الغارديان: نظام الأسد ينتقم من أحياء المعارضة في دمشق.. يهدمها بهدف “سوريا الجديدة”

إبراهيم درويش
حجم الخط
2

لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا  جاء فيه إن نظام بشار الأسد يقوم بتدمير ضواحي العاصمة السورية دمشق لبناء “سوريا الجديدة”. وكشف تحقيق أن الأحياء التي كانت في السابق معاقل للمعارضة تمت تسويتها بالتراب بذريعة تنظيفها من الألغام بشكل لم يبق للاجئين أي شيء يعودون إليه.

وفي التحقيق المشترك الذي أجرته “الغارديان” إلى جانب لايتهاوس ريبورتس، وسيريان انفيستيغتف ريبورتينغ فور أكاونتبليتي (سيراج)، وراديو روزنة، كشف تدميرا شبه كامل لحي القابون، أحد ضواحي دمشق، وهو واحد من الأحياء التي تم تنظيفها وأعيد تطويرها بطريقة لم تعد تشبه ما كانت عليه في الماضي، وتم تشريد سكانها في داخل البلاد أو أجبروا على الرحيل إلى الخارج بسبب الحرب.

وقاوم حي القابون نظام الأسد عدة سنوات وأفرغ من سكانه، لكنه كان قائما عندما سيطرت القوات السورية عليه في عام 2017، لكن الصور ولقطات الفيديو التي حصلت عليها الغارديان وشركائها في التحقيق، كشفت عن حي دفع ثمنا باهظا لمقاومته النظام واستخدم الجيش الأساليب الوحشية لتدمير مبانيه بذريعة التخلص من الألغام والمفخخات.

والقابون هو واحد من الأحياء التي تم تحديدها كمناطق  للمصادرة ضمن خطط النظام لإعادة التعمير في مرحلة ما بعد الحرب، على أمل اجتذاب المستثمرين الاجانب في مجال العقارات. وتكشف خطط التخطيط المقترحة عن صورة مختلفة جدا للقابون  مقارنة مع أحياء الطبقة العاملة التي كانت موجودة قبل الحرب والتي لم يكن سكانها قادرين على استعادة أرضهم منذ نهاية الحرب، وحتى في ظل دول مثل الدنمارك وبريطانيا باتت تزعم ان دمشق آمنة لعودة المهجرين في الخارج.

ويتهم سكان الحي السابقين والباحثون نظام الأسد بأنه يقوم بعملية هندسة اجتماعية للمنطقة بعدما تحولت إلى مناطق للمعارضة المسلحة أثناء الحرب. وقالت مزينة سعدي، واحدة من سكان القابون السابقين تعيش الآن في  الدنمارك “إنه نوع من الانتقام من سكان القابون والتأكد من عدم بقاء شيء لكي يعودوا إليه”. وقالت “أعتقد أن هذه هي رسالة من النظام لسكان القابون أنه لم يعد لكم شيء هنا”. وتعرض ابن سعدي الأكبر للتعذيب في بداية الانتفاضة. وفي الوقت الذي غادرت فيه كل العائلة الحي عام 2012 كان القتال محتدما بين النظام والجماعات المسلحة التي ترفض قمع الجيش للمحتجين السلميين. واستعاد النظام القابون في النهاية عام 2017، وطرد الجيش ما تبقى في الحي من سكان، بمن فيهم  بعض أقارب سعدي، حيث التقط واحد من أقاربها صورا لبيتها قبل مغادرته، وكان قائما عندما وقع الحي تحت سيطرة النظام. \

في أيلول/سبتمبر  2017 أظهرت صور التقطتها الأقمار الاصطناعية تدمير بيتها والمناطق المحيطة به. وأعلن الجيش السوري في السنوات الأربع الماضية على حسابه في تويتر عن حوالي 1.000 عملية هدم في كل أنحاء سوريا. وشملت العمليات مناطق في درعا، جنوبي سوريا إلى حلب في الشمال، وبرر عمليات الهدم وبشكل روتيني على أنها “لنزع الألغام التي خلفتها الجماعات الإرهابية”، وتشير صور الأقمار الاصطناعية إلى عمليات هدم أوسع.

وبحسب الإعلام الروسي، فالجيش الروسي الذي يصف عملية تدريب مهندسي الجيش السوري بالمهمة الإنسانية، يقوم بمساعدة السوريين في عمليات نزع الألغام في عدد من ضواحي دمشق. ويكشف التحليل لمئات الصور ولقطات الفيديو ومنشورات وسائل التواصل الإجتماعي عن أشكال من  التفجيرات التي أدت لسقوط بنايات كاملة والمناطق المحيطة بها، وهو عمل لا يتناسب مع الأهداف الإنسانية التي يتحدث عنها النظام.

ونقلت الصحيفة عن بير هاكون بريفيك “عمل نزع الألغام الإنساني هي أنظمة مختلفة جدا في الهدف والنتيجة”. وقال إن الأساليب التي تستخدمها القوات السورية تؤدي لتجمع القنابل غير المتفجرة تحت الأنقاض بحيث يصعب نزعها. وأضاف “لا توجد طرق قصيرة لعمليات نزع الألغام. وعليك التعامل مع كل مادة على حدة. وعليك التفجير للسطح حتى تصل إلى الإسمنت” و “لو هدمت البناية فلا يعني أن القنبلة ستنفجر، وهذا الأسلوب معروف  في عمليات الهدم التي يقوم بها الجيش. ولكن هذه مناطق مدنية ويجب ألا تكون ضمن صلاحيات الجيش”. ومن البنايات التي دمرت هي إسكان  للضباط لم يكتمل ويعرف ببناية الأوقاف، وفي 2018 أظهرت لقطات فيديو الجيش وهو يراقب غمامة ضخمة من الغبار الذي أغرق كل شيء حول البناية. وكشفت صور الأقمار الإصطناعية أنه في الأسابيع التي تلت تم تفجير كل شيء في محيط البناية، بمساحة 500 مترا بما فيها مدرسة. وسيتم استبدال كل شيء بمساكن للاستثمار حسب الخطط التي شاهدتها الغارديان وشركائها في التحقيق.

 وترى سارة كيالي، الباحثة البارزة في منظمة هيومان رايتس ووتش أن عمليات الهدم ربما وصلت إلى جريمة حرب نظرا لعدم وجود هدف عسكري او عدواني في المناطق التي سيطر عليها الجيش. وأقرت الحكومة خلال الحرب تشريعا سمح لها بمصادرة الأراضي وبناء مشاريع عليها للإستثمار العقاري، بشكل جرد السكان من مساكنهم، نظرا للشروط التي وضعها النظام على المواطنين لاستعادة ممتلكاتهم مثل العودة إلى  سوريا والتقدم شخصيا بطلب استعادتها.

وتم هدم القابون بناء على قانون صدر عام 2015، مما سمح للسلطات بإعادة رسم حدود المناطق في زمن الحرب. ومن الناحية التاريخية، عاش سكان القابون في مساكن شعبية غير رسمية وعملوا في محلات تجارية وأعمال صغيرة وفي العمالة اليدوية. ولكن رؤية نظام الأسد للحي تقوم على تحويله لضاحية راقية من البنايات العالية والتي تتخلها المناطق الخضراء والقريبة من العاصمة والمرتبطة أيضا ببقية المدن من خلال الطريق السريع “أم فايف”.

وتقول الصحيفة إن خطة النظام لحي القابون هي جزء من خطته الأوسع لمدينة دمشق، عاصمة تجارية  ستتكون من مراكز تطوير حضري جديدة تقام على  الأحياء الشعبية القديمة، والمناطق الصناعية والمزارع. وأهم مشروع تم الترويج له هو مدينة ماروتا، وهو حي من العمارات العالية والحدائق الجديدة يخطط لبنائها في منطقة بساتين الرازي، الحي الشعبي الذي كان مركزا للمعارضة. ويرى الباحث جوزيف ضاهر، أن النظام السوري استخدم الحرب للدفع بخطط معدة سابقا لإعادة تنظيم دمشق والحصول على رأسمال من المستثمرين ومكافأة شبكاته. وقال “الحرب عادة ما تعمق السياسات الليبرالية الجديدة وإجراءات التقشف وتحقيق الخطط فضلا عن تحقيق خطط لم تكن قادرة على تحقيقها في فترة لا توجد فيها حرب أو أزمة”. و “هم يستخدمون الحرب لتنفيذ مشروع من هذا النوع واجه معارضة كبيرة قبل عام 2011”.

ويقول ضاهر إنه رغم عمليات الهدم التي قامت بها الحكومة فلا يوجد تحرك على خطة البناء نظرا لعدم وجود التمويل والمخاوف الأمنية.

ويضيف “النظام يكذب عندما يقول إنه يريد عودة اللاجئين، فهذا ليس هو الحال، فهو لا يريدهم ولا يملك القدرات أو البنى المالية للعناية بهم”.

وبعد 11 عاما من الحرب، يعيش 6.6 مليون لاجئ سوري في دول الجوار بدون أمل للعودة، بالإضافة إلى 6.7 مليون نازح في داخل سوري يعيشون في ظروف فقيرة ويعتمدون على المساعدات الإنسانية.

ووثقت منظمة “رايتس ووتش” و”أمنستي” حالات التعذيب التي تعرض لها العائدون من لبنان والأردن، مما يؤكد تردد أشخاص مثل سعدي للعودة. وفي تقرير لمنظمة “رايتس ووتش” نشر في تشرين الأول/أكتوبر جاء فيه إن العائدين تعرضوا لعمليات قتل خارج القانون والاختطاف وعانى معظمهم من الحصول على المواد الأساسية في مرحلة ما بعد الحرب. ولم ترد لا الحكومة السورية أو الروسية للتعليق.

وبالنسبة لسعدي فلا مجال للعودة بعدما هدم حيها. وفي الدنمارك بدأت الحكومة بتجريد اللاجئين السوريين من إقامتهم وطلبت منهم العودة إلى دمشق التي باتت منطقة آمنة. وجددت إقامتها عام 2020 لكن وضعها متقلب، ويجب على العائلة تجديد الإقامة كل عامين. وقالت “نحن متعبون أصلا وكل ما نريده استقرارا وعندما نحصل على شيء منه تبدأ الحكومة بالقول إن دمشق آمنة” و “نحن خائفون، ومن المستحيل العودة، فقد اعتقلت كل عائلتي واختفت وقتلها النظام، فهو نظام قتلة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ساري الفجر:

    تأبى النذالة أن تفارق أهلها

  2. يقول محمد عبد الله:

    هو بالأساس القابون منطقة مخالفات غير مرخصة وأراضي ملك الدولة . وفي أي لحظة سيتم الهدف سواء كانت بحرب ام لم يكن حرب ولا داعي للحق والتحريض ونشر القيل والقال . فكرو بمنطق وتحايد

إشترك في قائمتنا البريدية