العم بيبي

حجم الخط
0

في مطلع ولاية بنيامين نتنياهو الثالثة لرئاسة الوزراء وبعد عشرين سنة من عرضه نفسه أول مرة على الجمهور الاسرائيلي، يجري على شخصيته العامة تغييرا عاجلا. وهذا مسار خفي لكنه حاد قد تكون له آثار عظيمة الأهمية. ويُخيل إلينا أن آخر عائق أُزيل بعد انقضاء يوم الاستقلال مع حلول نتنياهو ضيفا على قاعة ‘إيرتس نهديرت’ (ارض رائعة). بل إن برنامج السخرية الأكثر لذعا وعضا، الذي جعل حياته مُرة على الدوام، لم يصمد للاغراء واستسلم لسحره. إن التحول قد تم أيتها السيدات والسادة.
اذا استثنينا جزُرا مفرقة في الهوامش فان نتنياهو لم يعد يثير النفور فقد احتضنه التيار المركزي. كان قد أثار في ولايته الاولى العداء، وأثار في الثانية معارضة قوية. وقد نشر أري شبيط في صحيفة ‘هآرتس’ تقريرا عنه كان عنوانه الأعلى ‘كراهية نتنياهو’؛ وكتب في الاسبوع الماضي مقالة عنوانها ‘عُزلة نتنياهو الثالث’. وهذا مثال ممثل. إن نتنياهو يثير العطف أو في الأكثر هز الكتف مع قول ‘هذا هو الموجود’، وهو حقيقة حياة. ليس هو إله ولا شيطانا، وليس والد الأمة حقا ومن المؤكد انه ليس الجد الأكبر الذي يجب ان نحطم شخصه. قُل منذ الآن: .
فهو كالعم، في الحسن والسيئ، هناك دائما. ولا داعي ولا حاجة الى ضعضعة وجوده. فهو معروف الى حد متعب، وحبيب لكن بمقدار. وهو كالعم اعتدنا على أخطائه وعاداته الغريبة. أهناك مخصص مالي ضخم لبوظة حمية الفستق والسوربيه فانيلا على حساب الجمهور؟ ليس هذا فظيعا، يُكحكح قليلا وينقضي الأمر. أهناك رحلة رسمية لا حاجة اليها لحضور جنازة مارغريت تاتشر العجوز التي لم يعرفها من قريب ولم يكن يتولى عملا في فترة توازيها؟ لا شيء، نتغاضى عن ذلك. هل يوجد خروج للتوحد شخصيا فوق قبر الأخ الذي قُتل في عنتيبة مصحوبا لسبب ما بمصور مكتب الصحافة الحكومي؟ نصرف النظر للحظة وينقضي الأمر. هل توجد الخطبة الألف وواحد عن الذرة الايرانية؟ من ذا يعُد، إن الشيء الأساسي هو أنه بعد لحظة سيغني أغنية ثنائية مع كيرن بيليس أو يُرتب ربطة العنق لمريانو إدلمان.
لا شك في ان الطاقات التي يبثها نتنياهو ويثيرها قد جرى عليها تحول. ويوجد تفسير جزئي لذلك في مسار حكيم ومنهجي يسير فيه الرجل نفسه، فهو يحرص على الابتعاد عن السوء. وتم استبدال الحذر الكبير جدا بالتهييج والاغراء الغريزيين. وما يزال الشعور بالمطاردة موجودا لكنه قد غُلف فقط بغلاف واقٍ. فلا يمكن ان نضبطه وهو يقول قولا هجوميا أو مُقسما. ولا يمكن في واقع الأمر ان نضبطه مع قول يتناول الملعب الداخلي فهو يحلق فوق ذلك كله. فليلعب الفتية أمامه، وليتشاجر أبناء العائلة كما يشتهون فهو ليس في الغرفة. إنه مثل عم طيب سيدخل مع البوظة بعد قليل.
ويكمن جزء آخر من التفسير في استكانة الساحة السياسية له، فقد بلغت الى ذروة رمزية بامتناع كتلة الوسط اليسار المنقسمة والمتشاجرة عن تنصيب مرشح بديل لرئاسة الوزراء. بل إن يئير لبيد وهو شهاب يتشكل وخصم محتمل في ظاهر الامر اختار ان يوصي الرئيس به وهكذا يجمد الشعور بأنه لا يوجد بديل. فنتنياهو من الأزل الى الأبد لا سواه.
إن الشيء المدهش هو ان كل شيء حدث فجأة وسريعا جدا وربما سريعا كثيرا ومن غير اسئلة. لكن هل يُجدي على الديمقراطية الاسرائيلية ان تطوي نفسها في سلطة فرد فعلية؟ وهل من المنطق ان يبقى مجتمع منقسم منشق يواجه اجراءات اقتصادية كبيرة من غير بديل زعامة؟ وهل من المعقول ألا يُتحدى الجمود السياسي الذي يؤبده نتنياهو من الداخل أبدا؟ وهل من الممكن ان دولة نوّمت نفسها مع حارس طفل في صورة عم حبيب تستيقظ ذات صباح على هجوم مصيري على ايران لمجرد روح الاجماع والشعور العائلي؟.

هآرتس 18/4/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية