الناقدة الفلسطينية ماجدة صلاح: النقد العربي يعيش أزمة بدون القدرة على التجديد أو الإضافة

تعد الناقدة الفلسطينية ، الأردنية ماجدة صلاح المقيمة حالياً في مدينة شيكاغو الأمريكية من الأسماء اللامعة في الجيل الجديد من النقاد والباحثين العرب، في مجال النقد الأدبي. حصلت صلاح على الدكتوراه في البلاغة والنقد سنة 2006، كما صدرت لها حتى الآن ثلاثة مؤلفات في النقد الأدبي، إلى جانب عشرات الدراسات في المجلات الثقافية العربية، وشاركت في عدد من المؤتمرات الدولية. حول مشروعها النقدي والإبداعي كان لـ«القدس العربي» معها هذا الحوار:

■ بداية.. كيف تشكّل الوعي النقديّ لديك؟ وما هي المرجعيات الفكرية والثقافية التي استندت إليها في بلورة مشروعك النقدي؟
□ من خلال قراءاتي لتجارب عدد لا بأس به من الكتاب والشعراء والنقّاد، تشكّلت لديّ رؤية خاصة للعالم من حولي. يبقى الأديب ناقداً أو شاعراً أو كاتباً في إطار مرجعي عام يحكمه، فهناك عدد من المرجعيات التي أستند إليها.. اجتماعية، ودينية وتاريخية وعلمية وجمالية .أما في ما يخص مؤهلات الناقد فأهمها الموهبة التي تمكّن صاحبها من رؤية ما حوله بمنظور خاص، والتقاط ما خفي وتحليله، وصقل هذه الملكة النقدية بالدراسة ليمتلك أدواته النقدية، ثم تأتي الممارسة والتجريب والخبرة والانفتاح على تجارب الآخرين، لتتشكل في ما بعد بصمة الناقد الخاصة التي تميزه عن غيره.
■ إذا كان لكل منتج فكري وثقافي خصوصية، فما هي خصوصية كتابك «المأساة الفلسطينية في روايات صبحي فحماوي»؟
□ لهذا الكتاب خصوصيته فهو باكورة إنتاجي، ولم أكتبه بقلمي لكنني حفرت كل كلمة فيه بدمي وإحساسي، إذ كنت أحس بأنني أكتب عن مأساتي وحياتي الخاصة التي تشبه إلى حد بعيد حياة الشخصيات النسائية في روايات فحماوي.
■ ماذا عن علاقة النقد بالإبداع، هل هو تابع له أم متبوع؟
□ إذا نظرنا إلى المنجز الأدبي في الوقت الراهن نجده سابقاً للدرس النقدي، فحركة الإنتاج الإبداعي مستمرة ومتجددة، في حين بقي الدرس النقدي العربي متعثراً في خطواته. والصحيح أن يبقى النقد والإبداع متلازمين يكملان بعضهما، قد يسبق النقد الإبداع ويمهّد له الطريق ويصححه وينهض به، وفي أحيان أخرى يحفّز المنجز الأدبي النقد وينشطه، فالعلاقة بينهما علاقة تكامل للنهوض بالأدب عامة والارتقاء به.
■ برأيك، إلى أي حد يرصد الكاتب حركة المجتمع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تغييراً في مجتمعه؟
□ يعد الكاتب أو المبدع الكاميرا التي تصور المجتمع وتلتقط المشاهد وتبرز ما خفي، ينقل صورة الواقع بكل ما فيه، بأسلوب جاذب مؤثر، إذ للكاتب القدرة على إحداث تغيير أو التحريض عليه أو تشجيعه إن امتلك حرية الرأي والتعبير، والواقع غير ذلك، فقلم الكاتب مقيد وكلماته مراقبة، رغم الانفتاح وانتشار مواقع التواصل التي تمنح الكاتب الحرية نوعاً ما.

أثبتت الرواية مقدرتها على الغوص في أعماق المعاناة الإنسانية ومعالجة قضايا الناس فتفوقت على الشعر الذي توغل في الغموض والرمزية بعد انفلاته ورفضه لأساليب الشعر التقليدية

■ برأيك، ما السر في تراجع الشعر أمام الرواية؟
□ أثبتت الرواية مقدرتها على الغوص في أعماق المعاناة الإنسانية ومعالجة قضايا الناس فتفوقت على الشعر الذي توغل في الغموض والرمزية بعد انفلاته ورفضه لأساليب الشعر التقليدية، فغالبية الشعر يكتنفه الغموض، ويحتاج من القارئ جهداً مضاعفاً لفهمه، صحيح أن الدواوين الشعرية لا تخلو من شعر ملتزم بقضايا الناس، معبّر عن واقعهم، لكنه قليل مقارنة بالرواية التي تصوّر الواقع وتتناول هموم المجتمع، إضافة إلى ما تعانيه المجتمعات العربية من قهر وفقر وبطالة جعلت إقبال الطبقة المقهورة – وهي تشكّل غالبية المجتمع – على ما يبرز معاناتهم ويعالجها ويلامس مشاعرهم ويبقيهم على أرض الواقع.
■ هل توافقين على تعبير الأدب النسوي والأدب الذكوري؟ ولماذا يبدو حضور المرأة الناقدة قليلاً في الوطن العربي؟
□ لا أعترف بوجود أدب نسوي وأدب ذكوري، فالأدب بريء من هذا المصطلح الذي يُعد انعكاساً للواقع الاجتماعي الذي يرى سيطرة الذكورية على هذا العالم وتمييزه عن الأنثوي، فالرجل يكتب عن المرأة، وهي تكتب عنه، فلماذا يطلق على أعمال المرأة الإبداعية الأدب النسوي! ولا يطلق على ما يكتبه الرجل بالأدب الذكوري؟ ورغم وجود هذا المصطلح فالاختلاف حول مفهومه وماهيته وما يندرج تحته لا يزال موضع نقاش وجدل، لعدم اقتناع غالبية المفكرين بهذا المصطلح (التصنيف).
■ ما رأيك في الحركة النقديّة العربية؟ وما هو برأيك أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه الحركة النقديّة والناقد العربي بشكل عام؟
□ يشهد النقد الأدبي العربي تراجعاً، رغم ما نلحظه من حركة بطيئة متعثرة، إذ يعاني من أزمة حقيقية، نحاول مجاراة الآخر والتواصل معه، فنستعير أدواته التي وضعت تحت اشتراطات معينة وبيئة مختلفة تفي بالغرض الذي أنتجت لأجله، فالمناهج الغربية تتغير وفقاً لما تقتضيه الحاجة، فينتج الغرب ما يتماشى مع أدبهم، ويأتي دورنا لاقتباس تلك المناهج بلا تحفّظ، نقتلعها من سياقاتها الأصلية المنتجة لها، ونبدأ في تطبيق تلك المناهج إجرائياً على أدبنا، بعد أن أسقطنا مفاهيمها ودلالاتها، فباتت مشوهة قاصرة، لا تفي بالغرض، ولقصورنا عن فهم تلك المناهج وضعنا المنتج الأدبي داخل قالب أو إطار لا يتجاوزه، وهذا إجحاف في حق النص الأدبي. هناك سوء فهم واستخدام لتلك المناهج. نحن نحتاج إلى الكثير من التجريب والتشجيع والممارسة والتغيير، لتكون لنا بصمة خاصة، أو مناهج ومدارس نقدية تحقق غاياتنا وتناسب إبداعنا!
■ لا يزال الجدل قائماً في مشهدنا الثقافي العربي، حول الحداثة والمعاصرة والموروث، ما رأيك في هذا الثالوث؟ وهل تشكل الحداثة قطيعة مع الماضي؟
□ يعيش العالم الآن مرحلة ما بعد الحداثة، وقد شكّلت الحداثة نوعاً من الخصام والقطيعة مع الماضي، لكن العالم الغربي يعيش مرحلة بعد ما بعد الحداثة المتمثل في العودة إلى الماضي وربطه بالحاضر، ونحن نحتاج إلى سنوات لنصل إلى ما وصله الغرب، فتقدمهم لم يكن بنبذ الماضي ودفنه، لكن بالإفادة منه وتطويره بما يلبي متطلبات وتطلعات العصر. مشكلتنا أننا لا ننتج، بل لا نجيد استخدام ما نستورده من الغرب، فلا نراعي خلفياتنا الثقافية والتاريخية المناسبة لفكرنا وثقافتنا ولغتنا ومحددات مجتمعنا، ولا نملك الجرأة والقدرة على التجديد أو الإضافة.
■ تجربة الغربة.. ماذا منحتك وأي خسارات سببت لك؟
□ لم أختر الغربة، هي اختارتني، كنت صغيرة وكبرت في الغربة وبقيت مغتربة، واعتبر ليبيا بلدي الثاني الذي عشت فيه وأحببت شعبه. قد تكون مكاسب الغربة آنية، لكن على المدى البعيد تظهر الخسائر وتطفو على السطح، أشبّه مكاسب الغربة بإنسان يبني بيتاً على غير أرضه، بعد عودتي شعرت بغربة في وطني أشد قسوة من الغربة خارجه، وبدأت معاناتي من جديد في رحلة البحث عن عمل وبناء علاقات اجتماعية، ومحاولة التأقلم مع الواقع الجديد الذي يختلف تماماً عن توقعاتي وما كنت أتمناه.
■ كيف ترين تلقي الأمريكان للأدب العربي الحديث؟ ومن هي الشرائح الأساسية المتلقية؟
□ للترجمة دور مهم في تمرير ثقافتنا للآخر، وإعطاء صورة واضحة عن أدبنا وثقافتنا، وللتعرف على هذا الآخر صورته الحقيقية، حاليا تشترط بعض الجامعات الأمريكية على من يتقدم لتدريس العربية أن يدرّس الثقافة العربية إلى جانب تدريس اللغة العربية. وتعد شريحة الأكاديميين والمتعلمين الأكثر إقبالا ورغبة في معرفة أدبنا وثقافتنا، وقد بدأ عدد كبير من الطلبة الأجانب في التوجه نحو دراسة اللغة والثقافة العربية لمعرفة الآخر والوقوف على حقيقة ما ينسب إليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية