العنصرية ستتحول إلى فاشية وعقيدة «استعلاء البيض»

حجم الخط
1

لنعترف بصراحة أن الفاشية والنازية لم تخلقا فجأة، بل مرّتا في خطوات: الديكتاتورية، القومية الشوفينية وتسييد الرأي بتفوق عرقي، أو لون على آخر، وكراهية عمياء له بلا أي حدود، وبذلك تتشكل العنصرية، وهذه تؤدي بالتأكيد إلى الظاهرتين الأبشع في التاريخ البشري، وهما النازية والفاشية، اللتان كانتا سببا في اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتكبيد البشرية عشرات الملايين من الضحايا، وتدمير بلدان بأكملها.
وكانتا تجسيدا فائقا للعنصرية، التي بلغت من القوة وقتها، ما جعلها غير محتاجة لأن تتوارى خلف أدنى ستار، أو تموّه عن نفسها بأي غطاء التجسيد الحالي الحيّ لما نقول هو دولة الكيان الصهيوني، التي سنّت 42 قانونا عنصريا ضد الفلسطينيين فيها، حتى أن عنصريتها تطال اليهود الشرقيين، وأقرب مثال، انتفاضة اليهود السود (الفلاشا) مؤخرا ضد التمييز العنصري الإسرائيلي ضدهم.
في الولايات المتحدة، وعلى ضوء حوادث القتل التي حدثت، ظهر مصطلح جديد منذ فترة هو: «استعلاء البيض». لقد نسبت «سي أن أن» إلى مسؤول في «أف. بي. آي» قوله: إن المشكلة الأمنیة الأولى في الولایات المتحدة الآن، التي تنتشر بسرعة، لیست تنظيم «داعش» ولا إیران ولا غیرھما، بل عقیدة «استعلاء البیض». وقد باتت تعبّر عن نفسھا بمجازر حقیقیة یذھب عشرات الضحایا جرّاءها، وقد تكررت خلال السنوات الأخیرة كمجازر حقیقیة، لیس في الولایات المتحدة وحدھا، بل وصلت إلى قارات أخرى.
ولكن ما جرى خلال یوم واحد في ولایتین أمريكیتین من مذبحتین بشعتین أخذتا أرواح نحو 30 شخصاً، ومعھم عشرات الجرحى، على أرضیة التفوق العرقي الأبیض! هذا یضع الأمر مرة أخرى على طاولة البحث. وحتى الآن، لا تُصنّف وسائل الإعلام الغربیة، ولا الدوائر الأمنیة مثل تلك المجازر باعتبارھا إرھاباً، وتحاول الھروب من ھذه التسمیة، لأنّھا باتت شبه علامة تجاریة احتكاریة للتنظیمات الجھادیة الإسلامیة، فصارت تتفنّن في انتقاء الأسماء، مع أن الفعل واحد، والنتائج متشابھة. والأھم أن مسألة «استعلاء البیض» تقوم على العنصریة، أما الأخرى فتتأسس على الفھم المغلوط للعقائد الدینیة. ومما لا شك فيه، أن أفكار الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية، وسياساته بعد نجاحه، ساهمت في إيجاد أرضية لقيام هذه العقيدة القديمة/الجديدة، فالتحريض ضد المسلمين والأجانب في الولايات المتحدة، كما طرد الآلاف منهم مؤخرا، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك، والتحريض على 4 أعضاء كونغرس من الحزب الديمقراطي من النساء، أهاليهن من أصول أجنبية، ومطالبته إياهن بالعودة إلى بلدانهن، كما التحريض الجديد على النائب الديمقراطي البارز إيلايجا كامينغز، وهو من أصل افريقي، ووصفه بأنه «متنمر متوحش» ويجب عليه أن يركز على تطهير بالتيمور، وهي دائرته الانتخابية، بدلا من انتقاد عمل ضباط الهجرة الأمريكيين على الحدود مع المكسيك. وأضاف ترامب أن دائرة كامينغز «تثير الاشمئزاز وتضيق بالجرذان»، ما أثار غضب الديمقراطيين الذين نددوا بـ»هجوم عنصري» جديد من جانب ترامب، مثلما نددوا بتصريحاته ضد أعضاء الكونغرس الأربع. كامينغز يترأس لجنة الرقابة في مجلس النواب، وقد وصف ترامب بالعنصري، وانتقد بشدة سياساته المتعلقة بالهجرة. نعم، التطرف العنفي الدموي لا دین له ولا یحكمه لون بشرة شخص، ولكنه یتأجج بوجود ظروف استثنائیة تضخ في شرایین الأشخاص والتنظیمات دماء الكراھیة والحقد، ولھذا فنحن نتوقّف أمام ما اعترف به مسؤول «أف. بي. آي» من أن «استعلاء البیض» أمر یزید في خطورته على خطر داعش وغیره. ولن ننسى أن بعض تصریحات المسؤولین الأمريكیین ومنھم الرئیس ترامب نفسه، تؤجج فكرة التفوق، وأن على الآخرین أن یقبلوا بذلك أو یعودوا إلى حیث أتوا.
وقد ارتفعت أصوات في الولايات المتحدة تطالب بالتعاطي بجدية مع التهديد الذي بات يمثله ما وصفته بـ»الإرهاب الأبيض» بعد حادثي تكساس وأوهايو. ساسة ديمقراطيون لم يكتفوا بذلك، بل ذهبوا لحد اتهام ترامب بـ»تغذية» هذا الإرهاب. وقال عدة مرشحين ديمقراطيين للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل: إن ترامب يتحمل المسؤولية بشكل غير مباشر. وأعاد المرشح الديمقراطي في السباق إلى البيت الأبيض بوتيجيج، في تصريح له لشبكة «فوكس نيوز» ما حصل إلى «ضعف سياسات ضبط سوق السلاح من جهة، وإلى ارتفاع وتيرة إرهاب محلي تحركه نوازع قومية بيضاء من جهة ثانية». وتفيد أرقام قدمها مركز الأبحاث «نيو أمريكا» بأن أعمال العنف التي ارتكبها اليمين المتطرف أوقعت من الضحايا أكثر مما أوقعته الهجمات، التي نسبت لإسلاميين متطرفين في الولايات المتحدة. ويرى روبرت ماكنزي المسؤول في هذا المركز أنه «حتى في عهد الديمقراطي باراك أوباما تجاهلت أجهزة الاستخبارات مرارا، تهديدات مصدرها اليمين المتطرف لأسباب سياسية». نعم منذ انتخاب دونالد ترامب عام 2016 ساد في أمريكا نقاش عام جديد، فالرئيس بات يتكلم بشكل مفتوح عن «اجتياح» المهاجرين، ورفض إدانة تظاهرات اليمين المتطرف في شارلوتسفيل في أغسطس/آب 2017، ودعا أخيرا نوابا في المعارضة من الأقليات «إلى العودة إلى بلدانهم»، وذهبت إليزابيث وارن، المرشحة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، إلى حد القول إن «الرئيس (ترامب) يحض شخصيا على العنصرية وعلى تفوق العرق الأبيض».

تنتشر الحركات العنصرية المتطرفة القائمة على الأيديولوجيات، التي تسعى إلى تعزيز الأجندات القومية والشعوبية في أنحاء مختلفة من العالم، ما يغذي العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب، وكثيرا ما يتم استهداف المهاجرين واللاجئين، وكذلك المنحدرين من أصل افريقي. وفي قراراتها المتعددة بشأن القضاء على العنصرية، أكدّت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أن جميع البشر يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، ولديهم القدرة على المساهمة بصورة بناءة في تنمية مجتمعاتهم ورفاههم. كما شددت القرارات على أن أي عقيدة للتفوق العنصري هي زائفة علميا، ومدانة أخلاقيا، وجائرة اجتماعيا وخطرة ويجب رفضها، إلى جانب نظريات تحاول تحديد وجود أجناس بشرية منفصلة. لقد قامت المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، وما يتصل بذلك من تعصب، في تقريرها الأخير عن النزعة القومية الشعوبية، بتحليل التهديد الذي تشكله الشعوبية القومية على المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، المتمثلة في عدم التمييز والمساواة. وأدانت الشعبوية القومية التي تقدم الممارسات والسياسات الاستبعادية أو القمعية التي تضر بالأفراد والجماعات، على أساس عرقهم أو أصلهم القومي أو دينهم، كما الفئات الاجتماعية الأخرى ذات الصلة.
في تقريرها عن تمجيد النازية على الإنترنت، حددت الأمم المتحدة الاتجاهات الحديثة ومظاهر تمجيد النازية والنازية الجديدة وغيرها من الممارسات التي تسهم في تأجيج الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري، وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب. وسلطت الضوء على التزامات الدول بموجب قانون حقوق الإنسان بمكافحة هذه الأيديولوجيات المتطرفة على الإنترنت. فضلاً عن مسؤوليات شركات التكنولوجيا في ضوء مبادئ حقوق الإنسان.
لقد عانى العالم في تاريخه الحديث من نظامي الفصل العنصري في جنوب افريقيا وروديسيا، اللافت للنظر أن دولة الكيان الصهيوني امتلكت أفضل العلاقات مع النظامين البائدين، اللذين أسقطا بفعل نضال الشعبين في البلدين. واعتبرت الأمم المتحدة، بالإضافة إلى 26 منظمة وهيئة دولية، الصهيونية، ظاهرة عنصرية، ولذلك اتخذت قرارها رقم 3379 الذي اعتمد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، الذي يحدد «أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». ولذلك، فإن ترامب المتهم بالعنصرية (ومثلما تشير استطلاعات الرأي الأولية، إلى إمكانية نجاحه لفترة رئاسة ثانية) يعمل ما بجهده، ويتخذ خطوات عملية من أجل مساعدة صديقه العنصري الآخر بنيامين نتنياهو، في الانتخابات المقبلة التي ستجرى في 17 سبتمبر/أيلول المقبل. بالتأكيد فإن التيارات القومية والشعوبية اليمينية المتمثلة في أحزاب، حققت نجاحات ملموسة في العديد من الدول الأوروبية ، ودول أخرى في العالم، فهي تنفست الصعداء بطروحات الرئيس ترامب.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية - كندا:

    أن ما اشار اليه الدكتور فايز رشيد حول القرارات العديدة التي اتخذتها هيئة الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنصرية ستبقى مجرد قرارات عظيمة على الورق. حقا ما قاله السلطان قابوس في وصف هيئة الأمم المتحدة بأنها مجرد منبر للتعبير عن ألرأي. وبهذا الخصوص هل يستطيع أي انسان ان يحدد القرارات التي اتخذتها هيئة الأمم المتحدة بشأن ما قامت به “أسرائيل” من أعمال مخالفة لمبادئ هذه الهيئة ألدولية والتي ألتزمت بها “أسرائيل”. لقد آن ألأوان لأعادة النظر في حل مجلس ألأمن وأيجاد هيئة أمم متحدة ذات سلطة تنفيذية لا تستطيع أي دولة التهرب من تنفيذ قراراتها.

إشترك في قائمتنا البريدية