العقوبات الأمريكية بحق المستوطنين المتطرفين: «قرصة أذن» أم سياسة جديدة؟

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة ـ «القدس العربي»: بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها معاقبة كتيبة «نيتسح يهودا» بسبب انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، عادت وتراجعت عن ذلك وفق تسريبات إسرائيلية كثيرة. وفيما أعلنت عن قرارها بمعاقبة بعض قادة المستوطنين على الخلفية ذاتها فإنها تزّود إسرائيل بمليارات الدولارات ما يبقي الفجوة بين أقوالها وبين أفعالها واسعة.

لذا يتساءل تقرير المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» هل العقوبات الأمريكية بحق المستوطنين هي «قرصة إذن» أم سياسات جديدة؟ عن ذلك يقول «مدار» في تقرير جديد إنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تقوم الإدارة الأمريكية باتخاذ مواقف تصفها بأنها أكثر تشدداً من بعض ممارسات المستوطنين، خصوصاً تلك التي تنطوي على العنف والإرهاب داخل مناطق الضفة الغربية المحتلة. ولكن، وفق «مدار» ليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تغير من لهجتها حيال «التوسع الاستيطاني» بحد ذاته، أم أنه مجرّد موقف من الإرهاب والعنف المتصاعد، وبالتالي هو اعتراض على الأسلوب. وعن ذلك يتابع «بيد أن العقوبات المتلاحقة التي تفرضها أمريكا على عدد متصاعد من المستوطنين، تتجاوز كونها مجرد «قرصة أذن» إلى ما يبدو أنه سياسة جديدة.

مخاوف بلينكين

ويقول «مدار» إنه في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 أثار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قضية عنف المستوطنين الذي تصاعد بشكل غير مسبوق خلال الحرب، سيما أن الاهتمام الدولي والإعلامي كان متجهاً بشكل حصري نحو مجازر إسرائيل في قطاع غزة. وينوّه أن بلينكن قد أبدى «مخاوف» من هذا العنف ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى ضرورة الإسراع في وضع حد له. ويشير تقرير «مدار» إلى أن هذه التصريحات تأتي وفي ذهنية الرأي العام الدولي هجوم المستوطنين المنظم على قرية حوارة مرتين وعلى قرية ترمسعيا في بداية العام 2023. وقد تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية بعد ذلك ليشمل ترحيل عائلات من مناطق جبلية، وقتل أكثر من 15 فلسطينيا، ومهاجمة منازل وقرى: في 5 كانون الأول/ديسمبر 2023 فرضت الولايات المتحدة قيوداً على الحصول على الفيزا لدخول الولايات المتحدة بحق عدد من المستوطنين الذين ظلت أسماؤهم طي الكتمان كجزء من إجراء أرادت من خلاله الولايات المتحدة أن «تردع» مستوطنين آخرين من استخدام العنف في الضفة الغربية.
وفي بداية شباط/فبراير 2024 أصدر الرئيس جو بايدن أمراً تنفيذياً يفرض عقوبات على مستوطنين «يقوضون السلام» من خلال استخدام العنف والقيام بالتهجير وتدمير الممتلكات في الضفة الغربية المحتلة. ويشمل الأمر حظراً على التبرع الأمريكي لهم وإلى جانب الولايات المتحدة، كانت بريطانيا أيضا تتخذ خطوات مشابهة تجاه عنف الاستيطان فقد فرضت بريطانيا في 1 شباط /فبراير2024 عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين «متطرفين» لارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. تشمل هذه العقوبات قيودا مالية وقيودا صارمة على سفر المسؤولين عن أعمال العنف. وفي 14 آذار/مارس 2024 تصاعدت لهجة الولايات المتحدة عندما أعلنت أسماء ثلاثة مستوطنين فرضت عليهم عقوبات وبؤرتين استيطانيتين في الضفة الغربية لتورطهم في أعمال عنف ضد الفلسطينيين. وبرأي «مدار» فقد مثلّت هذه الخطوة تصعيدا في جهود إدارة بايدن لمعالجة عنف المستوطنين وقوبلت بانتقادات شديدة من الصهيونية الدينية وقادة الاستيطان. وتأتي في أعقاب فرض المملكة المتحدة عقوبات على أربعة مستوطنين منوها أن العقوبات قد قوبلت بانتقادات من الجماعات الدينية الصهيونية الإسرائيلية وبدعم من نشطاء السلام الإسرائيليين.

الاتحاد الأوروبي

ويستذكر «التقرير» أنه في 19 نيسان/ابريل 2024 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مستوطنين أفراد، وأدرج منظمتي لاهافا وشبيبة التلال على القائمة السوداء وفي 20 نيسان/ابريل 2024 نشرت الصحافة الإسرائيلية أن الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات على كتيبة نيتساح يهودا، وهي كتيبة للجيش الإسرائيلي تعمل في منطقة رام الله- سلفيت، وينضم إليها بالعادة المجندون المتدينون القوميون والمستوطنون. ويذكر أن هذه الكتيبة كانت قد قتلت في أيلول/سبتمبر 2022 فلسطينياً مسناً يحمل الجنسية الأمريكية، الأمر الذي دفع السفارة الأمريكية لدى إسرائيل لأن تطالب بتحقيق، وأجرت بالفعل مقابلات مع فلسطينيين ومنظمات حقوق إنسان لمعرفة المزيد عن هذه الكتيبة وعملها. ويتابع «مدار» في هذا المضمار: «ولا بد من التعريج سريعا على موقف الولايات المتحدة من الاستيطان. فمنذ السبعينيات، تنظر الولايات المتحدة إلى الاستيطان باعتباره عقبة أمام السلام. هذا الموقف العام يعفي الولايات المتحدة من إطلاق موقف صريح فيما إذا كانت الضفة الغربية محتلة وبالتالي فإن استيطان إسرائيل فيها هو غير شرعي، أو أنها مناطق متنازع عليها وبالتالي فالاستيطان فيها شرعي. لكن، في العام 2019 وفي نهاية ولاية ترامب، غادر وزير خارجيته جورج بومبيو هذا السكوت وأعلن بأن إدارة ترامب لا ترى في الاستيطان أمراً غير شرعي ولا تدعو إلى تفكيكه. وبعد ثلاث سنوات، ألغت إدارة بايدن إعلان بومبيو، وعادت لتقول بأن الاستيطان هو عقبة أمام السلام».

اليمين المتطرف

ويستذكر التقرير تصريحات إدارة بايدن في أكثر من مناسبة بأنها غير منسجمة مع الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، وأنها غير راضية عن رؤية اليمين المتطرف جزءا من الحكومة الإسرائيلية. وسبق أن قال الرئيس جو بايدن إن حكومة نتنياهو الحالية هي الأكثر تطرفا منذ «حكومة غولدا مئير». ويرى «مدار» أنه لم يكن واضحاً فيما إذا كان سبب عدم الانسجام هو السياسة الاستيطانية المتشددة التي يتبناها هذا الائتلاف الإسرائيلي، أو إذا ما كان السبب الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة التي تتعارض مع حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية.

نصف مليون مستوطن

ويشير إلى أن العقوبات المفروضة حتى الآن تطاول 3-5 مستوطنين من أصل نصف مليون، من بينهم 25 ألفاً يعيشون في البؤر الاستيطانية وفي ذات الوقت تقوم الحكومة الإسرائيلية نفسها بتنظيم، وتمويل، وحماية إرهاب المستوطنين وبؤرهم التي تتكاثر كـ»الفقع» في الضفة الغربية. خلال الشهور الـ12 السابقة، وزعت حكومة الاحتلال، من خلال وزارة الأمن القومي، آلاف البنادق على المستوطنين في الضفة الغربية، وفي كثير من الأحيان بدون الانصياع لمعايير توزيع السلاح ما مكن العديد من أصحاب السوابق الإرهابية من المستوطنين من التزود بالسلاح. كما أن الوزارة نفسها أغلقت مئات الملفات المقدمة ضد عنف المستوطنين. وقامت حكومة الاحتلال أيضا بشرعنة نحو تسع بؤر منذ بداية العام 2023 وتخصص ربع ميزانية مواصلاتها لتوسيع الاستيطان، وتمول عشرات الجمعيات والمنظمات التي تتبنى «الاستيطان الرعوي». وعلى خلفية كل ذلك يقفز السؤال المنطقي الأساس هل يعقل أن تعاقب الولايات المتحدة عددا من المستوطنين وتتجاهل حكومة الاحتلال التي احتلت الأرض الفلسطينية وتواصل زرعها تهويدا واستيطانا واعتداءات على المدنيين؟ وهناك حتى عدد من المراقبين الإسرائيليين ممن يعتقدون أن ما تقوم به الولايات المتحدة حيال الاحتلال وجرائمه بحق الفلسطينيين هي نقطة في بحر، وأن الفجوة بين أفعالها وأقوالها كبيرة جدا. يشار هنا أن الرئيس الأمريكي بايدن قد زار الناصرة خلال أيلول/سبتمبر 1973 بصفته سناتور ووقتها التقى عبد العزيز زعبي وهو نائب عربي لوزير الصحة الإسرائيلي وقال وقتها إنه قلق من صعود اليمين في إسرائيل ومن وقتها مرت 50 عاما وما زال بايدن يكتفي بالقلق!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية