المشرق العربي بين مشروعين: لمن ستكون الغلبة؟

حجم الخط
1

يشهد المشرق العربي او بلاد الهلال الخصيب (سورية والعراق والاردن ولبنان وفلسطين) او بلاد الشام (سورية الكبرى ما قبل سايكس بيكو)، صراعا مستديما ومستميتا بين مشروعين: الاول، المشروع القومي العربي الوحدوي العلماني، ومشروع مناهض له،وهذا يخلع ثوبا ويرتدي ثوبا آخر. لكن غايته بجميع تناسخاته واحدة هي القضاء على المشروع القومي العلماني، لأن هذا نقيض لجميع المشروعات الاستعمارية التي حاولت ولا تزال تحاول السيطرة على بلاد العرب والحؤول دون تقدمها.
ومن خلال عرض سريع للمشروعات المناهضة للقومية العربية ذات النزعة الاستقلالية يتضح انها بدأت بسيطرة العثمانيين الكاملة على سائر الوطن العربي في القرن السادس عشر الميلادي وحتى مطلع القرن التاسع عشر (1516- 1917).
لقد قاوم العرب المشروع العثماني الاستبدادي التقسيمي بكل ما اوتوا من قوة. ولكن الامبراطوية العثمانية بدأت تتدهور خلال القرن التاسع عشر وبالتالي اغتنمت الشعوب العربية الفرصة لتنظيم حركات وطنية تطالب بالانفصال عن الحكم العثماني. وخلال الحرب العالمية الاولى عملت بريطانيا على استمالة دول المشرق العربي لصالحها ضد الإمبراطورية العثمانية. فاجرى المفاوض البريطاني مكماهون سلسلة من المراسلات مع ممثل الدول العربية الشريف حسين أمير الحجاز لاعلان ثورة العرب ضد الاتراك، مقابل الحصول على استقلالهم بعد نهاية الحرب. وقد ساهم العرب في انهزام العثمانيين في الحرب العالمية الاولى، الا ان الوعود التي قطعتها بريطانيا كانت مناقضة للمعاهدات السرية التي وقعتها مع فرنسا لتوزيع مناطق النفوذ، ومن أهمها معاهدة سايكس بيكو (نيسان/ابريل 1916). وقد ساهم مؤتمر فرساي من خلال معاهدة سيفر سنة 1920 في تفكيك الامبراطورية العثمانية وتعيين حدود ‘دولة تركيا’.
حاول الغرب بعد تلك الحرب الاستفراد بالكيان العربي ونقل الصراعات الاوروبية ـ الاوروبية الى مناطق النفوذ التي رسمها على ارض العالم العربي والاسلامي. وقد طرح الغرب مشروعه ابان هذ المرحلة متمثلاً في ‘المسألة الشرقية’ و’عبء الرجل الأبيض’، و’مسألة الرجل المريض’.
بعد الحرب العالمية الأولى لم تف بريطانيا بوعودها للعرب، كما ذكرنا، حيث انعقد مؤتمر سان ريمو في ايطاليا (1920) واقر فرض الانتداب البريطاني على العراق والاردن وفلسطين وفرض الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان، عملت آليات الانتداب على انتهاج سياسة فرق تسد للحؤول دون اتفاق العرب على استراتيجية موحدة.
ثم جاء المشروع الصهيوني الذي مهد له وعد بلفور (1917) وانتهى باغتصاب فلسطين سنة 1948. ومنذ ذلك الحين كانت اليد الصهيونية ضالعة في كل مشروع (واحلاف) ضد المد القومي.
ربما يضيق المجال هنا لعرض جميع المشروعات المعادية لاماني وطموحات الشعوب العربية في الاستقلال والتحرر. ولكن القاسم المشترك بينها هو الطمع بخيرات العرب والسيطرة على الموقع الاستراتيجي للمنطقة العربية عبر المحافظة على ديمومة الانقسام والتشرذم بين الكيانات العربية. فالغرب الاستعماري واسرائيل ودول اقليمية تسير كلها في ركاب مشروع واحد هدفه وأد المشروع القومي. طالما انه يهدد مصالحها. وما نشهده حاليا من انتعاش لاحزاب وجماعات اسلامية في ظل الثورات العربية، تنشط باسم الدين وهو منها براء. فالدين الاسلامي الحنيف لا يأمر بالاغتيالات ولا بثقافة القتل وزرع المتفجرات في بيوت الله وقتل رجال الدين والاعتداء على المناطق المأهولة من دون وازع عن قتل النساء والاطفال، كما يجري الآن في سورية. علاوة على نشر الشعوذات والاراجيف الرجعية ومحاولة اعادة العجلة الى الوراء، الى عصر الجاهلية.
ان ما يجري في سورية الآن من تدمير لكيان هذا البلد وتخريب بنيته التحتية الاجتماعية والسياسية وتحطيم تراثه هو امتداد للمشروع نفسه الذي ينفذ الآن في العراق للقضاء على تاريخ بغداد، وشعراء بغداد وفقهاء بغداد وعلماء بغداد وحضارة ما بين الرافدين.
الخطاب الديني الذي تستخدمه بعض الحركات الاسلامية المتشددة (مثل التيار السلفي الوهابي) يستند الى المذهبية والطائفية وعدم قبول الآخر. وهذا الخطاب يتجاوز الاطار الديني الحقيقي الذي يدعو الى الفضيلة والتسامح، الى ‘اطر سياسية نفعية واصبح الدين مجرّد واجهة لاستقطاب العامة’. والمحزن حقا ان هذا الخطاب يلقى قبولا من قبل الدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية، اذ ان ‘أمريكا واسرائيل تدفعان بظاهرة الطالبان الظلامية الى شواطئ البحر الأبيض’.
وعندما تسنّمت بعض الحركات الاسلامية سدة الحكم في بعض البلدن العربية، ولا سيما في مصر، لاقت مقاومة شديدة من قبل الجماهير العربية التي ثارت على نظام الاستبداد وارتهانه للعمالة للاجنبية والمشروع الصهيوني. لذلك، فان الأنظمة التي تحاول ان تفرض على شعوبها ما ترفضه لن تشهد الاستقرار. وبالتالي لا بد الا ان تتراجع وتنكفئ وتعود الثورات العربية لتصحح مسارها في ظل مشروع قومي علماني تحرري.
وعندما تنقشع هذه الغمامة، لا بد من دحر مخططات التقسيم الطائفية والمذهبية التي كادت ان تصبح واقعا تفرضه ممارسات عنفية باموال خليجية وضعف عربي ومساندة دولية خفية ومكشوفة..
بناء عليه يمكن الجزم بأن الغلبة هي للفكر القومي وزيادة التلاحم بين العروبة والاسلام الحقيقي لاعتبارات أهمها:
ـ الفكر القومي العلماني لم يندثر لانه ليس ايديولوجية تخضع لعوامل التغيير، بقدر ما هو واقع حياة تفرضه النواميس وهو من نصيب الأكثرية. فهو شعور وجداني عاد وحرّك مشاعر الشعوب العربية التي اصبحت تتعاطف مع بعضها بعضا في مواجهة أفكار اصبحت تهدد كيانها وتطلعاتها نحو الحرية والتقدم في القرن الواحد والعشرين، عصر التنور والانفتاح.
ـ المجتمعات العربية كغيرها من المجتمعات، لا يمكنها ان تحقق تطلعاتها في رفع مستويات التنمية والبناء والتقدم وتحقيق النهضة الاجتماعية والسياسية الا اذا ‘خضعت لقوانين التاريخ وقوة الواقع ومنطق الأشياء’.
ـ مستقبل العالم العربي يقوم على تحقيق الديمقراطية والمساواة والتكافل الاجتماعي بعكس ما تعمل من اجله الحركات الدينية المتشددة وما مارسته الدكتاتوريات الحزبية والعسكرية والعشائرية.
ـ الجماهير التي انساقت وراء الفكر الديني المتزمت سوف تعي ان هذا الفكر يحرّض على الفتنة بين ابناء الوطن الواحد ويزرع التفرقة المذهبية والطائفية وأن الفكر القومي العلماني ليس ضد الدين بل يكفل الحرية الدينية للجميع بعيدا عن الشعوذات. ناهيك من أن جميع دعاة الفكر القومي العلماني يقرون مبدأ ‘الدين لله والوطن للجميع’.

‘ كاتب فلسطيني مقيم في كندا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول lpl,] ufhs fk tvkhs:

    لماذا اتهمت اهل السنة وتناسيت مذابح الشيعة بحق اهلنا في العراق والشام

إشترك في قائمتنا البريدية