الرصيفة الأردنية مدينة الهجرات الثلاث وامتزاج المكونات

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: لا يعرف بالتأكيد غالبية أبناء ومواطني وسكان مدينة الرصيفة شرقي العاصمة الأردنية عمان بأن مدينتهم تجلس على أكتاف سيل الزرقاء ولها سجل تاريخي حافل بحكم هضابها وهوائها العليل، وتقع في مربع مفترق طرق صحراوي عبر التاريخ.

وكل ما يعرفه أبناء المدينة انهم يعيشون في واحدة صنفت باعتبارها من أكثر المدن اكتظاظا في العالم وليس في الأردن فقط، طبعا السبب هو نسبة السكان الذين يقترب عددهم من 600 ألف مواطن على الأقل قياسا إلى الرقعة الجغرافية أو مساحة المدينة.
تلك الكثافة السكانية برأي ممثل المدينة الأعرق في البرلمان الأردني محمد الظهراوي ميزة جيو سياسية وديموغرافية لواحدة من المدن الأساسية في وسط الأردن.
وعدد سكان مدينة الرصيفة المزدحمة جدا وذات الكثافة السكانية الكبيرة يشكل علامة لا يمكن إسقاطها من أي حساب عندما يتعلق الأمر بتلك المدينة التي بدأت بلدة صغيرة على ضفاف بعض المصانع ثم سرعان ما توسعت وأصبحت تجلس بوقار كما يقول الباحث خليل القيسي المختص بتاريخ المدن، بين حوضي مدينة الكثافة السكانية الأولى في الأردن وهي الزرقاء ثم العاصمة عمان.
القيسي أشار على هامش نقاش بحثي مع «القدس العربي» إلى أن القدر الجغرافي نقل طابعه وملامحه الحادة والخاصة على مدينة الرصيفة الصغيرة والتي تعتبر ممرا إجباريا لكل أردني يتحرك بين أكبر مدينتين وهما عمان والزرقاء أو يريد التحرك من المدينتين باتجاه شرق الأردن حيث منطقة الأزرق الصحراوية والحدود مع السعودية ومحافظة المفرق.

مدينة الديموغرافيا

هذا التوزيع الجغرافي وسط الطرق البرية الأساسية لمدينة الرصيفة كان له تأثير سسيولوجي واجتماعي ومعرفي حسب القيسي وغيره من الباحثين على طبيعة أهل المدينة وعلى جغرافيتها.
ورغم أنها من المدن التي كانت تتميز قبل أكثر من 60 عاما بوجود استراحات جبلية فيها والنشاطات السياحية ومطربين يحضرون من سوريا ولبنان للسهر مع أهلها، إلا ان التجول في أحياء مدينة الرصيفة الكبيرة بعدد السكان والتي توسعت جغرافيا لا يؤسس انطباعا من أي صنف حول واقع سياحي. فالطرق صغيرة ومزدحمة وبلدية الرصيفة تبذل جهدا كبيرا في تجميل وتزويق ما يمكنها من مرافق المدينة وحدائقها.
والمدينة ممر إجباري في كثير من الأحيان بطرق النقل البري ولحركة المارين والعابرين من العاصمة إلى الزرقاء أو إلى المفرق وصحراء الأزرق.
بكل حال ثمة علاقة عشق بين تلك المدينة وأهلها وفقا للظهراوي وغيره من ممثلي المدينة التي تحظى بموجب القانون بمقعدين فقط يمثلانها في البرلمان.
وطوال الوقت على هامش نقاشات الإصلاح السياسي والانتخابي في الأردن تضرب مدينة الرصيفة مثلا باعتبارها العنوان الأبرز على الظلم في التمثيل الديموغرافي السياسي، فهي من أصغر المدن في الجغرافيا لكنها تحتل في الأردن المرتبة الرابعة من حيث عدد السكان وهذا وضع يدفع لمقارنة عدد سكانها بمقعدين برلمانيين فقط قياسا بمدن أخرى تحظى بستة أو سبعة مقاعد في البرلمان مع ان عدد سكانها أقل بكثير من عدد سكان الرصيفة.
ولذلك الواقع الانتخابي في مدينة الرصيفة بحد ذاته تجاذبي وللمدينة دور أساسي في التأثير على خريطة التمثيل البرلماني لمدينة الزرقاء أيضا، وسياسيا يقر توفيق العالم وهو راصد سياسي وحزبي بأن مدينة الرصيفة منجم من الأصوات في الانتخابات وتعتبر دوما من معاقل الحركة الإسلامية في الأردن بسبب كثافة السكان وتلاصق الأبنية والمزارات والبيوت في نحو 11 حيا شعبيا في أطراف وعمق ووسط تلك المدينة خلافا لأن الأحزاب السياسية تنشد البحث عن حضور جماهيري بين الحين والآخر عبر مدينة الرصيفة.
والأمر لا يقف عند هذه الحدود، فأهل الرصيفة المتعبون الذين يقولون إن مدينتهم تفتقد للترفيه وللمرافق السياحية وللتمثيل السياسي المنصف لا يعلمون حسب القيسي والعالم بأن مدينتهم لها جذور ضاربة في التاريخ خصوصا وأنها بدأت ببلدة سكانية عبارة عن تجمعات لمقر العمال والموظفين حول مصنع الفوسفات الضخم الذي اقيم في عمق تلك المدينة عام 1934 وفي مدينة الرصيفة نشاط صناعي يعتد به ولا يمكن تجاهله وتعتبر المكان الأول في صناعات التعدين والصناعات التحويلية.
جغرافيا تقع مدينة الرصيفة على الطريق الواصل بين عمان ومدينة الزرقاء وتتميز بموقعها الإستراتيجي ما بين العاصمة عمان ومدينة الزرقاء وهي مشهورة بوجود مناجم الفوسفات فيها.
ويبلغ عدد سكانها حوالي 500 ألف نسمة وفقا للإحصاء الرسمي الأخير قبل سنوات لكن العدد الآن يزيد عن 600 ألف من المواطنين، وهي من أعلى المدن الأردنية من حيث كثافتها السكانية إذ تبلغ حوالي 10851.4 نسمة/ كم² ويشار للمدينة بأنها رابع أكبر مدينة أردنية من حيث عدد السكان.

قصة الازدحام

وتسرد منصة إلكترونية متخصصة بالمدن الأردنية قصة «الازدحام السكاني» الشديد في الرصيفة حيث اكتشف معدن الفوسفات في عمق جبال المدينة عام 1934 وتقرر تأسيس شركة مناجم الفوسفات الأردنية وكذلك إقامة العديد من الشركات والمصانع الكبرى مثل شركة الإنتاج الأردنية ومصنع الأجواخ وذلك في منتصف القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى ضرورة توفير المزيد من الأيدي العاملة والفنيين المهرة والخبراء المختصين واستقطابهم للعمل في تلك المصانع والشركات ما ساعد على تكوين بيئة مناسبة للسكن مع أسرهم وذويهم والإقامة في تجمعات سكانية بسيطة قريبة من أماكن العمل.
لكن الإطار الصناعي ليس وحيدا في التسبب بالازدحام السكاني، فمدينة الرصيفة تعاملت سكانيا مع 3 هجرات سكانية متتابعة خلال نصف قرن وكانت تجمعا للعديد من مكونات الأقليات خصوصا من اللاجئين الفلسطينيين والشيشان خلافا لأن بعض حاراتها المقام الأساسي لبعض عشائر قبيلة بني حسن الشهيرة.
تهجير الفلسطينيين بعد احتلال فلسطين عام 1948 نتج عنه حالة الهجرة الأولى في الرصيفة وتلاها الثانية بعد نكسة حزيران عام 1967 ونزوح مئات الألوف من الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك عودة المغتربين من الخليج بعد حرب الخليج الثانية في عام 1990 وخاصة من دولة الكويت واستقرار الآلاف منهم في شمال المدينة حيث تكونت الأحياء الجديدة (حي القادسية وحي الرشيد وحي جعفر الطيار).
وأقام عدد كبير من العائدين حصرا من الكويت في أحياء المدينة عند أقاربهم حيث الرصيفة المكان المناسب اجتماعيا للعديد من المغتربين الأردنيين والفلسطينيين.
وهذه الهجرات والتجمعات السكانية دفعت باتجاه عوامل إضافية في نمو المدينة حيث إقامة العديد من المشاريع الإسكانية الكبيرة من قبل مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري والتي استوعبت عشرات الألوف من السكان وكذلك قربها من العاصمة عمان ومدينة الزرقاء والتي لا تبعد عنها سوى أربعة كيلو مترات وسهولة المواصلات من وإلى أماكن العمل.
يقول بحث على منصة مدن الأردن: سبقت مدينة الرصيفة زمنها الافتراضي بخمسين سنة، فالوضع السكاني الحالي كان متوقعًا عام 2035 والدراسات الحالية تنصب على توقف الزحف السكاني الأفقي باتجاه الشمال الغربي لاستيعاب النمو الطبيعي للسكان لعام 2035.
ويعني ذلك أن الرصيفة هي المدينة التي تخالف الأنماط العلمية في التجمعات السكانية ولا يمكن التنبؤ بتداعيات السكان فيها لأن الباحث القيسي يصف المدينة بانها تلك البلدة الصناعية الجامدة التي تحولت إلى واقع أسقط الفرضيات الطبيعية.

هضاب على أكتاف نهر

تمتد الرصيفة من حدود أمانة عمان غربا إلى حدود بلدية الزرقاء شرقا ومن شارع الأوتوستراد جنوبا إلى حدود بلدية الزرقاء شمالا. وتقع على مجموعة من التلال والهضاب والروابي المتوسطة الارتفاع ويخترقها وادي سيل الزرقاء بطول 8 كم.
وتشكل مياه الأمطار نسبة كبيرة من مياهه إضافة إلى مياه الينابيع العذبة التي تنساب من وسطه حتى مصبه في سد الملك طلال وأشهرها نبع رأس العين حيث قامت سلطة المياه بإنشاء العديد من آبار المياه التي تغذي المدينة والعاصمة عمان بمياه الشرب حيث أن مجرى السيل يقسم مدينة الرصيفة إلى نصفين، إحياء شمالية وجنوبية تتوسطها البساتين الجميلة ذات الأشجار والفواكه والخضراوات والتي كان يؤمها الزوار والمصطافون من كافة مدن المملكة.
ومناخ المدينة يتميز بالاعتدال في الصيف والشتاء وهي ترتفع عن مستوى سطح البحر 700 متر تقريبا ومعدل هطول الأمطار يبلغ حوالي 300 مم وتتعرض لتساقط الثلوج في بعض المواسم.
معظم أحياء المدينة مخدومة بكافة خدمات البنية التحتية من مياه وصرف صحي وكهرباء واتصالات ومواصلات وشوارع داخلية معبدة تربط أحيائها مع بعضها البعض، وطرق خارجية رئيسية نافذة تربطها مع المدن الأردنية حيث تخترقها ثلاثة شوارع رئيسية، من الجهة الجنوبية طريق الأوتوستراد ومن الوسط شارع الملك حسين (عمان الزرقاء القديم) ومن الشمال شارع الملك عبد الله الثاني (ياجوز) كما يمر منها الخط الحديدي الحجازي الذي أُنشئ منذ العهد العثماني في بداية القرن العشرين والذي كان يربط بلاد الشام بالحجاز وما زالت تسلكه القطارات حتى الآن ولكن لأغراض سياحية داخلية فقط.
التاجر سالم عبادي من أبناء مدينة الرصيفة شرح لـ«القدس العربي» بأن أسواق المدينة تتميز بنشاط اقتصادي تجاري كبير وحركة نقل نشطة بسبب وجود عدة مصانع حيث يتنقل العمال والموظفون والبضائع، الأمر الذي تطلب طبعا إقامة مركز للشؤون البلدية ومراكز أمنية ودوائر حكومية خدمية وحتى محاكم نظامية وشرعية والعشرات من المدارس الحكومية والخاصة والأسواق والمراكز الطبية.
ويوجد في المدينة حسب عبادي ما يقارب خمسة آلاف منشأة حرفية وصناعية وتجارية تستخدم الآلاف من العمال والفنيين المهرة وذوي الكفاءات من أصحاب الشهادات المتخصصة حيث تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل للشباب الأردنيين وتسهم في الحد من البطالة بين أبناء المدينة وتشرف على أعمال ونشاطات تلك المؤسسات بموجب القوانين والأنظمة التي تخولهم ممارسة المهن أجهزة البلدية المختصة والغرفة التجارية وغرفة الصناعة.

رصف

أصل كلمة الرصيفة وفقا لمدلولات البحث من «الرصف» ومفرده «رْصفَة» وتعني «السد المبني للماء» أو «الصهريج» والصهريج هو حوض ماء كبير ويبدو ان هذه التسمية نتجت عن أحواض الينابيع التي كانت تتميز بها المدينة.
والمدينة واقعة في الحوض الأعلى لنهر الزرقاء ولعبت التضاريس دورا مهما في زيادة أهمية موقعها حيث يخترقها نهر الزرقاء بمصاطبه ومنحدراته اللطيفة حيث يطلق عليه في هذا الجزء اسم «سيل الزرقاء» الذي يحاذيه على يمينه ويساره مجموعة من التلال تفصلها الأودية الصغيرة.
وقد اتخذ الرومان قديما من مدينة الرصيفة والتي كانت مأهولة بالسكان في ذلك الوقت محطة على الطريق الرومانية المسماة طريق تروجان والتي تصل ما بين البتراء وخليج العقبة ومدينة بصرى الشام.
وتقول منشورات دائرة الآثار الأردنية: أظهرت الدراسات والتنقيبات الأثرية في المدينة وجود عدة مواقع أثرية منها موقع خربة الرصيفة ورجم المخيزن وجريبا ومنطقة النقب وتل أبو صياح إضافة إلى مجموعة من الكهوف التي ترجع إلى العصور القديمة وهي نفسها على الأرجح الكهوف التي تم استهلاك بعضها في صناعة الفوسفات الذي ينظر له دوما باعتباره «بترول الأردن» لأنه يشكل الصناعة الإستراتيجية الأساسية في الاقتصاد الأردني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية