المسيح الأندلسي للروائي السوري تيسير خلف

حجم الخط
0

صدر حديثاً، عن منشورات المتوسط-إيطاليا، كتاب جديد بعنوان: المسيح الأندلسي، وهو رواية للباحث والروائي السوري تيسير خلف، المعروف بكتبه المتنوعة بين الأدب والدراسات التاريخية والتحقيق والرحلات.
لكننا هنا أمام رواية ليست ككل الروايات. لأن تيسير كتبها بالإبرة وهو ينقب في وثائق مضى عليها قرون، بما يعني ذلك من صعوبة الكشف عن مكانها، وعن الأرشيف النائمة فيه، ومن ثم ترميمها، وقراءتها بلغتها القديمة، وقبل ذلك البحث عن طرق الوصول إليها واستخدامها. أنشأ تيسير خلف تاريخ الرواية حرفاً حرفاً، يستكشف أحداثها وشخوصها وسلوكهم ومشاعرهم وتوجهاتهم وأفكارهم ومصائرهم.
تغطي الرواية جانباً من المرحلة الأكثر قسوة في التاريخ الإسلامي في الأندلس بعد سقوطها، وهي المرحلة الموريسكية، حيث تم إجبار المسلمين على اعتناق المسيحية، ومن ثم مراقبتهم لمعرفة «صدق مسيحيتهم» عبر محاكم التفتيش. من هذه النقطة الظلامية، من محاكمة إحدى السيدات الموريسكيات وقتلها، تبدأ الرواية متخذة تاريخ 1592 بداية مثيرة لها.
من بيت إلى بيت، ومن شارع إلى شارع، ومن حي إلى حي، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دولة إلى دولة يسلك خوسيوس غونثالث، الرجل الإسباني الكاثوليكي المؤمن، طريقه المحفوفة بالمخاطر وبالأسى ليكشف عن السبب الحقيقي الذي أدى إلى مقتل أمه، بعيداً عن السبب الذي ذكرته المحكمة التي أصدرت الحكم. فلابد له من سبب كبير يجعله يشكّك برواية المحكمة ويخوض مغامرات مهدّدة للحياة لمعرفة الحقيقة! وعبر ذلك تأتي الرواية على أحداث ومواقف يرتجف لها القلب، ويصل اللهاث إلى حده الأعظم في ترقّب الخطوة التالية.
يغامر الروائي ويكشف لنا منذ الصفحة الأولى عن ذلك السبب، وهو أن أمّ خوسيوس غونثالث فيما كانت تودّع الحياة، قالت له: أنت عربي مسلم، واسمك عيسى بن محمد. لكن ما هي الحكاية، ما السر؟ كلمة كلمة، وبأناقة سردية، تكشف الرواية الحكاية كلها. هنا رواية فريدة مكتوبة ليس بالتخيل وبالقراءة وبالتاريخ فحسب، بل بالوثيقة أيضاً.

من الكتاب:
هي الأقدار؛ تقود خُطانا حيث تشاء. نسير حيث تريد لنا أن نسير، ونَقفُ حيث تريد لنا أن نتوقّف. لا فرق إن كنّا عمياناً أم مبصرين، حمقى أم حصيفين، شجعاناً أم مرتعدين، فما سيحدث سوف يحدث ..
الآن، وقد عبرت بي السنون إلى الكهولة، أقولها وأنا على يقين: لم تكن حياتي الماضية كلّها إلا سلسلة متشابكة من المصادفات، لستُ متيقّناً حتّى اللحظة إن كانت مصادفات حمقاء، أم من تدبير عقل حاذق ينظر إليَّ باسماً من خلف سديم السموات البعيدة.
كان يمكنني أن أعيش حياتي كلّها كرجل إسباني كاثوليكي صالح، بلسان قشتالي، يُدعى خيسوس غونثالث، لولا بضع كلمات أوصت أمّي، وهي تودِّع الحياة، بأن يخبرني خالي بابلو باييخو بها حين يرى أنني بتُّ أهلاً لذلك. تلك الكلمات هي: أنتَ عربي مسلم، واسمكَ عيسى بن محمّد.
يا لقوّة الكلمات! كيف يمكنها أن تنقلكَ من أمّة إلى أمّة أخرى .. من لغة كنتَ تستمتع بوقع حروفها وهي تداعب رأس لسانكَ، إلى لغة أخرى تصدر من جوف حلقكَ، فتغدو بين ليلة وضحاها لغة أحلامكَ .. من دِيْن نشأتُ وترعرتُ على حبِّ كُتُبه وقِدّيسيه وشهدائه، إلى دِيْن آخر، يرى في تلك الكُتُب والقِدِّيسِين والشهداء محض أوهام، وضلالات زائفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية