المذيعة «الثور»: عندما تصبح المهنية هي الفريضة الغائبة!

حجم الخط
0

ليست أسطورة الجيش الإسرائيلي فقط، التي سقطت بما جرى يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما تلاه من تداعيات، فكثير من الأساطير سقطت في هذه الحرب، لعل أهمها الأسطورة الخاصة بمهنية الإعلام الغربي، وهي واحدة من الأساطير، التي استقرت في الوجدان العربي على مدى أكثر من قرن من الزمان، حتى صار القوم هم النموذج الدال على المهنية الإعلامية، ومن يقوم في هذا المجال بأستاذية العالم!
عندما ينقشع الغبار، وتلقي الحرب أوزارها، ستكون الفرصة سانحة لقدوم الجرافات لانتشال الجثث من بين الركام، والموتى هم هذه الأساطير، وستكون عملية رصد عدم الحياد الإعلامي، ضرورة للخروج من أزمة شعور الإعلاميين العرب بالنقص وهم ينظرون للإعلامي الأبيض، ليثبت بما جرى أنه ليس كل ما يلمع ذهبا!
وقد وصل الحال ببعض المؤسسات الإعلامية، إلى الاستغناء عن خدمات عدد من الذين يعملون فيها، لأنهم لم ينحازوا للسردية الإسرائيلية، حتى صرنا أمام حالة كاشفة لأن ما تم تسويقه حتى استقر في أذهاننا ليس سوى أساطير الأولين، وفي هذا تحدث ولا حرج، وكانت الصورة الأبشع هي التي شاهدها الناس لمذيعة في قناة بريطانية، كادت أن تقفز من الشاشة، لتفتك بضيفها، الذي كان هادئاً، وكلما استمر في هدوئه، ازداد غضبها حتى صارت عصبية، ومتعالية، وقدمت وصلة معتبرة من الردح، لنكتشف بعد ذلك أن ما شاهدناه مع مصطفى البرغوثي، ليس سوى سلوك عام لـ «جوليا هارتلي» مذيعة قناة «توك تي في» (عاشت الأسامي)!

فأجاءها المخاض.. والطلق الصناعي!

في الأسبوع الماضي علقت هنا على سلوك مذيع قناة «العربية» مع مصطفى البرغوثي، وقد أراد المذيع أن يحتكر الدورين، السائل والمسؤول، المذيع والضيف، وتوجيه الأسئلة والاجابة عليها، ومن المفارقات أنه في نفس يوم نشر التعليق (السبت الماضي) استيقظنا على ما فعلته جوليا – عاشت الأسامي – مع البرغوثي أيضاً، والتي كانت منحازة أكثر ما يكون الانحياز لإسرائيل، ولا مشكلة عندي في ذلك، فالأزمة في التعبير عن انحيازاتها، بما خرجت به عن مقتضى الواجب الوظيفي، وهي تمارس عدوانها على الضيف، وتبدو صورتها في مقاطع مختلفة مخيفة للغاية، فلم نعرف ما إذا كانت مذيعة أم دراكولا؟!
وفي مقطع آخر بدت لي كحامل في أيامها الأخيرة فأجاءها المخاض، وتعالج أزمة طلق ما قبل الولادة، ولمثل هذا الوضع، كان اختراع «الطلق الصناعي». ولعدم تداول المصطلح؛ «الطلق» اعلامياً، فلا أعرف إن كان علمياً، بحيث يكون معروفا للكافة، أم أنه «دارجة مصرية» وعليه لم أعرف ما إذا كان بالفصحى «صناعي» أم «اصطناعي» مثل الأقمار الاصطناعية، والصواريخ البلاستيكية (لزوم القافية)! تذكرون بطبيعة الحال يوم أن نطقها الجنرال؛ خير أجناد الأرض، هكذا: «الصواريخ البلاستيكية»؟!
في فن الحوار، فإن الأصل هو التوازن في مستوى أداء المتحاورين، وأنت في «الاتجاه المعاكس» لست أنت في «سيناريوهات كريشان» والضيف هو من يضبط ايقاعه، لكننا في حالة جوليا – عاشت الأسامي – كنا أمام حالة سعار في الاستوديو، وهدوء أعصاب من جانب الضيف، حتى نهرته المذيعة وأمرته أن يسمع لها، لأنه ليس معتاداً على نساء يتحدثن، عندئذ انتبهت للحالة، وذهب بي فستانها ذو اللون الأحمر الفاقع بعيداً خارج المشهد، فلا مذيعة ولا قناة ولا ضيف، إلى مرحلة النشأة والتكوين، هكذا أنا أفعل كثيراً في السنوات الأخيرة، ويقول الفلاسفة إن هذا من علامات كبر السن، فكلما كبر المرء صار يتذكر أحداثاً قديمة في حياته، وفي أيام طفولته، في حين إذا سألته ماذا أكل قبل ساعة لا يتذكر!
وقبل وفاته جمعتني بالقطب السياسي الكبير إبراهيم شكري مائدة إفطار في شهر رمضان، وتحدث عن واقعة تاريخية كان هو أحد أبطالها عندما كان طالباً في الجامعة وخرجت المظاهرات ضد الاحتلال الإنكليزي سنة 1935، وبينما هم على كوبري عباس فتح عليهم الاحتلال الرصاص الحي، وصدرت الأوامر بفتح الكوبري، فمن لم يمت بالرصاص مات غرقا، ونجا شكري ليطلق عليه «الشهيد الحي»!
كان الرجل – رحمة الله عليه – يروي تفاصيل صغيرة في هذا الوقت، وأدهشني ذلك، وأدهشتني دقته، وعندما سألت عن هذه القدرة المدهشة قيل لي إنها علامات كبر السن، حيث يتذكر المرء الأحداث القديمة ونسيان القريب منها!
ومن عادات البعض من أهل القرى، تربية العجول (والعجل هو ذكر البقر) فيحرصون على عدم خروجه من المنزل، لعدم القدرة على السيطرة عليه، ويحدث بعد أن يشتد طوله، أن يفك قيده ويخرج، فيكون في حالة هياج، وهو يرى دنيا جديدة عليه، فيطيح في كل من يشاهد، إلى أن تشل أركانه بتصرف بسيط، وهو وضع قطعة قماش حمراء على عينيه، ولهذا قال المثل الدارج: «إذا كان حبيبك ثور.. البس له أحمر»!

برج الثور.. حوالينا لا علينا

ما سبق سردية لا لزوم لها، لولا أنها تداعيات الشيخوخة، وهي من وحي لون فستان جوليا – عاشت الأسامي – وقد اكتشفت أنها من جيلي، فهي من مواليد 2 مايو/آيار 1968، برج الثور، حوالينا لا علينا!
هناك من قال إن جوليا – عاشت الأسامي – ذكرته بالمذيعة المصرية «الخياط» واختلف معه في ذلك، فهذه المذيعة لم أر مثلها قط، لا «الخياط» ولا «الحديدي، لميس» وهي ثائرة، ومنحازة، توشك أن تفجر المبنى، حتى خشيت أن يطق لها «عرق» وهناك من أشار الى مقطع آخر لها مع ضيف آخر بدت في الحالة نفسها، وإن لم تكن ترتدي فستاناً أحمر اللون، وهي تقول لضيفها الفلسطيني على ما أعتقد «انظر في المرأة»!
فهل هذا سلوك مذيعة مع ضيفها؟ وهل بعد هذا يمكن للقوم أن يعطونا دروساً في المهنية ونحن مستسلمون لهم؟!
عاشت الأسامي، قالت للبرغوثي إنه ليس معتاداً على نساء يتحدثن. وهو لون من الصلف والتعالي بالحضارة الغربية، مع أن هذه الحضارة أنتجتها هي، وهي خارج سياق أي حضارة يمكن لأحد أن يفخر بها!
فلم تشاهد المرأة الفلسطينية، وهي صامدة صمود الجبال، ولم تشاهد قوات الاحتلال تعتقل النساء، ولم تشاهد هذه المرأة الفلسطينية العجوز، التي دفعها الجنود الإسرائيليون، وهي في طريقها للمسجد الأقصى، فوقعت على الأرض فلم تجد المذيعة وأمثالها في الأمر ما يدعو للغضب، أو ما يدفع للشعور بالعار!
أهذه هي المهنية؟!

الحوثي و«بي بي سي»

بحثت عن مقابلة محمد عبد الله الحوثي مع برنامج «في العمق» على قناة «بي بي سي» حتى عثرت عليها، فاستمعت لها كاملة، وكان الترويج عبر منصات التواصل الاجتماعي عبر مقاطع مستهدفة، فوجدتني أمام حالة انكشاف حقيقي لادعاء المهنية، فقد سقطت ورقة التوت، وإن كانت الأسئلة في مستوى تحقيقات يجريها أمين شرطة في مخفر، لم ينتبه إلى الذكاء الفطري للحوثي، الذي خرج من البرنامج منتصراً وحديث الناس!
من الطبيعي أن يتبنى المذيع في أسئلته الرأي الآخر، لا سيما وأنه ليس معقولاً أن استضافة الضيف الحوثي هي للتسويق له، لكن ما هكذا تورد الإبل!
يبدو الطرح، كما لو كانت الأسئلة تعبر عن موقف القناة، وما تشمله من اتهامات، ومنها تكرار سؤال أنكم لم تفعلوا شيئا، ولم تصيبوا إسرائيل بأي أضرار، وأنكم تمارسون ضجيجاً دون طحين (تقصد الحوثيين) مع أن وجود محمد عبد الله الحوثي ضيف عليها دليل على أنه ليس ضجيجاً دون طحين. وقال لها الرجل إن أسئلتها هي الضجيج دون طحين.. وقد صدق، لأنه إن لم يكن ما قاموا به مؤثراً لما دعت الولايات المتحدة الأمريكية الى تحالف دولي لمواجهتهم!
وتقمصت المذيعة دور «أمين الشرطة» وهي تسأله باستنكار عن علاقتهم بما يحدث مع بعد الأحداث عنهم بمئات الأميال، ليسألها ومن جاء بالرئيس الأمريكي، وهو على بعد آلاف الأميال؟ هل يسكن مع نتنياهو في نفس الشقة؟ وأن رئيس وزراء فرنسا يسكن مع نتنياهو في نفس الطابق؟ ويسكن رئيس وزراء بريطانيا في نفس البناية؟!
اللافت أن تسبق المذيعة سؤال لها بقولها: أجب على هذا السؤال «بصيغة آمرة وكأنها تضع امتحان المادة الدراسية، لم يبق إلا أن تامره بالقول: «اكتب ما يملى عليك» باعتبارها فقرة الإملاء!
كان من يلتحق بالعمل في «بي بي سي» يخرج منها وقد منح لنفسه خطاب تزكية بأنه مهني، ليدور الزمن دورته، فتصبح المهنية هي الفريضة الغائبة، في المؤسسات الإعلامية الغربية رأساً.
شكراً طوفان الأقصى!

صحافي من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية