المطلوب عربياً بعد قرار المحكمة: إنزال جوي لمساعدة أهالي غزة

حجم الخط
0

لا شك في أنّ قرار محكمة العدل الدولية كان تاريخياً وشكّل منعطفاً مهماً في التاريخ الفلسطيني، على الرغم من أنه لم ينص على وقف فوري لإطلاق النار، يضمن توقف إسرائيل عن مسلسل جرائمها ومجازرها في غزة، لكنه على أقل تقدير اعترف لأول مرة بالمظلومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتجاوز موقف الدول الغربية الذي لا يرى سوى أن «إسرائيل تُدافع عن نفسها» ولا يكترث بأية حقوق للشعب الفلسطيني.
القرار الصادر عن أعلى هيئة قانونية دولية في العالم (محكمة العدل الدولية في لاهاي) ينص أيضاً على أنه «يتوجب على إسرائيل اتخاذ إجراءات فوريّة وفعّالة لضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة ظروف الحياة الصعبة، التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة»، وهذا يشكل إعادة تأكيد على تجريم الحصار على قطاع غزة، وأن منع دخول المعونات والمساعدات الأساسية للقطاع يُشكل انتهاكاً للإجراءات الطارئة التي قررتها المحكمة.

العملية الإغاثية لا يُمكن لإسرائيل أن تتصدى لها أو تقوم بقصف شاحنة مساعدات مصرية، أو طائرة تحمل شارة الصليب الأحمر، أو شعار «أوكسفام» أو غيرها

من المعروف سلفاً بطبيعة الحال، أن اسرائيل لن تلتزم بالقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، حالها حال أي مجرم لا يلتزم بالقانون، وهي التي سبق أن انتهكت قائمة طويلة من القرارات الدولية، بما فيها قرارا مجلس الأمن (242) و(338) وغيرهما من القرارات السابقة واللاحقة، لكن قرار المحكمة في لاهاي يجب أن يتم استخدامه بشكل فوري من قبل الدول العربية، كغطاء قانوني من أجل التحرك الفوري والعاجل لإنقاذ المدنيين في قطاع غزة، وإيصال المساعدات لهم براً وجواً من أجل إنهاء المجاعة التي تسبب بها العدوان الأسرائيلي المستمر منذ أربعة شهور. خلال الأيام الماضية أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن معبر رفح مفتوح طوال الأسبوع، وعلى مدار 24 ساعة، ولكن إسرائيل هي التي تعرقل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، والحقيقة أن اسرائيل يجب أن لا تنجح في مساعيها لحصار القطاع وعرقلة دخول المساعدات، ويجب أن يكون لدى مصر والدول العربية القدرة على تجاوز العرقلة الإسرائيلية بكل الأشكال، بما في ذلك اللجوء الى إنزال المساعدات جواً بواسطة الطائرات، وهو ما يستحيل على إسرائيل أن تنجح في عرقلته وإفشاله والتصدي له. فكرة إنزال المساعدات جواً لقطاع غزة كان الأردن أو من بادر لها، خلال هذه الحرب، حيث نجحت طائرة أردنية مرتين في إنزال مساعدات طبية من الجو على المستشفى الأردني الميداني التابع للقوات المسلحة الأردنية، وفي المرتين لم تنجح إسرائيل في إفشال هذه المبادرة ولا منعها، وهو ما يعني أن بمقدور الدول العربية أن تفعل ذلك لأسباب إنسانية بحتة، خاصة الدول التي تقيم علاقات مباشرة كاملة مع إسرائيل مثل، مصر والأردن وبعض الدول الأخرى، حيث يتم إعلام إسرائيل سلفاً بأن طائرة عربية ستقوم بإلقاء المساعدات الإنسانية جواً على قطاع غزة، وعندها من المستحيل أن يتم استهداف هذه الطائرات أو المس بها، خاصة وأنها مساعدات إنسانية ومنعها يشكل جريمة حرب، وهو ما أقرته محكمة العدل الدولية مؤخراً، فضلاً عن أنه معلوم بالضرورة من القانون الدولي الانساني.
الإنزال الجوي من أجل إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين هو مبدأ دولي معروف ومعمول به منذ عقود طويلة، وسبق أن تم إنزال المساعدات جواً على برلين عندما كانت محاصرة خلال الفترة من منتصف عام 1948 وحتى منتصف 1949، كما تم إلقاء المساعدات لإنقاذ الجيش البريطاني المحاصر في «دنكيرك» خلال الحرب العالمية الثانية، كما أن الصليب الأحمر يعترف بهذه الطريقة كأسلوب إغاثي معتمد من أجل إيصال المساعدات، عندما يتعذر الوصول إلى المنكوبين بالطرق التقليدية، إذ لا يجوز في نهاية المطاف أن يتم ترك ملايين البشر المنكوبين دون إغاثة ولا مساعدة، لأن هذا يعني بالضرورة تعريضهم للإبادة الجماعية، ولكن بالجوع والمرض، وهذا بالضبط ما يحدث في غزة اليوم.
والخلاصة هنا، هو أن على الدول العربية، لاسيما مصر والأردن، أن تقوم بإيصال المساعدات الإنسانية والطبية عبر إنزال جوي من أجل إنقاذ مليوني شخص يعانون المجاعة والمرض والنكبة الجديدة في قطاع غزة، وهذا الانزال الجوي أمر ممكن وفي متناول اليد، وسبق أن بادر الأردن للقيام به، كما أن الصليب الأحمر يمكن أن يقوم به، أو أن تقوم به دول عربية بالتعاون مع منظمات إغاثية دولية مثل «أوكفسام» وغيرها، وهذه العملية الإغاثية لا يُمكن لإسرائيل أن تتصدى لها، ولا أن تقوم بإفشالها، ومن المستحيل أن تقوم قوات الاحتلال بقصف شاحنة مساعدات مصرية أو الاعتداء على طائرة إغاثية مصرية، أو طائرة تحمل شارة الصليب الأحمر، أو شعار «أوكسفام» أو غير ذلك.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية