الرابعة فجراً بتوقيت فيصل القاسم

عندما كنت اشاهد الإعلان الأول عن حلقة فيصل القاسم مع شعيب كنت متشوقاً لرؤيتها لكن المشكلة كانت في الوقت الذي لم يساعدني في مشاهدتها في اليوم الأول للعرض.
الساعة الرابعة فجراً يرن المنبه في هاتفي فأستيقظ واقفاً أفتح هاتفي وأبحث في يوتيوب عن الحلقة وأبدأ بمشاهدتها فهو الوقت الأنسب لي قبل أن انطلق إلى عملي.
ثلاث ساعات تأخذك إلى عمق السياسة من جهة وإلى ذاكرة مليئة بالألم والتعب والكفاح من جهة أخرى.
هذه مقابلة الدكتور فيصل القاسم في موقع أثير مع الإعلامي شعيب.
استهل الدكتور فيصل حديثه مع مقابلته مع بعض الرؤساء وكيف أنه كان يوجه لهم بعض الأسئلة المحرجة عن بن لادن وغيرهم.
كان كل شيء واضحاً في اللقاء حتى أن انتماءه إلى تلك الطبقة الفقيرة التي كانت تعاني في تأمين لقمة عيشها أو كما أطلق عليها القاسم تسمية البروليتاريا تم تكرارها عدة مرات في اللقاء، وهذا يدل على أن الإنسان مهما حاول التخلص من البيئة الأولى التي نشأ فيها سيكون صعباً لأن العقل اللاوعي سيحتفظ بالصور والذكريات وسوف ينقلها إلى ساحة الشعور كلما مر موقف أو كلمة تلامس تلك المرحلة العمرية.
من جهة أخرى القوة في السياسة والتفكير السياسي النقدي الذي يتمتع به اليوم الدكتور فيصل القاسم لم تكن بسبب نشأته في بيئة سياسية أو فكرية اجتماعية، فبلدته “ثعلة” والتي تبعد عن محافظة السويداء السورية ما يقارب عشرة كيلومترات كانت أبعد ما تكون عن الحياة السياسية السطحية حتى وليس العمق السياسي.
الإعلام من وجهة نظره ليس حراً ولربما يتفق الجميع على هذا فأي مجال إعلامي بغض النظر هل هو مقروء أو مسموع أو مرئي إنما يتبع في حقيقة الأمر _أو لنستخدم مصطلح الدكتور فيصل_ أو في آخر النهار للدولة أو لشخص بنفسه وهذا الشخص أو الحزب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالدولة التي يعيش فيها أو مع جهات خارج حدود تلك الدولة، ويمرر بطريقة ما الأشياء التي تصب في مصلحة الجماعة التي يؤيدها ويتحالف معها، فالكل يرى الأشياء من المكان الذي هو فيه وليس من الزاوية التي يجب ينظر منها.

الاتجاه المعاكس

فيصل القاسم في اللقاء لم يكن كما عهدناه سابقاً في الاتجاه المعاكس كان أبعد ما يكون عن المشاحنات أو المصطلحات السياسية بل إنه كان واضحاً أكثر مما يجب _في تصوري_ كيف كانت حياته الشخصية ولكن لربما الشهرة التي وصل لها ستجعل من الانتقاد الذي قد يوجه من البعض أخف حدة.
إن مما يلفت الانتباه هو السؤال الذي طرحه فيصل القاسم على معمر القذافي بحكم أنه عربي ومسلم عندما سأله عن رأيه ببن لادن فهمس أحد ما في أذنه راجياً له تغيير السؤال لأن من يعرف القذافي في خطاباته السياسية سابقاً يدرك تماماً أنه قد يقول نعم أنا مع بن لادن وعلى استعداد لدعمه ومثل هذه الكلمة قد تسحب ليبيا حينها إلى غزو أو حرب لم تكن لتنتهي مثلما نحب كشعب عربي.
كان القاسم حذراً في انتقاء الكلمات عندما كان يذكر بعض الأسماء ممن علموه أو التقى معهم من سياسيين، كان يقول رحمه الله، ولكنه عندما ذكر اسم عبد حمود مدير مكتب صدام حسين السابق لم يستخدم هذه الكلمة، مع أن شعيب سأله إن كان يحب صدام أم لا فأجابه أنه تعاطف مع شعب العراق الذي فرض عليه حصار حتى أن أقلام الرصاص منعت من الدخول إلى العراق حينها. كنت أظن أن القاسم سوف يقول رحمه الله لكنه لربما لم يستخدمها احتراماً لشعيب مقدم البرنامج ولشعب الكويت أو أنه بالفعل لا يذكر تلك الكلمة عادةً عندما يذكر صدام حسين.

عازف الناي

فيصل القاسم عازف الناي عندما كان صغيراً والذي كان الناس يرقصون على أنغامه أصبح اليوم يُرقص السياسيين على كلماته، ومع كل هذه القوة في التفكير والتعبير يكمل حديثه موضحاً أن من المستحيل أن تجد إعلاماً حراً ديمقراطياً، وهذا لربما واضح اليوم بسبب ما يحدث في غزة والعقوبات التي تفرض في دول الغرب على الأشخاص الذين يهاجمون إسرائيل في الإعلام، فالجميع في خدمة مصالحه في نهاية المطاف، وليس في خدمة القضية الحرة مهما تكن كبيرة أو صغيرة.
عندما أنهى القاسم اللقاء قال إنه الآن يدرس الفيزياء وكنت آمل مثل الكثيرين غيري أن يقول إنه بصدد تأليف كتاب يتحدث فيه عن كفاحه الذي امتد لسنوات طويلة حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم فالشخص مثل الدكتور فيصل القاسم يحمل في جعبته الكثير والكثير من الدروس وكشف الكذب من قبل السياسيين يجب أن توثق لأن مثل هذه الدروس من الصعب الحصول عليها دون تدوينها.
ثلاث ساعات مرت سريعاً وكأنها بضع دقائق، أسلوب لطيف وجذاب ولقاء مليء بالمفاجآت، والتي إن لم يذكرها الدكتور فيصل بنفسه لظن الكثير أنها ما هي إلا محض كذب عليه.
وعندما ختم شعيب مقدم اللقاء قال إنه سوف يستضيف القاسم مرة أخرى للحديث حول الفيزياء، وما زلت أنتظر مثل هذا اللقاء مرة أخرى كي نتعلم أشياء جديدة.

 كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية