القضية السورية والقيادات المستوردة

حجم الخط
0

يراهن النظام المتسلط على رقاب الشعب السوري، منذ اربعين عاماً، على أن لا بديل عنه، لأنه الملهم الموهوب!؟ والأصيل الذي لا بديل له، ويخوف الناس والمجتمع الدولي من البديل عنه، وأن زواله يعني الدمار لسورية، والقلق للعالم، والخراب للدنيا.
وهذا التخويف المقصود، إنما هدفه ضمان استمرار النظام في الحكم، لنهب خيرات البلد، والرتع والعبث بشؤونه. من هنا يحذر النظام من إسقاطه، ويحتم ضرورة استمراره.
سورية بلد عريق، مليء بالمواهب، وعلى كل المستويات، وبالمناحي كافة، علمياً وثقافياً وسياسياً وحضارياً، ودمشق عاصمة الأمويين كانت موئلاً للعلم والعلماء، والفكر والأدباء، وصناعة القادة، وبناة الحضارات، على مر التاريخ، وهذا نموذج من نماذج الشهود الحضاري، وغيره كثير في سجل التاريخ القديم والحديث، فمنها كان النووي، وفي ظلالها اجتهد ابن تيمية، وفي ربوعها كان ابن كثير، وفي أروقة معاهدها برز ابن القيم، والذهبي والحافظ المزي وابن الصلاح، وفي فيحائها كان المتنبي والبحتري وأبو تمام، وغيرهم من أعمدة العلم والبناء، والسياسة والأدب.
وفي قصورها تربى القادة، الذين جمعوا بين الفقهين، وحققوا الأمرين، فكانوا أدوات فعل حضاري، وصل خيره إلى أوروبا، فرفعوا عنها الضيم الذي كان قد ران عليها، وأناروا حياتها، بقناديل التنوير والإبداع بكل صنوفه، وسائر أشكاله.
حتى نصل إلى عصرنا الحاضر، وواقعنا المعاصر، فنجد كبار الفقهاء، وكثيراً من الأدباء والشعراء، والسياسيين والقادة، الذين شغلوا الدنيا، وامتلأت بهم سوح العمل، ومرابع الأمل.
وقامت هذه الثورة المباركة، سورية المنشأ، وطنية المحضن، محلية السبب، واقعية الطرح، فطرية الأداء، انسيابية السلوك، أهدافها رسمته حقائق الألم المطالبة، بالعدل والحرية والاستقلال الثاني، فلم يصنعها أحد من خارج منظومتها، ولا دخل أحد على خط سيرها، فوجهها- كما يزعم الزاعمون- أناس ليسوا سوريين( قيادات مستوردة)، وحركتها جماعات من الغوغائيين( الإرهابيين!) من( المندسين) و( العصابات) و( الجراثيم) وعلى رأس هؤلاء الذين يروجون هذه الفرى، ويشيعون قالة السوء هذه، نظام العصابة، الجاثم على صدر شعبنا في سورية، ونحن نسمعه في كل يوم- من يوم ما انطلقت هذه الثورة- وهو يحاول حرف المسار، ليؤكد أن ( أجندات خارجية) هي التي تعمل في سورية، وتوجه وترتب.
وكأن شعبنا قاصر عن إنتاج ما يريد، أو عاجز عن التخطيط لمستقبله، حتى يدبر له من الذي لا يدري بشعاب مكة وما فيها.
ولكنه حرف للعربة، وتعام عن الحقيقة، التي إن قرئت بشكلها الصحيح، فلا مكان له، بعدها في سورية، لذا يعطيها أبعاداً أخرى، حتى لا يسقط في دائرة الحقيقة.
ومن صور هذه المغالطة، ذاك الذي يحصر الثورة، بحزب أو جماعة أو مذهب، أو أي صورة تخرجها، عن كونها ثورة شعب، شاركت فيها كل مكوناته، من خلال خريطة فهم بالقواسم المشتركة، تمهيداً لبناء دولة سورية القادمة قريباً بإذن الله، على مبدأ العدل الذي هو جماع الحسنات، ونبذ الظلم الذي هو جماع السيئات.
فلا يصح هذا الحصر، ولا يحق لأحد من السوريين- فرداً أو حزباً أو جماعة، أو عرقاً- مهما غرست وطنيته في الجذور السورية، أو امتد عرقه في أعماق النسل النسبي، أو الأصالة العلمية، أو المنهجية السياسية، أو الخبرة الإدارية، أن ينهج هذا النهج.
ومن هذا حصر الزعامة بشخص، ليمثل الثورة، أو جماعة لنحمل أيديولوجيتها، فهذا مرفوض كائناً من كان هذا الشخص، لأننا نتكلم عن مبدأ، ومهما كانت (الأجندة التي ينادي بها)، لأن وثيقة العمل تحتاج إلى توافقية عامة، يشترك فيها أبناء الوطن جميعاً.
فالثورة أكبر من الفرد، وأوسع من الحزب، وأفسح من الجماعة، حقاً إنها ثورة شعب، وأنه هو الذي يضع لها خططها، ويرتب حقائقها على الأرض، وهو من يقودها، ومن سيرسم معالم مستقبلها، وسيمضي بها إلى بر الأمان، بجهاد المجاهدين، وحكمة الطيبين، وسياسة الوطنيين، ودأب المخلصين، وجهد الغيورين.

الدكتور عامر البو سلامة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية