المرأة ضحية العنف المسكوت عنه في بيوت المهاجرين

وجدان الربيعي
حجم الخط
0

كم هو صعب ان تخفي المهاجرة معالم العنف الذي تتعرض له من الزوج والأخ والأب وتصمت حتى لا تعاقب وتهدد ويسحب منها أولادها أو ترحل إلى بلدها الأصلي، أو ينظر لها المجتمع الغربي المضيف على أنها مغلوب على أمرها. كثيرات هن المهاجرات من أصول عربية ومن الأقليات المسلمة يمشين في حقل مليء بالألغام وتمارس في حقهن طقوس بالية. فالمرأة هي المضحية الصامتة التي يجب ان تتحمل عنف الزوج وتصبر لأجل أولادها، وهي التي يجبرها الأهل على الزواج برجل لا تعرفه لتسجن وتضرب وتحرم من أبسط حقوقها كزوجة وأم وإنسانة. والغريب في الأمر ان تعنف المرأة في بلاد توجد فيها قوانين تحميها لكن يبقى الصمت سيد الموقف فله أسبابه.

قصص كثيرة مسكوت عنها حول أشكال العنف ضد المرأة خلف الأبواب المغلقة تساهم المهاجرة فيها دون ان تدري لاعتقادها بأنها تحمي بيتها من الانهيار بينما يترتب على هذا العنف ضرر نفسي وصحي يؤثر ليس فقط عليها بل على أولادها كشهود على ما تمر به من معاناة يومية وبالتالي يكبر الأبناء معتبرين ان ما حل بأمهم مسألة عادية وهكذا يجب ان تعامل المرأة.

رغد التكريتي ناشطة في قضايا المرأة وحقوق الإنسان قالت لـ”القدس العربي”: “كثيرة هي القصص التي نسمع عنها في المهجر. نعم هناك ظلم كبير يقع على المرأة، وأرى المسألة من منظورين، الأول العنف الجسدي من ضرب أو تبريح أو أذى يترك علامات وآثارا على الجسد، والثاني منع المرأة من ممارسة حقوقها الطبيعية المتوفرة لها وتقنينها بحيث تصبح كما يحددها رب الأسرة أو الزوج.

المرأة بطبيعتها تضحي لزوجها ولأولادها ولأسرتها فربما رأت ان السلبيات التي ستعكسها عند لجوئها للجهات المختصة تؤثر على أبنائها أو خوفا من المستقبل”.

وتضيف: نحن لا نضع آليات تمكن المرأة من ان تتخذ خطوات فعالة لحمايتها، لابد ان لا ننسى ان الجاليات العربية والإسلامية لا تريد ان تعطي فكرة ان المهاجرة مستضعفة من أجل ان نحفظ الصورة المشرقة للمسلمة كما نعرفها، حيث حفظ الإسلام للمرأة حقوقها وكرمها وأنزلها منزلة حسنة.

فالمرأة تخشى على هذه الصورة المشرقة ولذلك تفضل ان تحتمل على ان تشوهها وهذا خطأ كبير.

وتؤكد قائلة: “يجب تغيير المفاهيم الخاطئة التي تربينا عليها، حتى نظرة المرأة لنفسها مشوهة، فهي تشعر لو جلست إلى جانب الرجل أنها أقل منه وعند الرجل شعور بالاستعلاء رغم معرفتهما انهما يكملان بعض. هذه النظرة التي نبنيها لدى أطفالنا منذ نعومة أظفارهم يجب أن تتغير. عندما ينشأ الطفل في هذه الأجواء ويرى كيف يتعامل والده مع أمه بقسوة وعنف وأحيانا يساهم المجتمع بغرس هذه المسائل بشكل خاطئ فهذا سيأخذنا إلى الانحدار”.

وترى التكريتي الحل باللجوء إلى الآليات الخارجية من خلال مؤسساتنا العربية والإسلامية في المهجر وتعتبرها سندا ودعما مهما لحل مشاكل العنف ضد المرأة.

وتعتبر ان التغيير يجب ان يكون من الرجل والمرأة، فالرجل عندما يعرف انه المسؤول عن المرأة من قبل دينه ومجتمعه الذي يرى تعنيفه للمرأة منقصة في حقه، عليه ان يخجل عندما يذكر هذا الأمر بحقه.

وتنصح بأن تعلم المرأة أنها لو تعرضت لعنف فهذا شيء لا يقبل به لا دين ولا عرف ولا مجتمع.

يجب ان تغير المرأة طريقة تفكيرها من خلال اقتناعها بأنها تستحق أكثر من ذلك وإذا كسرنا دائرة العنف المغلقة والمستمرة وأقنعنا المرأة المعنفة فنحن بذلك حققنا خطوة كبيرة إلى الأمام.

وتحذر التكريتي من صمت الأم وتعتبرها مشكلة قد تحطم جيلا آخر وترسخ عند الطفل طريقة معاملته لزوجته وعند البنت تترسخ مسألة انها تستحق ان تعامل بعنف كما عوملت أمها من قبلها أو تتمرد على واقعها.

وتشير إلى ان العوائل المهاجرة في الغرب يعتبرون تدخل المؤسسات الاجتماعية والتي تعنى بحماية المرأة والطفل نوعا من التجسس عليهم ومن محاولة إسقاط وتفكيك الأسرة، فيدافعون بطرق سلبية ليحموا أسرتهم.

وترى ان وجود وسيط بين الخدمات الاجتماعية والعائلات المسلمة أمر مهم، بسبب الثقة في الذين يتكلمون اللغة الأم نفسها.

العنف المبطن

 

ابتسام الفرح باحثة أكاديمية من مدينة شفيلد في المملكة المتحدة، عايشت العديد من القصص المؤلمة من خلال عملها في مؤسسات تعنى بحماية المرأة من التعنيف في بريطانيا تقول لـ”القدس العربي”: “العنف قائم في كل المجتمعات حتى لو اختلفت أسبابه خاصة بالنسبة للمهاجرات في بريطانيا على سبيل المثال. فالقضية حساسة جدا ونعمل على التخفيف من حدتها من خلال منظمات اجتماعية في بريطانيا، لكن الأخطر انه يتم تهديد المرأة من الإطار الأسري بأنها في حال أخبرت الشرطة أو أبلغت أي منظمات حقوقية فسيتم تبليغ الداخلية ومكتب الهجرة لطردها خارج البلد. هنا نلمس استغلال الرجل للمرأة وتهديدها، وهو في الحقيقة ليست لديه القدرة على ان يشكيها لكنها في كثير من الأحيان تصدق كلامه وتخاف ان تشتكي لأحد”.

وتضيف: “عندنا قضايا كثيرة جدا من هذا النوع من الاستغلال، وأنا شهدت على الكثير منها وسمعت من نساء عربيات ومسلمات في المجتمع البريطاني كيف يعانين من العنف المبطن، وقد تتعرض إلى عنف قد يستمر لسنوات داخل المنزل، فقد تكون ربة أسرة أو زوجة آتية من بلد عربي وما زالت لا تعرف القوانين، لكن يتم تحذيرها من قبل الزوج أنها في حال تواصلت مع جمعيات حقوقية، فسيتم ترحيلها والتبليغ عنها وطردها من البلد، وبالتالي تقبل المعنفة بالشر والضرر على ان يتم ترحيلها وأحيانا التهديد بسحب الأولاد من حضانتها”.

وتروي الفرح أنها تعرف شخصا زوج ابنته بطريقة مرتبة وجلست الزوجة ست سنوات محبوسة في البيت وأنجبت خمسة أولاد بإعاقات مختلفة، وأصبحت هي الملامة وكانت تعنف ويأخذ مصروفها ومصروف أولادها ويهددها بأنه سيبلغ عنها إذا لم تسمع كلامه.

وتحذر من الضغوط النفسية الناجمة عن العنف الجنسي والتي تؤدي أحيانا إلى الانتحار والتفكك الأسري قائلة: “العنف النفسي يخفي العنف الجنسي وقد لا تظهر علاماته وقد لا يعتبره البعض عنفا جنسيا لأنه ضمن علاقة زوجية بالحلال. الحالة النفسية لها آثار صعبة ناتجة عن الاغتصاب الزوجي أو اغتصاب المحارم”.

وترى الفرح أن هناك مشكلة في كون معظم العاملين في مراكز الجاليات هم رجال وهذا خلل. الدولة تدعم هذه المراكز لكن لعدم وجود نساء فيها يصعب على المرأة زيارتها خوفا من الإحراج ولأنها لم تتعود ان تتعامل مع الرجال خصوصا في المسائل الحساسة.

وتختم كلامها: “عندما نتحدث عن حلول يجب ان نبدأ بالمرأة، فعليها ان تعرف حقوقها ولكن هذا لا يعني أن تذهب للشكوى لأي سبب، أو ان تتمرد على دينها وتقاليدها، بل معناه ان تعيش المرأة بكرامة وصحة جيدة هي وأولادها محترمة قيمها وأعرافها ودينها”.

 

 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية