المقابر الجماعية في مستشفيات غزة وإمكانية التحقيق الدولي

عبد الحميد صيام
حجم الخط
0

الأمم المتحدة ـ «القدس العربي»:  انتشلت مئات الجثث التي وجدت «مدفونة عميقا في الأرض ومغطاة بالنفايات» خلال عطلة نهاية الأسبوع (20-21 نيسان/ أبريل) في مستشفى ناصر في خان يونس، وسط غزة، وفي مستشفى الشفاء في مدينة غزة في الشمال، حيث تم انتشال 283 جثة في مستشفى ناصر، تم التعرف على 42 منها. وأعرب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن فزعه لهذه التطورات وقال إنه «يشعر بالذعر» من التقارير التي تتحدث عن وجود مقابر جماعية في مستشفى ناصر بخان يونس، وقال: «إن تدمير أكبر مجمعين طبيين في قطاع غزة أمر مرعب».

المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، قالت: «يُزعم أن من بين المتوفين كبار السن والنساء والجرحى، بينما تم العثور على آخرين مقيدين بأيديهم ومجردين من ملابسهم».
كما تم العثور على المزيد من الجثث في مستشفى الشفاء لاحقا. وكان مستشفى الشفاء منطقة محور التوغل العسكري الإسرائيلي للقضاء على نشطاء المقاومة الذين زُعم أنهم يعملون من داخله ومن الأنفاق التي أقيمت تحت المجمع. وبعد أسبوعين من الاشتباكات العنيفة، قام العاملون في المجال الإنساني التابعون للأمم المتحدة بتقييم الموقع وأكدوا في 5 نيسان/أبريل أن مستشفى الشفاء كان «قذيفة فارغة» حيث تحولت معظم المعدات إلى رماد.
وتشير التقارير إلى وجود 30 جثة فلسطينية مدفونة في قبرين في باحة مستشفى الشفاء في مدينة غزة؛ تم التعرف على جثث 12 فلسطينيًا في هذه المواقع في الشفاء، ولكن لم يتم التعرف على هوية الأفراد المتبقين بعد. وتؤكد تقارير وزارة الصحة أنه من الممكن أن يكون هناك العديد من الضحايا الذين ما زالوا تحت الأنقاض.

المطالبة بالتحقيق

أثارت «القدس العربي» أولا مع المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الإثنين 22 نيسان/أبريل، مسألة القبور الجماعية وسألت عن موقف الأمين العام من اكتشاف ثلاث مقابر جماعية إثنيتن في ساحة مستشفى الشفاء وثالثة في ساحة مستشفى ناصر «حيث تتحدث التقارير عن وجود ما لا يقل عن 250 جثة متحللة في إحدى تلك المقابر الجماعية، كما تم العثور على بعض الجثث مشوهة وجزء من أعضائها مفقودة». ورد المتحدث ستيفان دوجريك: «نعم، نحن ندرك ذلك كثيرًا. لقد رأينا هذه التقارير على منصات وسائل الإعلام المختلفة. إنها مقلقة للغاية، على أقل تقدير. إن هذا (الاكتشاف) سبب آخر، على فرض أننا بحاجة إلى سبب آخر، لإجراء تحقيق كامل في جميع هذه المواقع بطريقة موثوقة ومستقلة. وسبب آخر وراء حاجتنا إلى وقف إطلاق النار، ولماذا نحتاج إلى رؤية نهاية لهذا الصراع، ولماذا نحتاج إلى رؤية وصول أكبر للعاملين في المجال الإنساني، والسلع الإنسانية، وحماية أكبر للمستشفيات».
انتشر خبر مطالبة الأمم المتحدة بالتحقيق والتقطته كافة وسائل الإعلام وظهر أن الأمم المتحدة جادة في مسألة التحقيق. وقد عادت الصحيفة لتكرر السؤال في اليوم التالي: «ماذا تقصد بالتحقيق؟ ومن سيتولى التحقيق؟ بمن تثق بأنه سيقوم بالتحقيق؟». قال دوجريك: «هناك هيئات مختلفة داخل الأمم المتحدة يمكنها إنشاء الولاية ولديها سلطة إجراء تحقيق. ولكن في ظل الظروف الحالية الصعبة هل الأمم المتحدة مجهزة للتحقيق في المقابر الجماعية؟ وعاد المتحدث الرسمي لينفي الإمكانية قائلا: «لا أعتقد أن الوضع على الأرض يفضي إلى إجراء تحقيقات في هذه المرحلة. مرة أخرى، يجب أن يكون هناك وقف للقتال، وهذا أمر طالبنا به مرارا وتكرارا». إذن وقف إطلاق النار أولا وهو أمر مستبعد على الأقل في المدى المنظور. ثم ما دور إسرائيل، هل موافقتها شرط مسبق لإجراء التحقيق؟ نعم يقول المتحدث: «لكي تكون أي تحقيقات فعالة، يجب أن توافق عليها جميع الأطراف في المنطقة التي تتحكم في الوصول بشكل كافٍ لإجراء التحقيق».
النتيجة أن الأمم المتحدة تطالب شفويا بالتحقيق وتعرف أنه صعب ولا يمكن أن يتم إلا بعد وقف إطلاق النار ثم بعد موافقة إسرائيل نفسها للسماح للمحققين المستقلين بالدخول. فتعاون الأطراف المعنية شرط مسبق في جميع التحقيقات فيما يتعلق بمسرح الجريمة، لكي يكون أي تحقيق ذا معنى، فأنت بحاجة إلى وصول الأماكن وتعاون الفرقاء على الأرض. لكن عندما وجهت تهم لـ 12 موظفا تابعين للأونروا سارعت الأمم المتحدة بتشكيل فريقي تحقيق، واحد تحقيق داخلي والآخر تحقيق دولي مستقل، من دون انتظار موافقة من أحد لأنها تعرف أن التحقيق في موضع انتهاك قوانين عمل الأونروا يرضي إسرائيل وحلفاءها. أما التحقيق في مجازر ترتكبها إسرائيل فالوقت لا يسمح وموافقة الأطراف شرط مسبق والنتيجة تطلق التصريحات لامتصاص الصدمة وتنتهي هناك.

التحقيقات الدولية

هناك عدة أنواع من التحقيقات الدولية سنقدم عينة منها:
1. أن تكون الأمم المتحدة نفسها مستهدفة فيقوم الأمين العام بتعيين لجنة تحقيق داخلية أو مستقلة للوصول إلى الحقيقة. فعند اتهام إسرائيل 12 موظفا بالمشاركة في عملية «طوفان الأقصى» عين الأمين العام لجنة مستقلة للتحقيق في حيادية الأونروا وكلف مكتب «خدمة الرقابة الداخلية» بالتحقيق في التهم المنسوبة للموظفين. لم يأخذ إذنا من أحد لأنه يعرف أن هذا يرضي الكيان الصهيوني وداعميه في المنظمة الدولية.
مثلا عند انتشار أخبار مذبحة قانا عام 1996 التي قتل فيها 106 لبنانيين كانوا يحتمون في مستودع تابع لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «يونيفيل» عين الأمين العام الأسبق بطرس غالي الجنرال الهولندي فرانكلين فان كابين، الذي قدم تقريره للأمين العام ومجلس الأمن والجمعية العامة وحمل إسرائيل مسؤولية المجزرة التي وقعت يوم 18 نيسان/أبريل 1996. إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا نتائج التحقيق وقامت الجمعية العامة باعتماد قرار بتاريخ 12 أيار/مايو 1997 يحمل إسرائيل المسؤولية ويطالبها بالتعويض. صوت ضد القرار فقط إسرائيل والولايات المتحدة، وعدد كبير صوت بامتناع ولكن الغالبية صوتت مع القرار. في مجلس الأمن استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لحماية إسرائيل.
2. أن يطالب مجلس الأمن الدولي بإجراء التحقيق كما حدث في بيان مجلس الأمن حول المطالبة بالتحقيق في مقتل عمال المطبخ المركزي العالمي السبعة. ومثال آخر اعتمد مجلس الأمن عام 2002 القرار 1405 للتحقيق في مجزرة مخيم جنين. رفضت إسرائيل استقبال الوفد برئاسة مارتي احتساري، رئيس فنلندا الأسبق، وعاد الوفد من جنيف.
3. أن تطلب الدولة المعنية التي وقعت فيها الجريمة أو المذبحة مساعدة الأمم المتحدة لإجراء تحقيق دولي عادل وشفاف ثم يتم اعتماد الطلب وتفويض الأمين العام بالتحقيق كما حدث في مقتل رفيق الحريري في لبنان في 14 شباط/فبراير 1995 حيث طلب لبنان من الأمم المتحدة المساعدة في التحقيق ثم تم اعتماد القرار 1995 (2005) للتحقيق في الاغتيال وتشكيل فريق بتفويض من الأمين العام العام واستمر التحقيق نحو 15 سنة وصدر الحكم في آب/أغسطس 2020.
4. قيام مجلس حقوق الإنسان في جنيف التصويت على تشكيل فريق للتحقيق وتحدد مهمة الفريق المستقل. وتقارير هذه الفرق المستقلة تهدف إلى كشف الحقائق فقط وتقديم توصيات بإجراءات عملية من دون أن يكون لديها صلاحيات تنفيذية.
وقد أنشأ مجلس حقوق الإنسان خمسة فرق تحقيق تتعلق بما ارتكبته إسرائيل في الأراضي المحتلة وخاصة في غزة:
– مجزرة بيت حانون في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 بعد أسر الجندي جلعاد شاليط، حيث قتل 82 شخصا وجرح 250 مدنيا وكلف مجلس حقوق الإنسان القس ديزموند توتو للتحقيق. ونشر التحقيق واتهم إسرائيل بارتكاب ما يمكن أن يصنف جرائم حرب.
– في عملية الرصاص المصبوب بين 27 كانون الأول/ديسمبر 2008 و18 كانون الثاني/يناير 2009 وقتل فيها 1417 مدنيا وكلف القاضي ريتشارد غولدستون الذي وضع تقريرا يزيد عن 500 صفحة ووثق ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب.
– عملية الجرف الصامد بين7 تموز/يوليو و 26 آب/أغسطس وقتل فيها 2101 وجرح أكثر من 11.180 بينما قتل فيها 70 إسرائيليا منهم 67 جنديا وثلاثة مدنيين وعامل تايلاندي. وكلف وليام باس بالتحقيق في المجزرة وأعد تقريرا يوثق ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب.
– التحقيق المستقل في مسيرات العودة 2018-2019 وتكفل بالتحقيق القاضي الأرجنتيني سانتياغو كانتون الذي وثق مقتل 189 فلسطينيا من بينهم 35 طفلا و3 مسعفين وصحافيين وكانوا يرتدون إشارات الإسعاف والصحافة، كما جرح 6000 متظاهر أعزل بالرصاص الحي، من بينهم 122 بترت أطرافهم.
– معركة حارس الأسوار 1-21 أيار/مايو 2021 حيث استشهد 200 فلسطيني ودمر 32 برجا سكنيا ومقرا لوسائل إعلام عالمية بينما قتل 13 إسرائيليا. أنشا مجلس حقوق الإنسان بعدها فريق تحقيق مستقلا لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل برئاسة نافي بيلاي، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان.
هذا الفريق، على عكس كل الفرق قبله، أعطي ولاية دائمة، وليس فقط في الأراضي المحتلة بل وداخل إسرائيل، ويستطيع أن يمارس التحقيق بدون قرار أو تفويض جديد. وأهمية هذا الفريق بقيادة نافي بيلاي أنه لا يحتاج إذنا من إسرائيل بل يستطيع أن يبدأ في جمع الحقائق والوثائق وإجراء المقابلات وجمع العينات بسرعة قبل أن يتم طمسها. وتقرير الفريق يتم تقديمه لمجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة. ونأمل أن يباشر الفريق عمله فورا، كما وعدتنا بيلاي عند لقائنا بها في مقر الأمم المتحدة في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي حيث قالت بالحرف: «إن ما يجري في غزة يقع ضمن ولاية لجنة التحقيق الدولية المستقلة، حيث بدأنا بجمع المعلومات وتخزينها منذ اللحظة الأولى».
هذا ما يجب أن يتم من دون تأخير أو تردد أو خوف أو مماطلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية