الرّسالة الكهربائية…

حجم الخط
0

الإضاءة، المُكيّف، الثّلاجة، المروحة والمكنسة الكهربائية، فُرن الطّهو، الخلاّط، التلفزيون، جهاز الكمبيوتر، شبكة الهاتف، إضافة إلى عتاد المصانع، ومضخات الصرف الصحي، كل هذه الأدوات وغيرها الكثير تتحوّل إلى خردة من غير التيار الكهربائي.
«لا ماء، لا كهرباء، لا وقود، لا طعام» كان هذا تهديد وزير الحرب الإسرائيلي الذي بدا كأنه ركّب قناعاً على وجهه، وخصوصاً أنّ الترهل المتدلي تحت ذقنه يبدو كأنّه وجهٌ مطاطي، وقد سَرت إشاعة زعمت أنه قتل في الأيام الأولى للحرب، وأنَّ هذا الشخص الذي يظهر، يرتدي قناعاً يشبه أقنعة الممثلين، شخصياً لم أقتنع بهذه الدّعاية، رغم أنّني حاولت التمعن في الصورة لاستكشاف حقيقة الترهّل تحت ذقنه.
في اليوم الثاني من أيام الحرب، توقّفت شركة الكهرباء عن العمل بحجّة عدم وجود وقود لتشغيل محطّة توليد الكهرباء.
كان جدول الزّمن المعمول به للتّيار قبل الحرب هو ثماني ساعات وصل للتيار، مقابل ثماني ساعات انقطاع، وكان التعامل مع هذه الحالة ممكناً.
أحياناً في وذروة الصّيف تنخفض ساعات الوصل إلى ست ساعات، وحتى إلى أربعٍ فقط، بسبب تزايد الضّغط على مولّدات الشّركة، وفي هذه الحالة كان على ربّة المنزل أن تنجز كلَّ أعمال البيت المتعلّقة بالكهرباء، من غسلٍ وطهوٍ وكنسٍ وغيرها، في وقت محدّد، فتعمل كأنّها في سباق مع تلك اللحظة التي يصمت فيها كل شيء، بما في ذلك مصابيح الإنارة، التي تكون الدليل الأول الدامغ على انقطاع التيار.
مع انقطاع الكهرباء، أخذت معاناة الناس أبعادًا جديدة؛ أوّلاً، كل ما جرى تخزينه في الثلاجات من مواد غذائية سوف يفسد بشكل تام، ولهذا يجب التصرّف به قبل تلفه.
ثانياً، لا كهرباء لتشغيل المراوح أو المكيفات، وهذه معضلة أهوَن من غيرها، ويمكن التعامل معها.
كان زوجي قد اقتنى مجمِّدة (فريزر) بالتقسيط قبل الحرب بشهرين، فرحت بها كثيراً، لأنّه لبى لي طلباً قديماً حققه في يوم عيد ميلادي، فرحتُ بها، أخزّن فيها المانجا والفراولة والبامية والفول الأخضر والرّمان وورق العنب، والمعجّنات، إضافة للّحوم وغيرها.
بعد ساعات قليلة من انقطاع الكهرباء، بدأ كلُّ مخزون المجمّدة والثلاجة في الذوبان، وكانت تكلفة جميع ما خزّنته باهظةً جداً.
ما الحل؟ يجب التخلّص من المخزون بسرعة.
كان الأمل الوحيد هو مولّدات الشوارع، التي تعني إمداد البيوت لمن يرغب في خط كهرباء بتكلفه تصل إلى أربعة أضعاف تسعيرة شركة الكهرباء للكيلوواط.
كان هناك إقبالٌ شديدٌ على كهرباء المولّدات، التي كانت تعمل فورًا بمجرّد انقطاع كهرباء الشّركة الحكومية.
مع بداية الحرب، كانت المولدات تزوّدنا بأربع ساعات يومياً، وذلك لشحِّ السّولار الذي يشغّل المولد، وسرعان ما تقلّصت المدة إلى ساعتين، ثم إلى ساعة متقطعة أيضاً.
ماذا عسانا أن نفعل بالمحفوظات في الفريزر؟! أوّلاً قمت بطهو اللحم، وكذلك الفول، أما الدجاجتان فقد حفظتهما في ثلاجة محل قريب يبيع الدّواجن.
مسكينة البامية لقد فسدت تماماً، لأنّها كانت بكميّات كبيرة، تبقت المانجا والفراولة والرّمان، عصرت الفاكهة في دفعة واحدة، مستغلة وصول الكهرباء لساعة، ثم عبأتها في زجاجات ووزّعتها على الجيران في شقق العمارة، وخصوصاً أنّه كان ما زال بارداً في يومٍ حارٍ جداً، وما لبثت أن تلقيت عدداً من الرسائل على مجموعة الجيران في «الواتس آب» وكذلك على الخاص وعلى «الماسنجر» الشّكر والدّعاء لي «إلهي يسقيك من ماء زمزم» و»ربّنا يبرّد عليكِ زيّ ما برّدت علينا» و»تسلم إيديكِ على العصير الزاكي» و»الله يسقيك من ماء الجَنّة»، فأردُّ على الجارات كلّ واحدةٍ باسمها «صحّة وعافية على قلبك حبيبتي».
إذا ألقيتَ نظرة إلى حارتنا، ترى أنّ معظم الناس تركوا الشقق والبيوت والأكواخ وخرجوا إلى الشّارع، لأنّ الحرّ لا يطاق في داخل البيوت، وخصوصاً في البيوت التي معظم جدرانها من الزنك، فهي تتحوّل إلى أفران في الصيف، وثلاجات في الشتاء، يخرجون منها للجلوس في ظلال الأشجار القليلة في الشّارع، ويمكثون إلى آخر الليل، أراهم من الشرفة وهم يؤدّون الصلوات في الشارع.
في ظل انقطاع الكهرباء، ازدهر تركيب الخلايا الشّمسية وذلك قبل غلائها الخيالي قبل الحرب، وكان هذا لذوي الإمكانيات والميسورين ممن يملكون النقود، أما أكثرية الناس فكان الاتجاه إلى استخدام البطاريات للإنارة بنظام مصابيح صغيرة جداً تسمّى (ليدّات)، ولكن كانت المشكلة في شحن البطارية، في حال انتهاء شحن البطارية تنطفئ (الليدات) حتى اليوم التالي حيث تشحن من جديد.
البطارية لا تعمل سوى ساعات محدودة، وهذا يتعلق بجودتها وشحنها، فليست كلّها سواء، وبعضها مخيّب للآمال وسريع النفاد.
السُّؤال: كيف نشحن البطارية بينما الكهرباء مقطوعة من أصله؟!
ببساطة، استغل بعض الناس هذه الجزئية، وجعلوا منها مصدراً للدّخل، فأقاموا نقاطاً لشحن الجوالات والبطاريات، بتكلفة شيكل واحد للسّاعة الواحدة.
هنالك من لا يستطيع دفع النقود لشحن بطاريته أو جوّاله، وينتظر فاعل خير أو صديق أو قريب يتبرّع له بشحنها مجاناً لوجه الله تعالى.
نقاط الشّحن هذه تعتمد على من لديه ألواحٌ شمسية أو مولّدات.
كانت فكرة الاتّجار بالكهرباء مربحة جداً قياساً بأعداد الجوالات والبطاريات وغيرها من عتاد.
(أبو موسى) صاحب محل بيع الدّواجن والمجمّدات، يملك ألواح طاقة شمسيّة ولديه نقطة شحن، ومُجمِّدة (فريزر) كبيرة استغلها لمن يرغب في تجميد بعض المواد. تكلفة حفظ دجاجة في الفريزر هي شيكل واحد لليوم، يعني حفظ خمس دجاجات يكلّفك خمسة شواكل يومياً، وإذا طال أمد التجميد، ستجد نفسك قد دفعت ثمن الدجاجة مرة أخرى مقابل تجميدها.
على مواقع التواصل ترى كثيرين يبحثون عن بطاريات كبيرة لتشغيل المراوح.
طبعاً، لا بد للصين أن تتدخّل باختراعاتها، فقد صمّمت مراوح تعمل على البطاريات دونما حاجة إلى تيار كهرباء، صحيح أن حركتها ضعيفة، ولكنها تؤدي الغرض، أو أحسن من لا شيء في ظل الحرّ الشّديد.
في حال عدم وجود مراوح، نستخدم صواني البلاستيك الخفيفة أو قطعة من الكرتون، أكثر بيوتنا متعانقة بقوّة، فلا نستطيعُ فتح الشّبابيك لاستقبال الهواء.
في حال عدم توفّر مصدر للإضاءة نهائياً في الليل، فإننا نعتمد على ضوء هواتفنا وقت الضرورة مع حرصنا الشّديد على ما في الجوّال من طاقة، كي لا ينطفئ بدوره، طبعاً فإن الإنترنت ينفصل تلقائياً مع انقطاع الكهرباء.
نضيف إلى هذا توقّف تشغيل مضخات الصرف الصحي لشحّ الوقود، فالشوارع مليئة بالمياه الملّوثة، وما يرافق هذا من بعوض وروائح كريهة.
أما انقطاع المياه فله قصته، فإذا كانت الحياة من غير كهرباء صعبة جداً، فإنها مستحيلة من غير المياه، وتلك قصة أخرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية