المحكمة الجنائية الدولية من أوكامبو إلى كريم خان: فلسطين الغائب الأكبر

عبد الحميد صيام
حجم الخط
0

في الأول من نيسان/أبريل 2015 أصبحت فلسطين العضو 123 في المحكمة الجنائية الدولية والدولة العربية الثالثة بعد الأردن وتونس. وقد جرى احتفال بسيط في مقر المحكمة بلاهاي بحضور وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، الذي تسلم نسخة رمزية خاصة لنظام روما الأساسي لعام 1998 والذي بموجبه إنشئت المحكمة ودخلت حيز الإنفاذ في 1 تموز/يوليو 2002. وقد رحب عدد من الدول بهذه الخطوة وكذلك منظمة “هيومان رايتس ووتش” واعترضت عليه بشكل أساسي إسرائيل والولايات المتحدة وكندا علما أنها ليست أعضاء في المحكمة. لا شك أن هذه خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح، وهي بقدر ما تحمل من وزن معنوي كبير إلا أنها تنطوي على مسؤوليات كبيرة خاصة فيما يتعلق بالتشريعات الداخلية وآليات تطبيق العدالة والتحقيق في الجرائم التي يرتكبها الأفراد في زمن الحروب والتي ترقى إلى مستوى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جريمة العدوان أو جريمة الإبادة الجماعية. يجب أن توضع هذه الخطوة المهمة في الإطار الصحيح كواحدة من آليات تفكيك الاحتلال ومطاردة مجرمي الحرب الإسرائيليين ورصد كافة الانتهاكات وتوثيقها وإعداد الملفات والطواقم الفنية والقانونية للمتابعة.

التحقيق والمحاكمة

يسير عمل المحكمة بطريقة بطيئة جدا. يقوم المدعي العام للمحكمة بدراسة ما إذا كانت الشكاوى تتمتع بمقدار من المصداقية والتوثيق ويقر التحقيق في تلك الجرائم. وبعد استيفاء كافة التحقيقات ذات المصداقية والتي قد تأخذ سنوات عديدة، وتتوصل هذه التحقيقات إلى دلائل ثابتة ووثائق مؤكدة من أن هناك أشخاصا ارتكبوا واحدة أو أكثر من تلك الجرائم التي ينص عليها نظام روما الأساسي، تبدأ جلسات المحاكمة سواء حضر المدعى عليه أم لم يحضر. وإذا لم يحضر تصدر المحكمة “مذكرة توقيف” بحق المتهم ويصبح لزاما على جميع الدول الأعضاء في المحكمة القبض على المتهم في حال دخوله حدود تلك الدول وإحالته إلى لاهاي لاستكمال المحاكمة إذا لم تكن قد انتهت قبل القبض على المتهم. ولكن على المحكمة أن تراجع أولا نظام العدالة في البلد قيد المساءلة وإذا ما كانت هناك تحقيقات جادة في تلك الجرائم وأن نظام العدالة فيه من النزاهة والاستقلالية ما يجعله أهلا للثقة بمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم محاكمة عادلة وشفافة ومراقبة دوليا، فلا دور عندئذٍ للمحكمة. لكن الوقائع تقول إن إسرائيل لم تثبت ولو لمرة واحدة أنها كانت جادة في محاكمة جنود لها ارتكبوا فظائع ضد الفلسطينيين.
طرحت القضية الفلسطينية على المحكمة الجنائية الدولية خلال دورات المدعين العامين الثلاثة. ولنراجع التطورات.

أوكامبو

بعد ثلاثة أيام من انتهاء عملية “الرصاص المصبوب” أي بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2009 قدم وزير العدل الفلسطيني آنذاك، علي خشان، طلبا للتوقيع على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية معلنا التزام الحكومة الفلسطينية بصلاحية المحكمة وقراراتها. وتم تقديم الدلائل والوثائق على قيام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حربها على غزة أثناء عملية “الرصاص المصبوب”. إلا أن المدعي العام آنذاك، لويس مورينو أوكامبو، المعروف بعنصريته وتحيزه ضد العرب والأفارقة، لم يرد على الطلب الفلسطيني إلا بتاريخ 3 نيسان/أبريل 2012 أي قبل شهرين من مغادرته الموقع، قائلا إنه غير قادر أن يقرر في ما إذا كانت فلسطين “دولة” لديها صلاحيات الانضمام إلى نظام روما الأساسي أم لا. وترك الأمر لخليفته فاتو بنسودا، من غامبيا، والتي اختيرت لمنصبها لكونها أفريقية. حيث قرر عدد من الدول الأفريقية الانسحاب من المحكمة لأنها لم تنظر إلا في قضايا أفريقية وسموها “محكمة الجنايات الأفريقية”.

بنسودا

أقرت فاتو بنسودا المدعي العام الجديد عام 1918 بأن من حق المحكمة أن تحقق في ما ارتكب من جرائم في غزة في مواجهات 2014 من جرائم قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من جميع الأطراف. وبدأت بإجراء تحقيقات بدائية وجمع معلومات أولية، وحولت الأمر برمته إلى الدائرة التمهيدية لإقرار ما إذا كانت المحكمة تتمتع بصلاحيات للتحقيقات في عدوان إسرائيل على القطاع عام 2014. وذكرت بنسودا أيضا أن المحكمة ستنظر أيضا في ما ارتكب من جرائم في أفغانستان. وكان الهدف من هذه التصريحات إرضاء الأفارقة.
وقد أدى هذا الموقف إلى تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات كبرى على المحكمة وقضاتها وتجميد أصولهم وحرمانهم من التأشيرات لدخول الولايات المتحدة وقال: “إن أي محاولة لمقاضاة العسكريين الأمريكيين أو الإسرائيليين أو حتى من الدول الحليفة للولايات المتحدة ستواجه برد قوي وسريع” كما وصف الرئيس الأمريكي محكمة الجنايات الدولية بـأنها “غير شرعية”.
أخذت المداولات نحو ثلاث سنوات. ففي الخامس من شباط/فبراير 2021 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها في ستين صفحة بإجماع قضاة الدائرة التمهيدية إلا قاضيا واحدا، والذي ينص على الآتي:
“لهذه الأسباب، تقر (الدائرة التمهيدية) أن فلسطين دولة طرف في النظام الأساسي؛ وتقر بالأغلبية، القاضي كوفاتش معارضا، نتيجة لذلك، أن فلسطين توصف بأنها “الدولة التي حدث السلوك المعني في إقليمها”. ولأغراض المادة 12 (2) (أ) من النظام الأساسي؛ تجد الدائرة، بالأغلبية، القاضي كوفاتش معارضا، أن المحكمة تملك الولاية القضائية على الوضع في فلسطين وتمتد ولايتها إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 وتحديداً غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية”.
يأتي هذا القرار من المحكمة قبل رحيل فاتو بنسودا بنحو 4 أشهر فقط على طريقة أوكامبو الذي تكلم قبل رحيله بشهرين. أي أن المحكمة ظلت تراوح في مكانها لمدة ثماني سنوات وعشرة أشهر من ولاية بنسودا. وبما أن المدعي العام ينتخب لمرة واحدة لتسع سنين، أطلقت بنسودا عيارها الأخير وغادرت المحكمة ليأتي من بعدها كريم خان الذي انتخب مدعيا عاما ثالثا للمحكمة.

كريم خان

انتخب كريم خان في حزيران/يونيو 2021 مدعيا عاما ثالثا للمحكمة. وهو يحمل الجنسية البريطانية واشتهر بدفاعه عن مجرمي الحرب من أمثال شارلز تايلور، رئيس ليبيريا الأسبق، والذي حكم عليه من قبل المحكمة بالسجن لمدة 50 سنة. ودافع عن ثلاثة من مجرمي الحرب في دارفور، كما دافع عن سيف الإسلام القذافي لارتكابه جرائم ضد الإنسانية في استهداف المدنيين في الأيام الأولى من الثورة الليبية.
ظهر الرجل على حقيقته معاديا للقضية عندما دفن رأسه في الرمال، على عكس كل المسؤولين الدوليين، عندما تعلق الأمر بجريمة اغتيال الصحافية الشهيرة، شيرين أبو عاقلة، وهي الجريمة الواضحة المعالم والموثقة بالصوت والصورة، والتي تدخل ضمن اختصاصه. كما ظل صامتا صمت القبور على ما ارتكب من جرائم في مواجهات أيار/مايو 2021.
لكن الرجل خرج عن أطواره وتدخل شخصيا في مسألة التحقيق في الحرب الأوكرانية وبدا وكأنه مندوب للرئيس الأمريكي بايدن وليس مدعيا عاما دوليا يقف على مسافة واحدة من كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسالنية سواء ارتكبت في أفغانستان أو ميانمار أو أوكرانيا أو فلسطين أو العراق أو الكونغو أو ليبيا.
بعد انطلاق الحرب بأسبوع واحد أعلن أنه سيفتح ملفا للتحقيق في الحرب على أوكرانيا. قام شخصيا بزيارة لبلدة بوتشا يوم 13 نيسان/أبريل بعد انتشار صور وفيديوهات، شككت روسيا في صدقيتها، حول مجازر ومقابر جماعية عثر عليها في البلدة. وأعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان يوم 17 أيار/مايو نشر فريق من 42 محققا وخبيرا في أوكرانيا مؤكدا أن مكتبه أرسل هذا الفريق المكون من خبراء الجنايات وموظفي مساندة قائلا إنها “أكبر بعثة من حيث العدد تم نشرها حتى الآن في منطقة دفعة واحدة”. وطلب من جميع الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي أن تتعاون مع مكتبه بإحالة ما لديها من معلومات ووثائق للمحكمة فوصله أكثر من 40 إحالة. كما وقع ثلاث اتفاقيات مع أوكرانيا وبولندا وليتوانيا إضافة للعمل على تشكيل فريق تحقيق مشترك والتعاون مع فريقه الضخم الذي أرسله إلى أوكرانيا. في أيار/مايو 2023 بعد عام من الإعلان عن التحقيق، أصدرت المحكمة أوامر باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وماريا لفوفا بيلوفا، المفوضة الروسية لحقوق الطفل. وهذه أسرع مذكرة اعتقال في تاريخ المحكمة وكأنها انتقام شخصي.

حرب الإبادة على غزة

ظل كريم خان صامتا حول المجازر التي تجري في غزة أمام عيون العالم وكأن الأمر لا يعنيه. ثم قام بزيارة شخصية يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 2023 لمعبر رفح على الحدود المصرية بعد 22 يوما من صمته المطبق على العدوان والقصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة الذي يستهدف المدنيين بشكل مباشر بعد قطع الماء والكهرباء والغذاء عنهم بأوامر معلنة من قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت حصيلة هذا العدوان المستمر حتى تاريخ زيارة خان، أكثر من 8000 شهيد في قطاع غزة منهم 3324 طفلا و 2062 من النساء والفتيات ونحو 20000 جريح، وفي الضفة الغربية 113 شهيدا، من بينهم 35 طفلا، و1700 جريح منهم 940 طفلا، بالإضافة إلى قصف المستشفيات التي تحولت أماكن إيواء لآلاف النازحين الذين هدمت بيوتهم وأصبحوا دون مأوى كما حصل في مستشفى المعمداني.
في تعليقاته أمام الصحافيين قرب المعبر لم يذكر خان شيئا عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واحتلاله منذ عام 1967 وان الآلاف من الضحايا الفلسطينيين فقدوا حياتهم نتيجة الجرائم المرتكبة بحقهم من قبل سلطات الاحتلال في الحروب السابقة على قطاع غزة بعد عام 2015 حيث أصبحت الولاية القضائية نافذة للمحكمة في فلسطين، لكنه صرح دون تدقيق أو تحقيق رسمي بصحة الفيديوهات والصور المفبركة التي تم تداولها ومصدرها الإعلام الإسرائيلي. وقال: “إن ما شاهده من صور مرعبة من إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، تتعلق بالحرق والاغتصاب والذبح، وأخذ الرهائن لا يمكن ان تمر بدون عقاب، وهي جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي الإنساني” وهنا يظهر أن خان ذهب للمعبر لا ليعبر عن تضامنه مع آلاف الضحايا الفلسطينيين بل ليتضامن مع إسرائيل ويدين المقاومة الفلسطينية فأظهر بشكل سافر انحيازه المسبق لرواية الإعلام الإسرائيلي المفبركة، ولم يكترث بالحقائق التي تقدمها المؤسسات الدولية الأخرى العاملة بقطاع غزة، الأمر الذي يتعارض مع نزاهة المحكمة ودورها في تحقيق العدالة والانصاف للضحايا.
ويا ليته توقف هنا. بل قام بزيارة لإسرائيل استمرت ثلاثة أيام نهاية الأسبوع الماضي بدعوة من عائلات إسرائيلية لبعض الأسرى فقبل الدعوة على الفور علما أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة. ثم أطلق تصريحات قوية مستبقا التحقيقات قائلا إن لديه “سبب للاعتقاد” بأن الأعمال التي تم تعريفها على أنها جرائم وفقا للقانون الدولي قد ارتكبتها حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وأبدى تعاطفه مع أسر المختطفين والمحررين الإسرائيليين ولكنه لم يتطرق إلى فظائع إسرائيل في غزة وتدمير أكثر من 560 في المئة من المنازل، وتشريد أكثر من ثلثي سكان غزة، وقتل ما يزيد عن 16 ألف فلسطيني فيها. وقال خان حول ما حدث يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر: “لم تكن هذه جرائم قتل عشوائية” مشيرا إلى أن حماس “طاردت الناس” وأن “الأطفال اختطفوا من أسرهم”. وذكر أيضا أن العديد من النساء وكبار السن قد قتلوا، بمن فيهم الناجون من المحرقة. وقال خان إن مكتبه سيكون سعيدا بالتعاون مع إسرائيل في التحقيق في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأنه لن يرتدع عن إجراء تحقيق، حتى لو استمرت إسرائيل في سياستها الحالية المتمثلة في عدم الاعتراف باختصاص المحكمة وعدم التعاون معها. وأضاف أن عائلات الرهائن الإسرائيليين الذين دعوه لزيارة البلاد “لا يتوقعون التعاطف فحسب، بل العمل” وقال خان إنه يتعامل بجدية مع كل كلمة يسمعها في إسرائيل. وأوضح: “نحن بحاجة إلى التصرف بناء على الأدلة وليس العاطفة”. وزار خان كيبوتس بئيري وكيبوتس كفار عزة في منطقة غزة الحدودية، وهما من أكثر المجتمعات تأثرا بأحداث يوم 7 تشرين الأول /أكتوبر. كما زار موقع مهرجان نوفا الموسيقي، حيث قيل كان هناك أكثر من 300 شخص في ذلك اليوم. تركت الزيارات انطباعا قويا عليه، وأشار إلى أنه سيكون “غير كفء تماما” إذا لم يتم فحص مثل هذه الإجراءات، كما صرح لجريدة “هآرتس”.
من جهة أخرى، ونوعا من رفع العتب التقى خان مع القادة الفلسطينيين في رام الله يوم السبت. وقال قبل لقائه برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قال إنه ينظر أيضا في العدد المتزايد من الهجمات التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون اليمينيون المتطرفون العنيفون على المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مشيرا إلى أنه “يجب ألا يشعر الناس أنه بسبب الحرب لديهم الآن رخصة لقتل المواطنين الفلسطينيين”. وستكون زيارته إلى رام الله، تماما مثل زيارته لإسرائيل، الأولى من نوعها – لأي شخص في مكتبه، ولخان شخصيا. ومن وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية، التي رفضت التعليق رسميا على زيارته، فإن وصول خان ينطوي على عنصر إيجابي، لا سيما تعرضها المباشر لأعمال العنف التي ترتكبها حماس.
وقال إنه بحث في العدد الكبير من الضحايا المدنيين في غزة منذ إطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية هناك ردا على هجوم 7 تشرين الأول /أكتوبر. وأضاف: “يجب الالتزام بقوانين الحرب. لا يمكن تفسير القانون بطريقة لا تتمتع فيها النساء والأطفال بأي حماية”. وقد رفضت المنظمات الحقوقية الفلسطينية مقابلة خان بعد هذا التحيز الأعمى الذي أظهره للجانب الإسرائيلي.
تجنب خان أي ذكر لنوع الجرائم التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني مثل جريمة الإبادة الجماعية وتعني استهداف المدنيين المباشر بقصد إهلاكهم بشكل جزئي أو كلي من خلال قطع المياه والكهرباء والغذاء عنهم، حيث إن هذا الفعل جريمة مكتملة العناصر بموجب المادة (6) من ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تؤكدها تصريحات إعلامية إسرائيلية رسمية مثل ما صرح به وزير الجيش غالانت، الذي قرر قطع إمداد المياه والغذاء والكهرباء والأدوية والوقود واستخدام التجويع كوسيلة في حربه المعلنة لعقاب السكان المدنيين بشكل جماعي في قطاع غزة، “فهؤلاء حيوانات بشرية وسنتعامل معهم على أساس ذلك” ما يوضح النية المبيتة لجعلها حرب إبادة.
كذلك القصف المكثف لبيوت المدنيين ورسائل التهديد الموجهة للسكان لمغادرة بيوتهم وإجبارهم على النزوح الجماعي إلى جنوب قطاع غزة دون توفير أماكن آمنة للنازحين الذين تعرضوا للقصف في الطرقات وفي أماكن الإيواء بالمدارس والمستشفيات. هذه الانتهاكات التي مارستها سلطات الاحتلال والتي أعلنت عنها بوسائلها الإعلامية، تعتبر جرائم حرب بموجب ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية، مع الجرائم الأخرى التي تم ارتكابها والتي لم يتجرأ كريم خان على الإشارة لها بشكل مباشر وصريح بوصفها القانوني بانها جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب ترتكب بحق المواطنين المدنيين في قطاع غزة.

الجرائم التي سيحاكم عليها الجنرالات الصهاينة

أود أن أذكر أن هناك ثلاثة ملفات أساسية قبل حرب الإبادة على غزة مطروحة أمام المحكمة: أولا- حرب 2014 على غزة، ثانيا- ملف الاستيطان وهو جاهز وقد قدم للمحكمة في لاهاي. وهذا الملف واضح المعالم وانتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحرم نقل مواطنين من البلد القائم بالاحتلال إلى المناطق المحتلة. وثالثا- ملف الأسرى والمعتقلين وخاصة الاعتقال الإداري واعتقال الأطفال وتقديمهم لمحاكمات عسكرية.
هذا عدا عن جرائم العقاب الجماعي وهدم المجتمعات وبناء الجدار العازل وتهويد القدس وحجز الجثامين، وغير ذلك. فما بالك بعد ما جرى في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر؟
سنضع ثقتنا في المحكمة الجنائية الدولية عندما نرى أنها تحاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين فتكوا بالشعبين الفلسطيني واللبناني ومجرمي الحرب الأمريكيين الذين جندلوا الآلاف من أبناء الشعبين العراقي والأفغاني. لقد انتهكت إسرائيل كل بند في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف الرابعة والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن المتعاقبة حول الاحتلال والاستيطان والقدس والمصادر الطبيعية والعنف المفرط والاستيلاء على الأرض بالقوة والاعتقالات والعقوبات الجماعية واستهداف الأطفال والمراكز الطبية والمدارس وغيرها الكثير. لكن لا نتوقع أن يقوم خان ومحكمته المفصلة للأفارقة والعرب أن توجه تهمة واحدة لضابط إسرائيلي واحد على كل ما ارتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية. إسرائيل لم تذعن يوما لقرارات خفيفة ناعمة من مجلس الأمن والجمعية العامة، فهل ستقبل قرارات المحكمة الجنائية الدولية وتسلم ضابطا واحدا ليقضي حكما بالسجن في لاهاي؟ سننتظر طويلا قبل أن يحدث ذلك خاصة وأن ولاية خان تمتد لغاية حزيران/يونيو 2030.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية