذكاء الاصطناعي. وبلغ الطبيب الأمريكي هوارد تاكر مئة وثلاثة أعوام، وما زال يعمل استشاريا عظيما في طب الأعصاب. وعاش المفكر برنارد لويس مئة واثنتين سنة، ولم يتوقف عطاؤه ولم تتعطل روحه عن التفكير والتحليل والعمل. وكل هذا يدفعنا إلى أن نقاوم الزمن ببشاشة، وتفاؤل، ودأب مكررين أن الأجمل لم يأت بعد. إننى أنصح أصدقائي الشباب الذي تجاوزوا الخمسين والستين عاما أن ينطلقوا، فرحابة الحياة تستوعب الانطلاق. أقول لهم: ابتسموا. استمتعوا بالموسيقى، تحركوا، وافعلوا ما لم تفعلوا، واذهبوا حيث لم تذهبوا من قبل. استحسنوا الجمال وتذوقوا الفن واستمتعوا بالمعرفة.. لا تتورطوا في معارك عبثية، ولا تجادلوا جهلاء أو كارهين، ادعوا لهم بالشفاء والهدى. ضعوا دوما خططا لمشروعات مستقبلية في العمل، والإبداع، والحياة، وارسموا خطواتكم المقبلة لعشرين عاما، وثلاثين عاما وخمسين عاما، ولا تتخلوا عن الأحلام، فهي منبع الطاقات وهي الدالة على الحياة. وتذكروا أن الفنان العظيم يوسف وهبي عندما كتب مذكراته اختار لها عنوانا غريبا هو «عشت ألف عام» تدليلا على صخب وعظم ما رأى وشاهد وأنجز. ابتسموا وتعلموا ثم انظروا إلى الغد، فلم يفت الأوان، ولن يفُت.

مطلوب خبرات

يرى فاروق جويدة في “الأهرام” أننا في حاجة إلى مجموعة اقتصادية في سلطة القرار، حيث إن هناك عددا كبيرا من القضايا التي تحتاج إلى نخبة من الخبراء في أكثر من جانب.. إن الاقتصاد المصري يمثل الآن التحدي الأكبر والأهم أمام سلطة القرار، ولا بد من وجود فريق عمل يتولى مسؤولية الدراسة والتخطيط ومواجهة الأزمات، وفي مصر عدد كبير من الخبراء في كل فروع الاقتصاد.. نحن في حاجة إلى دراسة عميقة ووافية لقضية الديون، خاصة أنها دخلت منطقة المخاطر، بحيث تتم دراسة أبعادها الحالية ومخاطرها على مستقبل الأجيال الجديدة.. نحن في حاجة إلى مراجعة ميزانية الدولة وحجم الإنفاق الحكومي وكيف يمكن ترشيده.. نحن في حاجة إلى فتح ملفات الصادرات والواردات أمام التفاوت الرهيب، بين ما نصدره وما نستورده.. نحن في حاجة إلى مشروع لزيادة مواردنا من النقد الأجنبي من خلال الاهتمام بالسياحة وقناة السويس والمصريين في الخارج وتشجيع الإنتاج الصناعي والزراعي والمواد الخام.. نحن في حاجة إلى خطة لمواجهة قضية البطالة والزيادة السكانية، مع وضع أولوية لبرامج التعليم والصحة وبناء الإنسان المصري مع ضرورة تشجيع القطاع الخاص في الإنتاج، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة والسياحة.. تبقى بعد ذلك قضية الإنفاق الحكومي، بحيث تكون هناك أولويات للاهتمام بمستوى دخل المواطن، وألا تعتمد الدولة على جيوب الناس في الضرائب والرسوم والخدمات.. إن كل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى خبرات متخصصة ولدينا في مصر أعداد من هذه التخصصات ومنها ما يتمتع بسمعة دولية.. الاقتصاد المصري يحتاج إلى فريق من الخبراء حتى يتجاوز ما يواجهنا من الأعباء والتحديات.

عالم بلا قلب

كان ولا يزال المشهد الجاري على مرأى ومسمع من العالم كله، طوال الأيام والأسابيع والشهور الستة أشهر الماضية، التي استغرقها العدوان الإسرائيلي الإجرامي واللاإنساني على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، مثيرا لموجة عارمة من الغضب والألم والاستنكار، لدى عموم البشر وعامة شعوب العالم. كما اجتاحت العالم كله وفق ما أوضح محمد بركات في “الأخبار” موجات شديدة من الإدانة والرفض، لعمليات القتل والدمار والإبادة الجماعية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد الأطفال والنساء والمواطنين العزل في غزة. ولكن المشهد كان في الوقت ذاته كاشفا عن مدى الكذب والخداع، الذي تمارسه القوى الدولية الكبرى في هذا العالم، التي وقفت مساندة للعدوان الإسرائيلي وداعمة له بالمال والسلاح، وأيضا بالحماية من المحاسبة ومن العقاب ومن الإدانة في مجلس الأمن الدولي، على الرغم من أن هذه القوى الكبرى هي التي ظلت طوال الأعوام الماضية، منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، تمارس الكذب العلني على كل شعوب ودول العالم، وتدعي أنها المدافع الأول عن حقوق الإنسان في كل مكان، والراعي الأول لحقوق وحريات الشعوب في تقرير مصيرها. ولكن للأسف ثبت بالدليل الحي مخالفة هذه الادعاءات للحقيقة طوال الستة شهور الماضية، حيث كانت آلة الحرب والقتل والدمار والإبادة تمارس عملها الإجرامي، في هدم المنازل والمنشآت على رؤوس أهلها، وتقوم بتدمير كل صور الحياة في قطاع غزة، دون أن تتحرك هذه القوى الكبرى، التي صدعت رؤوسنا والعالم كله بدفاعها عن حقوق الإنسان والحريات الإنسانية. وللأسف حتى عندما استشعرت موقفها المخزي، دعت إلى محاولة التوصل إلى هدنة مؤقتة، ولكنها ترفض الموافقة على استصدار قرار من مجلس الأمن بالوقف التام لإطلاق النار وتوقف الحرب بصورة نهائية وتامة.

بايدن والمسلمون

ذهب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى ولاية ميشيغان يُروّج لنفسه مرشحا رئاسيّا، فحصد الكثير من الأصوات، ثم ذهب إلى نيويورك يفعل الشيء نفسه، فحصد الكثير من المال.. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة حسب سليمان جودة في “المصري اليوم”، لأن وراءه الكثير من المعاني التي لا بد من فهمها، خصوصا إذا كانت المقارنة بين ميشيغان ونيويورك في مشهد انتخابي تؤثر نتائجه على بقية الدول في أنحاء الأرض. فليس سرّا أن الأولى تضم أكبر جالية عربية ومسلمة في الولايات المتحدة، وقد كان ذلك يؤهل ميشيجغان لأن تتميز عن غيرها من الولايات، وأن يكون تميزها في القدرة على معاقبة بايدن على موقفه من الحرب على قطاع غزة. هذا لم يحدث، بل العكس وكان ذلك عندما حصد بايدن أكثر من ثلاثة أرباع أصواتها أمام مرشح ديمقراطي آخر كان ينافسه. السؤال هو: أين تأثير الجالية في رسم خريطة التصويت؟ لقد كانت هذه الفرصة أمامها لوضع غزة في عمق المشهد الانتخابي، وكانت فرصة يشعر من خلالها المرشح بايدن بأن سياسة إدارته تجاه الغزاويين كانت خاطئة، ولكنها فرصة أفلتت ولحقت بغيرها من فرص العرب والمسلمين الضائعة. أما في نيويورك فكان الوضع على الضد لأن المرشح بايدن وقف فيها يجمع المال لحملته الانتخابية، فجمع 25 مليون دولار في ليلة، وكان باراك أوباما وبيل كلينتون إلى جواره على المنصة يحرضان المتطوعين على التبرع لتمويل الحملة. الغريب أن جزءا كبيرا من النشاط الاقتصادي للمرشح الجمهوري المنافس دونالد ترامب يتركز في نيويورك، وهو يملك فيها برجا سكنيّا باسمه، كان هو الأعلى بين الأبراج وقت إنشائه، ولكن هذا لم يشفع له في شيء، فجمعت حملة بايدن منها في ليلة أكثر مما جمعت حملته في شهر السبب طبعا هم اليهود الذين يتركزون في نيويورك، والذين يصوتون تاريخيّا للحزب الديمقراطي لا الجمهوري.. ففي انتخابات 2020 منحوا أصواتهم لبايدن، رغم كل ما قدمه ترامب لإسرائيل، ورغم أنه قدم لها ما لم يقدمه رئيس أمريكي آخر، ولكن جزاءه كان جزاء سنمار الذي نعرفه.هذه جالية عربية مسلمة ضخمة في ميشيغان، وهذه في المقابل جالية يهودية ضخمة أيضا في نيويورك، ولكن ما أوسع المسافة بين الجاليتين، وما أحوج الأولى إلى أن تتعلم من الثانية.

العام الثالث

بدأنا العام الثالث للحرب الروسية ـ الأوكرانية، وهي مغرقة ليس فقط في «ضبابها»، وإنما حسب الدكتور عبد المنعم سعيد في “الأهرام” نتيجة حرب أخرى جرت في غزة للمرة الخامسة، لكن الضباب الإعلامي والسياسي الدولي لا يعني أن الحرب الأخرى قد أوقفت التطورات في حرب أوروبا. نتيجة عامين من الحرب كانت أولا أنه لم يعد هناك حل، ولا مسار دبلوماسي لتحقيق السلام أو هدنة، ولم تعد هناك إلا حرب سكونها لا يقل سخونة عن قتالها. وثانيا أن كلا الطرفين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ومعها حلف الأطلنطي، لا يملكان سوى القتال، حيث الحرب تسير في دورات زمنية تتوقف نسبيا خلال فصل الشتاء، وتشتعل في جميع الفصول. وثالثا أن دورة الحرب بدأت بهجوم روسي كاسح، استولى على 20% من الأراضي الأوكرانية في الشرق والجنوب المتاخم لإقليم القرم، الذي استولت عليه روسيا عام 2014. وفي المقابل، فإن أوكرانيا نجحت في إنقاذ العاصمة وإقليم الشمال، وبقي الغرب في يدها مع إطلالة على البحر الأسود من ميناء أوديسا، وذلك من هجوم مضاد أجرته في عام 2022، ولكنها عندما أجرت هجوما آخر في 2023 فشلت في تحرير أرض إضافية، وإن نجحت في تدمير الأسطول الروسى في البحر الأسود، والقيام بهجمات سريعة داخل الأراضي الروسية. الآن العالم على أبواب استئناف القتال مع بدايات الربيع الذي سوف يأتي ساخنا، حتى لو كانت أوكرانيا تنتظر ما قدره 60 مليار دولار من العتاد والعدة فقط من الولايات المتحدة، ومع أقدار أخرى من دول أوروبية. روسيا بوتين متحرقة لكي تضع نهاية للحرب التي سوف تضاف لها حرب أخرى مع الإرهاب الذي وجه لطمة للرئيس بوتين في أول أعوام رئاسته الجديدة. خلال الشهور القليلة المقبلة، فإن الحرب لن تكون بعيدة عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين الرئيس بايدن والرئيس السابق ترامب، وهي التي سوف تقرر حجم العون المقدم لكييف التي تعودت على أن تزيد من حجم اعتمادها على نفسها.

حقوق الورثة

لا يعتقد الدكتور محمد صلاح البدري في “الوطن” أن ذلك الإعلان الذي يستخدم إحدى اغنيات الراحل عبد الحليم حافظ بتوزيع مختلف لم يترك أحدا دون شعور قاس بالاستفزاز، بل ربما الغضب.. فالإعلان يستخدم الأغنية بشكل مبتذل للغاية.. والمطربة التي تغني فيه تفتقد لكل مقومات الطرب، أو حتى الغناء العادي الذي يؤديه مطربو الاعلانات.. لم أفهم من البداية فكرة الإعلان «السخيفة شكلا وموضوعا» بكل تأكيد.. كما لم أستوعب من قبل، ومعي كثيرون، العلاقة بين أن يعلن أحدهم عن منتجع سياحي مستخدما أغنية تعد من التراث المصري الأصيل.. ويتلاعب باللحن والتوزيع لدرجة تجعل الجميع مستاء إلى هذه الدرجة. الإعلان أثار حفيظة ورثة الفنان عبد الحليم حافظ، للدرجة التي جعلتهم يلجأون للقضاء لوقف عرض الاعلان.. وعلى الرغم من تلك الأخبار التي انتشرت عن حصولهم على حكم بوقف عرض الإعلان، إلا أنه للأسف ما زال يعرض وبكثافة ربما أكثر من أيام عرضه الأولى.. تقريبا لم يعد يمر موسم رمضاني واحد إلا ويتم وقف عرض أحد الإعلانات بسبب تجاوزه بشكل ما.. أذكر منذ بضعة أعوام ذلك الإعلان الذي يظهر فيه طبيب وممرضة يتنمران على مريض بسبب ملابسه الداخلية.. بل ينصحانه بارتداء نوع معين من تلك الملابس للحفاظ على صحته.. في الاغلب يتعلق الأمر بخلل واضح في أفكار الإعلان داخل شركات الدعاية نفسها.. فما يفترض المعلن أنه فكرة «لطيفة» أو جديدة، ستجذب المشاهد تجد أنها سخيفة للغاية.. بالإضافة إلى تجاوزها في حق فصيل أو فئة.. أو تخطيها لأعراف وتقاليد المجتمع.. أو حتى السطو على حقوق الملكية الفكرية كما هو الحال هذه المرة.

عقوبة مغلظة

الإعلان المزمع إيقافه يصفه الدكتور محمد صلاح البدري بأنه سخيف بالفعل: لم أجد فيه عامل جذب واحدا سوى لزوجته المفرطة.. ولا أعتقد أنه كان سيؤثر على مبيعات المنتجع بشكل إيجابي قط.. فضلا عن أنه لم يتمكن من أن ينتزع ابتسامة واحدة مني أثناء مشاهدته، تبقى مسألة الإعلان الناجح مسألة قديمة بلا إجابة، على الرغم من الأموال التي صُرفت وعدد الساعات التي قضاها المختصون في الدراسة لمعرفة ذلك.. فقط اتفق الجميع على أن البساطة والمشاركة مع المستهلك والحس الفكاهي هي أفضل عوامل يمكن أن تخرج لنا إعلانا ناجحا مفيدا للعلامة التجارية.. وهو ما لم أجده في معظم الإعلانات في السنوات الأخيرة مهما بلغ حجم التكلفة.. اللهم إلا في قليل منها.. تكرار التجاوز في الإعلانات بشكل شبه دوري كل عام ربما يجعلنا نفكر في آلية لمحاسبة أصحاب تلك النوعية من المحتوى الإعلاني.. فلا أعتقد أن وقف عرض الإعلان وحده قد بات يكفي.. فعقوبات مثل حرمان المعلن من الإعلان عن علامته التجارية لمدة زمنية محددة، ربما يكون عقابا مناسبا.. أو حتى توقيع غرامة محددة بقيمة صناعة الإعلان نفسه يتم سدادها لصندوق «تحيا مصر» أو «حياة كريمة» تبدو عقوبة أكثر فاعلية.. إن حرية الإبداع ينبغي ألا تتقاطع مع تقاليد المجتمع، أو تتجاوز حقوق الملكية أو تستخدم التراث دون محاسبة.. والإساءة لأي فصيل أو فئة أو التلاعب بحقوق الآخرين، ينبغي أن لا تمر مرور الكرام.. فضلا عن أن التجاوز في حق التراث بمعزل عن حقوق الملكية الفكرية وحدها تتطلب عقوبة مغلظة.

لغة الإشارة

فاجأ ابن ابن شقيقة وفاء بكري في “المصري اليوم”، عمته بسؤال بسبب موقف تعرض له أثناء عودته من جامعته في مدينة بدر، فكان سؤاله حول أسباب عدم انتشار «لغة الإشارة» لدى الجميع للتعامل مع ذوي القدرات الخاصة من الصم والبكم، أما طلبه فكان خاصّا بكيفية تعلمه هذه «اللغة المهمة»، وعندما أبدت عمته دهشتها حكى لها موقفا صعبا، بطلته شابة بكماء، استقلت الميكروباص من مدينة بدر إلى موقف رمسيس، وتصادف وجوده في آخر السيارة، بينما ركبت هي في أولها، وحاولت بقدر الإمكان التواصل مع السائق، ولكن دون جدوى، فما كان من السائق إلا أن انفعل عليها، وقام بإنزالها من سيارته، فتأثر الشاب عبدالله كثيرا، خاصة أنه لم يستطع مساعدتها بسبب مكان جلوسه، والقرار السريع من السائق بـ«طردها». بالتأكيد مثل هذه المواقف تتكرر كثيرا في شوارعنا ومياديننا، وقليل مَن يستطيع التعامل معها، وقليل مَن «يرق» قلبه لمثل هذه الحالات، فنعمة «لين القلب» ليست عند الجميع، ووفقا لإحصاءات عدد الصم والبكم في مصر، فإن عددهم يقارب الـ8 ملايين نسمة، يمثلون 10% في العالم، وهو رقم ضخم حقّا، هذا بخلاف السائحين الذين يأتون إلى مصر من الصم والبكم. هذا الرقم ذكرني، قبل نحو 12 عاما، عندما حضرت إحدى نهائيات برنامج «نجوم العلوم»، الذي تنظمه مؤسسة قطر في مجال الابتكار، وظهر أحد المبتكرين المصريين الشباب بجهاز خاص بترجمة ذبذبات الصوت التي تصدر من «الأبكم» إلى كلمات بسيطة يفهمها مَن يتواصل معه، فيما طور طالب مصري آخر، منذ نحو 3 سنوات، «نظارة» يمكنها ترجمة الصوت إلى لغة الإشارة لتقلل من مشكلات التواصل مع الصم والبكم، ما يساعدهم على الاندماج أكثر في المجتمع، والمثير أن الابتكارين لم يظهرا للنور حتى هذه اللحظة، مثل الكثير من الابتكارات لدينا التي يكون محلها «الأدراج» لأسباب غير مفهومة، فلنتخيل معا أن مثل هذه الأفكار والابتكارات قد تحل أزمة 8 ملايين «إنسان» يعيشون معنا، يعانون يوميّا بسبب عدم تمكنهم من التواصل مع الآخرين.

روبوت رمضان

منذ أن اكتشف الإنسان الذكاء الاصطناعي، وهو يقوم بتطويره يوما بعد يوم، ليناسب وفقا لرأي خالد إبراهيم في “اليوم السابع” العصر الجديد، وليخدم مصالحه، وسخر جميع الاكتشافات في صالح زيادة الإنتاجية، ولراحة الإنسان، حتى وصلنا إلى عام 2200، أي ما يقدر تقريبا بـ 250 عاما من اكتشاف الذكاء الاصطناعي، حيث ظهرت قوانين ودساتير ولوائح منظمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، تحكمه من أجل السيطرة عليه. الاحصائيات والتقارير العالمية، أثبتت أن كثيرا من الناس تقل إنتاجيتهم أثناء الصيام، ما أدى إلى استبدال العنصر البشري بالذكاء الاصطناعي والإنسان الآلي، الذي أصبح يدخل في أي شيء وفي كل شيء، فاستقرت الشركات العالمية الكبرى على الاستعانة بالروبوت طوال شهر رمضان، لضمان استمرار الإنتاجية نفسها، وهو النهج الذي سارت عليه بقية الشركات الصغرى، حتى أصبحت هذه الموضة هي السائدة، بل وجد الصائمون في هذا الأمر راحة وفراغا، فما أن يأتي الشهر الكريم، حتى يلزمون البيوت، وتحل أجهزة “الروبوت” محلهم. استمر هذا النظام لسنوات طويلة، حتى بدأت الشركات الكبرى تفكر في الاستعانة بالذكاء الاصطناعى طيلة العام، كونه أرخص في التكلفة. تسرب الخبر إلى عموم الموظفين والعمال الصغار، فاقترح البعض ضرورة العودة إلى العمل، حتى في شهر رمضان، ورغم المعارضة العنيفة، إلا أن الموظفين عادوا مجبرين للعمل في شهر رمضان خوفا من فقد وظائفهم لصالح الذكاء الاصطناعي. لم يألف الموظفون العمل في نهار رمضان، ولم يعتادوا بذل المجهود في الصيام، فكثرت المشاكل والأزمات والشجارات، ولكن أمام ذلك، تولد لدى البعض إحساس بالألفة والتقارب والانصهار مرة أخرى، فبدأ الإحساس بالأمان يتسرب لنفوس العاملين، وتيقنوا أن ابتعادهم عن عملهم في شهر رمضان هو الثغرة التي سينفذ من خلالها الذكاء الاصطناعي للإطاحة بهم، وأن العمل حتى في ساعات الصيام المرهقة، هو الضمان الوحيد لاستمرارهم في وظائفهم ولأمانهم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية