القاهرة ترفض مؤامرة التهجير لأنها تنسف الحق الفلسطيني… ورحيل حكومة مدبولي لم يحسم بعد

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: “اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلهم مصابهم”، حديث نبوي شريف يحفظه الناس عن ظهر قلب، وكثير منهم يعمل به كلما ألمت بجاره مصيبة أو فقد عزيزا عليه. غير أن الغزيين الذين يفقدون كل ثانية عزيزا، لم ينالوا من أخوتهم ما يعينهم على البقاء، إذ الأشقاء لا يشغلهم سوى رضا الرئيس الثمانيني، وأركان حكمه، مخافة أن تغضب منهم واشنطن، ولو كان المطلوب فناء قطاع غزة عن بكرة ابيه. وفي محاولة لغسل يديه من الدم الفلسطيني، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أسفه لمقتل مدنيين فلسطينيين بقنابل أمريكية الصنع في قطاع غزة، وفق نبأ أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية».
وقال المستشار أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، إن اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي، والدكتور بشر الخصاونة، رئيس الوزراء ووزير الدفاع في المملكة الأردنية الهاشمية، تناول الأوضاع في قطاع غزة، التي تمر بمرحلة دقيقة، في ضوء الجهود المضنية للتوصل إلى هدنة شاملة في القطاع، وتبادل للأسرى والمحتجزين، بما يضمن الإنفاذ الفوري والكامل للمساعدات الإنسانية بشكل مستدام، وبلا عوائق، للحد من المأساة الإنسانية التي يعاني منها أهالي القطاع. وأضاف، أنه تم تأكيد الرفض الكامل والتحذير من الآثار الإنسانية الكارثية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، التي تحرم أهالي غزة من شريان الحياة الرئيسي للقطاع، وتُعطّل المنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى لتلقى العلاج، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وأضاف أن المجتمع الدولي مطالب بالاضطلاع بمسؤولياته للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار، مع المضي قدما للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 4 يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق العدل والأمن والاستقرار الإقليمي، ويفتح آفاق التنمية لجميع شعوب المنطقة.. فيما أكدت شبكة «سي إن إن» الأمريكية، أنه للمرة الأولى يضع الرئيس الأمريكي جو بايدن شروطا لدعم إسرائيل، وأشار بايدن، إلى أنه إذا اقتحمت إسرائيل مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة، فلن يزودها بالأسلحة المستخدمة تاريخيا في هذا النوع من المعارك. وأضاف، أن إسرائيل لن تحصل على الدعم الأمريكي، إذا دخلت المناطق السكنية في مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة. كما قال محمد عبدالرازق الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنّه منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، كانت الرؤية المصرية واضحة، بأن إسرائيل تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية تماما.. وأضاف في تصريحات تلفزيونية: “مصر قالت لا لتصفية القضية وتهجير الفلسطينيين، ربما وضعت مصر هذه الخطوط الحمر منذ البداية لمنع أي عدوان من الجانب الإسرائيلي لتحقيق هذه الأهداف”. وأشار إلى أن مصر نقلت هذه المواقف إلى مختلف القوى الإقليمية، لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططها، وهو ما نجحت مصرُ فيه إلى حد كبير، مشددا على أن مصر تمارس ضغوطا على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى غيرها لصرف نظر إسرائيل عما تريد فعله في قطاع غزة، وأن الجهود المصرية أفضت إلى محاولات كبيرة لتهدئة الوضع في قطاع غزة، وصولا إلى اللحظة الراهنة التي تتواصل المفاوضات فيها مع الوفود من جانب حركة حماس وإسرائيل وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وقطر للتوصل إلى وقف إطلاق النار.
هدفه شخصي

يصر نتنياهوعلى تحقيق نصر شخصي يتمثل في الحفاظ على منصبه وتوفير ظروف مناسبة لخروج مشرف من الحكم، حال الإطاحة به بعد انتهاء الحرب، ولذلك يسعى وفق ما يرى الدكتور مصطفى عبد الرازق في “الوفد” لتوفير الأجواء التي توحي بذلك النصر، وآخر تلك الخطوات العمليات العسكرية على رفح والاستيلاء على الجانب الفلسطيني من المعبر هناك يوم الثلاثاء الماضي. هي مغامرة بكل المعاني، ليس على المستوى العسكري فقط، حيث قد يواجه الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة حال اتساع العمليات، وإنما على مستويات أخرى عديدة أبرزها، التضحية بالثمار التي كانت تنتظر إسرائيل بعد الحرب. يدرك نتنياهو بحكم أنه يعرف قواعد اللعبة جيدا أن لا شيء سوف يقف أمام مصلحة بلاده طالما ترعاها الولايات المتحدة، التي تبدو مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل ضمان استقرار إسرائيل وأمنها، بما في ذلك الديمقراطية الأمريكية. فمما لا شك فيه أن عدم وقف الحرب واستمرار الاعتداء على المدنيين، الذي يهدد بكارثة إنسانية سيزيد من حالة الاحتقان والغضب في الجامعات الأمريكية المشتعلة أصلا، على وقع الحرب على غزة، ورغم ذلك فإسرائيل لا تبالي وتترك الأمر لبايدن، الذي يقوم بالمهمة كما ينبغي، ويبدو ذلك في تصريحه الفج، الذي راح خلاله يؤكد أنه لا يوجد مكان لمن يعادي السامية في الجامعات الأمريكية. لم يعر بايدن اهتماما لقيمة الحرية التي تميز بلاده ولا أهمية التعبير عن الرأي في أوساط الشباب والطلبة، وراح يعتبر تجاوب الطلاب مع حسهم الإنساني والأخلاقي ورفض الحرب على غزة، عداء للسامية، ربما يفسر ذلك الغطرسة والصلف الإسرائيليين اللذين يجعلان تل أبيب لا ترى من دول العالم أمامها سوى الولايات المتحدة، التي تضعها في القلب وتدفع عنها كل ما يمكن أن يمسها. وعلى هذا الفهم يجب على المرء أن لا يستغرب إصرار مسؤولين أمريكيين على ترهيب المحكمة الجنائية بعدم إصدار أوامر باعتقال نتنياهو أو أعوانه بتهم ارتكاب جرائم حرب، ولكن بمعايير الصراع الحقيقية فإن بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه سيظل أكبر هزيمة لإسرائيل، بما يعني أن العالم لن يهنأ بنوم هادئ سوى بحل مشكلة فلسطين.

يوشك أن يتم

ما كان يخشاه البعض من تهجير الفلسطينيين على وشك أن يتم كما أخبرنا عماد الدين حسين في “الشروق”: من الواضح أنه بعد يأس الأمريكيين والإسرائيليين من محاولة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية، بفضل الرفض المصري القاطع، فإن واشنطن تحاول تجريب ترحيل الفلسطينيين عبر الممر أو الرصيف أو الميناء البحري، الذي ينتظر الانتهاء من إنشائه خلال أيام. الولايات المتحدة وبسبب الرفض المصري غيرت لهجتها وأعلنت أكثر من مرة رفضها لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ولم نكن ندري أنها تخطط لتهجيرهم بطرق أخرى غير سيناء، كما أعلنت رفضها لاحتلال القطاع أو تقليص مساحته عبر إنشاء مناطق أمنية آمنة، لكن ذلك كان في التصريحات الإعلامية فقط، ويبدو أنه على أرض الواقع فإن واشنطن كانت تخطط مع إسرائيل عن أفضل الطرق لتنفيذ المخطط. إسرائيل كانت تفكر دائما بغشومية، أي تقوم بطرد الفلسطينيين وتهدم بيوتهم وتستمر في مطاردتهم من الشمال لحشرهم في الجنوب قرب الحدود المصرية. وكان قادتها يكررون دائما رغبتهم في تنفيذ مخطط التهجير تمهيدا لإعادة استيطان غزة وبناء «غوش قطيف» من جديد وسائر المستوطنات التي كانت تحيط بالقطاع. الولايات المتحدة فكرت بمنطق تخديري للفلسطينيين والعرب، واستمعنا لقادتها وكبار مسؤوليها وهم ينكرون حتى الآن موافقتهم على مخطط التهجير، أو حتى مهاجمة رفح. لكن الأمر مختلف تماما على أرض الواقع. طبقا لوثائق حكومية داخلية حصلت عليها شبكة «سي. بي. إس نيوز» الأمريكية، فإن إدارة الرئيس بايدن تدرس تفاصيل الخيارات المحتملة لقبول فلسطينيين من غزة كلاجئين. كبار المسؤولين ناقشوا مع بعض الوكالات الفيدرالية مقترحات محددة منها مثلا قبول الفلسطينيين الذين لديهم أقارب في الولايات المتحدة، أو على صلة مع مواطنين أمريكيين أو مقيمين في الولايات المتحدة، أو اضطرتهم الظروف للنزوح من غزة. ومن يجتاز الفحوصات الأمنية فسوف يكون مؤهلا للسفر إلى الولايات المتحدة والحصول على صفة لاجئ، وهو الأمر الذي يضمن لهم الإقامة الدائمة ومزايا إعادة التوطين والعثور على سكن وصولا للحصول على الجنسية الأمريكية.

خطة شريرة

المتحدث باسم البيت الأبيض قال، أمريكا ترفض تماما النقل القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، أو الضفة. والمتحدث محق تماما في كلامه، لكن بقية الصورة كما نقلها عماد الدين حسين، أن إسرائيل تكفلت وتتكفل بخلق الظروف التي تجعل عددا لا بأس به من الفلسطينيين يفكرون في البحث عن طرق للحفاظ على حياتهم بكل السبل. لا يوجد عاقل يشكك في وطنية الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه، لكن كثيرا منا لا يدركون الصورة على أرض الواقع، فحينما يدمر جيش الاحتلال معظم مباني غزة ومنشآتها وطرقها ومدارسها ومستشفياتها، ويجعل الحياة مستحيلة، ثم إنه يقتل الجميع النساء والأطفال والشباب، وحتى الحيوانات، ويقطع المياه والغاز والكهرباء. حينما يحدث ذلك، فإن الحياة تصير مستحيلة، ويلجأ البعض للهرب من المكان بكل السبل، أملا في العودة حينما تتغير الظروف. وبالطبع من يخرج من فلسطين يصعب أن تعيده إسرائيل مرة أخرى. تسريبات «سي بي. إس نيوز» تكشف لنا بوضوح أن الولايات المتحدة شريك أساسي ليس فقط في العدوان وإمداد إسرائيل بالمال والسلاح والدعم السياسي والدبلوماسى عبر الفيتو، بل نقل الفلسطينيين من غزة للخارج. الآن يتضح لنا جليا الهدف الحقيقي من إنشاء الميناء البحري، وهو ليس إدخال المساعدات، بل التموضع العسكري وحقول الغاز ومواجهة الصين وروسيا أيضا. فلو كانت واشنطن تريد إدخال المساعدات فعلا وفقط لكانت أقنعت أو أجبرت إسرائيل على سرعة إدخالها عبر معبر رفح، أو فتح المعابر الستة بين إسرائيل والقطاع، أو إقناعها بوقف إطلاق النار من الأساس. التطور الأخير شديد الخطورة لأنه يكشف جزءا مهما من ملامح الصورة الكبرى التي يراد لها أن تكتمل، وبالتالي فأغلب الظن أن الأسوأ لم يأت بعد.. فانتبهوا يا أولي الألباب.

الرشوة

العبارة الأصدق في وصف المهاجرين غير الشرعيين، واللاجئين، والوافدين، هي التي قالها نجيب ميقاتي رئيس وزراء لبنان، عندما قال إنهم: كرة من النار. كان ذلك في الثاني من أيام هذا الشهر، وكان ميقاتي يستقبل يومها رئيسة المفوضية الأوروبية، التي جاءت تزور بيروت ومعها الرئيس القبرصي، وكان الإثنان قد بادرا بالزيارة ليعرضا على الحكومة اللبنانية حزمة مساعدات قيمتها مليار يورو. والأكيد من وجهة نظر سليمان جودة في “الوفد”، أن الذين طالعوا مثل هذا الخبر للوهلة الأولى، قد أكبروا الحس الإنساني لدى الأوروبيين، وهُم يبادرون بمثل هذه الحزمة، ولكن سرعان ما سوف يكتشف الذين حمدوا لهم هذه الخطوة، أن الموضوع ليس إنسانيا بالمرة ولا له علاقة بالإنسانية، وإنما هو موضوع عملي في أوله وآخره، لأن الأوروبيين ليسوا أهل إنسانية إلى هذه الدرجة. الموضوع هو أن لبنان أقرب ما يكون إلى قبرص، والمسافة بينهما لا تتجاوز 180 كيلو مترا، وهي مسافة تغري الذين يعيشون على الأراضي اللبنانية من غير اللبنانيين بالذات، بأن يعبروا البحر المتوسط إلى الجزيرة القبرصية، التي هي في النهاية جزء من الاتحاد الأوروبي.. ومن الأرقام المنشورة نفهم أن قبرص استقبلت 2000 سوري قادمين من لبنان خلال الربع الأول من هذه السنة، وهذا رقم مزعج بالنسبة لهم هناك، خصوصا إذا قورن بالرقم الأقل بكثير الذي استقبله القبرصيون خلال الفترة نفسها من السنة الماضية. لذلك سارع الرئيس القبرصي يزور بيروت، وسارعت معه رئيسة المفوضية، وجاء الإثنان يعرضان المليار يورو في مقابل أن تحتفظ الحكومة اللبنانية بكل مهاجر أو لاجئ فوق أرضها، فلا تدعه يمر إلى قبرص في شمال البحر. وليس من المؤكد أن حكومة ميقاتي، أو أي حكومة لبنانية بعدها سوف تستطيع ذلك، لأن حزمة المساعدات المرتقبة موزعة على عدد من السنين من هنا إلى 2027، كما أن اللبنانيين أنفسهم يهاجرون في غالبيتهم إلى قبرص وغيرها، ولا يبقى على أرض لبنان، إلا الذين أعجزتهم الحيلة عن الخروج، فالظرف الاقتصادي اللبناني الصعب ليس سرا، وهو يدفع كثيرين إلى البحث عن فرصة عمل في أي بلد آخر بأي ثمن. لبنان ممر وليس مقرا كالكثير من الدول حوله، ومثل هذه الحزمة من المساعدات ليست حلا لأنها أقرب إلى المسكنات.

الخير في رفح

الهدهد هو ناقل الخبر اليقين، وله دلالات رمزية، حتى أصبح ظهوره موروثا ثقافيا، فهو مبعوث النبى سليمان إلى مملكة سبأ، ورد ذكره في القرآن الكريم في مقام واحد فقط، لكنه حسب خديجة حمودة في “الوطن” ذو مقام استثنائي رفع فيه إلى ما فوق سائر الطيور، حيث ورد ذكره في مسار تبليغ رسالة التوحيد في رحلته الأولى إلى قوم سبأ، فكان سببا في خروجهم من ضلال عبادة الشمس إلى عبادة الله تعالى. ويضرب العرب المثل بقوة إبصاره فيقولون (أبصر من هدهد)، وقال عنه الجاحظ إنه هو الذي كان يدل سليمان على مواضع الماء في باطن الأرض. وإذا كان هذا الطائر الجميل قد لعب دورا كبيرا في ثقافات الشعوب، كما أن له تاريخا كبيرا على مرّ الأزمان، خاصة في الأدب والفلكلور الشعبي في منطقتنا، إذ ظل سائدا لفترات طويلة بعض الأفكار والمعتقدات التي ترى أن طائر الهدهد يمتلك خصائص سحرية قوية، فهو طائر مقدّس في مصر القديمة. وقد وصل الهدهد إلى سماء مصر، حاملا رسالة من رفح، رسالة مفادها أن تلك الطيور التي هدمت القذائف أعشاشها وأشعلت النيران في الأشجار التي عاشوا وسط أغصانها يرفضون الرحيل ويحاولون جمع ما تبقى من فروع شجر جفت من نُدرة الماء لبناء أعشاش جديدة تحتمى فيها الصغار، وينقرون الأرض بحثا عن مصادر المياه، ليشرب منها أهل رفح ويستأنفون مظاهر الحياة.
ثيمة الخراب

ليس ببعيد عن الهدهد أقامت هناء مال الله الفنانة العراقية، معرضا فنيا للوحاتها في لندن في البارك كالري التي استضافت فيها الهدهد تحت عنوان (ثيمة الخراب)، واعتبرته حسبما أخبرتنا خديجة حمودة نجم المعرض، فهو صاحب الأسرار العطرة، وهو الذي يحكي من لوحة إلى أخرى قصة ما حدث في العراق والخراب الذي أصابه ودموع العراقيين. وها قد جاء إلينا حاملا رسالة أهل رفح، الذين يتشبثون بالأرض ويقاومون بضراوة وشراسة تنافس الأسلحة الفتاكة التي تطيح بالقانون الدولي والمعاهدات ونتائج مؤتمرات القمة ومؤتمرات السلام العالمي. جاء ليضم صورة جديدة، ليُذكرنا بأن تلك الحرب التي بدأت وتزامنت مع الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر/تشرين الأول كانت نتيجة طبيعية لما يعانيه أهل فلسطين من حصار مفروض على قطاع غزة، وتدنيس المسجد الأقصى، حملت الرسالة صورة من ذلك التقرير الذي أصدرته لجنة حماية الصحافيين، ووقّعه 59 من مديري المؤسسات الإخبارية، التي تُؤكد مقتل ما لا يقل عن 94 صحافيا، منهم 89 فلسطينيا، قتلتهم إسرائيل، وفي رسالة الهدهد ناشدت وكالات الإغاثة الدولية مجلس الأمن أن يمد لها يد العون بسبب تلك العراقيل التي تواجه تسليم الإمدادات الإنسانية من الجانب الإسرائيلي، الذي لم يكتفِ بذلك، بل قام بقصف الأبرياء الذين ينتظرون الحصول على الطعام لأطفالهم. وفي هدهدة ذلك الطائر الجميل قال إن الفلسطينيين، خاصة أهالي رفح الذين يرفضون التهجير، سعداء بتلك التظاهرات والمسيرات الحاشدة في الكثير من عواصم ومدن أوروبا واعتصامات الطلاب في الجامعات الأمريكية، والقرارات التي اتخذت بأغلبية كبيرة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة بوقف الحرب على غزة، التي تعبّر عن تحول ملموس إزاء الموقف من فلسطين، وينتظرون المزيد من دعم الصغار والشباب أصحاب الصوت الأقوى المسموع، فربما كان أحد أسباب انقشاع هذه الغمة عن أجمل بقاع الأرض، وفي نهاية رسالته بكى الهدهد الذي قيل عنه إنه من أرق الطيور مشاعر، وإنه يبكي رفيقة حياته إن رحلت ولا يتزوج غيرها في وفاء نادر، انزلقت دموعه وهو يذكّرنا أن أعدادا كبيرة من الأطقم الطبية استُشهدت أثناء إسعاف الجرحى فلننشر هذه الرسالة وندعو الله.

قتل متعمد

على مدى السنوات الأخيرة حرص محمد أمين في “المصري اليوم” على أن يكتب عن مشاهير الأطباء، ودورهم في توفير الحماية الطبية للمرضى والمصابين.. وفي هذا السياق احتفى بالدكتور أحمد عبدالعزيز، الذي ذهب إلى غزة مع فريقه ليحاول إنقاذ مصابي الكسور، واحتفى الكاتب بالدكتورعدنان البرش المتخصص في العظام، الذي توفي في سجن عوفر الإسرائيلي، بعد أكثر من أربعة أشهر من اعتقاله، أثناء عمله مع مجموعة من الأطباء في مستشفى العودة، شمالي غزة، وتعد وفاته «عملية اغتيال متعمدة»، وجثمانه لا يزال محتجزا في سجن إسرائيلي.. حصل البرش على الشهادة الثانوية العامة من مدرسة حليمة السعدية في غزة. ثم سافر إلى رومانيا حيث نال شهادة البكالوريوس في كلية الطب في جامعة يانش. وحصل أيضا على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة الأزهر في غزة. عاد البرش بعد ذلك من رومانيا، لكن مسيرته التعليمية لم تتوقف، فقد تواصل في تخصص جراحة العظام والمفاصل، وحصل على البورد الأردني والبورد الفلسطيني، ثم نال الزمالة البريطانية في جراحة الكسور المعقدة في لندن.. صنع البرش سمعة كبيرة في الوطن العربي، وتولى رئاسة قسم العظام في مستشفى الشفاء، وظل أحد أعمدته الطبية. في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انتشر مقطع فيديو يُوثّق لحظة إصابة الدكتور عدنان البرش أثناء إجرائه عملية في المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة.. وشُوهد البرش، وهو غارق في دمائه بعد إصابته جراء قصف إسرائيلي استهدف المستشفى، وقد جرت عملية علاجه وسط الظلام، بسبب انقطاع الكهرباء في المستشفى، لم يتوقف عن العمل رغم حالته الصحية، واقتحمت القوات الإسرائيلية هذا المستشفى، ثم اعتُقل عدنان في ديسمبر/كانون الأول، وبقي في السجن، وحسب كل الروايات فقد تعرض لتعذيبٍ قاسٍ جدا وقُتل على إثره «كانت القوات الإسرائيلية تمنع أي شكل من أشكال التواصل مع الدكتور عدنان، ولم يُسمح حتى بإحضار المحامين إلى السجن». يقول ابن عمه منير البرش: «خمسة شهور من التعذيب، ولا نعلم عنه أي شيء، إلا من خلال بعض الذين خرجوا من الاعتقال وقالوا إنه لم يبق من الأطباء في التحقيق إلا الدكتور عدنان».

تشتيت الانتباه

قرّر “المؤتمر القومي العربي” من مقره في العاصمة اللبنانية «بيروت» وفقا لوصف عماد فؤاد في “الوطن”، التشويش على المشهد، بنداء إلى عموم الحركة الطلابية في الجامعات العربية، للتحرّك بشتى الوسائل والأساليب المتاحة للتعبير عن الاعتزاز بالحركة الطلابية والشعبية المتعاظمة داخل الولايات المتحدة والدول الغربية التابعة لها ودعمها، والتأكيد لها أنها ليست وحدها في معركتها التي يبدو (كما جاء في البيان) أن عنوانها فلسطين، ولكنها في حقيقتها معركة ضد كل أشكال الهيمنة. هكذا قرأ «القومجية» المشهد الأمريكي، وهكذا قرّروا الشوشرة عليه، فالطلاب الأمريكيون هبوا ضد إدارة بايدن الداعمة للعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، ومطلبهم الواضح والصريح هو وقف الدعم لإسرائيل، ووقف إطلاق النار في غزة. الصورة واضحة لا لبس فيها، ولا تحتاج أصواتا خارجيّة للحيلولة دون سماع صوت الداخل الأمريكي بوضوح. بيان «القومجية» يشير إلى المحاولات الحثيثة، التي تبذلها الحركة الصهيونية العالمية وحلفائها في واشنطن وعواصم دول الأطلسي، من أجل محاصرة هذه التحرّكات في الجامعات الأمريكية، تمهيدا لإنهائها، وهذه الحقيقة تسلط عليها وسائل الإعلام العالمية الضوء، ونتنياهو يدّعى كذبا أن الطلاب الأمريكيين معادون للسامية، والطلاب متمسكون بموقفهم. و”الشوشرة” على ما تشهده الجامعات الأمريكية، ووصفه بأنه نواة جبهة عالمية مناهضة للهيمنة الاستعمارية والعنصرية، ولحركة عالمية لنزع الشرعية الدولية عن الكيان (الإسرائيلي) الغاصب، من شأنه تفريغ حركة الطلاب من مضمونها، وإعطاء الآلة الإعلامية الصهيونية الفرصة، للعزف على وتر مظلومية اضطهاد إسرائيل، وتأجيل وقف إطلاق النار في غزة، وإنقاذ أرواح الفلسطينيين، إلى حين – أو أحايين- حسبما يتم الفصل في «المظلومية» الجديدة، التي نخترعها بأيدينا. لا يمكن التعامل مع بيان «المؤتمر القومي العربي»، إلا باعتباره شوكة في ظهر القضية الفلسطينية التي تمر بمرحلة فاصلة في تاريخها، ولا تستأهل “الشوشرة” من فصيل «قومجي»، يقوده المناضل حمدين صباحي بصفته الأمين العام للمؤتمر، الذي يمارس دوره النضالي، وكأنه لم يغادر مدرجات الجامعة حتى الآن. واستحضار روح مؤامرة «الربيع العربي» لإشعال العواصم العربية، وجرّها إلى معارك داخلية بحجة مقاومة الهيمنة الاستعمارية، أصبحت لعبة مكشوفة للعامة، والدليل أن البيان الذي شاركه «المناضل» صباحي على حسابه في فيسبوك، لم يجد أدنى استجابة.. ولعله يرعوي، ويعيد حساباته في التعامل مع القضايا السياسية، خاصة القضية الفلسطينية، بعيدا عن الشوشرة التي لا تفيد إلا أعداءنا.

طال الانتظار

تزايدت التكهنات في الفترة الأخيرة حول احتمال حدوث تغيير وزاري، جزئى أو كلي. وذهب المشاركون في هذه التكهنات في اتجاهات شتى، وفقا لما أكده أحمد جلال في “المصري اليوم”: من بينهم من تنبأ ببقاء أسماء بعينها، أو بخروج أسماء أخرى، ومنهم من توقع تغييرا شاملا، أو تنبأ بعدم حدوث أي تغيير على الإطلاق. في المقابل، كان هناك من ترفعوا عن الخوض في التكهن بأي أسماء، مفضلين الإشارة إلى أهمية تغيير السياسات وليس مجرد تغيير الأشخاص. وحتى كتابة هذه السطور، ما زالت سوق التكهنات حافلة بالتخمينات. من جانبي، لن أحاول أن أنضم إلى أي من هذه الفرق المتباينة، رغم اتفاقي على أهمية الأشخاص والسياسات في ما يتحقق من نتائج على الأرض. القضية بالنسبة لي مرتبطة بتساؤل: ما هي المرجعية التي يتم على أساسها اختيار الوزراء، وهل تتفق هذه المرجعية مع الصالح العام؟ وهنا يحضرني ما قاله بيشوب ديزموند توتو، رفيق نيلسون مانديلا في مناهضة النظام العنصري في افريقيا الجنوبية: «هناك نقطة نحتاج عندها التوقف عن سحب الناس من النهر، والذهاب إلى المنبع ومعرفة سبب سقوطهم». في هذا الإطار، قد يكون من المفيد محاولة الإجابة عن ثلاثة أسئلة فرعية: أولا، كيف يتم اختيار الوزراء في الدول التي نسعى للحاق بها؟ ثانيا، ما هي معايير هذا الاختيار؟ وأخيرا، ماذا عن الدول التي لم تصل بعد لهذه الدرجة من النضج السياسي؟

خداع مقنن

ما هو معروف في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة أن الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية يتم تكليفه بتشكيل الوزارة، إذا كان نظام الحكم برلمانيا، كما هو معمول به في بريطانيا على سبيل المثال. وفي الحالات التي لا يتمتع فيها الحزب الفائز بأغلبية كافية، يتحالف هذا الحزب مع غيره من الأحزاب، كما أشار أحمد جلال، لضمان التصويت لصالح ما تعرضه الحكومة على البرلمان من خطط وسياسات وتشريعات. أما إذا كان نظام الحكم رئاسيا، مثل ما هو معمول به في أمريكا، فيقوم الفائز في الانتخابات باختيار وزرائه من الحزب الذي ينتمي إليه، سواء كانت الأغلبية البرلمانية من حزب الرئيس أو الحزب المعارض. وأخيرا، هناك نظم أخرى مثل النظام الفرنسي، الذي يجمع بين النظامين الرئاسي والبرلماني، وهذا أكثر النظم تعقيدا في التطبيق. لسوء الحظ، هذا هو النظام المعمول به في مصر بعد صدور دستور 2014. أما بالنسبة للعناصر الحاكمة في اختيار الوزراء في الأنظمة الثلاثة، فهذه لا تخرج بشكل أساسي عن عنصرين: الولاء والكفاءة. الولاء يأتي في المقدمة لاعتقاد السياسيين أن نجاحهم يتوقف على مؤازرة من حولهم لهم. أما عنصر الكفاءة، فدافعه الرغبة في النجاح في الجولة المقبلة من الانتخابات على كرسي الرئاسة، أو التمثيل البرلماني للحزب. هذا التوصيف قد يعطي انطباعا بأن الناخب في هذه البلاد هو سيد الموقف، وأن المنافسة السياسية تقود دائما لتبني سياسات تحقق المصلحة العامة، وهذا قد لا يكون صحيحا. ما نراه في الواقع أن رأس المال يؤثر عن طريق تمويل الحملات الانتخابية في توجهات القرارات السياسية في ما بعد، نحو مصلحة بعض الفئات على حساب البعض الآخر. ما يقف حائلا دون التمادي في هذا الاتجاه الخاطئ، ربما ما جاء على لسان إبراهام لينكولن أحد رؤساء أمريكا الأوائل، عندما قال: «يمكنك خداع بعض الناس طوال الوقت، وكل الناس بعض الوقت، لكن لا يمكنك خداع كل الناس طوال الوقت».

لعلها تحيا

من الأخبار التي تسعد العاملين في الصحافة الورقية زيادة أعداد الصحف الورقية الجديدة، والأكثر سعادة من وجهة نظر محمد الشماع في “الأخبار”، عودة بعض كبريات الصحف والمجلات إلى الظهور مرة أخرى، بعد توقفها عن الصدور بعد أن استمرت عشرات السنين في الصدور، ومن هذه الأخبار عودة صدور مجلة “لايف” الأمريكية العريقة التي اشتهرت في القرن العشرين بصدورها المميز شكلا وموضوعا بعد أن توقفت عن الصدور. عودة إصدار المجلة الشهيرة للصدور مرة أخرى على يد رائدة الأعمال كارلي كلوس من مؤسسة «بيدفورد ميديا» التي تتولى عودة إصدار المجلة بنسختيها المطبوعة والرقمية، جاء في بيان للمؤسسة أنها ستصدر مجلة «لايف»، لتكون بمثابة صوت يلهمنا ويوحدنا في ظل مشهد إعلامي فوضوي. المجلة التي تأسست عام 1883 كمنصة بارزة في التصوير الصحافي ونشرت أعمالا لأسماء مهمة وعالمية في المجال الثقافي والصحافي، ثم شهدت تراجعا لسنوات، ثم تغييرات كثيرة، إذ باتت شهرية بعد أن كانت أسبوعية قبل أن يتوقف إصدارها تماما. ثم عادت للصدور بنسخة رقمية إلى جانب إرشيفها الثري، كما ستنشر المجلة نسخا خاصة مختومة بشعار «لايف»، الذي يتخذ من الأحمر والأبيض لونين لها، مع تغيير في المحتوى الصحافي والإعلامي، لجذب وإعادة القراء للمجلة الشهرية مرة أخرى. من الأخبار السعيدة أيضا على المستوى المحلي زيادة مشاركة القطاع الخاص والمستثمرين، حيث تراجعت الاستثمارات الممولة من الخزانة العامة للدولة بنسبة 19% بما يعني إفساح المجال للقطاع الخاص للمشاركة في قيادة قاطرة النمو والاستقرار والتطور الاقتصادي، ذلك يسعد الشباب الذي يخرج لسوق العمل، ليجد وظائف جديدة، كما يسعد المستثمرين بإتاحة الفرصة أمامهم لزيادة المشاركة في المشروعات الإنتاجية والخدمية وتحقيق طموحاتهم في النجاح. ومن الأخبار السارة المطمئنة للعاملين في القطاع الخاص قيام وزارة التخطيط بمتابعة تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص وهي خطوة تستحق كل تقدير لوزارة التخطيط، حيث أن مسؤولية تطبيق القرار مسؤولية كبرى ذات شقين الأول ضمان توفير الحد الأدنى للأجور لتوفير حياة كريمة للعاملين، والشق الثاني مساعدة أصحاب الأعمال على الاستمرار في العمل وعدم التوقف.

الروشتة السحرية

كثيرة هي القمم الدورية والمنتظمة، التي جمعت قادة الاتحاد الافريقي مع نظرائهم، من التكتلات والدول المتقدمة والناهضة والغنية، بهدف توثيق علاقات التعاون والتضامن، فما هو الجديد الذي يمكن أن تضيفه القمة الافريقية – الكورية؟هذا السؤال طرحه كمال جاب الله في “الأهرام”، على نائب وزير خارجية جمهورية كوريا للشؤون السياسية تشونج بيونج وون، أثناء الالتقاء به في العاصمة سول أجاب السيد وون قائلا: “بلادنا تتفهم -بعمق- تحديات وتطلعات الدول الافريقية، أكثر من أي دولة في العالم، في ضوء مرور جمهورية كوريا بمرحلة استعمارية قاسية، إضافة إلى ويلات وتبعات الحرب الأهلية المريرة، في شبه الجزيرة الكورية”. لأن عقد القمة الافريقية – الكورية الأولى في أوائل شهر يونيو/حزيران المقبل، يجيء متأخرا عن قمم مع دول أخرى سبقتها، مثل: الولايات المتحدة، اليابان، الصين، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، روسيا، تركيا، الهند، والسعودية، يقول نائب الوزير وون: “ليس من بين هذه الدول واحدة مرت بتاريخ مشترك ومماثل لكوريا مع افريقيا، لقد تغلبت جمهورية كوريا على العقبات التي واجهتها، وحققت نموا ملحوظا، بمفردها، وبدعم خير من المجتمع الدولي، وقد آن الأوان لكي تقوم بلادنا برد الجميل للمجتمع الدولي، ودول الاتحاد الافريقي في المقدمة، بتبادل الخبرات في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما تطمح إليه كوريا”. باختصار، ومن باب التبسيط والمقاربة بين ما يوفره مجمع الطب التقليدي لزائريه في العاصمة سول، من وصفات ناجعة للاستشفاء، يصيغ نائب الوزير الكوري للشؤون السياسية “الروشتة السحرية” لعلاج الأوجاع التنموية الافريقية، بقوله: “كوريا تفتخر بامتلاكها حزمة متنوعة وبارعة من التقنيات والابتكارات التكنولوجية المتطورة، اللازمة للصناعات التقليدية، وبالإمكان توفير وتقديم هذه الخبرات، وتحديدا، في مجالي التعليم والتدريب المهني، لعدد وافر من الشباب الافريقي، لتلبية احتياجات بلدان القارة السوداء في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. ولعل القمة الإفريقية – الكورية المرتقبة، بتمثيل مصري رفيع وعالي المستوى، توفر هذا المناخ الواعد، لكي تتشارك كوريا مع افريقيا بمميزات فريدة، وبتجربة تنموية لا مثيل لها، تجسيدا للتضامن والتعاون الحقيقي بين الشعوب”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية