الفوضى ستظل مستمرة في العراق وسوريا حتى تغير واشنطن سياستها في المنطقة

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’ ترى صحيفة ‘واشنطن بوست’ أن الحملات التي قامت بها الدولة الإسلامية في العراق والشام ‘داعش’ لتوفير الخدمات للمجتمع، وتنظيم مناسبات إجتماعية للأطفال وأبناء المدارس في محاولة لنيل قلوبهم لم تنجح في إخفاء الطابع الشرس لها، والتي شملت على قطع الرؤوس في الأماكن العامة، والإختطافات مما أدى الى حالة من الغضب العام بين سكان سوريا في الشمال.
ووجد السكان أنفسهم تحت رحمة نظام صارم يحدد لهم الطريقة التي يعيشونها وطبيعة التصرفات المطلوبة منهم، مما دعاهم إلى تنظيم عدد من الإحتجاجات في المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش.

توسع أكثر من قدرته

وترى الصحيفة أن ‘داعش’ وتصرفاتها أدت لعزله عن السكان وكذا عزلت نفسها عن التنظيمات الأخرى.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه جبهة النصرة تأكيد حضورها وسمعتها بين الجماعات الأخرى كفصيل مقاتل وفاعل، كان لداعش موقفا آخر من القتال مع أن عدد مقاتليها يزيد عن 6 آلاف مقاتل معظمهم من الأجانب.
ويتساءل مراقبون إن كانت القاعدة ممثلة بداعش قد توسعت أكبر من قدرتها، وأعطت مظهرا من القوة لم يكن لديها. فبحسب أيمن جواد التميمي وهو باحث في ‘منبر الشرق الأوسط’ ومركزه فيلادليفيا الأمريكية فخطأ داعش هو أنها ‘توسعت بشكل كبير’ مشيرا الى أن تنظيما يواجه هجمات من أكثر من مكان لا يمكنه الدفاع عن نفسه. ومع أن الهجمات لا تعني ‘نهاية’ لداعش لكنها كشفت عن ضعف التنظيم وهشاشة استراتيجيتها، ويشير بالتحديد إلى تجربة التنظيم في الرقة التي ظلت ضعيفة على الرغم من المظهر الذي بدت فيه.
ويقول آرون لوند، الباحث في معهد مستقل لدراسات الشرق الأوسط، إن القاعدة همشت كل واحد في سوريا وعندما ‘حانت ساعتهم لم يقفز أحد للدفاع عنهم’ وهذا يفسر تجنب عدد من الجماعات المشاركة في القتال مثل جبهة النصرة التي دعا زعيمها أبو محمد الجولاني لإنهاء الإقتتال الداخلي بين الكتائب وانتقد أخطاء داعش وحملها مسؤولية ‘إشعال’ الصراع. ويقترح لوند أن التماسك بين صفوف المقاتلين ضد داعش يقترح مستوى من التنسيق بينهما. ويرى أن الهجوم يتساوق مع محاولات الولايات المتحدة وحلفائها إنهاء وتهميش الجماعات المتطرفة في سوريا.
ويقول لوند ‘من الواضح أن هناك بعض جماعات المقاتلين ممن لم يعودوا يستطيعون تحمل تصرفات داعش والتوتر بينهم وبينها حقيقي’، مضيفا إلى وجود عدد من الدول التي كانت تعمل على عزل الجهاديين.
ولاحظت الصحيفة إن المواجهة التي تخوضها القاعدة والتي يتشابك فيها الوضع العراقي والسوري تهدد باندلاع حرب أهلية في المنطقة.
وأشارت إلى التغير في مصير القاعدة التي كانت قبل أسابيع تتمتع بالسيطرة على شمال وشرق سوريا وتحكم هذه المناطق بقسوة ووحشية. وقال إن داعش بدت يوم الثلاثاء في حالة يرثى لها حيث تم إخراج مقاتليها من المدن والمناطق التي كانوا يحتلونها.
ومع ذلك لم يظهر على ‘الدولة’ أنها تريد التخلي عن مواقعها بسهولة حسب الصحيفة، ولكن التحالف ضد داعش لا يزال يمتلك المبادرة وله اليد العليا. وتقول إن النكسات التي تعرضت لها ‘داعش’ في سوريا على خلاف النجاح الذي حققته في الجار العراق، ولا ينفي هذا الوضع المأزق الذي تعاني منه القاعدة في العراق فهي تواجه تهديدا من القوات الحكومية وآخر من مسلحي العشائر.

العراق يخصنا

وفي هذا السياق حذر جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في بغداد، والزميل الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني من تداعيات الوضع في العراق وسوريا. وقال إن العراق يعيش مأزقا حاسما.
ويقول إن السبب الذي دعا القاعدة لحشد قوات لا يستهان بها هو الوضع في سوريا ونوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي وأفعال حكومته ‘الحاقدة’ ضد السنة أسهمت لحد كبير في توسع سيطرة القاعدة.
وكتب جيفري في ‘واشنطن بوست’ قائلا إن تصريحات الإدارة الأمريكية حول التعاون ودعم الحكومة العراقية تناقضت مع تصريحات جون كيري، وزير الخارجية الذي تعهد بدعم ممكن ولكن بدون قوات أمريكية على الأرض، لأن المعركة هي عراقية كما قال. وتصريحات كهذه تضعف ما التزم به كيري في البداية.
وهو يرى في تصريحات كيري انها غير مطمئنة للقبائل السنية التي تأمل الولايات المتحدة قيامها بمواجهة القاعدة، وكذا لم تكن مريحة لحكومة المالكي الذي يظل شيريكنا على الرغم من نواقصه.
ويشير إلى أن هناك مئات الألوف من الجنود العراقيين الذين تم الإنفاق على تسليحهم ببذخ من قبل القوات الأمريكية، وبعض هؤلاء تلقوا تدريبات عالية الجودة.
ولكنهم لا يريدون من الولايات المتحدة مضاعفة تسليحها كما ألمح وزير الخارجية ـ طائرات بدون طيارـ وصواريخ- أرض ـ جو، وتنسيق في المعلومات الأمنية ومكافحة الإرهاب ولكنهم بحاجة لدعم معنوي.
ويقول: كيف سيرد المالكي على عتاب الأمريكيين في حال قرر ضرب السنة العرب عندما نقوم ونؤكد أن الحرب ضد القاعدة هي حربه لوحده وليست حربنا؟

ليس من مصلحتنا

ويؤكد الكاتب أنه في مصطلحات الواقعية السياسية فالحرب في العراق هي حربنا، لأن عراقا غير مستقر تسيطر على غربه القاعدة بالتأكيد ليس في مصلحة الولايات المتحدة، هذا إن ‘أردنا تهدئة الشرق الأوسط وحماية الوطن’، ولن يكون في صالح صناعة النفط العراقية التي يؤمل أن تنتج بحلول عام 2020 ، ستة ملايين برميل نفط في اليوم.
ومع اعترافه بصحة قرارات إدارة أوباما فيما يتعلق بالشرق الأوسط لكنه يلاحظ أنها أي الإدارة كالعادة تطلق إشارات غير واضحة والتأكيد على أنها لا تريد التورط في عملية عسكرية وأنها تريد تجنب فيتنام أخرى، أو إرسال مجموعة من صواريخ كروز أو الإحتفاظ بوجود عسكري في أفغانستان أو حتى إرسال عشرات من قوات مكافحة الإرهاب لتقديم النصح للعراقيين حول كيفية إخراج القاعدة من الفلوجة.
وأدى هذا إلى خسارة أمريكا مصداقيتها في المنطقة على الرغم من الخطوات الجديرة بالثناء التي قامت بها الإدارة. ويرى الكاتب أن الهوس بالِشان المحلي واهتمام الإعلام بملامح السياسة الخارجية ليس أمرا غريبا على هذه الإدارة ففي هذه الخطوات والتصريحات التي اصدرتها حول سوريا والضربة المحتملة عليها وتصريحات الرئيس أوباما في حزيران/يونيو 2013عن مخاطر الإنزلاق في الحرب في سوريا، فقد كان الهدف هو تحصين الإدارة من النقد وأنها لم تكن قادرة على إنهاء المهمة كما فعلت الإدارة السابقة، وهو ما يناقض سياسة الإدارة المعلنة ‘إنهاء حروب أمريكا’ في الخارج.
ويعتقد الكاتب إن ما ينقص هذه التصريحات هو التعاطف مع أثر ها على الحلفاء والأصدقاء والأعداء. ويرى أنه حتى تتغير سياسة الولايات المتحدة فالفوضى ستظل تهدد الشرق الأوسط وكل مكان.
وقد أدى غياب الولايات المتحدة عن المنطقة إلى محاولة اللاعبين الإقليميين ملء الفراغ وهذا واضح في الموقف السعودي الذي بدأ يتخذ طريقه الخاص خاصة في المسألة السورية. ومن هنا خصصت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ مقالا لقراءة ما تراه تحديات وتناقضات في الموقف السعودي من الحرب السورية.
فالرياض تريد التخلص من نظام الأسد وفي الوقت نفسه تعتقل مواطنيها ممن يقبض عليهم وهم في طريقهم إلى هناك. وقدمت الصحيفة قصة جهادي سابق إسمه أبو الخطاب.

رحلة جهادي

تقول الصحيفة ‘في رحلته الثامنة لسوريا في آب/أغسطس شاهد أبو الخطاب شيئا أقلق راحته: طفلان ميتان جثتيهما ملطختان بالدم وملقتان في واحد من شوارع قرية تقع على شاطئ المتوسط، وعرف حالا أن من قام بقتلهما رفاقه من المقاتلين’.
في إشارة لهجوم جهاديين على قرى علوية في الصيف الماضي. ومنذ ذلك الوقت فقد قرر أبو الخطاب الذي يعمل في الإدارة بواحد من مستشفيات السعودية التوقف عن السفر بعد أن اكتشف كما يقول نقصا في ‘شروط الجهاد’ في سوريا ‘ فالكثير من المقاتلين يقتلون المدنيين وهو انتهاك لتعاليم الإسلام. فبعد محاولته إثارة انتباه قائده الشرس أبو أيمن العراقي عن سبب استهداف الأطفال قال له ‘إنهم كفرة’.
ومنذ ذلك الوقت قطع أبو الخطاب رحلاته لسورية، حيث كان يقضي إجازاته في الجهاد، وفي كل مرة كان يترك أولاده وزوجته لمدة إسبوعين قبل عودته لحياته العادية في الرياض.
واليوم يتطوع مرة في الإسبوع في واحد من مراكز إعادة تأهيل الجهاديين في العاصمة السعودية ويلقي مواعظه على نزلائه ممن تحاول الحكومة قتل الفكر المنحرف في عقولهم.

داعم رئيسي

وتقول الصحيفة ان رحلات أبو الخطاب لسوريا جاءت في وقت تجاوزت فيه حكومة بلاده شكوكها من الثورة لتتحول لأهم داعم لها وللمقاتلين الذي يعملون على الإطاحة بنظام بشار الأسد وبمن فيهم مجموعات معروفة بتشددها وتتعاون مع فصائل أخرى مرتبطة مع القاعدة. وتشير إلى أن كل ما يملكه السعوديون من وسائل لقتال الأسد وإيران الذين يريدون القضاء على نفوذهم هو المال والسلاح الذي يقدمونه للمقاتلين، ولأن أهم الجماعات المقاتلة وأكثرها كفاءة هي التي تضم إسلاميين فهذا الدعم يذهب في العادة لهم.

دروس أفعانستان

وترى ‘واشنطن بوست’ إن حالة الخيبة التي يشعر بها أبو الخطاب تمثل واحدا من التحديات التي تواجه السعودية وحكامها والمتعلقة بكيفية إدارة حرب بالوكالة في سوريا اعتمادا على جماعات مقاتلة ذات توجهات متشددة ليست قادرة على السيطرة عليها. ففي الوقت الذي تخشى فيه السعودية من صعود القاعدة في سوريا إلا انها لم تنس دروس الجهاد في أفغانستان عندما عاد ما عرف بالأفغان العرب إلى بلادهم وشنوا حربا على حكوماتها. وتمنع السعودية رسميا مواطنيها من السفر لسوريا للجهاد لكن الحظر لا يتم تطبيقه بشدة، ويعتقد أن هناك ألفا من المقاتلين سافروا لسوريا حسب وزارة الداخلية السعودية منهم من عائلات معروفة.
ومن هنا تقول الصحيفة إن أبو الخطاب يمثل كل هذه التناقضات الظاهرة في طريقة تعامل السعودية مع الوضع في سوريا.
وتقول الصحيفة إن حديث أبو الخطاب وشجبه لممارسات المقاتلين يتناقض مع موقفه من الشيعة والعلويين حيث يرى في بقاء العلويين وسيطرة الشيعة على سوريا ‘خطرا على بلاده’.
ويقول ‘ذهبت لسوريا لحماية بلدي’. ولم ينكر كما تقول الصحيفة أنه قاتل إلى جانب داعش.
من الحماس للخيبة

وتقول الحكومة السعودية إنها حثت أبناءها على عدم السفر لسوريا، ولكنها لا تستطيع ملاحقة كل سعودي يريد الذهاب إلى هناك.
ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية منصور التركي ‘نحاول منعهم، ولكن هناك حدود على ما يمكننا عمله’، مضيفا ‘ لا يمكنك منع كل الشبان من مغادرة المملكة، فهناك العديدون منهم يسافرون للندن وأماكن أخرى ومنها إلى تركيا ثم سوريا’.
ولا تختلف قصة أبو الخطاب وسفره للجهاد في سوريا، عن قصص الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم مندفعين لمساعدة السوريين بعد مشاهدتهم وقراءتهم عن الإنتفاضة عام 2011. وعندما سافر لأول مرة عام 2012 فقد سافر مباشرة من الرياض لمدينة أنطاكية التركية، حيث وجد هناك عددا من السعوديين ممن يحضرون لدخول سوريا، ولم تكن هناك إشارات كما يقول عن محاولة السعودية منعهم أو مراقبتهم.
وفي تركيا التقى بمقاتلين أجانب وفصائل سورية كانت مستعدة لتأمين سفرهم لجبهات القتال ويقول ‘كانوا يفضلون السعوديين لأن هؤلاء مستعدون لتنفيذ عمليات انتحارية أكثر من غيرهم’. بدأت الشكوك تساور أبو الخطاب مع انتشار الفوضى في داخل الميدان.
ويقول إنه كان يجد نفسه وسط مقاتلين يعتبرون حكام السعودية وإيران كفارا، وهو ما كان يجرح مشاعره، ومع ذلك لم يوقفه هذا عن القتال.
وفي النهاية قرر عدم العودة لسوريا بعدما شاهد قتل الأبرياء ولأن القتال لم يعد من أجل الله. فقد أصبح كل واحد منهم يقاتل من ‘أجل رايته’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية