“القدس العربي” توثق ليلة مبيت بين ضحايا الحرب في المشفى.. الأطباء يروون قصص العمل الشاق والجرحى يملأون الطرقات- (صور)

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة – “القدس العربي”:

لم يبق أحد داخل مشفى شهداء الأقصى من طواقم طبية ونازحين وصحافيين بمن فيهم كاتب التقرير، إلا وخفق قلبه مع كل معلومة كانت ترد عن وجود غارات جوية تشنها طائرات إسرائيلية، على مناطق سكناهم، وكانت الغالبية تسارع وقتها لإجراء اتصالات على عوائلهم البعيدة، رغم ضعف شبكة الهواتف المحمولة، بسبب الاستهدافات السابقة، البعض كان يوفق بالاطمئنان، وآخرون كانوا ينتظرون حتى وصول الإصابات للمشفى، ليعرفوا مكان الاستهداف الدقيق، وقد سبق وأن تفاجأ في مرات سابقة الكثيرون وخاصة الطواقم الطبية، بوجود ضحايا من بين المستهدفين من عوائلهم.

في هذا التقرير تروي “القدس العربي” حكايات الفرق الطبية التي تعمل على مدار الساعة، ولأيام متواصلة بلا أي قسط من الراحة، في ظل ظروف الحرب التي تشنها دولة الاحتلال ضد قطاع غزة.

خطة العمل الجديدة

داخل مشفى شهداء الأقصى الصغير والواقع في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، والمخصص لخدمة سكان مناطق وسط القطاع، تبدلت كل الأوضاع السابقة التي كانت تنتهجها إدارة المشفى والخاصة بعمل الطواقم الطبية، كما باقي مشافي القطاع، التي رفعت حالة الطوارئ لأعلى درجة، رغم قلة الإمكانيات وعدم توفر كامل الأدوات والأدوية اللازمة، في ظل العدد الكبير من المصابين والمرضى الذين يردون إلى هذا المشفى لتلقي العلاج.

وكعادة باقي المشافي، تبدأ استعدادات الطواقم الطبية للتعامل مع ضحايا الحرب، منذ أن تدوي أصوات انفجارات بسبب القصف الإسرائيلي لمناطق قريبة، وكذلك عند ورود إشارات من طواقم الإسعاف الناشطة في كافة المناطق، عند وجود مصابين وضحايا يجري العمل على نقلهم لتلقي العلاج.

وقتها تشرع فرق التمريض بالاستعداد، من بينها من يقف على بوابة قسم الطوارئ، وهو القسم الذي يدخله المصابون والضحايا لتلقي الإسعافات والعلاجات الأولية، قبل أن تحدد لهم طريقة علاجهم اللاحقة، فيما يستعد في نفس الوقت الأطباء، ويتأهبون بالوقوف عند النقطة المركزية للقسم، استعدادا لبدء العمل.

أمام فرق الأطباء المتواجدين في القسم توضع على عربات من المعدن مخصصة للمشافي، كميات كبيرة من القطن الطبي والمحاليل وتوضع أيضا على تلك الأرفف قفازات طبية ومقصات والعديد من الأدوات والمستلزمات والغيارات الطبية، مع سماع صوت أبواق سيارات الإسعاف وهي تسير في الشارع المؤدي للمشفى تنتفض فرق التمريض، ويبدأ الأطباء بوضع القفازات بأيديهم.

لم يمض وقت طويل على سماع صوت انفجار قريب، استهدف وقتها الطريق الساحلي لمدينة دير البلح، حتى وصلت المشفى إصابات من المكان، حمل بعضها في عربات مدنية وأخرى في سيارات إسعاف، على عجل أنزل فريق التمريض المناوب الحالات مع فرق المسعفين، كان وقتها هناك صعوبة في إخراج مصاب من داخل مركبة مدنية ساعدت في إجلاء المصابين، لكن كثرة عدد الفريق الطبي، ساعدت في حمل رجل في نهايات العقد الخامس تقريبا، ووضعه على حمالة اسعاف، ومن ثم ساروا به مسرعين إلى داخل قسم الطوارئ.

ومع بداية تقديم الإسعافات والعلاجات للحالات المصابة، قسم الأطباء والممرضون أنفسهم إلى مجموعات، كل واحدة كانت تحيط بحالة إصابة، البعض يسكب محاليل على الأقمشة القطنية لتنظيف الجروح، وآخرون يقطعون بالمقصات ملابس أحد المصابين، للوصول إلى مكان الجرح، وخلال ذلك يتبادل أطباء الطوارئ وهم يتفقدون الحالة، الحديث عن نوع الإصابة، وما يلزم لها من تدخل جراحي، فيما يكون فريق التمريض قد أنجز عملية سحب دم من المصاب وإرساله لمختبر المستشفى، وغرس في يد المصاب أنبوبا طبيا خاصا تمر منه الأدوية والمحاليل ووحدات الدم إن لزم الأمر.

وفي كثير من الحالات، يقول أحد الأطباء المناوبين في قسم الطوارئ، يجري الاستعانة بزملاء مناوبين في قسم الجراحة والعمليات والعظام، لتفقد حالة مصابة وتقرير ما يلزم لعلاجها.

التعامل مع الاصابات

وقت تواجد “القدس العربي” داخل المشفى، نقل الفريق الطبي على عجل مصابا من قسم الطوارئ، إلى غرفة مجاورة تعتبر بمثابة “عناية الطوارئ”، وهي مخصصة لإنقاذ وانعاش الحالات الخطيرة، على الفور شرع الأطباء بإجراء عملية تنفس صناعي للمصاب، وقد جهز في المكان أيضا جهاز صعق القلب بالكهرباء، لإعادة أو تحسين النبض، فيما قام أحد الأطباء بحقن المريض بمادة علاجية مساعدة.

ولم يمض وقت حتى سار طبيب وعدد من الممرضين يجرون سرير المصاب إلى غرفة العمليات، التي أبلغ على عجل الأطباء المناوبون هناك بتقرير أولي عن حالتها التي كانت إصاباتها الخطرة تتركز في منطقة الرأس.

وكباقي المشافي يمكن الاستدلال على حجم الإصابات وخطورتها التي ترد جراء القصف والغارات الدامية لقوات الاحتلال، من الستائر التي تفصل بين أسرة قسم الطوارئ، فقد استبدل لونها الأزرق في كثير من الأماكن بلون الدم الأحمر.

وهناك يشير عدد الشهداء الموجودين في ثلاجة الموتى وفي ساحة تلك الثلاجة، وفي خيمة أخرى وضعت في ساحة المشفى، إلى أن الموت يحوم في كل مكان، خاصة وأن عدد جثث الشهداء يزداد بإرسال مصابين فارقوا الحياة في غرف العمليات أو داخل غرف العناية المكثفة، وقد وضعوا في الأكفان البلاستيكية الخاصة، إلى ثلاجة الموتى.

ويؤكد أحد الأطباء العاملين في المشفى لـ”القدس العربي”، أنهم منذ بداية الحرب يعملون بطاقة لا يتحملها أي طبيب في العالم، وبإمكانيات بسيطة جدا، ويشير إلى أنه رغم الانهاك والتعب الكبير، إلا أن الطواقم الطبية تعمل بأقصى درجة لإنقاذ المصابين.

الأطباء والخوف على الأهل

بعد الانتهاء من تعامل الفرق الطبية مع إصابات وردت لذلك المشفى، التقت “القدس العربي” وقد كانت عقارب الساعة قد تجاوزت الواحدة فجرا، بالطبيب محمد بدوان، الذي يعمل في قسم الطوارئ.

وقف الطبيب في ردهة أمام غرفة الأطباء، لأن الحديث صعب بداخل الغرفة لإجراء المقابلة، فهناك كان أكثر من سبعة أطباء، يتبادلون الحديث عن حالات إصابة وردت إليهم، وكيف جرى التعامل معها، فيما كان أحدهم يجري اتصالا بعائلته ويطمئن عليهم، ووقتها من شدة التعب كان قد وجد له مكانا ضيقا على الأريكة، مد إليه قدميه.

ويقول الطبيب بدوان إنه وزملاءه اضطروا مرات كثيرة لعلاج أكثر من مصاب على سرير علاج واحد، لعدم كفاية أسرة قسم الطوارئ، ووصول عشرات الإصابات في آن واحد.

وتحدث عن مرات عدة كان الطيران الإسرائيلي يستهدف في نفس الوقت أماكن ومنازل في مناطق عدة في المنطقة الوسطى، ومن بينها أشار إلى غارات تركزت على مدينة دير البلح ومخيمي النصيرات والبريج وبلدة الزوايدة، وقال إن الجثث ملأت وقتها المشفى وإن المصابين لم يعد لهم مكان، فاضطررنا لمداواتهم إما على سرير واحد، أو على الأرض حيث وضع المصابون، وقدمنا لهم الرعاية الأولية بصعوبة.

وكغيره من الفرق الطبية، يقول الطبيب محمد بدوان، إن قلبه يخفق جراء خوفه على أسرته، عند ورود معلومات عن استهدافات لمكان سكنه.

سألته “القدس العربي” وقتها “ماذا تفعل”، يرد “في كثير من الأوقات نكون في مهام عمل لإنقاذ المصابين، أضغط على نفسي وأحاول نسيان الأمر، فوضع الجرحى خطير، حتى بعد اسعافهم وانتهاء مهمة العمل، أبدأ على الفور بإجراء الاتصالات للاطمئنان على أسرتي”.

وكحال أهل غزة يواجه هذا الطبيب صعوبة بالغة في إجراء الاتصالات، فمنذ أن دمرت بشكل متعمد الطائرات الحربية الإسرائيلية العديد من مراكز شبكات الاتصالات في القطاع، يحتاج الشخص أحيانا لأن يمضي أكثر من ساعة حتى ينجح في مهمته.

ولا يخفي هذا الطبيب أيضا كغيره من الأطباء خوفه بأن تصاب أسرته بأذى جراء القصف، ويشاطره هذا الموقف زميله الطبيب عبد القادر أبو هاني، الذي يؤكد أنهم يعملون وسط خوف شديد على أسرهم في الخارج، خاصة وأنهم يضطرون للعمل لثلاثة أيام متواصلة بعيدا عن المنزل.

ويقول الطبيب أبو هاني لـ”القدس العربي”: “شعوري أن أهلي بعيدين عني والكل في غزة مهدد شعور صعب، وبالحالة الطبيعية ممكن أن يؤثر على الطبيب، لكن رغم ذلك ألتزم بالمسؤولية تجاه المصابين”.

ويشير إلى أنه عند وقوع استهدافات قريبة لسكنه، هيأ نفسه لوصول ضحايا من أفراد أسرته، ويضيف “شعور الترقب على بوابة القسم والاسعاف قادم قد يكون يحمل أحدا من الأهل والأصدقاء نشعر به يوميا”.

هذا الطبيب وخلال حديثه أشار إلى أن أخطر الحالات الطبية التي يعملون على علاجها، تكون تلك التي جرى استخراجها من تحت الركام والأنقاض، ويشير إلى أن تلك الحالة يكون وضعها صعبا جدا، ويؤكد أنه رغم ذلك تواصل فرق الطوارئ عملها لآخر لحظة.

كذلك يقول أحد أطباء العظام في المشفى، إن من بين الحالات الصعبة، تلك التي ترد إلى المشفى وقد أصيبت بكسور عدة، مع وجود جروح غائرة في مكان الكسر، ما يضطر الأطباء لمداواة المصاب بطريقة لا تسمح بوضع جبيرة كاملة للامساك بالكسر.

هذا الطبيب الذي حبس دموعه حين تحدث عن عمله وأسرته بعيدة عنه، قال لـ”القدس العربي”: “كنت أرى أطفالي حين كنت أعالج أطفالا من أعمارهم مصابين من القصف الإسرائيلي”، ويضيف بعد توقف عن الحديث للحظات “أتهيأ لأشياء كثيرة مؤلمة”.

ويشير هذا الطبيب إلى أنه يبدأ وقته بعد عودته للمنزل بالجلوس طويلا مع أطفاله وزوجته، قبل أن يخلد للنوم للراحة أو تناول القليل من الطعام، ويضيف “لا نعرف ماذا يُخفى لنا في الأيام القادمة”.

غارات تستهدف عوائل الأطباء

وخلال عمل الأطباء في المشافي قضى أفراد من عوائلهم في غارات إسرائيلية، وقد استهدفت عائلة الدكتور محمد الرن رئيس قسم الجراحة في المستشفى الإندونيسي والدكتور مؤيد الرن خلال عملهما، فيما وثقت لحظات تلقي أطباء جراحين في قسم العمليات، أنباء عن استشهاد أفراد أسرهم في غارات جوية.

هذا وقد سجلت عدة حالات لطواقم طبية، تفاجأت أن أسرها من الضحايا، عندما كانوا يستعدون كغيرهم لاستقبال مصابين، ومن بينهم طبيبة تعمل في المشفى الإندونيسي شمال غزة، حيث أظهرت لقطات مصورة صدمة تلك الطبيبة التي جرت خلف المسعفين الذين حملوا أحد أبنائها لداخل القسم للعلاج.

وفي تلك اللقطات كانت الطبيبة تصرخ من الخوف على نجلها، فيما بادرت زميلات لها لوضعها في غرفة مجاورة، وعملن على محاولة طمأنتها.

كما أظهرت لقطات أخرى أحد المسعفين وقد نقلت إلى مكان عمله في المشفى جثث عائلته التي فارقت الحياة جراء الغارات.

كذلك قضى العشرات من العاملين في المنظومة الطبية في قطاع غزة، جراء الغارات الدامية التي تنفذها قوات الاحتلال، وحسب وزارة الصحة في غزة، فقد أدت تلك الغارات إلى استشهاد 198 كادرا صحيا، وتدمير 53 سيارة اسعاف، كما ذكرت ان جيش الاحتلال استهدف 235 مؤسسة صحية، ما أدى إلى إخراج 21 مشفى عن العمل إضافة إلى 47 مركزا صحيا، علاوة على اعتقال اثنين من سائقي الإسعاف خلال عودتهما من جنوب قطاع غزة إلى مدينة غزة، رغم التنسيق لهما من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويؤكد مدير مستشفى شهداء الأقصى، أنه لا يوجد مستشفى في القطاع لا يواجه تهديدا من قوات الاحتلال.

وبالعودة إلى واقع الحال في ذلك المشفى، فقد اضطرت الطواقم الطبية لتوسعة أسرة العلاج وافتتاح أقسام جديدة في الممرات وفي ردهات أخرى داخل المبنى الرئيس، كما وضع عدد من المصابين داخل خيام أقيمت بين المباني.

علاج في الأروقة

وفي مدخل المبنى الرئيس للمشفى، والذي كان عبارة عن مكان متسع به عدة مصاعد كهربائية وسلالم بالجوار لنقل المرضى ومرافقيهم وزوارهم إلى أقسام المبيت، ويعتبر موزعا رئيسا ما بين قسم الطوارئ وقسم الأشعة والمختبر- وضعت إدارة المشفى أكثر من 20 سريرا في ذلك المكان وجعلته قسما جديدا لمعالجة المصابين.

في ذلك المكان تنقلت إحدى الممرضات بصعوبة بين تلك الأسرة، توزع إما الأدوية على المصابين أو تضع لبعضهم محاليل، فور انتهائها من مهمتها قالت لـ”القدس العربي” إن مجرد السماع عن هكذا عمل في الظروف الطبيعية يكون دربا من الخيال لا يصدق، وتضيف “لكن حجم الإصابات الكبير اضطرنا لذلك”.

وتشير إلى أن هذا القسم افتتح بأقل الإمكانيات، ورغم ذلك تقوم الفرق الطبية بتقديم العلاجات اللازمة، وكغيرها من العاملين في المشفى تخشى تلك الممرضة الشابة أن يصلوا إلى يوم تزداد فيه الحالات ولا يستطيعون إيجاد مكان لعلاجهم.

وهذا القسم غير مخصص لفئة محددة (مثلا أطفال أو نساء أو رجال)، ففي الجزء القريب من قسم الطوارئ، كانت الأسرة مخصصة للنساء والأطفال، فيما وضع شبان ورجال مصابون على مقربة من بوابة قسم الأشعة، وقد ترك الفريق الطبي طريقا ضيقا خصص للتنقل بين تلك الأقسام المهمة في المشفى، فيما كانت عوائل المصابين تحيط بالمكان من كل جانب، وبعضهم من اضطجع عندما حل الظلام على الأرض ونام حتى صبيحة اليوم التالي.

وفي ذلك القسم وضع على احد الأسرة طفل مكسور الحوض، وبجواره كانت امرأة مصابة برضوض وشظايا وحروق، كما وجد في القسم سيدة مسنة كانت تأن من الألم. “القدس العربي” تحدثت مع فتى يبلغ من العمر 15 عاما، كان مصابا بشظايا وكسر في القدم، كان مشهد القصف ظاهرا على ملابسه التي اعتلاها الغبار وقد ملئت برائحة البارود، يقول إنه كان يسير في الشارع قرب منزله، حين جرى استهداف منزل مجاور، فأصيب ونقل إلى المستشفى، وخلال الحديث مر عاملون في المشفى يحملون جثة مصاب قضى قبل لحظات خلال العلاج في قسم العناية المكثفة، فحاول والد ذلك الفتى الذي رافقه في المشفى أن يحول دون أن يرى نجله هذا المشهد، غير أن ضيق المكان منع ذلك، وبدا أن الضحية الجديدة كانت لأحد الأقارب أو الجيران، ولم يرد الوالد أن يتألم نجله للفراق، فيما يشعر بألم الإصابة.

وفي تلك الليلة لم يجد الأطباء مكانا لرجل في منتصف الستينيات من العمر، أصيب بجروح في كافة أنحاء جسده وبشعر (كسر خفيف) في الرقبة، وقد وضع بعد مداواة جروحه على سرير في قسم الطوارئ، حتى اليوم التالي لإخضاعه لفحوصات إضافية وإجراء صورة أشعة مقطعية لمنطقة الرأس والرقبة.

وبصعوبة كبيرة استطاع نجل ذلك الرجل أن يوفر له بطانية لتدفئته بعد شعوره بالبرد الشديد، بعد أن حصل عليها من أحد الصحافيين الذين باتوا تلك الليلة في المكان المخصص لهم أمام بوابة المبنى الرئيس للمشفى.

والجدير ذكره أن رئيس قسم الجراحة في مجمع الشفاء كان قد قال في تصريحات سابقة، إن الطواقم الطبية تجد نفسها مضطرة للمفاضلة بين جريح وآخر حسب شدة الإصابة، وقال “في بعض الأحيان نضطر لترك بعض الجرحى لمصيرهم”.

حلول الغسق يبدل الأحوال

وداخل مشفى شهداء الأقصى، وكما باقي مشافي قطاع غزة، يختلف الأمر في الليل عن النهار، فمع حلول الغسق، تقل الحركة تدريجيا حتى تنعدم مع حلول الظلام الدامس، وتقتصر فقط على حركة إسعافات تنقل مصابي أو ضحايا القصف وفي بعض الأحيان مرضى، فيما لا يقدر أي من المرضى أو مرافقيهم ممن جن عليهم الليل مغادرة المشفى، حتى لو أنهوا علاجهم أو مهامهم، فالجميع يخشون غارات تشنها الطائرات الحربية تستهدفهم في رحلة العودة في ذلك الطريق الموحش ليلا.

ويضطر هؤلاء للبقاء في ساحة المشفى الباردة أو في الأروقة الممتلئة بالنازحين، دون أغطية حتى بعد ساعتين من شروق الشمس، والتي تبدأ فيها حركة ضعيفة في الخارج، للعودة إلى أماكن سكناهم إما مشيا على الأقدام، أو على عربة تجرها الحيوانات، والمحظوظ كثيرا منهم يجد سيارة تكون إما خاصة أو تنقل خضارا من المزارع تنقله إلى أقرب مكان، إن كان يلائم سكنه اتجاه سيرها.

وفي ساعات الليل أيضا تقتصر الحركة في ثلاجات الموتى باتجاه وضع الجثث دون إخراج أي منها، حتى حلول صباح اليوم التالي، والذي يبدأ فيه عدد قليل من عوائل الضحايا بالقدوم إلى المشفى لاستلامها ومن ثم دفنها.

ما لاحظته “القدس العربي”، كان قيام الكثير من السكان بوضع جثث أقاربهم وذويهم في ساحة المشفى لإقامة صلاة الجنازة عليها، فسألت وقتها واحدا من ذوي الضحايا عن السبب، بالتوجه المباشر إلى المقبرة دون المرور بمنزل الضحية، فأشار إلى أن المنزل دمر، وأن ذويه قضوا قبل أيام وأن الضحية كان يعاني من إصابة بالغة قبل استشهاده، وأنه لم يعد هناك منزل ولا أهل لوداعه.

وهناك بعض العوائل تنقل شهداءها مباشرة للمقابر، بسبب عدم وجود ملامح لجثثهم التي قطعت وتمزقت إلى أشلاء من شدة القصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية